متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
3 - الطور الثالث: طور العصبية الجامحة
الكتاب : الإمامة وأهل البيت (ع) ج1    |    القسم : مكتبة أهل البيت (ع)

3 - الطور الثالث: طور العصبية الجامحة:

وهي ضربان: عصبية عروق تستند إلى الأنساب، وعصبية مذاهب تستند إلى الأفكار.

____________

(1) الباقوري: مع القرآن ص 16 - 18.

(2) الحسن البصري: هو الحسن بن أبي الحسن يسار البصري أبو سعيد، وهو ابن مولى من ميسان أحضر إلى المدينة وقت الفتح، وقد ولد الحسن بالمدينة 21 هـ‍(642 م) ونشأ في وادي القرى ثم انتقل إلى البصرة، وقد عرف سبعين من رجال غزوة بدر، وروى عن عدد منهم، وأكثر مروياته عن أنس بن مالك، وكان يعلن رفضه لبيعة يزيد بن معاوية، وهو القائل أربع خصال كن في معاوية لو لم يكن فيه منهن إلا واحدة كانت موبقة: انتزاؤه على هذه الأمة بالسفهاء، حتى ابتزها أمرها، بغير مشورة منهم، وفيهم بقايا الصحابة وذو الفضيلة، واستخلافه ابنه بعده سكيرا خميراً، يلبس الحرير، ويضرب بالطنابير، وادعاؤه زياداً، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الولد للفراش، وللعاهر الحجر، وقتله حجراً، ويلا له من حجر، مرتين.

هذا ويعد أهل السنة الحسن البصري منهم، ويراه المعتزلة معتزلياً، فمؤسسا الاعتزال - واصل بن عطاء، وعمرو بن عبيد - تلميذاه، كما أنه مال إلى القول بحرية الإرادة، وكان ورعه ذا أثر في الاتجاه الصوفي في علم الكلام، وانظر عن مصادر ترجمته (طبقات ابن سعد 7 / 156 - 178، الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 1 / 2 / 40 - 42، الفهرست لابن النديم ص 37 - 38، 183، حلية الأولياء 2 / 131 - 161، طبقات الفقهاء للشيرازي ص 68 - 69، تهذيب التهذيب لابن حجر 2 / 263 - 270، المعتزلة لابن المرتضى ص 18 - 24، وفيات الأعيان 2 / 69 - 73، شذرات الذهب 1 / 136 - 138، الأعلام للزركلي 2 / 242، تذكرة الحفاظ ص 71 - 72، ميزان الاعتدال 1 / 254)، كما قدمت عنه عدة دراسات، أهمها، 1 - عبد الرحمن الجوزي: فضائل الحسن البصري - القاهرة 1350 هـ‍، 2 - عبد الغني المقدسي: أخبار الحسن البصري، 3 - إحسان عباس: الحسن البصري - القاهرة 1952 م.

أما آثاره: فأهم ما ينسب إليه: 1 - تفسير القرآن، 2 - القراء. 3 - رسالة في القدر.

4 - فضائل مكة. 5 - فرائض. 6 - رسالة في التكاليف. 7 - شروط الإمامة. 8 - وصية النبي لأبي هريرة. 9 - الاستغفارات المنقذة من النار. 10 - الأسماء الإدريسية. 11 - الأخبار المتفرقة.

(3) حلية الأولياء 2 / 147.

الصفحة 146

1 - فأما عصبية العروق:

فإنها فطرة في النفس الإنسانية، ومن أجل هذا لم يقاومها الإسلام، مقاومة تقضي عليها، وإنما كان شأنه معها، كشأنه مع سائر الأمور الفطرية، يقوم فيها ما أعوج، وينهنه منها ما غلا، وشاهد ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يتسنم الشرف من بيته وقبيلته وقومه، وذلك حيث يقول:

إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم (1).

فالاعتزاز بالعصبية فطرة لم يقاومها الإسلام، وإنما قاوم الظلم الناجم عنها، حتى تستقيم الحياة على ما ينفع الناس.

غير أن العرب - بما فيهم من فضائل فطرية، ظاهرتها فضائل الدين - لم يستطيعوا الاحتفاظ طويلاً بهضم نفوسهم، وقهر شهواتهم، فنزعوا إلى الاستعلاء بالعروق، والاستطالة بالأنساب، فلما مهد الإسلام لهم سبل النعمة، ومكن لهم من السلطان، استغلظت بينهم الفتن، وضرب بعضهم رقاب بعض، حتى خيم عليهم الفناء، وكانت السنة المألوفة في صدر الإسلام، أن تكون كتائب الجيش من القبائل العربية، وأن يكون أمراؤها من ساداتها.

ثم كان الملك العضوض يتربص الدوائر بآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، الطاهرين المطهرين، ضرباً بالسيوف، وقعصاً بالرماح، وصلباً على الأعواد، يحدث ذلك كله - ويا للعجب - بين أسماع الأمة وأبصارها.

ولم تكن عصبيات العروق قد ماتت في أنفس المسلمين، من غير العرب، فبدأت تستيقظ عاقدة آملة، وأعتى الشرور، شر يزحف مدفوعاً بالحقد مزوداً بالأمل، وأي أمل آمل من آل البيت، يتخذهم الطامعون في السلطان، مسعر فتنة، كما اتخذ بنو أمية وتباعهم - أول عهد دولتهم بالحياة - قميص عثمان لسان فتنة، لا يجاريه في فصاحته وبيانه لسان.

____________

(1) صحيح مسلم 15 / 36، القسطلاني: المواهب اللدنية 1 / 13.

الصفحة 147
وقامت دولة بني العباس (132 - 156 هـ‍/ 750 - 1258 م)، وقد شارك في إقامتها أبناء فارس، وكان الظن ببني العباس أن يكونوا أقرب إلى الخلافة منهم إلى الملك العضوض، وخاصة فيما يتصل بآل البيت، وخابت الظنون خيبة ملأت من اليأس النفوس، وأو قرت الصدور حقداً آنفاً، إلى حقد قديم، فمضى الملك العضوض في دولة بني العباس على الطريق نفسها، التي استنها الملك العضوض في دولة بني أمية، وراح الخلفاء في هذه الدولة يركبون متون الظنون إلى كل عظيمة، تتصل بالرعية التي أصابها الحرمان في كل مقدس، وفي ذروة ذلك كله، الأمن والطمأنينة، ووحدة الكلمة.

ومهما يكن هذا السلوك مصيباً أو مخطئاً، ومثوباً أو خاطئاً - على ما يختلف في ذلك المؤرخون - فليس هاهنا موضع الحكم عليه، ولا القضاء فيه، وكل ما نريد أن نقول هو: أن الحقد يذكر بالحقد، والشر يغري بالشر والمطامع عدوي.

ولما رأى المسلمون - من غير العرب - أن بني العباس كانوا يصدرون فيما يأخذون، أو يدعون، مع أبناء عمومتهم، عن عصبية قبلية، أو عن أهواء ذاتة راح زعماؤهم يفكرون في الحصول على السلطان، ولو أفضى ذلك إلى تقويض دولة بني العباس.

ولم يكن من اليسير أن تدعو أية عصبية غير عربية إلى نفسها، دعوة صريحة، فاتخذوا من آل البيت وسيلة إلى غايات بعيدة المدى، كثيفة الحجاب، والتف من حول هذه الدعوات كثيرون، بعضهم يدفعه إلى ذلك حب آل البيت، ورغبة في الانتصاف لهم، وبعضهم يدفعه حقد دفين، وغيظ كظيم، فهاجت الفتن هياجاً شديداً، واستوعبت كثيراً من أهل السياسة، وأهل العلم، فضلاً عن الأدباء والشعراء.

وفي نفس الوقت كانت الدولة العباسية تخبط خبط عشواء، فحيناً تصادف حقاً، وأحياناً تواقع باطلاً، حتى انتكث فتلها، وأجهز عليها عملها، وقامت

الصفحة 148
الدويلات تتحداها في أكثر من موضع، ولم يزل الأمر على ذلك، حتى استقرت الخلافة في تركيا في آل عثمان، وكانت هذه آخر مراحلها، وفيها لفظت آخر أنفاسها (1)، في الثاني والعشرين من رجب سنة 1342 هـ‍، الموافق الثالث من شهر مارس سنة 1924 م، عندما أعلن مصطفى كمال أتاتورك (1298 - 1351 هـ‍/ 1880 - 1938 م) إلغاء نظام الخلافة نهائياً، والتي استمرت أكثر من أربعة قرون، وخلا العالم الإسلامي - وللمرة الأولى في تاريخه - ممن يحمل لقب الخليفة، أو حتى سلطان المسلمين.

2 - وأما العصبية المذهبية:

فلقد انقسم المسلمون إلى مذاهب ثلاثة:

أهل السنة والشيعة والخوارج.

فأما مذهب أهل السنة: فخصيصته تظهر في أمرين، أولهما: ترتيب الخلفاء الراشدين من الفضل حسب ترتيبهم في الولاية، فهم في الذكر والفضل معاً على هذا الترتيب: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي.

وثاني الأمرين: أن ما وقع من السلف الصالح من قتال، إنما كان الدافع إليه الاجتهاد، وبذل الوسع في طلب الحق.

2 - وأما مذهب الشيعة:

فهو مذهب الذين يهوون هوى عترة النبي صلى الله عليه وسلم، ويوالونهم من أتباع أمير المؤمنين سيدنا الإمام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه، وكرم الله وجهه في الجنة - وابنيه - الإمام الحسن والإمام الحسين، عليهم السلام -.

والصورة المجملة لمذهب الشيعة - كما سنرى - أن الإمامة ليست من المصالح العامة التي تفوض إلى نظر الأمة، بل هي ركن الدين، وقاعدة الإسلام، وفي رأيهم أنه لا يجوز أن يغفل النبي صلى الله عليه وسلم، هذا الركن، ولا أن

____________

(1) الباقوري: مع القرآن ص 20 - 23.

الصفحة 149
يفوضه إلى الأمة، والإمام علي، هو الذي عينه النبي صلى الله عليه وسلم، ليكون خليفة للمسلمين.

3 - وأما الخوارج:

فإن أصح الناس نظراً، وأقواهم بياناً، لا يبلغ من صفتهم، ما بلغ الحديث المأثور: حدثاء الأسنان، تحقرون صلاتكم بصلاتهم، وصيامكم بصيامهم، يقرأون القرآن، لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين، كما يمرق السهم من الرمية (1).

وقد كانوا من التنطع في القول والفعل والتفكير بالمنزلة التي يرثي لها الشامت، فلقد خرجوا على الإمام علي بعد واقعة التحكيم - وكانوا من قبل أصحابه وأنصاره في الجمل وصفين - واتخذوا لأنفسهم شعاراً، تستأسر له عواطف المسلمين، فذلك قولهم لا حكم إلا لله (2).

ويرد سيدنا ومولانا الإمام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه، وكرم الله وجهه في الجنة - على شعارهم هذا بقوله. كلمة حق يراد بها باطل، نعم إنه لا حكم إلا الله، ولكن هؤلاء يقولون: لا إمرة، وإنه لا بد للناس من أمير، بر أو فاجر، يعمل في إمرته المؤمن، ويستمتع فيها الكافر، ويبلغ الله فيها الأجل، ويجمع به الفئ، ويقاتل به العدو، وتأمن به السبل، ويؤخذ به للضعيف من القوي، حتى يستريح بر أو يستراح من فاجر (3).

وشر ما في هؤلاء الخوارج من شر، أنهم كانوا يتأولون القرآن تأولاً يفسدون به نظام الأمة، ويشوهون به وجه الإسلام.

ومن أعجب زيغهم عن الحق، أنهم لا يتعرضون للمشركين بضر، لأن

____________

(1) أنظر روايات مختلفة للحديث الشريف (النسائي: تهذيب خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، رضي الله عنه ص 95 - 105 - بيروت 1983 م، سيرة ابن هشام 4 / 370.) (2) أنظر عن الخوارج (ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 4 / 132 - 278).

(3) شرح نهج البلاغة 2 / 307.

الصفحة 150
الكفر في مذهبهم عاصم لدماء الكفار، تأويلاً لقول الله تعالى: * (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه) * (1)، وفي نفس الوقت يستحلون دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم، وقد أسرفوا في هذا إسرافاً جعل المسلم، إذا وقع في أيديهم، يزعم أنه مشرك، لينجو من بطشهم (2).

ومن أعجب زيغهم عن الحق أيضاً، أنهم كانوا يستحلون قتل أطفال المسلمين، يتأولون في ذلك قول الله تعالى - حكاية عن نوح عليه السلام - * (رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً * إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً) * (3)، فكانوا يستندون في قتل أبناء المسلمين إلى هذه الآية الكريمة، يتأولونها على أن هؤلاء الأطفال صائرون إلى الكفر والفجور، إذا بلغوا مبلغ الرجال، وبهذا يسوغ قتلهم.

وليس يعرف الناس منطقاً، أدخل في باب الخبل، وأنأى عن مقاصد الشريعة، وأشد حرباً لكتاب الله، من هذا المنطق الخبيث (4).

____________

(1) سورة التوبة: آية 6.

(2) أنظر أمثلة الكامل للمبرد 30 / 212، شرح نهج البلاغة 2 / 280 - 283.

(3) سورة نوح: آية 26 - 27.

(4) الباقوري: مع القرآن ص 43 - 44.

الصفحة 151


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net