متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
ثالثا - النبي صلى الله عليه وسلم يبكي
الكتاب : معالم الفتن ج2    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

ثالثا - النبي صلى الله عليه وسلم يبكي:

كان النبي صلى الله عليه وسلم يرى الرؤيا في منامه، فإذا استيقظ حدث الناس بحقيقة جاءت في صورة رؤيا. وكان الله تعالى في أحيان أخرى يريه بعينه رؤية فيراها رأي العين، أي يقع بصره عليها من دون خلق الله، فيحدث بها على أنها حقيقة. فكان عليه الصلاة والسلام يجلس في المسجد وأمامه الناس.

فيقول: " من أحب أن يسأل عن شئ فليسأل عنه، فوالله لا تسألون عن شئ إلا أخبرتكم به ما دمت في مقامي هذا، والذي نفسي بيده لقد عرضت علي الجنة والنار آنفا في عرض هذا الحائط وأنا أصلي... " (3)، وروي أن أحد أصحابه قال له: " أين مدخلي يا رسول الله. قال: النار (4). وروي أنه خطب فقال: أيها الناس إن فيكم منافقين، فمن سميت فليقم، قم يا فلان، قم يا فلان، حتى عد، ستا وثلاثين " (5).

فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يرى فردا ما أمامه، ثم يرى حركة هذا الفرد في التاريخ، ثم يرى مدخل هذا الفرد هل في الجنة أم في النار. ووفقا لهذا كان يخبر عن بني أمية ويقول: " أريت في منامي بني الحكم " (6)، " رأيت

____________

(1) رواه نعيم ابن حماد والحاكم (كنز العمال 169 / 11).

(2) رواه الطبراني وقال الهيثمي إسناده حسن (الزوائد 186 / 9).

(3) رواه أحمد والشيخان (كنز العمال 421 / 11).

(4) البخاري ك الاعتصام (الصحيح 259 / 4).

(5) رواه البيهقي بسند صحيح (الخصائص الكبرى 174 / 2).

(6) رواه الحاكم والبيهقي وابن عساكر وأبو يعلى ويعقوب بن سفيان (كنز العمال 117،

الصفحة 243
بني أمية.. " (1)، ويخبر عن أحداث أخرى فيقول: " إني أرى مواقع الفتن خلال بيوتكم " (2)، " رأيت الدجال أعور العين اليمنى... " (3). ويخبر عن أحداث أخرى فيقول: " ليدخلن عليكم رجل لعين " (4). إلى غير ذلك من أحاديث الإخبار بالغيب. وكلما تكرر الحدث أكثر من مرة، كان أمره عظيما.

كحديث الكساء نزلت آيته في بيت أم سلمة، ثم تكرر دعاء الرسول لأهل الكساء في أكثر من موضع فسمعت به عائشة، وواثلة، وعمر بن أبي سلمة، وشداد بن أبي عمار، وزينب بنت أبي سلمة، وإسماعيل بن عبد الله. وكذلك مروره صلى الله عليه وسلم على بيت فاطمة ستة أشهر، وفي رواية سبعة أشهر، ونداؤه الصلاة يا أهل البيت، وأيضا حديث من كنت مولاه فعلي مولاه، سمعته جموع غفيرة ورواه غير واحد. وأيضا حديث الارتداد. وذلك عندما يقول النبي:

" يا رب أصحابي فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك "، فلقد تكرر في أكثر من موضع، ورواه أكثر من واحد. وهكذا فالأمور العظيمة والأحداث المصيرية تتكرر مشاهدتها أكثر من مرة ويخبر عنها الرسول في أكثر من موضع ويرويها أكثر من واحد.

وأحداث أبو عبد الله الحسين عليه السلام من هذا النوع، فلقد نزل بها جبريل عليه السلام، ونزل بها ملك لم يكن ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم من قبل، ونزل بها ملك المطر. وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأحداثها: علي وعائشة وأبو بكر وعمر وأم سلمة وابن عباس وغيرهم، ووصف المكان الذي سيدور فيه القتال وسماه، بل وأحضر له جبريل من تربتها... حتى

____________

= 358 / 11)، (الزوائد 244 / 5).

(1) رواه الحاكم وأقره الذهبي (المستدرك 171 / 3) والترمذي وابن جرير والبيهقي (البداية والنهاية 243 / 6).

(2) مسلم (الصحيح 7 / 18) ك الفتن.

(3) مسلم (الصحيح 60 / 18) ك الفتن.

(4) رواه أحمد والبزار إلا أنه قال دخل الحكم بن أبي العاص والطبراني في الأوسط (الزوائد 241 / 5).

الصفحة 244
أن الطبري وغيره رووا: إن أهل ذلك الزمان يقولون ذلك الأمر وينتظرونه في كل يوم وليلة (1). وروى الحاكم عن ابن عباس قال: ما كنا نشك، وأهل البيت متوافرون، أن الحسين يقتل بالطف (2)، وذكر ابن كثير عن عمرة بنت عبد الرحمن أنها قالت: أشهد لقد سمعت عائشة تقول: إنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يقتل الحسين بأرض بابل (3).

وروي عن علي أنه قال: ليقتلن الحسين قتلا، وإني لأعرف تربة الأرض التي بها يقتل. قريبا من النهرين (4). وروي أنه مر أيام صفين بكربلاء فنادى:

اصبر أبا عبد الله، اصبر أبا عبد الله بشط الفرات... " (5)، ثم أخبر بقتل الحسين. وروي أنه جاء على الموضع الذي سيقتل فيه الحسين وقال: ههنا مناخ ركابهم، وموضع رحالهم، ومهراق دمائهم، فتية من آل محمد يقتلون بهذه العرصة، تبكي عليهم السماء والأرض " (6)، وفي رواية قال: ها هنا، هاهنا، ثقل لآل محمد ينزل ها هنا فويل لهم منكم، وويل لكم منهم، فقال له رجل: ما معنى هذا الكلام يا أمير المؤمنين؟ قال: ويل لهم منكم تقتلونهم، وويل لكم منهم يدخلكم الله بقتلهم النار " (7)، والحسين كان يعرف كل ما يتعلق بتحركاته، كان يعرف أن جند الباطل سيقطع رأسه، وأنهم سيسرقون متاعه بعد ذلك، بل والأكثر من ذلك أن أمير القتلة عمر بن سعد بن أبي وقاص، كان يعرف موقفه من الحسين قبل أن يتحرك الحسين، روي أن علي بن أبي طالب عليه السلام قال لعمر بن سعد: كيف أنت إذا قمت مقاما خير فيه بين الجنة والنار فتختار

____________

(1) الطبري 219 / 6.

(2) رواه الحاكم وقال السيوطي سنده صحيح (الخصائص الكبرى 213 / 2).

(3) البداية والنهاية 177 / 8.

(4) رواه ابن أبي شيبة (كنز العمال 673 / 13).

(5) رواه أحمد وأبو يعلى والبزار ورجاله ثقات (الزوائد 187 / 9)، (الفتح الرباني 175 / 23).

(6) رواه أبو نعيم (الخصائص الكبرى 214 / 2) ابن أبي الحديد 620 / 1.

(7) ابن أبي الحديد 620 / 1.

الصفحة 245
النار (1)؟ تماما كما أخبر القرآن بأن أبا لهب لن يؤمن، في الوقت الذي يدعو فيه القرآن الجميع إلى الإيمان، إن هناك أنماطا بشرية علم الله أن الرسول لو جاءهم بكل آية فسيكون لهم تفسيرهم الخاص. بل إن هناك أنماطا سيطلبون العودة إلى الدنيا يوم القيامة ليعملوا صالحا، والله يعلم أنهم لو عادوا فلن يفعلوا إلا ما كانوا يفعلون على الرغم من أنهم شاهدوا النار بأعينهم. يقول تعالى: " ولو ترى إذ وقفوا على النار، فقالوا: يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين * بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون) (2).

فهؤلاء منهم من عاصر الأنبياء ومنهم من أخذ بذيول الآباء، وعلى رؤوسهم جميعا حجة من الله، لأن الله تعالى لا يكذب أحدا، إلا بعد أن يقيم عليه الحجة، فإن أعرض عنها ولم يحدث نفسه بتوبة، كانت له عند ربه الأعلى عقوبة.

وبعد أن بينا أن الناس كانوا يعرفون حقيقة الأحداث قبل وقوعها، كي يأخذوا بالأسباب التي تجعلهم يحققون سعادة الدنيا والآخرة، ولا يدفعون الأحداث دفعا حتى يسفك الدم الحرام. نقدم الآن بعض الأحاديث التي رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم عن منزلة الحسن والحسين، ولقد قدمنا بعضا على امتداد هذا البحث. ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: " الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ". وهذا الحديث محفوظ ورواه ستة عشر صحابيا (3). وقول النبي صلى الله عليه وسلم: " هما ريحانتاي من الدنيا " (4)، وقوله: " من أحبهما فقد

____________

(1) رواه ابن عساكر (كنز العمال 674 / 13).

(2) سورة الأنعام: الآية 27 - 28.

(3) قال في نظم المتناثر في الحديث المتواتر نقل عن السيوطي أنه متواتر رواه ستة عشر صحابيا (نظم المتناثر 196 / 1).

(4) رواه البخاري (الصحيح 306 / 2) وأحمد والترمذي وابن عدي وابن عساكر والنسائي والبزار (كنز العمال 113، 114 / 12)، (الزوائد 181 / 9)، (البداية والنهاية 205 / 8).

الصفحة 246
أحبني " (1). فمنزلتهما في الجنة لا خلاف عليها، وموقعهما في الدنيا واضح، وروي أن ابن عباس كان يأخذ الركاب للحسن والحسين إذ ركبا ويرى هذا من النعم عليه (2).

وما ورد في أبي عبد الله كثير، ومنه عن أبي هريرة قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو حامل الحسين وهو يقول: " اللهم إني أحبه فأحبه " (3). وعن جابر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى الحسين بن علي (4) والأحداث الكبرى على امتداد الجيل الأول كان النبي صلى الله عليه وسلم يحدد فيها المثل الأعلى المرتفع، والمثل الأعلى المنخفض، ويبين أن طريق المثل الأعلى المرتفع غايته الله ومكانه في الجنة. أما المثل الأعلى المنخفض، فإن على طريقه تكون الفتن التي يغيب فيها العقل، وترقع فيه الحقائق، وتلتبس فيه الأمور، ولا ينجو إلا العالم بما يجري. وبداية طريق المثل الأعلى والمرتدع أن يتذكر الإنسان أنه سيموت وسيبعث وسيعرض على الله الملك الحق، وأن هذه الدنيا صغيرة، وهي دار للامتحان عند دائرة فيها نقص في الأنفس، ونقص في الثمرات، وشئ من الخوف، وشئ من الجوع. ودار للامتحان عند دائرة زينها الشيطان وزخرفها رغبة منه في الاغواء والاحتناك. وعلى امتداد طريق المثل الأعلى المرتفع، يواجه الإنسان المحن بزاد الصبر. أما طريق المثل الأعلى المنخفض، فدائما ما يشق خطاه في ساحات الزينة والافتخار بالأموال والأولاد.

وأصحابه يعز عليهم أن يغادروا الدنيا وليس لهم أعلام تأكل وتحلد وتسجن باسمهم. فطريق المثل الأعلى المنخفض هو نفسه الطريق الذي يتكالب فيه

____________

(1) رواه أحمد (البداية والنهاية 205 / 8).

(2) ابن كثير (البداية والنهاية 40 / 8).

(3) رواه الحاكم وقال الذهبي صحيح (المستدرك 177 / 3).

(4) رواه أبو يعلى ورجاله ثقات (الزوائد 187 / 9)، ورواه ابن كثير في البداية بلفظ: من أحب أن ينظر إلى سيد شباب أهل الجنة فلينظر إلى هذا، وقال تفرد به أحمد (البداية والنهاية 206 / 8).

الصفحة 247
أصحاب الأنياب على المستضعفين من أبناء هذه الأمة الجريحة ولقد كان أبو عبد الله الحسين علما من أعلام طريق المثل الأعلى المرتفع الذي غايته الله وحده. كان أبو عبد الله دعوة لرفض الظلم والاستكبار على عباد الله المساكين. فالسلطة الأموية تسير بالقافلة نحو طريق لا يورث الأمة إلا الذل والعار. ألم يقتل حجر بن عدي ويدعي معاوية زياد وتسير الصلاة في طريق الضياع؟ ألم تنفق أموال المسلمين على تدبير المؤامرات وقتل من ترى الدولة أنهم معارضين لسياستها؟ ألم تتخذ الدولة بطانة لها من النصارى وعلى رأسهم سرجون الرومي موضع سر معاوية؟ ثم ألم يكن هذا كله مقدمة أو خطوة داخل مربع اتخاذ مال الله دولا ودين الله دخلا وعباد الله خولا؟ وعلاوة على هذا، ألم تكن الساحة قد طفحت تحت ثقافة السب بأجيال سيكون لهم الأثر البالغ على مسيرة الأمة بعد عام ستين، ذلك العام الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه سيكون مقدمة للفجار والمنافقين الذين يتاجرون بالقرآن. وفوق هذا الطوفان يبحث المحترفين من أبناء الصحابة عن طريق لكي يصلوا به إلى سدة الحكم.

إن هذا الطفح كان لا بد له من مثل أعلى مرتفع، فمن تذكر الموت وعلم أن لكل ذرة في هذا الكون رسالة، وأن رسالته هي الوقوف في خنادق الدعوة والسير على طريقها وفي اتجاه أهدافها. فمن علم ذلك فلن يجد مشقة في الوقوف تحت مظلة المثل الأعلى المرتفع. ويكفيه عنوان " من أحب أن ينظر إلى سيد شباب أهل الجنة فلينظر إلى هذا - يعني الحسين (1)، ويكفيه أيضا العنوان التحذيري القاطع الباتر: " إن ابني هذا يقتل بأرض من أرض العراق يقال لها:

كربلاء، فمن شهد ذلك فلينصره " - وفي رواية: " فمن شهده فلينصره " - وفي رواية: " فمن شهد منكم ذلك فلينصره " (2).

____________

(1) رواه الإمام أحمد (البداية والنهاية 206 / 8).

(2) رواه البغوي وابن السكن والبارودي وابن مندة وابن عساكر وأبو نعيم (البداية والنهاية 199 / 8)، (كنز العمال 126 / 12)، (الخصائص الكبرى 213 / 2)، (أسد الغابة 349 / 1)، (الإصابة 68 / 1).

الصفحة 248
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم علم من ربه ماذا ستكون عليه الأمور، كان يبكي بكاءا شديدا، كلما جاء إليه نعى أبي عبد الله الحسين. وكما ذكرنا فلقد جاء إليه النعي في أكثر من موضع، وحمله أكثر من واحد. عن أم سلمة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا ذات يوم في بيتي.

فقال: لا يدخل علي أحد، فانتظرت، فدخل الحسين، فسمعت نشيج (أي:

صوت معه توجع وبكاء) رسول الله يبكي، فاطلعت فإذا حسين في حجره، والنبي صلى الله عليه وسلم يمسح جبينه وهو يبكي. فقلت: والله ما علمت حين دخلت. فقال: إن جبريل كان معنا في البيت. قال: أفتحبه؟ قلت: أما من الدنيا فنعم. فقال: إن أمتك ستقتل هذا بأرض يقال لها: كربلاء. فتناول جبريل من تربتها وأراها النبي... " (1)، وفي رواية: فقلت لجبريل: أريني تربة الأرض التي يقتل فيها - فجاءني فهذه تربتها (2)..

وروى الإمام أحمد عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

لقد دخل على البيت ملك لم يدخل على قبلها. فقال لي: إن ابنك هذا حسين مقتول. وإن شئت أريتك من تربة الأرض التي يقتل بها، قال: فأخرج تربة حمراء (3).

وروى الإمام أحمد عن أنس قال: استأذن ملك القطر أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم، فأذن له. فقال لأم سلمة: احفظي علينا الباب لا يدخل علينا أحد، فجاء الحسين بن علي، فوثب حتى دخل، فجعل يصعد على منكب النبي صلى الله عليه وسلم. فقال الملك: أتحبه؟ قال: نعم، فقال:

____________

(1) قال الهيثمي رواه الطبراني بأسانيد ورجال أحدهما ثقات (الزوائد 189 / 9).

(2) ابن سعد عن أم سلمة (كنز العمال 126 / 12).

(3) رواه عبد الله بن أحمد بن حنبل (176 / 27 الفتح الرباني) وقال في الفتح: قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح (187 / 9)، وأورده ابن كثير في البداية (البداية 199 / 8)، وقال:

روى هذا الحديث من غير وجه عن أم سلمة ورواه الطبراني عن أبي إمامة وفيه قصة أم سلمة. ورواه ابن سعد عن عائشة بنحو رواية أم سلمة وروى ذلك من حديث زينب بنت جحش ولبابة وأم الفضل امرأة العباس. وأرسله غير واحد من المتابعين.

الصفحة 249
إن أمتك تقتله، وإن شئت أريتك المكان الذي يقتل فيه. قال: فضرب بيده فأراه ترابا أحمر. فأخذت أم سلمة ذلك التراب فصرته في طرف ثوبها، قال أنس:

فكنا نسمع أنه يقتل بكربلاء (1).

فماذا كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم عقب كل إخبار من ملك من الملائكة؟ لقد كان النبي يبلغ ويحذر، روى الطبراني: فلما ذهب حبريل من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج والحسين في يده يبكي، فقال: يا عائشة إن جبريل أخبرني أن ابني حسين مقتول في أرض الطف، وإن أمتي ستفتن من بعدي، ثم خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه منهم: علي، وأبو بكر، وعمر، وحذيفة، وعمار، وأبو ذر رضي الله عنهم وهو يبكي، فقالوا:

ما يبكيك يا رسول الله. فقال: أخبرني جبريل أن ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطف، وجاءني بهذه التربة، وأخبرني أن فيها مضجعه (2).

وأخرج ابن سعد في الطبقات عن عائشة قالت: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم راقد. إذ جاء الحسين يحبوا إليه، فنحيته عنه، ثم قمت لبعض أمري، فدنا منه فاستيقظ يبكي، فقلت: ما يبكيك قال: إن جبريل أراني التربة التي يقتل عليها الحسين، فاشتد غضب الله على من يسفك دمه. وبسط يده فإذا فيها قبضة من بطحاء، فقال: يا عائشة والذي نفسي بيده إنه ليحزنني، فمن هذا من أمتي يقتل حسينا بعدي؟ (3).

أما عندما نزل الملك على النبي وأخبره بمقتل الحسين. فلقد روى الطبراني عن عائشة: أن الحسين بن علي دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا عائشة ألا أعجبك؟! لقد دخل.

____________

(1) أورده ابن كثير في البداية 199 / 8، وأخرجه أبو يعلى في مسنده وأبو نعيم في الدلائل (202 / 3)، ورجالهما ثقات. وأخرجه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات.

(2) أخرجه الطبراني في الكبير والأوسط باختصار (الزوائد 188 / 9)، وأخرجه الماوردي في أعلام النبوة ص 83، ورجاله ثقات.

(3) رواه ابن سعد في الطبقات وابن عساكر عن أم سلمة باختصار (كنز العمال 127 / 12).


الصفحة 250
علي ملك آنفا ما دخل علي قط. فقال: إن ابني هذا مقتول. وقال: إن شئت أريتك تربة يقتل فيها. فتناول الملك بيده. فأراني تربة حمراء (1). وروى عبد بن حميد في مسنده بسند صحيح أن النبي كان يبكي ويقول: " يا ليت شعري من يقتلك بعدي "، وروى الطبراني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " نعي إلي الحسين وأتيت بتربته وأخبرت بقاتله، والذي نفسي بيده، لا يقتلوه بين ظهراني قوم لا يمنعونه، إلا خالف الله بين صدورهم وقلوبهم وسلط عليهم شرارهم وألبسهم شيعا (2). وروى ابن عساكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

" حسين أتيت بتربته، ورأيت قاتله أما أنه لا يقتل بين ظهراني قوم فلا ينصرونه.

ألا عمهم الله بعقاب " (3).

مما سبق علمنا أن العصر الأول كان على علم بأحداث أبي عبد الله الحسين في خطوطها العريضة، وأنهم كانوا يعلمون أيضا بما سيترتب على قتل الحسين. فالطريق بعد القتل فيه عذاب من الله، وأمروا أن ينصروا الحسين. ومن الثابت والمحفوظ أن معاوية كان يسب أهل البيت على منابر دمشق وغيرها. ولم تقف الأكثرية ضد هذه الثقافة التي ليس فيها نصر للحسين. لم يعملوا بسياسة:

" لو أن الناس اعتزلوهم " (4)، ولم يأخذوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع " أيها الناس خذوا العطاء ما كان عطاء، فإذا تجاحفت قريش على الملك، وكان عن دين أحدكم فدعوه " (5) وقال: " خذوا العطاء ما دام عطاء، فإذا كان إنما هو رشا فاتركوه، ولا أراكم تفعلون، يحملكم على ذلك الفقر

____________

(1) رواه الطبراني في الكبير (كنز 128 / 12) ورجاله ثقات وهم: محمد بن عبد الله الحضرمي قال الدارقطني: ثقة والحسين بن حريث بن الحسن من رجال الصحاح غير ابن ماجة، وثقه النسائي وابن حبان، والفضل بن موسى من رجال الصحاح الست وثقه ابن معين وابن سعد، وابن وكيع وغيرهم.

(2) الطبراني (الزوائد 190 / 9)، وإسناده جيد (كنز العمال 167 / 11).

(3) ابن عساكر (كنز العمال 128 / 12).

(4) رواه البخاري (الصحيح 280 / 2) ك. بدء الخلق.

(5) رواه أبو داوود حديث 2958.

الصفحة 251
والحاجة. ألا وإن رحى بني مرج قد دارت، وإن رحى الإسلام دائرة، وإن الكتاب والسلطان سيفترقان. فدوروا مع الكتاب حيث دار.. " (1).

إن الأغلبية بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بأقل من خمسين سنة لم يعتزلوا بني أمية، على الأقل عندما تبينوا أن معاوية يتجاحف على الملك وهو من الطلقاء، ويبذر المال بذرا لوقف تقدم الذين يدورون مع الكتاب حيث دار.

ولا يعني هذا أن بني أمية شقوا طريقهم بسهولة ويسر، لأن خير أمية أخرجت للناس ما نامت، إن كان أكثرهم قد قتل. ولو لم يكن هناك غير هذه الفئة القليلة لكان ذلك كفاية، لأن التاريخ قد سجل وعلم الشاهد والغائب أن خير أمة أخرجت للناس وقفت بالمرصاد للظلم والاستكبار وبطر الحق، الذي اتخذ من الدين رداءا له. ولم يحدث على امتداد التاريخ الإنساني أن خرجت أمة على أمة، أمة ترفع راية الإسلام وهي تريد بطر الحق، وأخرى على بينة وترفع راية القرآن والسنة، وتنادي بإقامة العدل. ولم يحدث في أمة من الأمم أن خرج منهم رجال يحملون القرآن في صدورهم، ليأمروا بالمعروف في عالم مدجج بالسلاح، وأهله لا تجاوز القرآن تراقبهم. لم يحدث هذا من قبل، ولكنه حدث في الأمة الخاتمة التي حمل أمانتها خير أمة أخرجت للناس.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net