متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
5 - البداء
الكتاب : الإمامة وأهل البيت (ع) ج1    |    القسم : مكتبة أهل البيت (ع)

5 - البداء:

اتفق المسلمون بكلمة واحدة على جواز النسخ ووقوعه في الشريعة الإسلامية، ومعناه في اصطلاح المفسرين وأهل التشريع، أن الله يشرع حكماً كالوجوب أو التحريم، ويبلغه نبيه، وبعد أن يعمل النبي وأمته بموجبه، يرفع الله هذا الحكم وينسخه، ويجعل في مكانه حكماً آخر، لانتهاء الأسباب الموجبة للحكم الأول وبقاء استمراره، وهذا النوع من النسخ ليس بعزيز، فإنه موجود في الشرائع السماوية والوضعية ولقد استدل المسلمون على جوازه ووقوعه بأدلة، منها أن الصلاة كانت في بدء الإسلام لجهة بيت المقدس، ثم نسخت وتحولت إلى جهة البيت الحرام (3)، قال تعالى: * (قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره) * (4).

واتفق المسلمون كذلك على عدم جواز النسخ في الطبيعيات، لأنه يستلزم

____________

(1) ابن تيمية: رسالة فضل أهل البيت وحقوقهم ص 46.

(2) أحمد صبحي: المرجع السابق ص 405.

(3) الشيعة في الميزان ص 52.

(4) سورة البقرة: آية 144.

الصفحة 264
الجهل وتجدد العلم لله، وحدوثه بعد نفيه عنه - تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً - ويسمى هذا البداء الباطل، وقد نسبه البعض إلى الإمامية جهلاً أو تجاهلاً، رغم إنكارهم له، روى الشيخ الصدوق في كتاب إكمال الدين وإتمام النعمة عن الإمام جعفر الصادق، رضوان الله عليه، أنه قال: من زعم أن الله عز وجل، يبدو له في شئ لم يعلمه أمس، فابرأوا منه (1).

وقال السيد محسن العاملي في كتابه نقض الوشيعة: أجمع علماء الإمامية في كل عصر وزمان، على أن البداء بهذا المعنى باطل، ومحال على الله تعالى، لأنه يوجب نسبة الجهل إليه تعالى، وهو منزه عن ذلك، تنزيهه عن جميع القبائح، وعلمه محيط بجميع الأشياء، إحاطة تامة، جزئياتها وكلياتها، لا يمكن أن يخفى عليه شئ، ثم يظهر له (2).

على أن المسلمين جميعاً - بعد أن نفوا البداء بهذا المعنى - أجازوا بداء لا يستدعي الجهل، وحدوث العلم لذات الله، وهو أن يزيد الله في الأرزاق والأعمار، أو ينقص منها، بسبب أعمال العبد، قال الشيخ المفيد في أوائل المقالات (باب القول في البداء والمشيئة): البداء عند الإمامية هو الزيادة في الآجال والأرزاق، والنقصان منها بالأعمال (3).

وقد اعتمد المفيد في هذا على قول الله تعالى: * (وقال ربكم أدعوني أستجب لكم) *، وروى الترمذي في سننه (باب لا يرد القضاء إلا الدعاء) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يرد القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر، إلا البر (5).

وانطلاقاً من كل هذا، فلقد اتفق المسلمون - شيعة وسنة - على أن أية

____________

(1) الشيعة في الميزان ص 53.

(2) السيد محسن الأمين: نقض الوشيعة ص 515 (ط 1951).

(3) الشيعة في الميزان ص 53.

(4) سورة غافر: آية 60.

(5) أنظر: السيد الخوئي: البيان في تفسير القرآن ص 277.

الصفحة 265
صفة تستدعي الجهل، وتجدد العلم، فهي منفية عن الله سبحانه وتعالى، بحكم العقل والشرع، سواء عبرنا عنها بالبداء أو بلفظ آخره، ومن ثم فليس صحيحاً أن الشيعة قد أجازوا البداء على الله، دون السنة، لأن المفروض أن البدء المستلزم للجهل باطل عند الفريقين، والبداء بمعنى الزيادة أو النقصان في الأرزاق والآجال، جائز عند الفريقين.

هذا إلى أن الشيعة الإمامية إنما تتشدد كثيراً عن الفرق الأخرى في صفات الباري سبحانه، وبالغوا كثيراً في تنزيهه عن كل ما فيه شائبة الجهل والظلم والتجسيم والعبث وما إليه، فلم يجيزوا على الله ما أجازه الأشاعرة وغيرهم، الذين قالوا: إن الخير والشر من الله، وأنه سبحانه يكلف الإنسان بما لا يطاق، وأنه - تعالى علواً كبيراً - يأمر بما يكره وينهى عما يحب، كما أن الإمامية نفوا عن الله تعالى التجسيم (1)، الذي قال به الحنابلة.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net