متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
3 - الغدر
الكتاب : معالم الفتن ج2    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

3 - الغدر:

قبل دخول معاوية الكوفة ظهر الغدر... روي أنه نزل النخيلة، وجمع الناس بها فخطبهم وقال: ألا إن كل شئ أعطيته الحسن بن علي تحت قدمي هاتين لا أفي به. قال أبو إسحاق: وكان والله غادرا (5) فمعاوية لم يدخل الكوفة عنوة، ولم يملك ما حولها قسرة، ولكن دخل بعهود ومواثيق. وما كان لمعاوية أن يلغي ما عاهد عليه إلا بعد أن تأكد أن المبايعة أصبحت في عنق كثير من العامة. وبعد أن تأكد أن الموقف العسكري في صالحه. وفوق كل هذا فهو ألغى شروط الحسن لا شروط العامة، وكان يعلم أن الحسن لو وقف أمام الناس يدعوهم للقتال من أجل أن يوفي معاوية بالشروط، فإن العامة ستفترق عن الحسن مع أول كيس من الذهب يلقيه معاوية على رؤوسهم. وروي أن الحسن عندما التقى بمعاوية وسأله أن يعطيه الشروط التي شرط في السجل الذي ختم

____________

(1) الطبري 92 / 6.

(2) ابن أبي الحديد 707 / 4.

(3) سورة الأنبياء: الآية 111.

(4) ابن أبي الحديد 707 / 4.

(5) المصدر السابق 706 / 4.

الصفحة 178
معاوية أسفله، لم يعط معاوية أي اهتمام لما تعاهد عليه وأبى أن ينفذ للحسن من الشروط شيئا (1).

ولم تكن هذه المفاجأة الوحيدة قبل دخول الكوفة، فلقد روي عن سعيد بن سويد. قال: صلى بنا معاوية بالنخيلة الجمعة ثم خطبنا فقال: والله إني ما قاتلتكم لتصلوا، ولا لتصوموا، ولا لتحجوا، ولا لتزكوا، إنكم لتفعلون ذلك. وإنما قاتلتكم لأتأمر عليكم. وقد أعطاني الله ذلك وأنتم كارهون (2).

وكان عبد الرحمن بن شريك إذا حدث بذلك يقول: هذا والله هو التهتك (3). ثم سار موكب معاوية ولم يعترض معترض على أي بيان أذاعه، وتوجه نحو الكوفة. وعن حبيب بن أبي ثابت قال: خطب معاوية بالكوفة حين دخلها، فذكر عليا عليه السلام فنال منه ومن الحسن. فقام الحسن وقال: أيها الذاكر عليا، أنا الحسن وأبي علي، وأنت معاوية وأبوك صخر، وأمي فاطمة وأمك هند، وجدي رسول الله وجدك عتبة بن ربيعة، وجدتي خديجة، وجدتك قتيلة، فلعن الله أخملنا ذكرا، وألأمنا حسبا، وشرنا قديما وحديثا، وأقدمنا كفرا ونفاقا.

فقالت طوائف من أهل المسجد: آمين (4). قال الفضل: قال يحيى بن معين: وأنا أقول: آمين. وقال أبو الفرج: قال أبو عبيد: قال الفضل: وأنا أقول: " آمين " ويقول علي بن الحسين الأصفهاني: آمين. وقال عبد الحميد بن أبي الحديد: آمين. قلت: ويقول سعيد أيوب مصنف هذا الكتاب: آمين.

وقال ابن عبد ربه: قعد معاوية بالكوفة يبايع الناس على البراءة من علي بن أبي طالب (5). فأين الشروط؟ أين الوفاء بالوعد؟ أين الأمانة؟ وهل كل من

____________

(1) الطبري 95 / 6.

(2) ابن أبي الحديد 706 / 4، البداية والنهاية 90 / 5.

(3) ابن أبي الحديد 706 / 4.

(4) ابن أبي الحديد 706 / 4.

(5) العقد الفريد 70 / 1.

الصفحة 179
خاصم فجر؟ وتوجد رواية في البخاري يستشف منها أصحاب العقول والأفهام أفول معاوية في الكوفة، فعن مسروق قال: دخلنا على عبد الله بن عمرو حين قدم معاوية إلى الكوفة، فذكر عبد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لم يكن فاحشا ولا متفحشا. وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " إن من أخيركم أحسنكم خلقا "، ترى، ما الذي دعى عبد الله أن يقول ذلك؟ وهل لهذا القول علاقة بالإعلام الأموي وقتئذ؟

وروي أن الحسن رضي الله عنه خرج إلى مسجد الكوفة فقال: يا أهل الكوفة اتقوا الله في جيرانكم وضيفانكم، وفي أهل البيت نبيكم صلى الله عليه وسلم الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا (1).

وروى المدائني أن أصحاب الحسن اجتمعوا عنده، فقال المسيب بن نجية للحسن رضي الله عنه: ما ينقضي عجبي منك أعطاك معاوية أمرا فيما بينك وبينه، ثم قال: ما قد سمعت، والله ما أراد بها غيرك. قال الحسن: فما تري؟

قال: أرى أن ترجع إلى ما كنت عليه، فقد نقض ما كان بينه وبينك. فقال: يا مسيب. إني لو أردت بما فعلت الدنيا لم يكن معاوية بأصبر عند اللقاء، ولا أثبت عند الحرب مني، ولكني أردت صلاحكم... فارضوا بقدر الله وقضائه، حتى يستريح بر، أو يستراح من فاجر (2).

وروي أن حجر بن عدي قال للحسن: لوددت أنك كنت من قبل هذا اليوم، ولم يكن ما كان. إنا رجعنا راغمين بما كرهنا، ورجعوا مسرورين بما أحبوا. فقال الحسن: يا حجر، ليس كل الناس يحب ما تحب ولا رأيه كرأيك وما فعلت ما فعلت إلا إبقاء عليك، والله كل يوم في شأن (3)، وروي أن سفيان بن أبي ليلى النهدي دخل عليه فقال: السلام عيك يا مذل المؤمنين. قال الحسن: اجلس يرحمك الله. إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رفع له ملك

____________

(1) الطبري 95 / 6.

(2) ابن أبي الحديد 686 / 4.

(3) الحديث روي بسند صحيح، رواه الحاكم والترمذي والبيهقي وقد خرجناه فيما سبق.

الصفحة 180
بني أمية، فنظر إليه يعلون منبره واحدا فواحدا فشق ذلك عليه (1). فأنزل الله في ذلك قرآنا قال له: (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن) (2)، وسمعت عليا أبي رحمه الله يقول سيلي أمر هذه الأمة رجل واسع البلعوم كبير البطن (3). فسألته: من هو؟ فقال: معاوية، وقال لي:

إن القرآن قد نطق بملك بني أمية ومدتهم. قال تعالى: (ليلة القدر خير من ألف شهر) (4). قال أبي: هذه ملك بني أمية (5).

لقد أخذ الحسن رضي الله عنه بالأسباب، وليس معنى أن القرآن قد أخبر بأن أبا لهب لن يؤمن أن الدعوة لا تشمل أبا لهب، فكل حرف يسمعه وكل آية في نفسه وفي الكون حجة عليه. وكذلك أهل الشام ليس معنى أنهم سيجلسون على المقاعد الأولى في الدنيا، أن الدعوة لا تتوجه إليهم لتخبرهم بأحوال الدنيا وأخبار الآخرة. ولله في عباده شؤون. وخرج الحسن رضي الله عنه من الكوفة فلما صار بدير هند نظر إلى الكوفة وقال:

ولا عن قلي فارقت دار معاشري * هم المانعون خوزتي وذماري

ثم سار إلى المدينة (6) بعد أن أنقذ الكوفة من مجزرة كانت ستؤكل فيها كثير من الأكباد، وروي أنه قال في أهل العراق: " إنهم قوم لا يرجعون إلى الحق، ولا يقصرون عن باطل، أما إني لست أخشاهم على نفسي، ولكن أخشاهم على ذاك - وأشار إلى الحسين (7).

____________

(1) ابن أبي الحديد 686 / 4.

(2) سورة الإسراء: الآية 60.

(3) الحديث رواه غير واحد منهم نعيم بن حماد عن الحسن (كنز العمال 349 / 11).

والديلمي (الخصائص الكبرى 199 / 2).

(4) الحديث روي بسند صحيح كل من الحاكم والترمذي والبيهقي وابن جرير وغيرهم. وقد خرجناه فيما مضى.

(5) ابن أبي الحديد 686 / 4.

(6) ابن أبي الحديد 687 / 4.

(7) رواه الطبراني ورجاله ثقات (الزوائد 244 / 6).

الصفحة 181


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net