متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
عاشرا - القتلة واللصوص
الكتاب : معالم الفتن ج2    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

عاشرا - القتلة واللصوص:

بعد أن وقف الحر بن يزيد في معسكر الحسين، خاطب القوات الأموية فقال: " ويحكم منعتم الحسين ونساءه وبناته ماء الفرات الذي يشرب منه اليهود والنصارى، ويتمرغ فيه خنازير السواد وكلابه، فهو كالأسير في أيديكم لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا (2). وبدأ الحسين بن علي عليه السلام، يتصرف وفقا لما أخبره النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بخصوص نهايته. فقال الحسين:

إئتوني ثوبا لا يرغب فيه أحد، أجعله تحت ثيابي. فأتوه بتبان فقال: لا.

ذاك لباس من ضربت عليه الذلة، فأخذ ثوبا مخرقة، فجعله تحت ثيابه حتى إذ قتل وجردوه من ثيابه بقي عليه هذا الثوب (3).

وبدأت المعركة، معركة الطهر ضد الرجس، معركة قتلت فيها القوات الأموية الأطفال، واستعملت أساليب في القتال، يندى لها الجبين خجلا. ليس

____________

(1) الطبري 244 / 6، البداية 180 / 8.

(2) البداية والنهاية 181 / 8.

(3) سروال صغير يستر العورة المغلظة فقط، ويلبسه الفلاحون.

الصفحة 288
لأنها لا تستقيم مع تعاليم الإسلام، ولكن لأنها لا تستقيم مع المروءة العربية الجاهلية. ولقد حدثنا التاريخ عن معارك قادها جنكيزخان، وهولاكو، والقياصرة، والأكاسرة. وعلمنا سيرة قادتهم مع أبناء الملوك المهزومين، وكيف كانوا يتعاملون معهم وفقا لأعراف وقوانين متفق عليها. وعلمنا من تاريخهم أيضا أن الجبان ليس هو الإنسان الذي يفر من ساحة القتال وإنما هو ذلك الإنسان الذي إذا قدر كان أكثر جبنا أي أكثر قتلا. والتحرك الأموي في كربلاء ضد أبناء النبي صلى الله عليه وسلم، هو في كثير من بنوده، لا يرتقي إلى مستوى تعامل الجبابرة مع أبناء الملوك المنهزمين. ويلتقي مع تعريف الإنسان الأكثر جبنا.

وفيما سبق ألقينا الضوء على تحرك الحسين نحو كربلاء من مصادر معتمدة ومعتبرة، ألا وهي: الطبري في كتابه المسمى بتاريخ الأمم والملوك، والبداية والنهاية لابن كثير، ولقسوة بني أمية كقادة وأمراء، وأهل الكوفة كجنود لهذه السياسة، سيكون مصدرنا الأساسي في إلقاء الضوء على ساحة المعركة هو، البداية والنهاية لابن كثير. وما اتفق معه من مصادر سنبينه بالهامش. واختيارنا لهذا المصدر في هذا الموضع بالذات له أسبابه. منها حتى لا يقال إن الأحداث مبالغ فيها. ومنها أن ابن كثير في كتابه يميل ميلا كبيرا نحو السياسة الأموية في خطوطها العريضة، وإن كان ينتقدها في بعض الأمور الثانوية، إلا أنه مؤيد لرموزها بلا استثناء، وهذا يجعل تلقي أخبار القتال مقبولا ولا شبهة فيه. ولقد أجاد ابن كثير عندما تحدث عن مقتل الحسين تحت عنوان " وهذه صفة مقتله مأخوذة من كلام أئمة هذا الشأن، لا كما يزعمه أهل التشيع من الكذب " (1).

وقدم نخبة من المرويات تكفي لما نريد أن نبينه في هذا المقام.

وعن تحديد الذي بدأ القتال، يقول ابن كثير: فتقدم عمر بن سعد بن أبي وقاص وقال لمولاه: يا دريد ادن رايتك، فأدناها، ثم شمر عمر بن سعد عن ساعده، ورمى بسهم وقال: اشهدوا، إني أول من رمى القوم. فترامى الناس

____________

(1) رواه الطبراني وقال الهيثمي رجاله ثقات (الزوائد 193 / 9).

الصفحة 289
بالنبال (1). وبدأت المبارزة بين الفريقين، ووقف رجل وقال: يا حسين أبشر بالنار. فقال له الحسين: كلا، ويحك إني أقدم على رب رحيم وشفيع مطاع، بل أنت أولى بالنار، وكثرت المبارزة بين الفريقين والنصر في ذلك لأصحاب الحسين، لقوة بأسهم، وأنهم مستميتون لا عاصم لهم إلا سيوفهم. فأشار بعض الأمراء على عمر بن سعد بعدم المبارزة (3). وبعث عمر نحوا من خمسمائة رجل فجعلوا يرمون خيول أصحاب الحسين فعقروها كلها، حتى بقي جميعهم رجالة.

وأمر ابن سعد بحرق الأبنية التي تحمي أجناب قوات الحسين. فقال الحسين:

دعوهم يحرقونها فإنهم لا يستطيعون أن يجوزوا منها وقد أحرقت (4). ونادى ابن الحجاج أمير ميمنة جيش ابن زياد: قاتلوا من مرق من الدين وفارق الجماعة.

فقال له الحسين: يا عمر بن الحجاج أعلي تحرض الناس، أنحن مرقنا وأنتم ثبتم عليه؟ أما والله لتعلمن لو قبضت أرواحكم، ومتم على أعمالكم، أينا مرق من الدين، ومن هو أولى بصلي النار (5).

إن المعركة تكشف فيما تكسف عن سياسة الترقيع والتشويه، وعن انتاج ثقافة السب حيث الجيل والعصر الذي ضيع الصلاة. واتهام الحسين بأنه من أهل النار، وأنه مارق من الدين، دليل قاطع على أن الرحلة الأموية كارثة كبرى في بدايتها فما بالك بها عند نهاية الطريق، ففي أول الطريق ضاع الدين ورموز الدين، فبأي وقود تسير القاطرة بعد ذلك؟ ثم انظر إلى هذا الجندي الأموي الذي ضاعت الصلاة في عهودهم، ماذا قال عندما سمع الحسين يقول: مروهم فليكفوا عن القتال حتى نصلي. لقد قال للحسين إن الصلاة لا تقبل منكم. فرد عليه أحد جنود الحسين قال له: ويحكم أتقبل منكم ولا تقبل من آل رسول

____________

(1) البداية 181 / 8.

(2) البداية 181 / 8، والطبراني وقال الهيثمي رجاله ثقات (الزوائد 193 / 9)، والطبري 246 / 6.

(3) البداية 182 / 8.

(4) البداية 182 / 8، الطبري 250 / 6.

(5) الطبري 249 / 6، البداية 185 / 8.

الصفحة 290
الله (1). وفي رواية الطبري قال له: زعمت الصلاة من آل رسول الله لا تقبل، وتقبل منك يا حمار (2). فهذا دليل على مدى السقوط الذي انحدرت إليه الأمة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأقل من خمسين عاما، وليس بعد ثلاثة قرون. وبعد أن قامت القوات الأموية برفض المبارزة، وهي قانون قتالي لا خلاف عليه. وبعد أن وجهت النبال إلى خيول الحسين، وحرقت الأبنية التي تحمي أجنابه. يقول ابن كثير: كان الرجل من أصحاب الحسين إذا قتل بان فيهم الخلل، وإذا قتل من أصحاب عبيد الله بن زياد الجماعة الكثيرة لم يتبين ذلك فيهم لكثرتهم (3). فالقوات الأموية في الأساس يتمتعون بكثرة عددهم، ولكنهم كانوا أكثر جبنا، فهم خائفون ولكنهم بما لديهم من عتاد، يضربون في كل مكان حتى أخبية النساء ما سلمت منهم.

وروي أن حبيب بن مظاهر، قاتل بجانب الحسين قتالا شديدا، فضربه رجل بالسيف على رأسه فقتله. وحمل عليه آخر فطعنه فوقع، فنزل إليه الذي ضربه بالسيف فاحتز رأسه. فقال له الذي طعنه إني لشريكك في قتله. فقال الآخر: والله ما قتله غيري. فقال الذي طعنه وهو من بني تميم: أعطنيه أعلقه في عنق فرسي كيما يرى الناس ويعلموا أني شاركت في قتله، ثم خذه أنت بعد ذلك فامض به إلى عبيد الله بن زياد، فلا حاجة لي فيما تعطاه على قتلك إياه. فأبى عليه فأصلح قومه فيما بينهما على هذا، فدفع إليه الرأس، فجال به في العسكر وقد علقه في عنق فرسه. وبعد المعركة أقبل به إلى ابن زياد في القصر، وبينما هو يسير، شاهده ابن حبيب بن مظاهر فقال له: إن هذا الرأس الذي معك رأس أبي، أفتعطينيه حتى أدفنه؟ فقال له: يا بني لا يرضى الأمير أن يدفن، وأنا أريد أن يثيبني الأمير على قتله ثوابا حسنا. فقال له الغلام: لكن الله لا يثيبك على ذلك إلا أسوأ الثواب، وبكى الغلام. وروي أن هذا الغلام لم يكن له همه إلا

____________

(1) البداية 183 / 8.

(2) الطبري 251 / 6.

(3) البداية 183 / 8.

الصفحة 291
اتباع أثر قاتل أبيه. فلما كان زمان مصعب بن الزبير، دخل الغلام معسكر مصعب فوجد الرجل فقتله (1).

وبدأت جحافل بني أمية تتدفق على معسكر الحسين من كل ناحية، وقتل الحر بن يزيد. وبعد ذلك صلى الحسين صلاة الخوف، ثم اقتتلوا بعدها قتالا شديدا، فلما رأى أصحاب الحسين أنهم قد كثروا، وأنهم لا يقدرون عن أن يمنعوا حسينا ولا أنفسهم، تنافسوا في أن يقتلوا بين يديه. فجاء عبد الله، وعبد الرحمن ابنا عزرة الغفار، فقالا: يا أبا عبد الله عليك السلام، حازنا العدو إليك، فأحببنا أن نقتل بين يديك، نمنعك وندفع عنك. قال: مرحبا بكما ادنوا مني. فدنوا منه، فجعلا يقاتلان. وجاء الفتيان الجابريان، سيف بن الحارث، ومالك بن عبد، فأتيا حسينا، فدنوا منه وهما يبكيان. فقال: ما يبكيكما، فوالله إني لأرجو أن تكونا عن ساعة قريري عين. فقالا للحسين: جعلنا الله فداك، لا والله ما على أنفسنا نبكي ولكن نبكي عليك، نراك قد أحيط بك ولا نقدر أن نمنعك. فقال: جزاكما الله بوجدكما من ذلك ومواساتكما إياي بأنفسكما أحسن جزاء المتقين (2).

وجاء حنظلة بن أسعد، فقام بين يدي حسين، فأخذ ينادي: يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب. مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم. وما الله يريد ظلما للعباد. ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم، ومن يضلل الله فما له من هاد. يا قوم لا تقتلوا حسينا فيسحتكم الله بعذاب وقد خاب من افترى. فقال له الحسين: يا ابن سعد رحمك الله. إنهم قد استوجبوا العذاب حين ردوا عليك ما دعوتهم إليه من الحق، ونهضوا إليك ليستبيحوك وأصحابك. فكيف بهم الآن، وقد قتلوا إخوانك الصالحين. قال: صدقت جعلت فداك أنت أفقه مني. وأحق بذلك، أفلا نروح إلى الآخرة ونلحق بإخواننا. فقال له: رح إلى خير من الدنيا وما فيها.

____________

(1) الطبري 652 / 6، البداية 183 / 8.

(2) الطبري 253 / 6، البداية 184 / 8

الصفحة 292
وإلى ملك لا يبلى. فقال: السلام عليك يا أبا عبد الله وعلى أهل بيتك، وعرف بيننا وبينك في جنته. فقال: آمين آمين فاستقدم فقاتل حتى قتل (1).

ثم آتاه أصحابه مثنى، وفرادى يقاتلون بين يديه، وهو يدعو لهم ويقول:

جزاكم الله جزاء المتقين. فجعلوا يسلمون على الحسين ويقاتلون حتى يقتلوا. ثم جاء حبس بن أبي شبيب، فقال: يا أبا عبد الله، أما والله ما أمسى على ظهر الأرض قريب ولا بعيد أعز علي منك، ولو قدرت أن أدفع عنك الضيم أو القتل بشئ، أعز علي من نفسي ودمي لفعلته. السلام عليك يا أبا عبد الله، اشهد لي أني على هديك. ثم مشى بسيفه صلتا وبه ضربة على جبينه، فنادى: ألا رجل لرجل، ألا ابرزوا إلي. فعرفوه - وكان من أشجع الناس - فنكلوا عنه. ثم قال عمر بن سعد: أرضخوه بالحجارة، فرمي بالحجارة من كل جانب، فلما رأى ذلك ألقى درعه ومغفره، ثم شد على الناس، فكرد أكثر من مائتين بين يديه، ثم إنهم عطفوا عليه من كل جانب فقتل رحمه الله. وأخذ رأسه. عدد من الرجال، كل يدعي قتله، فأتوا به عمر بن سعد فقال لهم: لا تختصموا فيه فإنه لم يقتله إنسان واحد. ففرق بينهم بهذا القول (2).

وقاتل زهير بن القين بين يدي الحسين قتالا شديدا، فشد عليه كثير بن عبد الله، ومهاجر بن أوس فقتلاه (3). وكان آخر من بقي مع الحسين من أصحابه سويد بن عمر، وكان أول قتيل من بني أبي طالب يومئذ، على الأكبر بن الحسين بن علي. فلقد أخذ يشد على الناس وهو يقول:

أنا علي بن حسين بن علي * نحن ورب البيت أولى بالنبي
تالله لا يحكم فينا ابن الدعي

وبينما هو يقاتل، اعترضه مرة بن منقذ فطعنه، واجتمع عليه الناس فقطعوه بأسيافهم، فقال الحسين: قتل الله قوما قتلوك يا بني، ما أجرأهم على الرحمن

____________

(1) الطبري 254 / 6.

(2) البداية 185 / 8.

(3) البداية 184 / 8

الصفحة 293
وعلى انتهاك حرمة الرسول على الدنيا بعدك العفاء. وخرجت زينب، ابنة فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تنادي: يا أخياه ويا ابن أخاه، فجاءت حتى أكبت عليه. فجاءها الحسين فأخذ بيدها فردها إلى الفسطاط. وأقبل الحسين إلى ابنه، وأقبل فتيانه إليه، فقال: احملوا أخاكم. فحملوه من مصرعه حتى وضعوه بين يدي الفسطاط الذي كانوا يقاتلون أمامه (1). ثم قتل عبد الله بن مسلم بن عقيل، ثم قتل عون، ومحمد ابنا عبد الله بن جعفر، ثم قتل عبد الرحمن وجعفر ابنا عقيل بن أبي طالب، ثم قتل القاسم بن الحسن بن علي بن أبي طالب (2). وعن حميد بن مسلم قال: وخرج غلام كأن وجهه شقة قمر في يده السيف. عليه قميص وإزار، ونعلاه قد انقطع " شسع أحدهما. فقال عمرو بن سعد بن نفيل: والله لأشدن عليه. فقيل له: سبحان الله وما تريد إلى ذلك، يكفيك قتل هؤلاء الذين تراهم قد احتولوهم. فقال: والله لأشدن عليه، فشد عليه، فما ولي حتى ضرب رأسه بالسيف، فوقع الغلام لوجهه، وقال: يا عماه. فجلى الحسين كما يجلى الصقر، ثم شد شدة ليث أغضب، فضرب عمر بالسيف فاتقاه بالساعد فأطنها من لدن المرفق، فصاح ثم تنح عنه. وحملت خيل الكوفة ليستنقذوا عمر من الحسين... فاستقبلت عمر بصدورها، وحركت حوافرها، وجلت الخيل بفرسانه عليه، فتوطأته حتى مات. وقام الحسين على رأس الغلام، والغلام يفحص برجليه. والحسين يقول: بعدا لقوم قتلوك، ومن خصمهم يوم القيامة فيك جدك. ثم قال: عز والله على عمك أن تدعوه فلا يجيبك، أو يجيبك ثم لا ينفعك، صوت والله كثر واتره وقل ناصره، ثم احتمله وكأني أنظر إلى رجلي الغلام يخطان في الأرض، وقد وضع الحسين صدره على صدره، ثم جاء به حتى ألقاه مع ابنه الأكبر ومع من قتل من أهل بيته فسألت عن الغلام فقيل: هو القاسم بن الحسين بن علي بن أبي طالب (3).

____________

(1) البداية 185 / 8، الطبري 256 / 6.

(2) البداية 185 / 8، الطبري 256 / 6.

(3) البداية 186 / 8، الطبري 256 / 6.


الصفحة 294
وقال هانئ بن ثبيت: خرج غلام من آل الحسين، وهو ممسك بعود - أي عود قصب - من تلك الأبنية، وعليه إزار وقميص وهو مذعور يلتفت يمينا وشمالا. فكأني أنظر إلى درتين في أذنييه، تذبذبان كلما التفت. إذ أقبل رجل يركض فرسه. حتى إذا دنا من الغلام، مال عن فرسه ثم أخذ الغلام فقطعه بالسيف. قال هشام السكوني: هانئ بن ثبيت هو الذي قتل الغلام، خاف أن يعاب ذلك عليه فكنى عن نفسه (1).

ومكث الحسين نهارا طويلا وحده لا يأتيه أحد، حتى آتاه رجل من كنده يقال له مالك بن النسير. أتاه فضربه على رأسه بالسيف، وعليه برنس له فقطع البرنس، وأصاب السيف رأسه فأدمى رأسه، فامتلأ البرنس دما. فقال له الحسين: لا أكلت بها ولا شربت، حشرك الله مع الظالمين، وألقى ذلك البرنس، ثم دعا بقلنسوة فلبسها واعتم. وقد أعيا. وجاء الكندي الذي ضربه حتى أخذ البرنس (2).

وأتى الحسين بصبي له فأجلسه في حجره، ثم جعل يقبله ويودعه. فرماه رجل من بني أسد بسهم فذبح ذلك الغلام. فتلقى الحسين دمه في يده. وألقاه نحو السماء وقال: رب إن تك حبست عنا النصر من السماء، فاجعل ذلك لما هو خير وانتقم لنا من هؤلاء الظالمين (3). وأحاطوا بالحسين، وأقبل إلى الحسين غلام من أهله، فأخذته أخته زينب ابنة علي لتحبسه. فقال لها الحسين:

أحبسيه، فأبى الغلام، وجاء يشتد إلى الحسين فقام إلى جنبه، فأهوى بحر بن كعب إلى الحسين بالسيف. فقال الغلام: أتقتل عمي، فضربه بالسيف فاتقاه الغلام بيده فأطنها سوى الجلدة، فإذا يده معلقة. فنادى الغلام: يا أمتاه، فأخذه الحسين فضمه إلى صدره، وقال: يا ابن أخي اصبر على ما نزل بك، واحتسب في ذلك الخير فإن الله يلحقك بآبائك الصالحين، برسول الله صلى الله عليه

____________

(1) البداية 186 / 8، الطبري 258 / 6.

(2) البداية 186 / 8، الطبري 256 / 6.

(3) البداية 186 / 8، الطبري 257 / 6.

الصفحة 295
وسلم، وعلي بن أبي طالب، وحمزة، وجعفر، والحسن صلى الله عليهم أجمعين (1).

وبعد أن فرغت القوات الأموية من الخيول، ثم من الرجال، ثم من الأطفال، بدءوا يتفرغون للنساء، وكان هذا كله وفق خطة محكمة، هدفها أن يرى الحسين كل شئ قبل أن يقتلوه. يقول عبد الله بن عمار: فوالله ما رأيت مكسورا قط، قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشا، ولا أمضى جنانا منه، ولا أجرأ مقدما. والله ما رأيت قبله ولا بعده مثله. إن كانت الرجالة لتنكشف من عن يمينه وشماله. انكشاف المعزى إذ شد فيها الذئب، فوالله إنه لكذلك (2).

وتحرك شمر بن الجوشن في اتجاه منزل الحسين الذي فيه ثقله وعياله، ثم قام بقواته فحالوا بين الحسين وبين رحله. فقال الحسين: ويلكم إن لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون يوم المعاد فكونوا في أمر دنياكم أحرارا ذوي أحساب، منعوا رحلي وأهلي من طغاتكم وجهالكم. فقال له شمر: ذلك لك يا ابن فاطمة (3).


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net