متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
أولا - وجاء وفد أغيلمة قريش
الكتاب : معالم الفتن ج2    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

4 - مقتل أبي عبد الله الحسين:

أولا - وجاء وفد أغيلمة قريش:

عندما قتلت الدولة حجر ورفاقه في عام 51 ه‍ تحت شعار حفظ الأمن الداخلي، كان الجهاز السري لنظام حكم بني أمية يدبر الخطط لاغتيال بعض الشخصيات الذين لا يمكن قتلهم على طريقة حجر وغيره، وذلك لإفساح المجال أمام النظام الوراثي الذي عزم عليه معاوية. ولقد ظهرت رغبة معاوية في تنصيب ابنه يزيد خليفة على المسلمين عندما قدم له المغيرة بن شعبة مفتاح هذا الأمر. روي أن المغيرة خشي أن يستغني عنه معاوية بعد أن كبر سنه ورق

____________

(1) قال السيوطي أخرجه الطبراني والبيهقي (الخصائص الكبرى 254 / 2) وأخرجه الحسن بن سفيان في مسنده وقال ابن حجر رجاله ثقات (الإصابة 250 / 5).

الصفحة 232
عظمه. فأتى معاوية وقال له: يا أمير المؤمنين إن الأنفس ليغدى عليها ويراح، ولست في زمن أبي بكر ولا عمر، فلو نصبت لنا علما بعدك نصير إليه، فإني قد كنت دعوت أهل العراق إلى بيعة يزيد. فقال له معاوية: يا أبا محمد انصرف إلى عملك ورم هذا الأمر لابن أخيك (1).

وهكذا من أجل أن يضمن المغيرة إفناء عمره في ولاية الكوفة، فتح على أمة محمد صلى الله عليه وسلم بابا يأت بخير، حتى أن المغيرة نفسه قال لاتباعه عقب خروجه من عند معاوية: والله لقد وضعت رجله في ركاب طويل ألقي عليه أمة محمد (2).

وروي أن معاوية بعد لقائه مع المغيرة خطب أهل الشام فقال: يا أهل الشام. كبرت سني، وقرب أجلي، وقد أردت أن أعقد لرجل يكون نظاما لكم، وإنما أنا رجل منكم (3). لقد أراد معاوية من هذا البيان أن يدخل إليهم بلافتة الشورى، ويترك الأمر إليهم في اختيارهم، ثم يتصرف مع هذا الاختيار حسب ما يحب. وروي أن أهل الشام أجمعوا واتفقوا على عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، فشق ذلك على معاوية وأسرها في نفسه (4)، وروى أن عبد الرحمن بن خالد كان مريضا، فدخل عليه ابن أثال النصراني فسقاه سما (5)، وروى الطبري وغيره: أمر معاوية ابن أثال أن يحتال في قتله، وضمن له أن هو فعل ذلك أن يضع عنه خراجه ما عاش، وأن يوليه جباية خراج حمص، فلما قدم عبد الرحمن بن خالد حمص، دس إليه ابن أثال شربة مسمومة، فشربها فمات، وولاه معاوية خراج حمص، ووضع عنه خراجه (6). وكان ذلك عام 46 ه‍ أي بعد صلحه مع الحسن بخمس سنين تقريبا.

____________

(1) العقد الفريد 98 / 1، الطبري 169 / 6، البداية والنهاية 79 / 8.

(2) العقد الفريد 98 / 1.

(3) أسد الغابة 440 / 3.

(4) أسد الغابة 440 / 3.

(5) أسد الغابة 440 / 3.

(6) الطبري 128 / 6.

الصفحة 233
ومعاوية كان قد تصالح مع الحسن رضي الله عنه بشروط، ولكنه مزق صحيفة الشروط بعد أن علم أن الموقف العسكري في صالحه، ونظرا لأن تركيبته النفسية لا تقوى على الوفاء بالشروط. وكان من ضمن هذه الشروط رأي يكون للحسن الأمر من بعده، وكان الحسن يريد من وراء هذا أن تتذوق الأمة نظام معاوية الذي لن يكون بحال نظاما يحمل روح الإسلام وأسمى معانيه. فيكون هذا دعوة للفظه جماهيريا، أو دعوة للالتفات حول الحسن فيما بعد. وهذا كله من باب الأخذ بالأسباب، وفقا لحركة الدعوة وحركة الناس.

ولم يكن معاوية يفكر بعيدا عن هذا التصور الذي يسير عليه الحسن، لذا بادر من أجل تصفية الحسن عليه السلام. روي أن جعدة بنت الأشعث بن قيس امرأة الحسن سقته السم، وقد كان معاوية دس إليها: إنك إن احتلت في قتل الحسن، وجهت إليك بمائة ألف درهم، وزوجتك من يزيد، فكان ذلك الذي بعثها على سمه. فلما مات، وفى لها معاوية بالمال، وأرسل إليها: إنا نحب حباة (1) يزيد، ولولا ذلك لوفينا لك بتزويجه (2).

وروي أن الحسن رضي الله عنه قام فدخل المخرج ثم خرج فقال: لقد لفظت طائفة من كبدي، أقلبها بهذا العود، ولقد سقيت السم مرارا، وما سقيت مرة هي أشر من هذه. ثم قال لرجل دخل عليه: سلني قبل أن لا تسألني فقال:

ما أسألك شيئا يعافيك الله (3). وروي أن الطبيب قال عندما جاؤوا به: هذا رجل قطع السم أمعاءه (4).

وروى أبو الفرج الأصفهاني: أن الحسن أرسل إلى عائشة أن تأذن له أن يدفن مع النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: نعم. فلما سمعت بنو أمية بذلك استلاموا في السلاح. وتنادوا هم وبنو هاشم في القتال. فبلغ ذلك

____________

(1) حباة / من حبابي بمعنى نصر ومال واختفى.

(2) مروج الذهب 476 / 2، الحاكم (المستدرك 176 / 3)، ابن أبي الحديد 708 / 4.

(3) البداية والنهاية 42 / 8، الحاكم (المستدرك 176 / 3)، ابن أبي الحديد 708 / 4.

(4) البداية 43 / 8.

الصفحة 234
الحسن. فأرسل إلى بني هاشم، أما إذا كان هذا فلا حاجة لي فيه، ادفنوني إلى جنب أمي. ودفن إلى جنب فاطمة عليها السلام (1).

لقد كان الجهاز السري يعمل بكل قواه من أجل إفساح الطريق لعهود تتربع فيه الأغيلمة السفهاء الذين حذر منهم النبي صلى الله عليه وسلم. حتى سعد بن أبي وقاص لم ينج من ضربات هذا الجهاز، فروي أن معاوية حين أراد أن يعهد إلى يزيد دس لسعد السم فمات (2). وبعد أن فرغت الساحة من الذين يخشى معاوية أن يقتلهم على مسمع ومرأى من قريش، ولم يتبق إلا نفر يمكن أن يقوم العسكر بتصفيتهم، بدأ معاوية يبايع لابنه يزيد. وروي أن سعيد بن عثمان بن عفان عندما سمع بمبايعة معاوية لابنه قال لمعاوية: لقد اصطنعك أبي ورفاك حتى بلغت باصطناعه المدى الذي لا يجاري إليه ولا يسامي، فما شكرت بلاءه، ولا جازيته بآلائه، وقدمت علي هذا - يعني يزيد - وبايعت له، ووالله لأنا خير منه أبا وأما. فقال معاوية: أما بلاء أبيك فقد يحق علي الجزاء به، وقد كان من شكري لذلك أني طلبت بدمه، حتى تكشفت الأمور، ولست بلائم نفسي في التشمير. وأما فضل أبيك على أبيه، فأبوك والله خير مني، وأقرب برسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما فضل أمك على أمه، فما ينكر امرأة من قريش خير من امرأة من كلب. وأما فضلك عليه فوالله ما أحب أن الغوطة دحست ليزيد رجالا مثلك. فقال له يزيد وكان حاضر المجلس: يا أمير المؤمنين ابن عمك!

وأنت أحق من نظر في أمره، وقد عتب عليك لي فأعتبه، فعندئذ ولاه معاوية حرب خرسان (3). وروي أن عمرو بن حزم وفد على معاوية وقال له: أذكرك الله في أمة محمد بمن تستخلف عليها. فقال: نصحت وقلت برأيك، وإنه لم يبق إلا ابني وأبناؤهم، وابني أحق (4).

____________

(1) ابن أبي الحديد 708 / 4.

(2) مقاتل الطالبين 60 / 1.

(3) الطبري 171 / 6، البداية والنهاية 80 / 8.

(4) تاريخ الخلفاء 192 / 1.

الصفحة 235
ومن الطريف أن يقول ابن كثير في هذه الكارثة: لما مات الحسن، قوي أمر يزيد عن معاوية، ورأى أنه لذلك أهلا، وذلك من شدة محبة الوالد لولده.

ولما كان يتوسم فيه من النجابة الدنيوية، وسيما أولاد الملوك ومعرفته بالحروب، وترتيب الملك، والقيام بأبهته (1).. وروى ابن كثير أن معاوية قال:

إني خفت أن أذر الرعية من بعدي كالغنم المطيرة ليس لها راع. ونحن نعجب:

أخاف معاوية على الرعية من بعده فنصب لهم يزيد، ولم يخف النبي صلى الله عليه وسلم على أمته فلم ينصب لهم أحدا؟! أكان معاوية حريصا على الإسلام فأتى بأولاد الملوك للقيام بأبهة الحكم، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم حريصا عليه ولذلك لم يأت بأصحاب الطهر والعفاف؟! لا والله. لقد كان النبي يخاف على أمته، وكان حريصا على استمرار الدعوة.

وروي أن معاوية وهو يعد المسرح لابنه أمر بإحضار رؤوس القبائل، وعندما حضروا قام رجل من الأزد فأشار إلى معاوية وقال: أنت أمير المؤمنين، فإذا مت فأمير المؤمنين يزيد، فمن أبى هذا فهذا. وأخذ بقائم سيفه فسله. فقال له معاوية: اقعد فأنت من أخطب الناس (2). وفي سنة ست وخمسين هجرية دعا معاوية الناس إلى بيعة ابنه يزيد من بعده وجعله ولي العهد (3). وروى ابن كثير أن معاوية قال ليزيد: كيف تراك فاعلا إن وليت. قال: كنت والله يا أبه عاملا فيهم عمل عمر بن الخطاب. فقال معاوية: سبحان الله يا بني، والله لقد جهدت على سيرة عثمان، فما أطقتها فكيف بك وسيرة عمر (4). وقال ابن كثير وهو يصف يزيد: كان فيه خصال محمودة في الكرم والحلم والفصاحة والشعر والشجاعة وحسن الرأي في الملك، وكان فيه أيضا إقبال على الشهوات، وترك بعض الصلوات في بعض الأوقات، وإماتتها في غالب

____________

(1) البداية والنهاية 80 / 8.

(2) البداية والنهاية 80 / 8.

(3) مروج الذهب 37 / 3.

(4) الطبري 168 / 6.

الصفحة 236
الأوقات (1). ولقد وصفه غير واحد وسيأتي في موضعه:


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net