متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
1 - العصمة
الكتاب : الإمامة وأهل البيت (ع) ج1    |    القسم : مكتبة أهل البيت (ع)

1 - العصمة:

لعل من الجدير بالإشارة - بادئ ذي بدء - أن الناس قد اختلفوا في معصوم من هو؟

فقال قوم: المعصوم هو الذي لا يمكنه الإتيان بالمعاصي، وهؤلاء هم الأقلون أهل النظر، واختلفوا في عدم التمكن كيف هو؟

فقال قوم منهم: المعصوم هو المختص في نفسه أو بدنه أو فيهما، الخاصية تقتضي امتناع إقدامه على المعاصي.

وقال قوم منهم: بل المعصوم مساو في الخواص النفسية والبدنية لغير المعصوم، وإنما العصمة هي القدرة على الطاعة، أو عدم القدرة على المعصية، هذا قول الأشعري نفسه، وإن كان كثير من أصحابه قد خالفوه فيه.

وقال الأكثرون من أهل النظر: بل المعصوم مختار، متمكن من المعصية طاعة.


الصفحة 187
وهناك تفسيران للعصمة:

أحدهما: أنها أمور يفعلها الله تعالى بالمكلف، فتقضي ألا يفعل المعصية اقتضاء غير بالغ إلى حد الإيجاب، وفسروا هذه الأمور، فقالوا: إنها أربعة أشياء، أولها: أن يكون لنفس الإنسان ملكة مانعة من الفجور، داعية إلى العفة، وثانيها: العلم بمثالب المعصية، ومناقب الطاعة. وثالثها: تأكيد ذلك العلم بالوحي والبيان من الله تعالى. ورابعها: أنه متى صدر عنه خطأ من باب النسيان والسهو، لم يترك مهلاً بل يعاقب وينبه، ويضيق عليه العذر.

قالوا: فإذا اجتمعت هذه الأمور الأربعة، كان الشخص معصوماً عن المعاصي لا محالة، لأن العفة إذا انضاف إليها العلم، بما في الطاعة من سعادة، وما في المعصية من شقاوة، ثم أكد ذلك تتابع الوحي إليه وترادفه، وتظاهر البيان عنده، وتمم ذلك خوفاً من العقاب على القدر القليل، حصل من اجتماع هذه الأمور حقيقة العصمة.

وثانيهما: - العصمة لطف يمتنع المكلف عند فعله من القبيح اختياراً، وقد يكون ذلك اللطف خارجاً عن الأمور الأربعة المعدودة، مثل أن يعلم الله تعالى أنه إن أنشأ سحاباً، أو أهب ريحاً، أو حرك جسماً، فإن زيداً يمتنع عن قبيح مخصوص اختياراً، فإنه تعالى يجب عليه فعل ذلك، ويكون هذا اللطف عصمة لزيد، وإن كان الإطلاق المشتهر في العصمة، إنما هو لمجموع ألطاف يمتنع المكلف بها عن القبيح مدة زمان تكليفه (1).

وترى الشيعة الإمامية أن الأنبياء لا تجوز عليهم الكبائر ولا الصغائر، لا عمداً ولا خطأ، ولا سهواً، ولا على سبيل التأويل والتشبيه، وكذلك قولهم في الأئمة (2).

____________

(1) شرح نهج البلاغة 7 / 7 - 8.

(2) شرح نهج البلاغة 7 / 12، وانظر آراء أخرى 7 / 7 - 21.

الصفحة 188
وهكذا رأت الشيعة الإمامية أن العصمة واجبة للإمام، قال ابن بابويه القمي في رسالته للصدوق (ص 108 - 109): اعتقدنا في الأخبار الصحيحة عن الأئمة أنها موافقة لكتاب الله، متفقة المعاني، غير مختلفة، لأنها مأخوذة من طريق الوحي عن الله سبحانه وتعالى (1).

وقال المجلسي: أصحابنا الإمامية أجمعوا على عصمة الأنبياء والأئمة من الذنوب الصغيرة والكبيرة، وعمداً وخطأ ونسياناً - قبل النبوة والإمامة وبعدهما، بل من وقت ولادتهم، إلى أن يلقوا الله تعالى، ولم يخالف في ذلك إلا الصدوق محمد بن بابويه وشيخه ابن الوليد، فإنهما جوزا الإسهاء، من الله تعالى، لأن السهو الذي يكون من الشيطان في غير ما يتعلق بالتبليغ وبيان الأحكام (2).

وقال الطوسي: لا يجوز عليهم - أي على الأئمة - السهو والنسيان فيما يؤدونه عن الله تعالى، أما غير ذلك، فإنه يجوز أن ينسوه أو يسهون عنه، مما لم يؤد ذلك إلى الإخلال بكمال العقل، وكيف لا يجوز عليهم ذلك، وهم ينامون ويمرضون، ويغشى عليهم، والنوم سهو، وينسون كثيراً من متصرفاتهم أيضاً، وما يجري لهم فيما مضى من الزمان (1).

ومن المعروف أن سيدنا ومولانا وجدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنما قد أوصى أمته بأهل بيته، وساواهم بالقرآن - كما في حديث الثقلين الذي أشرنا إليه آنفاً - وذلك لأن أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، سلالة الحسن والحسين، أبناء الزهراء والإمام علي، إنما هم بضعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، سيد الأنبياء، الذي اصطفاه الله من أطهر المناقب، وأعرق الأصول، وتعهدهم نوره في الأصلاب الطاهرة إلى الأرحام الطاهرة، من لدن آدم، حتى حملته أمه، ما تشعبت شعبتان إلا وكان

____________

(1) بحار الأنوار 25 / 350 - 351.

(2) التبيان 4 / 165 - 166.

الصفحة 189
رسول الله صلى الله عليه وسلم، في خيرهما شعبة، ولا افترقت فرقتان، إلا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، في أكرمهما فرقة، ومن ثم كان أهل بيت النبوة، سلالة النبي صلى الله عليه وسلم، أهل الحسب والنسب، والطهر والشرف، لا يلوثهم رجس، ولا ينالهم دنس، فلقد طهرهم الله - فضلاً منه وكرماً - ثم دعا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، فقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس، وطهرهم وتطهيراً.

ويقول العارف بالله محيي الدين بن عربي (560 - 638 هـ‍) في كتابه الفتوحات الملكية: ولما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، عبداً محضاً، قد طهره الله تعالى، وأهل بيته، تطهيراً، وأذهب عنهم الرجس قال الله تعالى: * (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً) * (1)، فلا يضاف إليه إلا مطهر، ولا بد، فإن المضاف إليهم هو الذي يشبههم، فما يضيفون لأنفسهم، إلا من له حكم الطهارة والتقديس، وأهل البيت هم المطهرون، بل هم عين الطهارة، فهذه الآية إنما تدل على أن الله تعالى قد شرك أهل البيت، مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، في قول الله تعالى: * (ليغفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر) * (2).

وهكذا طهر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالمغفرة، مما هو ذنب بالنسبة إلينا، لو وقع منه صلى الله عليه وسلم، لكان ذنباً في الصورة - لا في المعنى - لأن الذنب لا يلحق به على ذلك، من الله تعالى، ولا منا شرعاً، فلو كان حكمه حكم الذنب لصحبه ما يصحب الذنب من المذمة، ولم يكن يصدق قول الله تعالى: * (ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً) *.

ومن ثم فقد دخل الأشراف أولاد سيدة نساء العالمين - السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام - كلهم إلى يوم القيامة في حكم هذه الآية من الغفران، فهم المطهرون باختصاص من الله تعالى، وعناية بهم، لشرف محمد صلى الله عليه وسلم،

____________

(1) سورة الأحزاب: آية 33.

(2) سورة الفتح: آية 2.

الصفحة 190
وعناية الله سبحان وتعالى به، وبالتالي فينبغي لكل مسلم مؤمن بالله، وبما أنزله، أن يصدق الله تعالى في قوله: * (ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً) *، فيعتقد في جميع ما يصدر من أهل البيت - رضوان الله عليهم - أن الله تعالى قد عفا عنهم، ولا ينبغي لمسلم أن يلحق المذمة، ولا ما يشنأ أعراض من قد شهد الله تعالى بتطهيرهم، وإذهاب الرجس عنهم، ليس ذلك بعمل عملوه، ولا بخير قدموه، بل هو سابق عناية واختصاص إلهي، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم (1).

على أن هذا الشرف لأهل بيت النبوة، لا يظهر إلا في الدار الآخرة، فإنهم يحشرون مغفوراً لهم، وأما في الدنيا فمن أتى منهم حداً، أقيم عليه، لقوله صلى الله عليه وسلم: لو أن فاطمة بنت محمد سرقت، لقطعت يدها وقد أعاذها الله من ذلك، وطهرها تطهيراً (2).

وقصة الحديث الشريف - كما رواه ابن سعد في طبقاته، وابن الأثير في أسد الغابة، وابن عبد البر في الإستيعاب، وابن حجر العسقلاني في الإصابة - واللفظ لابن الأثير: روى عمار الدهني عن شقيق قال: سرقت فاطمة بنت أبي الأسد، فأشفقت قريش أن يقطعها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلموا أسامة بن زيد، فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: كل شئ، ولا ترك حد من حدود الله عز وجل، ولو كانت فاطمة بنت محمد لقطعتها، فقطعها (3).

ويذكر المقريزي (766 - 845 هـ‍) في كتابه معرفة ما يجب لآل البيت النبوي من الحق على من عداهم ما رواه الحاكم في المستدرك من حديث معاوية بن هشام عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن فاطمة

____________

(1) سورة الحديد: آية 21.

(2) ابن عربي: الفتوحات المكية 1 / 196 - 198.

(3) أنظر: أسد الغابة 7 / 218، الإستيعاب 4 / 386 الإصابة في تمييز الصحابة 4 / 380.

الصفحة 191
أحصنت فرجها، فحرم الله ذريتها على النار (1)، وما رواه الحافظ محب الدين الطبري في ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى، وأخرجه الملا في سيرته من حديث حصين بن عمران قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سألت ربي أن لا يدخل النار أحداً من أهل بيتي، فأعطاني ذلك.

وفي رواية - في مجمع الزوائد - عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها: إن الله غير معذبك ولا ولدك - قال أخرجه الطبراني عن ابن عباس (2).

وفي كنز العمال: إن فاطمة حصنت فرجها، وإن الله أدخلها بإحصان فرجها وذريتها الجنة.

قال: أخرجه الطبري عن ابن مسعود (3).

وروى الخطيب البغدادي (392 - 463 هـ‍) بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ابنتي فاطمة حوراء آدمية، لم تحض ولم تطمث، وإنما سماها فاطمة لأن الله فطمها ومحبيها عن النار (4).

وذكره ابن حجر الهيثمي (909 هـ‍/ 1504 - 974 هـ‍/ 1567 م) في صواعقه، وقال: أخرجه النسائي (5).

ويقول المقريزي - نقلاً عن العلامة نجم الدين سليمان بن عبد القوي، المعروف بابن عباس الطوفي (657 - 716 هـ‍) (6) - في الإرشادات الإلهية في المباحث الأصولية - أن الشيعة قد احتجت بقول الله تعالى: * (إنما يريد الله

____________

(1) المستدرك للحاكم 3 / 152، حلية الأولياء 4 / 188، ميزان الاعتدال 9 / 202.

(2) مجمع الزوائد 9 / 202، كنز العمال 6 / 219.

(3) كنز العمال 6 / 219.

(4) تاريخ بغداد 12 / 331.

(5) الصواعق المحرقة ص 96.

(6) أنظر: ابن حجر العسقلاني: الدرر الكامنة من أعيان المائة الثامنة 2 / 249 - 252.

الصفحة 192
ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً) *، على أن أهل البيت معصومون، ثم على أن إجماعهم حجة.

وأما أنهم معصومون، فلأنهم طهروا، وأذهب الله عنهم الرجس والرجس اسم جامع لكل شر ونقص، والخطأ وعدم العصمة بالجملة شر ونقص، فيكون ذلك مندرجاً تحت عموم الرجس الذاهب عنهم، فتكون الإصابة في القول والفعل والاعتقاد، والعصمة بالجملة ثابتة لهم.

هذا فضلاً عن أن الله طهرهم، وأكد تطهيرهم بالمصدر، حيث قال:

* (ويطهركم تطهيراً) *، أي ويطهركم من الرجس وغيره تطهيراً، إذ هي تقتضي عموم تطهيرهم من كل ما ينبغي التطهير منه عرفاً، أو عقلاً أو شرعاً، والخطأ وعدم العصمة داخل تحت ذلك، فيكونون مطهرين منه، ويلزم من ذلك عموم إصابتهم وعصمتهم (1).

ثم أكد دليل عصمتهم من الكتاب والسنة في الإمام علي وحده، وفي فاطمة عليها السلام وحدها، وفي جميعهم.

أما دليل العصمة في الإمام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه، وكرم الله وجهه في الجنة - فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم، لما أرسله إلى اليمن قاضياً، ثم قال:

يا رسول الله، كيف تبعثني قاضياً، ولا علم لي بالقضاء؟ قال: اذهب، فإن الله سيهدي قلبك، ويسدد لسانك، ثم ضرب صدره وقال: اللهم اهد قلبه، وسدد لسانه (2).

وروى الإمام أحمد في فضائل الصحابة (2 / 699 - 700) بسنده عن سماك عن حنش عن علي قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى اليمن، قال: فقلت:

____________

(1) المقريزي: فضل آل البيت - معرفة ما يجب لآل البيت النبوي من الحق على من عداهم - القاهرة 1973 ص 35 - 36.

(2) مسند الإمام أحمد 1 / 111، 149.

الصفحة 193
يا رسول الله، تبعثني إلى قوم أسن مني، وأنا حدث لا أبصر القضاء، قال:

فوضع يده على صدري، وقال: اللهم ثبت لسانه، واهد قلبه، يا علي، إذا جلس إليك الخصمان، فلا تقض بينهما، حتى تسمع من الآخر، ما سمعت من الأول، فإنك إذا فعلت ذلك تبين لك القضاء، قال: فما اختلف على قضاء بعد، أو ما أشكل على قضاء بعد. وفي رواية أخرى - في فضائل الصحابة أيضاً (2 / 580 - 581) عن الأعمش عن عمر وبن مرة عن أبي البختري عن علي قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، وأنا شاب، فقلت: يا رسول الله تبعثني إلى قوم أقضي بينهم، ولا علم لي بالقضاء؟ فقال: أدن، فدنوت، فضرب يده على صدري، فقال: اللهم اهد قلبه، وثبت لسانه، قال: فما شككت في قضاء بين اثنين.

قالوا: قد دعا له بهداية القلب، وسداد اللسان، وأخبره بأن سيكونا له، ودعاؤه مستجاب، وخبره حق وصدق، ونحن لا نعني بالعصمة إلا هداية القلب للحق، ونطق اللسان بالصدق، فمن كان عنده للعصمة معنى غير هذا، أو ما يلازمه فليذكره (1).

وأما دليل العصمة في السيدة فاطمة عليها السلام، فقوله صلى الله عليه وسلم: فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها، ويؤذيني ما آذاها (2)، والنبي صلى الله عليه وسلم، معصوم، ومن ثم فبضعته - أي جزؤه - والقطعة منه، يجب أن تكون معصومة.

وهناك قصة أبي لبابة الذي ربط نفسه في عمود من عمد المسجد النبوي الشريف، بسبب ما فاه به ليهود بني قريظة، عندما سألوه: أينزلون على حكم محمد، قال: نعم، وأشار بيده إلى حلقه إنه الذبح، إن لم تفعلوا، وقد أقسم أن لا يطلقه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، روى الإمام السهيلي بسنده عن الإمام علي زين

____________

(1) المقريزي: المرجع السابق ص 36 - 38.

(2) الحديث الشريف له صيغ مختلفة (أنظر: صحيح البخاري 5 / 28، 5 / 36، 7 / 47، صحيح مسلم 16 / 2 - 4.


الصفحة 194
العابدين بن مولانا الإمام الحسين، أن فاطمة الزهراء، عليها السلام، أرادت حله، حين نزلت توبته، فقال: أقسمت أن لا يحلني، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن فاطمة بضعة مني، فحلته، فصلى الله عليه وعلى فاطمة، فهذا حديث يدل على أن من سبها فقد كفر، وأن من صلى عليها فقد صلى على أبيها صلى الله عليه وسلم. وبدهي أنها معصومة مثله.

وأما دليل العصمة في آل البيت جميعاً - علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام - فقول رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما رواه الترمذي بسنده عن أبي سعيد والأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن زين بن أرقم، قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به، لن تضلوا أبداً، أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله، حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا على الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما (1).

وفي رواية عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، في حجته يوم عرفة - وهو على ناقته القصواء يخطب - فسمعته يقول: يا أيها الناس، إني تارك فيكم، ما إن أخذتم به لن تضلوا، كتاب الله، وعترتي أهل بيتي (2).

ورواه المتقي في كنز العمال وقال: أخرجه ابن أبي شيبة والخطيب في المتفق والمفترق عن جابر (3).

وروى الإمام أحمد في الفضائل بسنده عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني تارك فيكم خليفتين، كتاب الله حبل ممدود، ما بين السماء والأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض (4).

____________

(1) صحيح الترمذي 2 / 308.

(2) صحيح الترمذي 2 / 308.

(3) كنز العمال 1 / 48، فضائل الخمسة 2 / 45.

(4) ابن حنبل: فضائل الصحابة 2 / 603.


الصفحة 195
وفي رواية عن أبي الجحاف عن عطية عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تركت فيكم ما إن تمسكتم به فلن تضلوا، كتاب الله، وأهل بيتي (1).

وأخرجه أحمد في المسند من طريق، عطية عن أبي سعيد، وأخرجه الترمذي (2) عن طريق الأعمش عن عطية أبي سعيد، ثم قرنه بقوله:

والأعمش عن حبيب بن ثابت عن زيد بن أرقم وعن طريق زيد بن الحسن القرشي الكوفي الأنماطي عن الإمام جعفر الصادق عن الإمام محمد الباقر عن جابر بن عبد الله مرفوعاً (3).

وروى مسلم في صحيحه بسنده عن زيد بن أرقم قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوماً فينا خطيباً بماء يدعى خماً بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكر، ثم قال: أما بعد، ألا أيها الناس، فإنما أنا بشر، يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وإني تارك فيكم ثقلين، أولهما: كتاب الله، فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به، فحث على كتاب الله، ورغب فيه، ثم قال:

وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي (4).

وفي رواية: فقلنا: من أهل بيته، نساؤه؟ قال: لا، وأيم الله، إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر، ثم يطلقها فترجع إلى بيت أبيها وقومها، أهل بيته، أصله وعصبته، الذين حرموا الصدقة بعده (5).

____________

(1) ابن حنبل: فضائل الصحابة 1 / 171 - 172.

(2) مسند الإمام أحمد 3 / 14، 17، 26، 59، صحيح الترمذي 5 / 663.

(3) فضائل الصحابة 1 / 172.

(4) صحيح مسلم 15 / 179 - 180.

(5) صحيح مسلم 15 / 181.

الصفحة 196
وأخرجه أحمد في المسند والدرامي والحاكم عن زيد بن أرقم (1)، وأخرجه أحمد، وابن أبي عاصم في السنة عن زيد بن ثابت، وقال الهيثمي في رواية أحمد: وإسناده حسن (2)، وأخرجه الطبراني في الكبير عن حذيفة بن أسيد (3).

وروى الإمام أحمد في الفضائل بسنده عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني قد تركت فيكم خليفتين، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنهما يردان على الحوض (4).

وروى ابن الأثير في أسد الغابة بسنده عن أبي سعيد والأعمش عن حبيب بن ثابت عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا، أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا على الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما (5).

وروى الإمام أحمد في الفضائل بسنده عن عطية عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني تارك فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض (6).

وفي رواية أيضاً عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إني أوشك أن أدعى فأجيب، وإني تارك فيكم الثقلين، كتاب الله، وعترتي

____________

(1) مسند أحمد 4 / 367 - 371، سنن الدرامي 2 / 431، مجمع الزوائد 9 / 163.

(2) مسند الإمام أحمد 5 / 181، مجمع الزوائد 9 / 163.

(3) معجم الطبراني الكبير 3 / 200، مجمع الزوائد 9 / 165.

(4) فضائل الصحابة 2 / 786.

(5) أسد الغابة 2 / 13.

(6) فضائل الصحابة 2 / 779، مسند الإمام أحمد 3 / 14 معجم الطبراني الكبير 3 / 62.

الصفحة 197
أهل بيتي، وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يتفرقا حتى يرد على الحوض، فانظروا بما تخلفوني فيهما (1).

وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم قال:

لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع، ونزل غدير خم، أمر بدوحات فأقمن، فقال: كأني قد دعيت فأجيب، إني تركت فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله تعالى، وعترتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض.

ثم قال: إن الله عز وجل مولاي، وأنا مولى كل مؤمن، ثم أخذ بيد علي عليه السلام، فقال: من كنت مولاه، فهذا وليه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه (2).

وروى النسائي في الخصائص بسنده عن زيد بن أرقم قال: لما دفع النبي صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع، ونزل غدير خم، أمر بدوحات فقممن، ثم قال: كأني دعيت فأجبت، وإني تارك فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض.

ثم قال: إن الله مولاي، وأنا ولي كل مؤمن، ثم إنه أخذ بيد علي، رضي الله عنه، فقال: من كنت وليه، فهذا وليه اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، فقلت لزيد سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنه ما كان في الدرجات أحد، إلا رآه بعينه، وسمعه بأذنيه (3). وذكره المتقي الهني في كنز العمال (4).

____________

(1) فضائل الصحابة 2 / 779، مسند الإمام أحمد 3 / 17، معجم الطبراني الكبير 3 / 63.

(2) المستدرك للحاكم 3 / 109.

(3) النسائي: تهذيب خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ص 50 - 51 (بيروت 1983).

(4) كنز العمال 1 / 48، 6 / 390.

الصفحة 198
وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن سلمة بن كهيل عن أبيه عن أبي الطفيل عن ابن واثلة، أنه سمع زيد بن أرقم يقول: نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مكة والمدينة عند شجرات خمس دوحات عظام، فكنس الناس ما تحت الشجرات، ثم راح رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية فصلى، ثم قام خطيباً فحمد الله وأثنى عليه، وذكر ووعظ، فقال ما شاء الله أن يقول، ثم قال: أيها الناس، إني تارك فيكم أمرين، لن تضلوا إن اتبعتموها، وهما كتاب الله، وأهل بيتي عترتي، ثم قال: أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم ثلاث مرات؟ قالوا: نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

من كنت مولاه، فعلي مولاه (1).

ولعل من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن وجه الدلالة على العصمة في الأحاديث الآنفة الذكر (حديث الثقلين - بطرق وصيغ مختلفة) إنما هو أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنما قد لازم بين أهل بيته عليهم السلام، وبين القرآن المعصوم، ومن لازم المعصوم فهو معصوم. قالوا: وإذا أثبت عصمة أهل البيت، وجب أن يكون إجماعهم حجة لامتناع الخطأ والرجس عليهم، بشهادة المعصوم، وإلا لزم وقوع الخطأ فيه، وأنه محال.

واعترض الجمهور بأن قالوا: لا نسلم أن أهل البيت في الآية الكريمة (الأحزاب 33)، بل هم نساء النبي صلى الله عليه وسلم.

وأما ما أكدتم به عصمتهم من السنة، فأخبار آحاد، لا تقولون بها، مع أن دلالتها ضعيفة. وأجاب الشيعة: إن أهل البيت في الآية إنما هم: علي وفاطمة والحسن والحسين، وهو أمر ثابت بالنص والإجماع، وقد قال به كثيرون، قال به أبو سعيد الخدري وأنس بن مالك وواثلة بن الأسقع، وأم المؤمنين عائشة، وأم المؤمنين أم سلمة، وابن أبي سلمة - ربيب النبي صلى الله عليه وسلم - وسعد وغيرهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

____________

(1) المستدرك للحاكم 3 / 109.

الصفحة 199
وقال به الكثيرون من أهل التفسير والحديث، قال به الفخر الرازي في التفسير الكبير، وقاله الزمخشري في الكشاف، والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن، والشوكاني في فتح القدير، والطبري في جامع البيان عن تأويل آي القرآن، والسيوطي في الدر المنثور، وابن حجر العسقلاني في الإصابة، والحاكم في المستدرك، والذهبي في تلخيصه، والإمام أحمد بن حنبل في المسند، والواحدي في أسباب النزول.

وأما خبر الآحاد، فقال الشيعة عنه: إننا أكدنا به دليل الكتاب، ثم هي لازمة لكم، فنحن أوردناها إلزاماً، لا استدلالاً.

على أن الرأي عند الطوفي، أن آية التطهير (الأحزاب 33) ليست نصاً ولا قاطعاً في عصمة آل البيت، وإنما قصاراها أنها ظاهرة في ذلك بطريق الاستدلال الذي حكيناه عنهم (1).

ولعل مما تجدر الإشارة إليه، دخول أبناء فاطمة البتول، عليها السلام، في حكم آية التطهير من الغفران، فهم المطهرون اختصاصاً من الله تعالى، وعنايةً بهم، لشرف محمد صلى الله عليه وسلم، وعناية الله به.

ويذهب بعض العارفين إلى أن حكم هذه النسبة لأهل البيت تكون في الدار الآخرة، فإنهم يحشرون مغفوراً لهم، قال الله تعالى: * (جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم) * (2). قال سعيد بن جبير (3):

____________

(1) المقريزي: فضائل أهل البيت (معرفة ما يجب لآل البيت النبوي من الحق على من عداهم - دار الاعتصام القاهرة 1393 هـ‍/ 1973 م ص 39 - 42.

(2) سورة الرعد: آية 23.

(3) سعيد بن جبير: هو أبو عبد الله سعيد بن جبير، الأسدي الكوفي، ولد عام 45 هـ‍/ 665 م، وتتلمذ على عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمرو، وكان سعيد من أكثر التابعين علماً ومكانة، ومن أوائل مفسري القرآن الكريم، أمر به الحجاج الثقفي فقتل عام 95 هـ‍/ 714 م، بسبب حبه لآل البيت، ومعارضته سياسة الحجاج وبني أمية.

=>


الصفحة 200
يدخل الرجل الجنة فيقول: أين أبي، أين أمي، أين زوجي؟ فيقال له: لم يعملوا مثل عملك، فيقول: كنت أعمل لي ولهم، فيقال لهم: ادخلوا الجنة (1).

وقال ابن عباس (2): إن الله تعالى جعل من ثواب المطيع، سروره بما يراه في أهله، حيث بشره بدخول الجنة مع هؤلاء، فدل على أنهم يدخلونها، كرامةً للمطيع العامل، ولا فائدة للتبشير والوعد، إلا بهذا، إذ كل مصلح في عمله، قد وعد دخول الجنة.

ومن البديهي، أنه إذا جاز أن يكرم الله تعالى عباده المؤمنين بالذين عملوا بطاعته، ونهوا أنفسهم عن مخالفته، بأن يدخل معهم الجنة من أهاليهم وذوي قرباهم، من كان مؤمناً قد قصر في عبادة ربه، وخالف بعض ما نهى عنه،

____________

<=

وأهم مصادر ترجمته (طبقات ابن سعد 6 / 256 - 267 ط بيروت، المعارف لابن قتيبة ص 227 - 228، الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 2 / 1، 9 - 10، حلية الأولياء 4 / 272 - 309، أخبار أصفهان لأبي نعيم 1 / 324 - 325، طبقات الفقهاء للشيرازي ص 61 - 62، التهذيب لابن حجر 4 / 11 - 14، الأعلام للزركلي 3 / 154، وفيات الأعيان 2 / 371 - 374، شذرات الذهب 1 / 108 - 110).

(1) المقريزي: المرجع السابق ص 59 - 60.

(2) هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، ولد في العام الثالث قبل الهجرة، وتوفي عام 68 هـ‍(687 م) أو 769 هـ‍(688 م) أو 70 هـ‍(689 م)، وصحب جيوش الإسلام إلى مصر وشمال إفريقيا وجرجان وطبرستان والقسطنطينية، وكان والياً على البصرة في خلافة الإمام علي عام 49 هـ‍، اعتزل السياسة بعد موت الإمام علي، وعاش في الطائف على عطائه. ويعد ابن عباس أول مفسري القرآن (وله تفسير مطبوع في جزأين، نشرته جامعة أم القرى بمكة المكرمة) وقد وصف بأنه ترجمان القرآن وحبر الأمة، وكان عمر بن الخطاب يقدمه على كبار الصحابة، وقال عنه الأعمش: إذا رأيته قلت أجمل الناس، فإذا تكلم قلت أفصح الناس، فإذا حدث قلت أعلم الناس. وأما أهم مصادر ترجمته (وفيات الأعيان 3 / 62 - 64، شذرات الذهب 1 / 75 - 76، طبقات ابن سعد 2 / 119 - 125، المحبر لابن حبيب ص 89 حلية الأولياء 1 / 314 - 329، طبقات الفقهاء للشيرازي ص 18 - 19، تذكرة الحفاظ للذهبي ص 40 - 42، الإصابة لابن حجر 2 / 330 - 334 تهذيب التهذيب لابن حجر 5 / 276 - 279، الأعلام للزركلي 4 / 288، الإستيعاب 2 / 350 - 357).

الصفحة 201
بطريق التبعية لهم، لأنهم قد استحقوا تلك المنازل بما أسلفوا من الطاعات في الدنيا، فرسول الله صلى الله عليه وسلم، سيد المرسلين، وإمام المتقين، أولى بهذه الكرامة، أن يدخل الله تعالى عصاة ذريته الجنة، تبعاً له، ويرضى عنهم برضاه عنه صلى الله عليه وسلم (1).

روى الإمام الطبري في تفسيره، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله ليرفع ذرية المؤمن إليه في درجته، وإن كانوا دونه في العمل، لتقر بهم عينه، ثم قرأ * (والذين آمنوا واتبعتهم (2) ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شئ) * (3). قال: ما أنقصنا الآباء بما أعطيناه للبنين.

وروى الإمام النسفي في قوله تعالى: * (وألحقنا بهم ذريتهم) * أي نلحق الأولاد - بإيمانهم وأعمالهم - درجات الآباء وقيل: إن الذرية، وإن لم يبلغوا مبلغاً يكون منهم الإيمان استدلالاً، وإنما تلقوا منهم تقليداً، فهم يلحقون بالآباء، وما ينقص ثواب عمل الآباء شيئاً (4).

وقال الإمام القرطبي في التفسير في قول الله تعالى: * (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم) *، روى عن ابن عباس أربع روايات: الأولى: إن الله ليرفع ذرية المؤمن معه في درجته في الجنة، - وإن كانوا دونه في العمل - لتقر به عينه، وتلا هذه الآية، وروى مرفوعاً عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله عز وجل ليرفع ذرية المؤمن معه في درجته في الجنة، وإن كان لم يبلغها بعمله، لتقر بهم عينه، ثم قال: * (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان) * - الآية.

____________

(1) المقريزي: المرجع السابق ص 60 - 67.

(2) قرأ العمامة واتبعتهم بوصل الألف وتشديد التاء وفتح العين وإسكان التاء، وقرأ أبو عمرو وأتبعناهم بقطع الألف وإسكان التاء والعين ونون، اعتباراً بقوله وألحقنا بهم ليكون الكلام على نسق واحد (تفسير القرطبي ص 6236).

(3) سورة الطور: آية 21.

(4) تفسير النسفي 4 / 191.

الصفحة 202
قال أبو جعفر: فصار الحديث مرفوعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكذا يجب أن يكون، لابن عباس لا يقول هذا، إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه إخبار عن الله عز وجل بما يفعله، وبمعنى أنه أنزله جل شأنه.

وقال الزمخشري: فيجمع الله لهم أنواع السرور، بسعادتهم في أنفسهم، وبمزاوجة الحور العين، وبمؤانسة الإخوان المؤمنين، وبإجماع أولادهم ونسلهم بهم.

وعن ابن عباس أنه قال: إن الله ليلحق بالمؤمن ذريته الصغار الذين لم يبلغوا الإيمان.

وعن ابن عباس يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا دخل أهل الجنة الجنة سأل أحدهم عن أبويه، وعن زوجته وولده، فيقال لهم: إنهم لم يدركوا ما أدركت، فيقول: يا رب، إني عملت لي ولهم، فيؤمر بإلحاقهم به.

وروى عن السيدة خديجة رضوان الله عليها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن المؤمنين وأولادهم في الجنة، والمشركين وأولادهم في النار، ثم قرأ * (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان) * - الآية (1).

ويقول الحافظ ابن كثير في تفسير الآية: يخبر تعالى عن فضله وكرمه وامتنانه، ولطفه بخلقه وإحسانه، أن المؤمنين إذا اتبعتهم ذرياتهم في الإيمان، يلحقون بآبائهم في المنزلة، وإن لم يبلغوا عملهم، لتقر أعين الآباء بالأبناء عندهم في منازلهم، فيجمع بينهم على أحسن الوجوه، بأن يرفع ناقص العمل بكامل العمل، ولا ينقص ذلك من عمله ومنزلته للتساوي بينه وبين ذاك، ولهذا قال * (ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شئ) *، قال الثوري عن عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال: إن الله ليرفع ذرية

____________

(1) تفسير القرطبي ص 6236 - 6239 (كتاب الشعب - القاهرة 1970).

الصفحة 203
المؤمن في درجته، وإن كانوا دونه في العمل، لتقر بهم عينه، ثم قرأ * (والذين آمنوا و اتبعتهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شئ) * (1).

وأما فضل الله تعالى على الآباء ببركة دعاء الأبناء، فلقد روى الإمام أحمد في مسنده بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله ليرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنة، فيقول: يا رب أنى لي هذه؟ فيقول:

باستغفار ولدك لك (2).

والحديث إسناده صحيح، ولم يخرجوه من هذا الوجه (3)، ولكن له شاهد في صحيح مسلم عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إذا ما مات ابن آدم انقطع عمله، إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له (4).

ويخلص المقريزي من ذلك كله: بأن الله تعالى، إذا أكرم المؤمن لإيمانه، فجعل ذريته الذين لم يستحقوا درجته معه في الجنة لتقصيرهم، فالمصطفى صلى الله عليه وسلم، أكرم على ربه تعالى من أن يهين ذريته بإدخالهم النار في الآخرة، وهو جل وعز القائل * (إنك من تدخل النار فقد أخزيته) * (5). بل إن من كمال شرفه صلى الله عليه وسلم، ورفيع قدره، وعظيم منزلته عند الله تعالى، أن يقر الله عينه بالعفو عن جرائم ذريته، والتجاوز عن معاصيهم، ومغفرة ذنوبهم، وأن يدخلهم الجنة من غير عذاب (6).

____________

(1) تفسير ابن كثير 4 / 373 - 375 (دار الكتب العلمية - بيروت 1406 هـ‍/ 1986 م).

(2) مسند الإمام أحمد 2 / 509.

(3) صحيح ابن ماجة 2 / 1207.

(4) صحيح مسلم 5 / 73.

(5) سورة آل عمران: آية 192.

(6) المقريزي: المرجع السابق ص 60.

الصفحة 204
هذا فضلاً عن أن المقريزي إنما يستخلص من قول الله تعالى: * (وأما الجدار فكان لغلامين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبو هما صالحاً) * (1)، روى الحاكم في المستدرك بسنده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، رضي الله عنهما، في قوله و كان أبوهما صالحاً قال: حفظاً لصلاح أبيهما، وما ذكر عنهما صلاحاً - قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين (2)، وكان السابع من آبائهما.

ويقول المقريزي: فإذا صح أن الله سبحانه وتعالى قد حفظ غلامين، لصلاح أبيهما، فيكون قد حفظ الأعقاب برعاية الأسلاف، وإن طالت الأحقاب (3).

ومن ذلك في الأثر من أن حمام الحرم من حمامتين عششتا على فم الغار الذي اختفى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلذلك حرم حمام الحرم، وإذا كان ذلك كذلك، فمحمد صلى الله عليه وسلم أحرى وأولى وأحق، وأجدر أن يحفظ الله تعالى ذريته، فإنه إمام الصلحاء، وما أصلح الله فساد خلقه إلا به، ومن جملة حفظ الله تعالى لأولاد فاطمة عليها السلام، أن لا يدخلهم النار يوم القيامة (4).

وأخرج أبو داود الطيالسي بسنده عن حمزة بن أبي سعيد الخدري عن أبيه قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما بال أقوام يزعمون أن رحمي لا تنفع، والذي نفسي بيده، إن رحمي لموصولة في الدنيا والآخرة، وإني فرطكم (أي متقدم عليكم) على الحوض، أيها الناس، ألا وسيجئ قوم يوم القيامة، فيقول القائل منهم: يا رسول الله، أنا فلان بن فلان، فأقول: أما النسب فقد عرفت،

____________

(1) سورة الكهف: آية 82.

(2) المستدرك للحاكم 2 / 369.

(3) المقريزي: المرجع السابق ص 61.

(4) نفس المرجع السابق ص 62.

الصفحة 205
ولكنكم ارتددتم بعدي، ورجعتم القهقرى (1) - ورواه شريك فذكره، فقيل له:

يا أبا عبد الله، علام حملتم هذا الحديث؟ قال: على أهل الردة (2).

ولعل من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن إمام الحرمين الجويني، إنما يذهب إلى عدم عصمة الأئمة - بل الأنبياء - فيقول: إن علياً وابنيه الحسن والحسين وأولادهم - صلوات الله عليهم - ما كانوا يدعون لأنفسهم العصمة والتنقي من الذنوب، بل كانوا يعترفون بها سراً وعلناً، ويتضرعون إلى الله، مستغفرين خاضعين خانعين، فإن صدقوا فهو المبتغى، وإن تكن الأخرى، فالكذب خطيئة من الخطايا، يجب الاستغفار والتوبة منها.

ثم يقول: فمن أبدى مراءً في اعترافهم بالذنوب، فقد جاحد ضرورات العقول، ومن اعترف بذلك، واعتقد عصمتهم، فقد نسبهم إلى الخلف عمداً، والكذب قصداً، وهذا إثبات ذنب في مساق ادعاء التبري من الذنوب.

فإن قالوا: كان الأنبياء يستغفرون أيضاً - مع وجود العصمة لهم - قلنا:

مذهبنا الذي ندين به، أنه لا تجب عصمة الأنبياء عن صغائر الذنوب، وآي القرآن في أقاصيص النبيين مشحونة بالتنصيص على هنات كانت منهم، استوعبوا أعمارهم في الاستغفار منها (3).

ثم يدلل الجويني على عدم عصمة الأئمة بوجوه، منها (أولاً) أن الإمام لا يتأتى منه تعاطي مهمات المسلمين في المشارق والمغارب، ولا يجد بداً من

____________

(1) منحة المعبود في ترتيب مسند الطيالسي أبي داود 2 / 64. هذا وقد رواه بمثله الإمام أحمد في مسنده 3 / 18.

(2) المقريزي: المرجع السابق ص 63.

وانظر: محمد بيومي مهران: السيدة فاطمة الزهراء ص 72 - 77 (بيروت 1990).

(3) أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني: الغياثي - غياث الأمم في التياث الظلم - تحقيق عبد العظيم الديب - الدوحة 1400 هـ‍ص 91 - 94 (طبع على نفقة الشؤون الدينية بدولة قطر).

الصفحة 206
استخلاف الولاة، ونصب القضاة، وجباة الأخرجة والصدقات، وغيرها من أموال الله، والذي يتولى الإمام من أمر المسلمين بنفسه الأقل، ثم لا تجب عصمة ولاة الأمر، حيث كانوا في أطراف خطة الإسلام، وفيه بطلان ما ذكروه، فما تغني عصمته، ولا يشترط عصمة مستخلفيه (1).

ومنها (ثانياً) أن من ينادون بعصمة الأئمة يقولون: التقية ديننا، ودين آبائنا، ويوجبون على الأئمة أن يبوحوا بالكذب، ويبدون خلاف ما يعتقدون، وإذا كانوا كذلك، فليت شعري: كيف يعتمدون في أقوالهم، مع تجويز أنهم يظهرون خلاف ما يضمرون، وغايتهم في اشتراط العصمة اتباع الأئمة، فيما يأتون ويذرون، فإذا أسقطت الثقة بأقوالهم، كيف تجب العصمة في أفعالهم؟

ولئن جاز الكذب في القول تقية، فليجز الزلل في العمل لمثل ذلك.

ومنها (ثالثاً) أن الأنبياء تجب عصمتهم لدلالات المعجزات على صدق لهجتهم، ولو لم يتميز مدعي النبوة بآية باهرة، وحجة قاهرة عن المخرقين الكذابين، لما استقر عقد في نبوة، فمستند النبوات المعجزات إذاً.

وأما الأئمة، فلقد وضح من دين النبي إمامتهم، مع ما يتعرضون له من إمكان الهفوات، فإذا أثبتنا صحة الاختيار، ويستحيل معه علم المختارين في مطرد العادات بأحوال المنصوبين للزعامة، فاستناد الإمامة إلى النبوة، ومستند النبوة المعجزة، فلما تعلق مستند التبليغ بالنبي، لم يكن لتميزه ممن عداه بد من آية، والأئمة يبينون أو يفتون أو يتبعون فروعاً في شرائع الرسل، فإذا دل دليل على انتصابهم - مع التعرض للزلل - ولم يكن في العقول ما يأبى ذلك ويحيله، تلقيناه بالقبول، ونزلناه منزلة الشهود والمفتين وسائر ولاة المسلمين، وحماة الدين (2).

(1) نفس المرجع السابق ص 94 - 95.

(2) نفس المرجع السابق ص 95 - 97.

الصفحة 207


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net