متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
2 - الطريق الثاني: العهد
الكتاب : الإمامة وأهل البيت (ع) ج1    |    القسم : مكتبة أهل البيت (ع)

2 - الطريق الثاني: العهد:

كان الطريق الثاني من الطرق التي تنعقد بها الإمامة هو العهد، وهو أن يعهد الخليفة المستقر إلى غيره، ممن استجمع شرائط الخلافة بالخلافة بعده، فإذا مات العاهد انتقلت الخلافة بعد موته إلى المعهود إليه، ولا يحتاج مع ذلك إلى تجديد بيعة من أهل الحل والعقد، ولذلك حالتان:

الأولى: أن يعهد الخليفة بالخلافة من بعده إلى واحد فقط، فيجب الاقتصار عليه، والأصل في ذلك ما روي من أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه

____________

(1) القلقشندي: المرجع السابق ص 46 - 48.

الصفحة 93
في مرضه الذي مات فيه، دعا عثمان بن عفان - وهو يومئذ كاتبه - فقال له:

أكتب، قال: ما كتب؟ قال: أكتب، هذا ما عهد أبو بكر، خليفة رسول الله، آخر عهده بالدنيا، وأول عهده بالآخرة، أني أستخلف عليكم، ثم رهقته عينه فنام، فكتب: عمر بن الخطاب، ثم استيقظ أبو بكر فقال: هل كتبت شيئاً؟

قال: نعم، كتبت عمر بن الخطاب، فقال: أما إنك لو كتبت نفسك، لكنت لها أهلاً، ولكن اكتب: استخلفت عليكم عمر بن الخطاب، فإن بر وعدل، فذلك ظني به، وإن بدل أو غير، فلا علم لي بالغيب، والخير أردت بكم، ولكل امرئ ما اكتسب من الإثم، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

ثم دخل عليه عمر فعرفه ذلك، فأبى أن يقبل، فتهدده أبو بكر، رضي الله عنه، وقال: هاتوا سيفي، فقبل، ثم خرج عمر من عنده فدخل عليه طلحة، فبكى ولامه على تولية عمر، فانتهره أبو بكر، وقال: والله إن عمر خير لكم، وأنتم شر له، أتيتني وقد وكفت عينك تريد أن تصدني عن ديني، وتردني عن رأيي قم لا أقام الله رجلك (1).

هذا وقد اشترط العلماء لصحة الإمامة بالعهد شرطين: أحدهما أن يكون المعهود إليه مستجمعاً لشرائط الإمامة في وقت العهد، حتى لو كان المعهود إليه صغيراً، أو فاسقاً عند العهد، بالغاً عدلاً عند موت العاهد، لم يصر بذلك العهد إماماً، بل لا بد من مبايعة أهل الحل والعقد له بالخلافة.

وأما الشرط الثاني فهو أن يقبل المعهود إليه العهد، فلو امتنع المعهود إليه من القبول بويع غيره، وكأنه لا عهد.

____________

(1) أنظر عن استخلاف أبي بكر عمر بن الخطاب (تاريخ الطبري 3 / 428 - 430، الكامل في التاريخ لابن الأثير 2 / 425 - 426، تاريخ اليعقوبي 2 / 136 - 137، تاريخ ابن خلدون 2 / 903 - 904 (دار الكتاب اللبناني - بيروت 1983)، ابن كثير: البداية والنهاية 7 / 20، ابن عبد ربه:

العقد الفريد 5 / 20 - 21 (بيروت 1983) حسن إبراهيم: تاريخ الإسلام السياسي 1 / 211 - 212 (القاهرة 1964)، محمد حسين هيكل: الفاروق عمر 1 / 88 - 90 (القاهرة 1963).

الصفحة 94
هذا وقد اختلف في وقت قبول العهد، فقيل: بعد موت العاهد - كما يقبل الوصي الوصية بعد موت الموصي - والأصح أن وقته ما بين عهد الخليفة وموته، لتنتقل الإمامة عن العاهد إلى المعهود إليه مستقرة بالقبول.

هذا وقد اختلف العلماء في مدى جواز انفراد الخليفة بالعهد لولده أو والده، فذهب فريق إلى أنه ليس له الانفراد بذلك لواحد منها، بل لا بد من موافقة أهل الحل والعقد على صلاحية المعهود إليه للخلافة، لأن ذلك منه بمثابة التزكية ليجري مجرى الشهادة، وتقليده على الأمة مجرى الحكم، وهو لا يجوز أن يحكم لوالد أو ولد.

على أن فريقاً آخر، إنما أجاز ذلك، لأنه أمير الأمة، نافذ الأمر لهم وعليهم، فغلب حكم المنصب على حكم النسب، ولم يجعل للتهمة عليه في ذلك طريقاً.

وهناك فريق ثالث، أجاز له الانفراد بذلك للوالد - دون الولد - لأن الطبع إلى الولد أميل منه إلى الوالد، ولذلك كان ما يقتنيه في الأغلب مذخوراً لولده، دون الوالد.

وأما إذا كان المعهود إليه أخاً، أو ابن أخ، أو عماً أو ابن عم، أو أجنبياً، فيجوز العهد بالخلافة إليه، من غير استشارة أحد من أهل الحل والعقد (1).

والحالة الثانية: أن يتعدد المعهود إليهم، بأن يكونوا اثنين فأكثر، وهي على ضربين:

الأول: أن يجعلها الخليفة شورى بينهم، لم يقدم فيها أحداً منهم على الآخر، فيختار أهل الحل والعقد واحداً، أو يخرج الجميع أنفسهم من العهد ويبقى واحد منهم.

____________

(1) القلقشندي: المرجع السابق ص 48 - 55.

الصفحة 95
والأصل في ذلك ما رواه البخاري في صحيحه من حديث عمر بن ميمون الطويل، وفيه: قالوا: أوص يا أمير المؤمنين، استخلف، قال: ما أجد أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر أو الرهط الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو عنهم راض فسمى علياً وعثمان والزبير وطلحة وسعداً وعبد الرحمن، وقال:

يشهدكم عبد الله بن عمر، وليس له من الأمر شئ، كهيئة التعزية له...

ثم يقول: فلما انتهوا من دفنه (أي عمر) اجتمع هؤلاء الرهط، فقال عبد الرحمن: إجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم، فقال الزبير: قد جعلت أمري إلى علي، فقال طلحة: قد جعلت أمري إلى عثمان، وقال سعد: قد جعلت أمري إلى عبد الرحمن بن عوف، فقال عبد الرحمن: أيكما تبرأ من هذا الأمر، فنجعله إليه، والله عليه والإسلام، لينظرن أفضلهم في نفسه، فأسكت الشيخان، فقال عبد الرحمن: أفتجعلونه إلي، والله على أن لا ألو عن أفضلكم، قالا:

نعم، فإخذ بيد أحدهما فقال: لك قرابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقدم في الإسلام، ما قد علمت، فالله عليك، لئن أمرتك لتعدلن، ولئن أمرت عثمان لتسمعن، ولتطيعن، ثم خلا بالآخر فقال له مثل ذلك، فلما أخذ الميثاق قال: إرفع يدك يا عثمان فبايعه، فبايع له علي، وولج أهل الدار فبايعوه (1).

والثاني: أن يعهد إلى اثنين فأكثر، ويرتب الخلافة فيهم بأن يقول:

الخليفة بعدي فلان، فإن مات فالخليفة بعده فلان، وهكذا، والأصل في ذلك رواية البخاري في صحيحه بسنده عن عبد الله بن سعيد عن نافع عن عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، في غزوة مؤتة زيد بن حارثة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن قتل زيد فجعفر، وإن قتل جعفر، فعبد الله بن رواحة (2).

____________

(1) صحيح البخاري 5 / 19 - 22 (دار الجيل - بيروت).

(2) صحيح البخاري 5 / 181 - 182.

الصفحة 96
قال الماوردي: وإذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم في الإمارة، جاز مثله في الخلافة (2).


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net