متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
1 - عمار بن ياسر
الكتاب : الإمامة وأهل البيت (ع) ج1    |    القسم : مكتبة أهل البيت (ع)

1 - عمار بن ياسر:

هو أبو اليقظان عمار بن ياسر، مولى أو حليف بني مخزوم، كان هو وأبوه وأمه سمية وأخوه من السابقين إلى الإسلام، وقد احتملوا الصدمة الأولى، وعذبوا عذاباً أليماً بأيدي السفهاء من قريش، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمر على آل ياسر بالأبطح، وهم يعذبون في رمضاء مكة، فيقول صبراً آل ياسر، موعدكم الجنة.

هذا وكان عمار محاطاً بهالة من الأحاديث النبوية الشريفة التي ترفع من شأنه، وتعوضه عن العذاب الذي لقيه في سبيل الله، وتجعله من عظماء المسلمين، روى الإمام أحمد في الفضائل بسنده عن مجاهد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما لهم ولعمار يدعوهم إلى الجنة، ويدعونه إلى النار، وذاك دأب الأشقياء الفجار (2).

وروى البخاري في صحيحه بسنده عن عكرمة، أن ابن عباس قال له ولعلي بن عبد الله: إئتيا أبا سعيد فاسمعا من حديثه، فأتيناه، وهو وأخوه في حائط لهما يسقيانه، فلما رآنا جاء فاحتبى وجلس، فقال: كنا ننقل لبن المسجد لبنة لبنة، وكان عمار (3) ينقل لبنتين لبنتين، فمر به النبي صلى الله عليه وسلم، ومسح عن رأسه

____________

(1) محمد جواد مغنية: الشيعة في الميزان ص 102.

(2) فضائل الصحابة 2 / 858، كنز العمال 11 / 724.

(3) هو عمار بن ياسر بن عامر بن مالك بن كنانة بن قيس بن الحصين بن الوذيم بن ثعلبة بن عوف بن حارثة بن عامر الأكبر بن يام بن عنس بن مالك بن أدد بن زيد بن يشجب المذحجي ثم العنسي، وكان أبوه ياسر قدم مكة هو وأخوان له هما الحارث ومالك في طلب أخ لهما رابع، فرجع الحارث ومالك إلى اليمن، وبقي ياسر، فحالف أبا حذيفة بن المغيرة المخزومي، وتزوج أمته سمية، فولدت له عماراً فأعتقه أبو حذيفة، وصار عمار مولى لبني مخزوم، فهو عرني قحطاني مذحجي من عنس (ابن الأثير: أسد الغابة 4 / 129 - 130)، وأما أهم مصادر ترجمة عمار فهي (الإصابة 2 / 512 - 513، الإستيعاب 2 / 476 - 481، أسد الغابة 4 / 129 - 135، طبقات

=>


الصفحة 289
الغبار، وقال: ويح عمار تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الله، ويدعونه إلى النار (1).

وروى مسلم في صحيحه بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: أخبرني من هو خير مني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمار، حين جعل يحفر الخندق، وجعل يسمح رأسه ويقول: بؤس ابن سمية، تقتله فئة باغية (2)، وعن سعيد بن أبي الحسن عن أمه عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمار: تقتلك الفئة الباغية (3).

وروى الإمام أحمد في الفضائل بسنده عن علي قال: كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء عمار فاستأذن فقال: إئذنوا له، مرحباً بالطيب المطيب (ورواه أحمد في المسند 1 / 99 - 100، والترمذي 5 / 668، والحاكم في المستدرك 3 / 388) (4)، وعن الأعمش عن أبي عمار الهمداني عن عمرو بن شرحبيل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن من يعادي عماراً يعاده الله، ومن يبغضه يبغضه الله، ومن يسبه يسبه الله، قال سلمة هذا أو نحوه (4).

وروى الإمام أحمد في فضائل بسنده عن الحسن قال: قال عمرو بن العاص ما كنا نرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، مات وهو يحب رجلاً فيدخله النار، فقيل له قد كان يستعملك، فقال: الله أعلم، أحبي، أم تألفني، ولكنه كان يحب رجلاً، فقالوا من هو؟ قال: عمار بن ياسر، قيل له: ذاك قتيلكم يوم صفين، قال: قد والله قتلناه (5).

____________

<=

ابن سعد 3 / 176 - 189، حلية الأولياء 1 / 139 - 143، فضائل الصحابة للإمام ابن حنبل 2 / 857 - 861، نهج البلاغة 10 / 102 - 107، 9 / 11، مغازي الواقدي 3 / 881 - 882.

وانظر ابن حنبل: فضائل الصحابة 2 / 858، وانظر: كنز العمال 11 / 724.

(1) صحيح البخاري 4 / 25 (ط دار الحديث - القاهرة).

(2) صحيح مسلم 18 / 39 - 40 (دار الكتب العلمية - بيروت 1981).

(3) صحيح مسلم 18 / 41.

(4) فضائل الصحابة 2 / 858 (ورواه أبو نعيم في الحلية 7 / 135، والطيالسي 2 / 152، والذهبي في سير النبلاء 3 / 174).

(5) فضائل الصحابة 2 / 858 - 859 (ورواه النسائي في سننه 8 / 111، والحاكم في المستدرك

=>


الصفحة 290
وروى ابن الأثير في أسد الغابة بسنده عن حبيب بن أبي ثابت عن عطاء بن يسار عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما خير عمار بين أمرين، إلا اختار أرشدهما (1)، وعن ابن مسعود قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا اختلف الناس كان ابن سمية مع الحق (2).

وعن عمار الذهبي عن سالم بن أبي الجعد، قال: جاء رجل إلى عبد الله بن مسعود فقال: إن الله قد أمننا أن يظلمنا، ولم يؤمنا أن يفتننا، أرأيت إذا نزلت فتنة كيف أصنع؟ قال: عليك بكتاب الله، قلت أرأيت إن جاء قوم كلهم يدعون إلى كتاب الله؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا اختلف الناس كان ابن سمية مع الحق، وروى ابن ديزيل عن عمرو بن العاص حديثاً في ذكر عمار، وأنه مع فرقة الحق (3).

وروى ابن الأثير بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبشر يا عمار، تقتلك الفئة الباغية (4).

وروى ابن سعد في طبقاته بسنده عن عمرو بن ميمون قال: أحرق المشركون عمار بن ياسر بالنار، قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يمر به ويمر على رأسه فيقول: يا نار كوني برداً وسلاماً على عمار، كما كنت على إبراهيم، تقتلك الفئة الباغية (5).

____________

<=

3 / 392، وابن ماجة 1 / 52، وأبو نعيم في الحلية 1 / 139).

(1) فضائل الصحابة 2 / 860، (وفي مسند الإمام أحمد 4 / 90، والطيالسي 2 / 152، والحاكم في المستدرك 3 / 389 - 390).

(2) فضائل الصحابة 2 / 861 (وأخرجه ابن سعد في طبقاته 3 / 188، والذهبي في سير النبلاء 3 / 175، وأحمد في المسند 4 / 199، وأحمد بن منيع في مسنده (المطالب العالية 4 / 106).

(3) أسد الغابة 4 / 133 (وفي تحفة الأحوذي 10 / 299 (رقم 3886) وابن ماجة 1 / 52 (رقم 148).

(4) ابن الأثير: أسد الغابة 4 / 133 (دار الشعب - القاهرة 1970)، تحفة الأحوذي 10 / 300 - 301، وقال الترمذي: وفي الباب عن أم سلمة وعبد الله بن عمرو، وأبي اليسر وحذيفة بن اليمان.

(5) ابن سعد: الطبقات الكبرى 33 / 177 (دار التحرير - القاهرة 1969).

الصفحة 291
وروى ابن سعد في طبقات بسنده عن هنى مولى عمر بن الخطاب قال:

كنت أول شئ مع معاوية، فكان أصحاب معاوية يقولون: لا والله لا نقتل عماراً أبداً، إن قتلناه فنحن كما يقولون، فلما كان يوم صفين ذهبت أنظر في القتلى، فإذا عمار بن ياسر مقتول، فقال هنى: فجئت إلى عمرو بن العاص، وهو على سريره، فقلت: أبا عبد الله، قال: ما تشاء، قلت أنظر أكلمك، فقام إلي فقلت: عمار بن ياسر ما سمعت فيه؟ فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تقتلك الفئة الباغية، قلت هوذا والله مقتول، فقال: هذا باطل، فقلت: بصر عيني به مقتول، قال: فانطلق فأرنيه، فذهبت به فأوقفته عليه، فساعة رآه انتقع لونه، ثم أعرض في شق، وقال: إنما قتله الذي خرج به (1).

وروى ابن سعد في طبقاته بسنده عن أم سلمة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: تقتل عماراً الفئة الباغية، قال عوف (راوي الحديث): ولا أحسبه إلا قال: وقاتله في النار (2).

وقال الإمام علي حين قتل عمار: إن امرأ من المسلمين لم يعظم عليه قتل ابن ياسر، وتدخل به عليه المصيبة الموجهة لغير رشيد، رحم الله عماراً يوم أسلم، ورحم الله عماراً يوم قتل، ورحم الله عماراً يوم يبعث حياً، لقد رأيت عماراً، وما يذكر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أربعة إلا كان عمار رابعاً، ولا خمسة إلا كان خامساً، وما كان أحد من قدماء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يشك أن عماراً قد وجبت له الجنة في غير موطن ولا اثنين، فهنيئاً لعمار بالجنة، ولقد قيل إن عماراً مع الحق، والحق معه، يدور عمار مع الحق أينما دار، وقاتل عمار في النار (3).

____________

(1) طبقات ابن سعد 3 / 181.

(2) طبقات ابن سعد 3 / 180.

(3) طبقات ابن سعد 3 / 187.

الصفحة 292
وعن جابر عن ابن الزبير قال: أتى حذيفة بن اليمان رهط من جهينة فقالوا: يا أبا عبد الله، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، استجار من أن تصطلي أمته فأجير من ذلك، واستجار من أن يذوق بعضها بأس بعض، فمنع من ذلك، قال حذيفة:

إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن ابن سمية لم يخير بين أمرين قط، إلا اختار أرشدها - يعني عماراً - فالزموا سمته (1).

وكان عمار محباً لآل البيت، ومن الذين أكرمهم الله بمعرفة الحق، فوقف إلى جانب إمام الهدى، علي المرتضى، - كرم الله وجهه في الجنة - أقرب الناس إلى مثل الإسلام الصحيحة، فشهد معه الجمل وصفين، حيث استشهد فيها (2).

ولعل من الأهمية بمكان الإشارة إلى الرأي الذي ينادي به الأستاذ الدكتور علي الوردي، على أن عمار ياسر، إنما شوه أعداؤه صورته، فصوروه في صورة شخص سئ دعوه عبد الله بن سبأ، وها هي الأدلة - كما أوردها الدكتور الشيبي -.

لعل من غرائب التاريخ أن نرى أن كثيراً من الأمور التي تنسب إلى ابن سبأ موجودة في سيرة عمار بن ياسر، على وجه من الوجوه:

1 - كان ابن سبأ يعرف بابن السوداء، وكان عمار يكنى بابن السوداء أيضاً.

2 - كان من أب يماني، وهذا يعني أنه كان من أبناء سبأ، فكل يماني يصح أن يقال عنه: إنه ابن سبأ، فأهل اليمن كلهم ينتسبون إلى سبأ بن يشجب بن قحطان، وفي القرآن الكريم قال الهدهد لسليمان عليه السلام إنه جاء من

____________

(1) نصر بن مزاحم المنقري: وقعة صفين - تحقيق عبد السلام محمد هارون - القاهرة 1981 (ط ثالثة) ص 343.

(2) محمد بيومي مهران: في رحاب النبي وآل بيته الطاهرين - الجزء السادس - الإمام علي بن أبي طالب - الجزء الثاني - بيروت 1990 ص 46 - 49 (دار النهضة العربية بيروت)، نصر بن مزاحم المنقري: المرجع السابق ص 340 - 344، تاريخ الطبري 5 / 38 - 42، ابن الأثير:

الكامل في التاريخ 3 / 308 - 311، ابن كثير: البداية والنهاية 7 / 291 - 297.

الصفحة 293
سبأ، ويقصد اليمين (سورة سبأ: 15، النمل: 22).

3 - كان عمار شديد الحب للإمام علي بن أبي طالب، يدعو له ويحرض الناس على بيعته بكل سبيل.

4 - ذهب عمار، على أيام عثمان، إلى مصر، وحرض الناس حتى ضج الوالي، وهم أن يبطش به. وقد نسب إلى ابن سبأ أنه استقر بمصر، واتخذ من الفسطاط مركزاً لدعوته، وشرع يراسل أنصاره من هناك.

5 - نسب إلى ابن سبأ قوله: إن عثمان أخذ الخلافة بغير حق، وأن صاحبها الشرعي هو علي بن أبي طالب، وهذا رأي عمار، فقد سمع يصيح في المسجد - إثر بيعة عثمان - يا معشر قريش، أما إذا أحرفتم هذا الأمر عن بيت نبيكم هاهنا مرة، وهاهنا مرة، فما أنا بآمن عليكم من أن ينزعه الله، فيضعه في غيركم، كما نزعتموه من أهله، ووضعتموه في غير أهله.

6 - يعزى إلى ابن سبأ أنه عرقل مساعي الصلح بين علي وعائشة إبان معركة البصرة، فلولاه لتم الصلح بينهما، فيما يقول الرواة، ومن يدرس تفاصيل معركة البصرة (الجمل) يرى عماراً يقوم بدور فعال فيها، فهو الذي ذهب - مع الإمام الحسن ومالك الأشتر - إلى الكوفة، يحرض الناس على الانتماء إلى جيش الإمام علي، وكان وقوف عمار بجانب الإمام علي إنما كان سبباً من أسباب ندم الزبير وخروجه من المعركة.

7 - قالوا عن ابن سبأ، أنه الذي حرك أبا ذر في دعوته الاشتراكية، ولو درسنا صلة عمار بأبي ذر، لوجدناها جداً وثيقة، فكلاهما من مدرسة الإمام علي بن أبي طالب، وكان هؤلاء الثلاثة كثيراً ما يجتمعون معاً، ويتشاورون ويتعاونون معاً.

ونستخلص من هذا أن ابن سبأ إنما هو عمار بن ياسر، فلقد كانت قريش تعتبر عماراً رأس الثورة على عثمان، ولكنها لم ترد - في أول الأمر - أن


الصفحة 294
تصرح باسمه، فرمزت عنه بابن السوداء أو ابن سبأ، وتناقل الرواة هذا الأمر غافلين، وهم لا يعرفون ماذا كان يجري وراء الستار (1).

ويقول الدكتور الشيبي: إن هذه الأدلة مقنعة ومنطقية، ولكنها في حاجة إلى نصوص تسند تسمية عمار بن ياسر بابن السوداء، وابن سبأ، فأما كون عمار بن ياسر ابن السوداء فقد ورد في نص رواه علي بن إبراهيم القمي، صاحب التفسير الشيعي القديم في قوله تعالى: * (يمنون عليك أن أسلموا) * (2)، قال: نزلت في عثكن بن معاوية يوم الخندق، وذلك أنه مر بعمار يحفر الخندق، وقد ارتفع الغبار من الحفر، فوضع عثكن كمه على أنفه ومر، فقال عمار:

لا يستوي من يبتني المساجدا * يظل فيها راكعاً وساجدا
ومن يمر بالغبار حايدا * يعرض عنه جاحداً معاندا

فالتفت إليه عثكن فقال: يا ابن السوداء، إياي تعني، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: لم ندخل معك لسب أعراضنا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:

قد أقلتك إسلامك فاذهب، فأنزل عز وجل * (يمنون عليك أن أسلموا) * (1).

وفي تاريخ اليعقوبي (2 / 171): أقام ابن مسعود مغاضباً العثمان حتى توفي، وصلى عليه عمار بن ياسر، وكان عثمان غائباً فستر أمره، فلما انصرف رأى عثمان القبر، فقال: قبر من هذا؟ فقيل: قبر عبد الله بن مسعود، قال:

فكيف دفن قبل أن أعلم، فقالوا: ولى أمره عمار بن ياسر، وذكر أنه أوصى ألا يخبر به، ولم يلبث إلا يسيراً حتى مات المقداد فصلى عليه عمار، وكان أوصى

____________

(1) علي الوردي: وعاظ السلاطين - بغداد 1954 ص 274 - 278، كامل مصطفى الشيبي: الصلة بين التصوف والتشيع 1 / 36 - 38 (بغداد 1964)، علي سامي النشار: نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام - الجزء الثاني - نشأة التشيع وتطوره - الإسكندرية 1966 ص 27 - 31.

(2) سورة الحجرات: آية 17.

(3) سورة الحجرات: آية 17.

الصفحة 295
إليه، ولم يؤذن عثمان به، فاشتد غضب عثمان على عمار وقال: ويلي على ابن السوداء أما لقد كنت به عليماً.

وأما كونه ابن سبأ، فقد ورد نسب عمار - كما أشرنا من قبل (1) - وفي طبقات ابن سعد - أنه هو: عمار بن ياسر بن مالك بن كنانة بن قيس بن الحصين بن الوذيم بن ثعلبة بن عوف بن حارثة بن عامر الأكبر بن يام بن عنس، وهو زيد بن مالك بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، وبنو مالك بن أدد من مذحج (2). وورد كذلك في طرائق الحقائق، نقلاً عن الكامل في نسب عنس بن مذحج جد عمار، كما ورد في تاريخ ابن خلدون، برواية الحاج معصوم، كما ورد نسب عنس في فتوح البلدان على أنه زيد بن مالك بن أدد بن غريب بن زيد بن كهلان بن سبأ، وعنس أخو مراد (3).

وأما كونه عبد الله، فكل المسلمين كذلك، وهو لقب عام لهم جميعاً، وكانت كل الكتب التي تصدر عن الخلفاء والأمراء والتي ترد، إليهم إنما تبدأ بعبارة من عبد الله فلان أو إلى عبد الله فلان (4)، ومن ثم فالتسمية لعمار بهذا الاسم، كتسميته بابن سبأ، قصد بها التلميح، فكأن قائلهم يقول: فلان أو الرجل المتفق عليه (5).

____________

(1) ابن الأثير: أسد الغابة 4 / 129 - 130.

(2) طبقات ابن سعد 3 / 176.

(3) طريق الحقائق 2 / 11، البلاذري: فتوح البلدان ص 113 (القاهرة 1932).

(4) أنظر أمثلة في (الإمامة والسياسة ص 12، تاريخ الطبري 9 / 210، العقد الفريد 5 / 261).

(5) يقول الدكتور الشيبي أن من طرائف ما يذكر أن التقية الشيعية اضطرت أحمد بن طاووس الحلي (ت 6733 هـ‍/ 1235 - 1236 م) إلى تصنيف كتاب لم يشأ أن يقرنه باسمه، فنسبه إلى عبد الله بن إسماعيل، وقد علق الشهيد الثاني زين الدين العاملي (المقتول 966 هـ‍/ 1558 / 1559 م) على ذلك بأنه فعل ذلك لأن كل العالم عباد الله، ولأنه من ولد إسماعيل الذبيح عليه السلام، وتلك إعادة لقصة تسمية عمار باسم عبد الله بن سبأ، على صورة شيعية (أنظر: الشيبي: المرجع السابق ص 39، روضات الجنات ص 19).

الصفحة 296
هذا ويضيف الأستاذ الدكتور الشيبي إلى ذلك دليلاً جديداً، ذلك أن الإمام الطبري في تطرقه لحرب الجمل قد عرض لأنصار علي فيها، فكان إذا عدهم وذكر اسم عمار في جملتهم، أغفل ذكر ابن السوداء، وإذا ذكر ابن السوداء تحاشى اسم عمار، مما يرجح أن الرجلين إنما هما شخص واحد.

وهكذا نخرج من هذا الاستطراد بأن عمار بن ياسر، إنما كان ثائراً على عثمان، وأنه استطاع أن يحقق ما صبا إليه من إعادة الإسلام إلى قالبه الأصيل، وإرجاع الأمر إلى علي، بحسب وصية النبي صلى الله عليه وسلم التي كان عمار يؤمن بها، وجلية الأمر في معارضة عمار لعثمان أنه كان يرى بأن الإسلام قد جاء لإزالة الفروق بين الطبقات، وبمعنى آخر لنشر العدالة الاجتماعية، فضلاً عن الإصلاح الروحي والعقلي.

وقد طبق أبو بكر وعمر خطة الرسول صلى الله عليه وسلم، فرأينا عماراً ساكتاً عن معارضتهما - مع علي وأبي ذر وغيرهما من المتمسكين بجوهر الإسلام - وقد أتاحت هذه العدالة والمساواة للعبيد السابقين والمستضعفين أن يرتفعوا - بإخلاصهم وإيمانهم - إلى المراكز العليا في الإسلام، فكان سلمان أميراً على المدائن، وعمار أمير الحرب في الكوفة، وكان غيرهما في مثل مركزهما.

هذا وقد استعمل عمر بن الخطاب عماراً على الكوفة، وكتب إلى أهلها:

أما بعد، فإني قد بعثت إليكم عماراً أميراً، وعبد الله بن مسعود وزيراً ومعلماً، وهما من نجباء أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.

ولما عزله عمر قال له: أساءك العزل، قال: والله لقد سائتني الولاية، وساءني العزل (1).

ويروي ابن سعد وغيره: قال عمر لعمار: أساءك عزلنا إياك؟ قال: لئن

____________

(1) ابن الأثير: أسد الغابة 4 / 134.

الصفحة 297
قلت ذلك، لقد سائني حين استعملتني، وساءني حين عزلتني (1).

ولما أفضت الخلافة إلى سيدنا عثمان رضوان الله عليه تنفس الملأ الملكي القديم الصعداء، وحاولوا أن يعيدوا الأمور إلى نصابها القديم، فكانت الثورة التي راح ضحيتها ذو النورين، ولم يفد من الملحة كلها إلا معاوية بن أبي سفيان - وهو طليق ابن طليق، ومن المؤلفة قلوبهم هو وأبوه كذلك، والذي كان على رأس الأحزاب ضد سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم -.

وكانت مهمة عمار - ومن نحا نحوه - أن يحرسوا النظام الجديد، بإشاعة الزهد بين المسلمين، بحيث يصبح طابعاً للدين الجديد، ويقطع الطريق على الأغنياء والأرستقراطيين أن يهدموا الإسلام بمالهم وجاههم، ومن ثم فقد رأينا عماراً يحتفل بالإمام علي، لأنه كان زاهداً، ويجعل الزهد زينة الأبرار، كما كان المال زينة الملأ الملكي الذي حاربه الإسلام، وقد روى عمار عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يا علي، إن الله تعالى قد زينك بزينة لم تزين العباد بزينة أحب إلى الله تعالى منها، هي زينة الأبرار عند الله عز وجل، الزهد في الدنيا فجعلك لا ترزأ من الدنيا شيئاً، ولا ترزأ الدنيا منك شيئاً، ووهب لك حب المساكين، فجعلك ترضى بهم أتباعاً، ويرضون بك إماماً (2)، وزاد فيه أبو عبد الله أحمد بن حنبل في المسند فطوبى لمن أحبك وصدق فيك، وويل لمن أبغضك وكذب فيك (3)، ومن ثم ما دام زعيم عمار وقدوته (أي الإمام علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، وكرم الله وجهه في الجنة): زاهداً، فأحرى بعمار أن يكون كذلك، فضلاً عن أنه من أهل الصفة (4)، هذا فضلاً عن أنه إنما كان السابقة الشيعية للتقية.

____________

(1) ابن سعد: الطبقات الكبرى 3 / 183، وانظر ابن الأثير: الكامل في التاريخ 3 / 31 - 32، تاريخ الطبري 4 / 163 - 164.

(2) حلية الأولياء 1 / 71.

(3) نهج البلاغة 9 / 167.

(4) خطط الكوفة ص 36، كامل الشيبي: المرجع السابق 1 / 40.

الصفحة 298
ثم إن لعمار موقفاً محدداً بالنسبة لخلافة عثمان، رضي الله عنه، فقد كان من أنصار الإمام علي، فعندما جمع عبد الرحمن بن عوف الناس في المسجد النبوي الشريف في اليوم الثالث، قال عبد الرحمن: أيها الناس، أشيروا علي في هذين الرجلين (عثمان وعلي)، فقال عمار بن ياسر: إن أردت ألا يختلف الناس، فبايع علياً عليه السلام، فقال المقداد: صدق عمار، وإن بايعت علياً سمعنا وأطعنا، فقال عبد الله بن أبي سرح: إن أردت ألا تختلف قريش فبايع عثمان، وقال عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي: صدق، إن بايعت عثمان سمعنا وأطعنا، فشتم عمار ابن أبي السرح (وهو أخو عثمان لأمه) ; وقال: متى كنت تنصح الإسلام. فتكلم بنو هاشم وبنو أمية، وقام عمار فقال: أيها الناس، إن الله أكرمكم بنبيه صلى الله عليه وسلم، وأعزكم بدينه، فإلى متى تصرفون هذا الأمر عن أهل بيت نبيكم.

فلما اختار عبد الرحمن عثمان قال عمار: يا عبد الرحمن: أما والله لقد تركته، وإنه من الذين يقضون بالحق، وبه يعدلون (1).


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net