متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
1 - بيعة الحسن بن علي
الكتاب : معالم الفتن ج2    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

1 - بيعة الحسن بن علي:

كان الحسن بن علي علامة بارزة في طريق الدعوة إلى الله. فإذا كان علي بن أبي طالب حجة على عصر فيه أكابر الصحابة، فإن الحسن حجة على جيله أو إن شئت فقل حجة على مقدمة جيل التابعين، أو قل حجة على الساحة الإسلامية من بعد والده عليه السلام. ويكفي لكي ندلل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم للحسن والحسين " من أحبهما فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني " (1)، وقوله: " هذان ابناي وابنا ابنتي، اللهم أحبهما فأحبهما وأحب من يحبهما " (2)، يكفي أنهما من أصحاب الكساء، ولقد قال النبي لأصحاب الكساء " أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم " (3)، وعلاوة على هذا وذاك

____________

(1) رواه أبو يعلى وقال البوصيري رواته ثقات (كنز العمال 159 / 13).

(2) رواه ابن ماجة وقال البوصيري صحيح ورجاله ثقات. ورواه الإمام أحمد والبزار (الفتح الرباني 1406 / 3)، (الزوائد 179 / 9)، (سنن ابن ماجة 1 / 51) ورواه الحاكم وصححه (المستدرك 166 / 3).

(3) رواه الترمذي وحسنه (الجامع 656 / 5).

الصفحة 168
فلقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " جاءني جبريل أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة " (1).

فهذه المناقب لم توضع إلا لحكمة ومن وراء هذه الحكمة هدف. والحسن خاض المعارك مع والده، وكان يعلم جيدا ما الذي عليه أهل الشام، وكان يعلم أن معاوية سيملك ما تحت قدمه. هكذا سمع من النبي صلى الله عليه وسلم ومن علي بن أبي طالب عليه السلام. وعلى الرغم من أنه كان يعلم أن نهايته في مربع الشهادة، وأنه سيقتل ويكون سيدا في الجنة بهذه الشهادة. إلا أنه أخذ بالأسباب لإقامة الحجة حتى لا يكون للناس على الله حجة.

والبداية كانت بعد وفاة أمير المؤمنين. روى الطبراني أن الحسن بن علي خطب الناس، فحمد الله وأثنى عليه، وذكر أمير المؤمنين عليا خاتم الأوصياء، ووصى النبي وأمين الصديقين والشهداء... ثم قال: أيها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني، فأنا الحسن بن محمد صلى الله عليه وسلم. أنا ابن البشير، أنا ابن النذير، أنا ابن الداعي إلى الله عز وجل بإذنه، وأنا ابن السراج المنير، وأنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.

والذين افترض الله مودتهم في كتابه إذ يقول: " ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا " (2)، فاقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت " (3).

فلما انتهى إلى هذا الموضع من الخطة، قام عبد الله بن عباس بين يديه، فدعا الناس إلى بيعته (4)، وقام رجل فقال: أشهد لقد رأيت رسول الله صلى الله

____________

(1) رواه الترمذي وابن ماجة وأحمد والطبراني والحاكم - وتم تخريجه من قبل.

(2) هذا الحديث عده السيوطي من المتواترات (تحفة الأحواذي 272 / 3) ورواه البخاري والضياء (كنز العمال 120 / 12) والترمذي وأحمد والحاكم وابن حبان وأبو يعلى وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح (الزوائد 201 / 9)، (الجامع الترمذي 656 / 5)، (كنز العمال 112 / 12).

(3) سورة الشورى: الآية 23.

(4) قال الهيثمي رواه الطبراني في الأوسط وفي الكبير باختصار وأبو يعلى والبزار وأحمد وإسناد أحمد وبعض طرق البزار والطبراني في الكبير حسان (الزوائد 146 / 9) ورواه =

الصفحة 169
عليه وآله وسلم واضعه في حبوته ويقول: " من أحبني فليحبه، فليبلغ الشاهد الغائب " (1)، ولولا كرامة رسول الله ما حدثت به أبدا (2). وعندما قام الناس ليبايعوه، قال: أبايعكم على أن تسمعوا وتطيعوا وتسالمون من سالمت وتحاربون من حاربت " (3)، فاستجابوا وقالوا: ما أحبه إلينا وأحقه بالخلافة (4).

وروي أن الحسن رضي الله عنه كتب إلى معاوية يدعوه إلى الطاعة والجماعة وقال له: "... ولقد كنا تعجبنا لتوثب المتوثبين علينا في حقنا وسلطان نبينا، وإن كانوا ذوي فضيلة وسابقة في الإسلام، وأمسكنا عن منازعتهم مخافة على الدين أن يجد المنافقون والأحزاب (5)، في ذلك مغمزا يثلمونه به، أو يكون لهم بذلك سبب إلى ما أرادوا من إفساده. فاليوم فليتعجب المتعجب من توثبك يا معاوية على أمر لست من أهله ولا بفضل في الدين معروف، ولا أثر في الإسلام محمود. وأنت ابن حزب من الأحزاب، وابن أعدى قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولكتاب الله والله حسيبك، فسترد فتعلم لمن عقبى الدار. وبالله لتلقين عن قليل ربك، ثم ليجزينك بما قدمت يداك، وما الله بظلام للعبيد. إن عليا لما مضى لسبيله - رحمة الله عليه يوم قبض، ويوم من الله عليه بالإسلام، ويوم يبعث حيا - ولاني المسلمون الأمر بعده فأسأل الله أن يؤتينا في الدنيا الزائلة شيئا ينقصنا به في الآخرة مما عنده من كرامة، ولك في ذلك إن فعلته الحظ الجسيم، والصلاح للمسلمين، فدع التمادي في الباطل، وأدخل فيما دخل فيه الناس من بيعتي، فإنك تعلم أني أحق بهذا الأمر منك عند الله وعند كل

____________

= الحاكم (المستدرك 143 / 3. 172 / 4)، ورواه الطبري في تاريخ الأمم 95 / 6، وابن أبي الحديد 696 / 4.

(1) رواه أحمد وابن أبي شيبة وابن مندة والحاكم (كنز العمال 651 / 13)، (المستدرك 174 / 3).

(2) رواية أخرى للحاكم بها هذه الزيادة (المستدرك 174 / 3).

(3) الحاكم (المستدرك 173 / 3) الطبري 93 / 6.

(4) ابن أبي الحديد 697 / 4.

(5) الأحزاب هم الذين تحزبوا وتظاهروا على قتال النبي صلى الله عليه وآله وسلم من قريش وغطفان وبني مرة وبني أشجع وبني سليم وبني أسد في غزوة الخندق.

الصفحة 170
أواب حفيظ، ومن له قلب منيب. واتق الله ودع البغي، واحقن دماء المسلمين، فوالله ما لك خيرا في أن تلقى الله من دمائهم بأكثر مما أنت لاقيه فيه. وادخل في السلم والطاعة، ولا تنازع الأمر أهله ومن هو أحق به منك ليطفئ الله النائرة (1) بذلك، ويجمع الكلمة، ويصلح ذات البين. وإن أنت أبيت إلا التمادي في غيك سرت إليك بالمسلمين فحاكمتك حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين ". وأرسل الحسن هذه الرسالة مع حرب بن عبد الله الأزدي (2).

فكتب معاوية إليه ومما جاء في رسالته... ذكرت وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وتنازع الأمر بعده، وتغلبهم على أبيك، فصرحت بتهمة أبي بكر وعمر الفاروق، وأبي عبيدة الأمين حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلحاء المهاجرين والأنصار. فكرهت ذلك لك. إنك امرؤ عندنا وعند الناس غير الظنين، ولا المسئ، ولا اللئيم وأنا أحب لك القول السديد، والذكر الجميل. إن هذه الأمة لما اختلفت بعد نبيها لم تجهل فضلكم ولا سابقتكم ولا قرابتكم من نبيكم، ولا مكانكم في الإسلام وأهله. فرأت الأمة أن تخرج من هذا الأمر لقريش لمكانها من نبيها، ورأى صلحاء الناس من قريش والأنصار وغيرهم من سائر الناس وعوامهم أن يولوا هذا الأمر من قريش أقدمها إسلاما، وأعلمها بالله وأحبها له وأقواها على أمر الله، فاختاروا أبا بكر، وكان ذلك رأي ذوي الدين والفضل والناظرين للأمة. فأوقع ذلك في صدوركم لهم التهمة، ولم يكونوا متهمين، ولا فيما أتوا بالمخطئين ولو رأى المسلمون أن فيكم من يغني غناءه ويقوم مقامه، ويذب عن حريم الإسلام ذبه، ما عدلوا بالأمر إلى غيره رغبة عنه، ولكنهم عملوا في ذلك بما رأوه صلاحا للإسلام وأهله، والله يجزيهم عن الإسلام وأهله خيرا. وقد فهمت الذي دعوتني إليه من الصلح، والحال فيما بيني وبينك اليوم، مثل الحال التي كنتم عليها أنتم وأبو بكر بعد وفاة النبي

____________

(1) للنائرة / العداوة والشحناء.

(2) ابن أبي الحديد 698 / 4.

الصفحة 171
صلى الله عليه وسلم فلو علمت أنك أضبط مني للرعية، وأحوط على هذه الأمة. وأحسن سياسة، وأقوى على جمع الأموال، وأكيد للعدو لأجبتك إلى ما دعوتني إليه، ورأيتك لذلك أهلا، ولكن قد علمت أني أطول منك ولاية، وأقدم منك بهذه الأمة تجربة، وأكبر منك سنا، فأنت أحق أن تجيبني إلى هذه المنزلة التي سألتني، فادخل في طاعتي، ولك الأمر من بعدي... ".

قال جندب: فلما أتيت الحسن بكتاب معاوية قلت له: إن الرجل سائر إليك، فابدأه بالمسير حتى تقاتله في أرضه وبلاده وعماله. فإما أن تقدر أنه ينقاد لك، فلا والله حتى يرى منا أعظم من يوم صفين (1).

وفي رسالة معاوية نرى أن القوم بعد الرسول صلى الله عليه وسلم عملوا في الخلافة بما رأوه صلاحا للإسلام وأهله، ونرى أن معاوية في زمن الحسن يحسبها بالأقدمية، فهو الأطول ولاية والأقوى على جميع الأموال. ولا ندري لماذا لم يضع عنوان الأطول إسلاما أمام عينيه وهو يقاتل عليا؟ ولماذا رفع عنوان الأقدمية هنا بينما كان هناك يرفع قميص عثمان؟ إن معاوية وإعلامه يبدلون أعلامهم وفقا لمتطلبات كل ساحة. ويدخرون لكل زمان خدعة.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net