متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
2 - أبو ذر الغفاري
الكتاب : الإمامة وأهل البيت (ع) ج1    |    القسم : مكتبة أهل البيت (ع)

2 - أبو ذر الغفاري:

يقول أبو نعيم في حليته: هو العابد الزهيد، القانت الوحيد، رابع الإسلام، ورافض الأزلام قبل نزول الشرع والأحكام، تعبد قبل الدعوة بالشهور الأعلام، وأول من حيا الرسول بتحية الإسلام، لم يكن تأخذه في الحق لائمة اللوام، ولا تفزعه سطوة الولاة والحكام، أول من تكلم في علم البقاء، وثبت على المشقة والعناء، وحفظ العهود والوصايا، وصبر على المحن والرزايا، واعتزل مخالطة البرايا إلى أن حل بساحة المنايا، أبو ذر الغفاري، رضي الله عنه، خدم الرسول، وتعلم الأصول، ونبذ الفضول (2).

____________

(1) نهج البلاغة 1 / 193 - 194، وانظر: تاريخ الطبري 4 / 232 - 233، ابن الأثير: الكامل في التاريخ 3 / 70 - 71 (حيث ينسبان العبارة الأخيرة للمقداد، وليس لعمار).

(2) حلية الأولياء 1 / 156 - 157.

الصفحة 299
هذا وقد اختلف في اسم أبي ذر، فقيل: جندب بن جنادة - وهو أكثر وأصح ما قيل - وقيل: برير بن عبد الله، وبرير بن جنادة، وبريرة بن عشرقة، وقيل: جندب بن عبد الله، وقيل جندب بن سكن والمشهور: جندب بن جنادة بن قيس بن عمرو بن مليل بن صعير بن حرام بن غفار، وقيل: جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد الله بن حرام، بن غفار بن قليل بن ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة الغفاري، وأما أمه: فهي رملة بنت الوقيعة من بني غفار أيضاً (1).

وكان أبو ذر (2) من كبار الصحابة وفضلائهم، قديم الإسلام، يقال أسلم بعد أربعة، وكان خامساً، وطبقاً لرواية الإمام مسلم في صحيحه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: إرجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمري، فقال: والذي نفسي بيده لأصرخن بها بين ظهرانيهم، فخرج حتى أتى المسجد (الكعبة) فنادى بأعلى صوته، أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وثار القوم فضربوه حتى أضجعوه، فأتى العباس فأكب عليه فقال: ويلكم ألستم تعلمون أنه من غفار، وأن طريق تجارتكم إلى الشام عليهم، فأنقذه منهم، ثم عاد من الغد بمثلها، وثاروا إليه فضربوه، فأكب عليه العباس فأنقده (3).

ولنقرأ قصة إسلامه - كما رواها البخاري في صحيحه بسنده عن أبي حمزة، عن ابن عباس، رضي الله عنهما - قال: لما بلغ أبا ذر مبعث النبي صلى الله عليه وسلم،

____________

(1) أسد الغابة 6 / 99، وانظر طبقات ابن سعد 4 / 61.

(2) أنظر عن ترجمة أبي ذر الغفاري: ابن سعد: الطبقات الكبرى 4 / 161 - 175، أبو نعيم الأصفهاني: حلية الأولياء 1 / 156 - 170، ابن الأثير: أسد الغابة 6 / 99 - 101، ابن حجر العسقلاني: الإصابة في معرفة الصحابة 4 / 62 - 64. ابن عبد البر: الإستيعاب في معرفة الأصحاب 4 / 61 - 65، ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 8 / 252 - 262، الإمام ابن حنبل:

كتاب الزهد ص 145 - 150، السمهودي وفاء الوفا 3 / 1091، دائرة المعارف الإسلامية 1 / 477، المسعودي 4 / 268 - 274، ابن حجر: تهذيب التهذيب 12 / 790 النووي: تهذيب الأسماء ص 714.

(3) صحيح مسلم 16 / 34 (ط بيروت 1981).

الصفحة 300
قال لأخيه: إركب إلى هذا الوادي فاعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي يأتيه الخبر من السماء، واسمع من قوله، ثم ائتني، فانطلق الأخ حتى قدمه، ثم رجع إلى أبي ذر فقال له: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق، وكلاماً ما هو بالشعر، فقال: ما شفيتني مما أردت، فتزود وحمل شنة له فيها ماء، حتى قدم مكة.

فأتى المسجد فالتمس النبي صلى الله عليه وسلم، لا يعرفه، وكره أن يسأل عنه حتى أدركه بعض الليل، فرآه علي فعرف أنه غريب، فلما رآه تبعه، فلم يسأل واحد منهما صاحبه عن شئ، حتى أصبح، ثم احتمل قربته وزاده إلى المسجد، وظل ذلك اليوم، ولا يراه النبي صلى الله عليه وسلم، حتى أمسى فعاد إلى مضجعه، فمر به علي فقال: أما نال للرجل أن يعلم منزله فأقامه فذهب به معه، لا يسأل واحد منهما صاحبه عن شئ، حتى إذا كان يوم الثالث فعاد علي مثل ذلك فأقام معه ثم قال: ألا تحدثني ما الذي أقدمك، قال: إن أعطيتني عهداً وميثاقاً لترشدنني فعلت، ففعل فأخبره، قال: فإنه حق، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا أصحبت فاتبعني، فإني رأيت شيئاً أخاف عليك، قمت كأني أريق الماء، فإن مضيت فاتبعني حتى تدخل مدخلي ففعلي، فانطلق يقفوه، حتى دخل على النبي صلى الله عليه وسلم، ودخل معه، فسمع من قوله، وأسلم مكانه.

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إرجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمري، قال:

والذي نفسي بيده، لأصرخن بها بين ظهرانيهم، فخرج حتى أتى المسجد فنادى بأعلى صوته: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ثم قام القوم فضربوه حتى أضجعوه، وأتى العباس فأكب عليه، قال: ويلكم ألستم تعلمون أنه من غفار، وأن طريق تجارتكم إلى الشام، فأنقذه منهم، ثم عاد من الغد لمثلها فضربوه وثاروا إليه، فأكب العباس عليه (1).

وكان أبو ذر رضوان الله عليه زاهداً، حتى قال فيه سيدنا ومولانا وجدنا

____________

(1) صحيح البخاري 5 / 59 - 60 (دار الجيل - بيروت).

الصفحة 301
رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبو ذر في أمتي على زهد عيسى بن مريم، وقال الإمام علي:

وعى أبو ذر علماً عجز الناس عنه، ثم أو كي عليه فلم يخرج منه شيئاً (1).

وعن ابن مسعود قال: لما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك (2)، جعل لا يزال يتخلف الرجل، فيقولون: يا رسول الله، تخلف فلان، فيقول: دعوه، إن يكن فيه خير فسيلحقه الله بكم، وإن يكن غير ذلك فقد أراحكم الله منه، حتى قيل:

يا رسول الله، تخلف أبو ذر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يقوله، فتلوم (تمهل) أبو ذر على بعيره، فلما أبطأ عليه أخذ متاعه فجعله على ظهره، ثم خرج يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ماشياً، ونظر ناظر من المسلمين فقال: إن هذا الرجل يمشي على الطريق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كن أبا ذر، فلما تأمله القوم قالوا: يا رسول الله، هو والله أبو ذر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يرحم الله أبا ذر، يمشي وحده، ويموت وحده، ويحشر وحده (3). هذا وقد توفي أبو ذر بالربذة - على مبعدة حوالي 5 كيلاً من المدينة - سنة إحدى وثلاثين للهجرة، أو اثنين وثلاثين، وصلى عليه عبد الله بن مسعود، ثم مات بعده في ذلك العام (4).

وروى ابن سعد في طبقاته بسنده عن مجاهد عن إبراهيم بن الأشتر قال:

إن أبا ذر حضره الموت، وهو بالربذة، فبكت امرأته فقال: وما يبكيك؟ فقالت:

أبكي أنه لا يد لي بتغييبك، وليس عندي ثوب يسعك كفناً، فقال: لا تبكي،

____________

(1) أسد الغابة 6 / 101.

(2) أنظر عن غزوة تبوك: الواقدي: كتاب المغازي 3 / 989 - 1076 - تحقيق مارسدن جونس (بيروت 1984)، سيرة ابن هشام 4 / 379 - 396 (تحقيق أحمد حجازي السقا)، ابن قيم الجوزية: زاد المعاد في هدى خير العباد - تحقيق شعيب وعبد القادر الأرناؤوط 3 / 526 - 538 (بيروت 1985)، ابن كثير: السيرة النبوية 4 / 3 - 52 (القاهرة 1966)، السيرة الحلبية 3 / 99 - 133 (القاهرة 1964)، محمد بيومي مهران: السيرة النبوية الشريفة 2 / 457 - 486 (بيروت 1990).

(3) أسد الغابة 6 / 101.

(4) أسد الغابة 6 / 101.

الصفحة 302
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذات يوم، وأنا عنده في نفر يقول: ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض، تشهده عصابة من المؤمنين، قال: فكل من كان معي في ذلك المجلس مات في جماعة وقرية، فلم يبق منهم غيري، وقد أصبحت بالفلاة أموت، فراقبي الطريق فإنك سوف ترين ما أقول لك، فإني والله ما كذبت ولا كذبت، قالت: وأنى ذلك وقد انقطع الحاج؟ قال: راقبي الطريق، فبينا هي كذلك. إذا هي بالقوم تجد بهم راحلتهم كأنهم الرخم، فأقبل القوم حتى وقفوا عليها، قالوا: ما لك؟ قالت: امرؤ من المسلمين تكفونه وتؤجرون فيه، قالوا: ومن هو؟ قالت: أبو ذر، ففدوه بآبائهم وأمهاتهم، ووضعوا سياطهم في نحورها يبتدرونه، فقال: أبشروا أنتم النفر، الذين قال فيكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما قال، أبشروا، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من أمر أين من المسلمين هلك بينهما ولدان أو ثلاثة فاحتسباه وصبرا، فيريان النار أبداً، ثم قال: قد أصبحت اليوم حيث ترون، ولو أن ثوباً من ثيابي يسعني، لم أكفن إلا فيه، أنشدكم الله ألا يكفني رجل منكم كان أميراً أو عريفاً أو بريداً، فكل القوم كان نال من ذلك شيئاً، إلا فتى من الأنصار كان مع القوم قال: أنا صاحبك، ثوبان في عيبتي، من غزل أمي، وأحد ثوبي هذين اللذين علي، قال: أنت صاحبي فلفني (1).

وروى ابن الأثير في الكامل، قال أبو ذر لابنته: استشرقي يا بنية هل ترين أحداً؟ قالت: لا، فما جاءت ساعتي بعد، ثم أمرها فذبحت شاة ثم طبختها، ثم قال: إذا جاءك الذين يدفنوني، فإنه سيشهدني قوم صالحون، فقولي لهم: يقسم عليكم أبو ذر أن لا تركبوا حتى تأكلوا، فلما نضجت قدرها قال لها: أنظري هل ترين أحداً؟ قالت: نعم هؤلاء ركب، قال: استقبلي بي

____________

(1) طبقات ابن سعد 4 / 171 - 172، وانظر روايات أخرى (4 / 173)، ابن الأثير: الكامل في ال‍ $ تاريخ 3 / 133.

الصفحة 303
الكعبة، ففعلت، فقال: بسم الله، وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم مات. فخرجت ابنيه فتلقتهم وقالت: رحمكم الله، اشهدوا أبا ذر، قالوا: وأين هو؟ فأشارت إليه، قالوا: نعم ونعمة عين، لقد أكرمنا الله بذلك، وكان فيهم ابن مسعود فبكى، وقال: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، يموت وحده، ويبعث وحده، فغسلوه وكفنوه، وصلوا عليه ودفنوه، وقالت لهم ابنته: إن أبا ذر يقرأ عليكم السلام، وأقسم عليكم أن لا تركبوا حتى تأكلوا، ففعلوا، وحملوا أهله معهم حتى أقدموهم مكة، ونعوه إلى عثمان، فضم ابنته إلى عياله، وقال: يرحم الله أبا ذر، ويغفر له نزوله الربذة (1).

وفي رواية اليعقوبي: أنه لما بلغ عثمان وفاة أبي ذر قال: رحم الله أبا ذر، قال عمار: نعم، رحم الله أبا ذر من كل أنفسنا، فغلظ ذلك على عثمان، وبلغ عثمان عن عمار كلام، فأراد أن يسيره أيضاً، فاجتمعت بنو مخزوم إلى علي بن أبي طالب، وسألوه إعانتهم، فقال علي: لا ندع عثمان ورأيه، فجلس عمار في بيته، وبلغ عثمان ما تكلمت به بنو مخزوم فأمسك عنه (2).

ويذهب ابن الأثير إلى أن أبا ذر قد مات سنة إحدى وثلاثين، بينما يذهب الإمام الطبري وابن كثير إلى أنه مات سنة اثنين وثلاثين، وفي نفس السنة مات العباس بن عبد المطلب وعبد الله بن مسعود وعبد الرحمن بن عوف، رضي الله عنهم أجمعين (3).

وروى ابن سعد في طبقاته بسنده عن عبد الله بن عمرو قال: سمعت

____________

(1) نفس المرجع السابق 3 / 133 - 134، وانظر: تاريخ الطبري 4 / 308 - 309، ابن كثير: البداية والنهاية 7 / 180.

(2) تاريخ اليعقوبي 2 / 173 (بيروت 1980).

(3) ابن الأثير: الكامل في التاريخ 3 / 134، ابن كثير: البداية والنهاية 7 / 176 - 180، تاريخ الطبري 4 / 308.

الصفحة 304
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما أقلت الغبراء، ولا أظلت الخضراء من رجل أصدق من أبي ذر (1).

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة من أبي ذر، من سره أن ينظر إلى تواضع عيسى بن مريم، فلينظر إلى أبي ذر.

وعن مالك بن دينار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أيكم يلقاني على الحال التي أفارقه عليها؟ فقال أبو ذر: أنا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: صدقت، ثم قال: ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء، على ذي لهجة أصدق من أبي ذر، من سره أن ينظر إلى زهد عيسى بن مريم، فلينظر إلى أبي ذر (2).

وعن الإمام علي قال: لم يبق اليوم أحد لا يبالي في الله لومة لائم غير أبي ذر، ولا نفسي، ثم ضرب بيده إلى صدره (3)، وعن أبي الأسود: قال ابن جريح ورجل، عن زاذان قالا: سئل علي عن أبي ذر فقال: وعي علماً عجز فيه، وكان شحيحاً حريصاً، شحيحاً على دينه، حريصاً على العلم، وكان يكثر السؤال فيعطى ويمنع، أما أن قد ملئ له في وعائه حتى امتلأ، فلم يدروا ما يريد بقوله: وعى علماً عجز فيه، أعجز عن كشف ما عنده من العلم؟ أم عن طلب ما طلب من العلم إلى النبي صلى الله عليه وسلم (4).

ولعل من الأهمية بمكان أن أبا ذر إنما كان ينكر على معاوية بن أبي سفيان - عامل عثمان في الشام - وصحبه ما يفعلون، قال أبو ذر: لقد حدثت أعمال لا أعرفها، والله ما هي في كتاب الله، ولا سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والله إني لأرى حقاً يطفأ، وباطلاً يحيا، وصادقاً مكذباً، وأثرة بغير تقى.

____________

(1) طبقات ابن سعد 4 / 167.

(2) طبقات ابن سعد 4 / 167 - 168.

(3) طبقات ابن سعد 4 / 170.

(4) طبقات ابن سعد 4 / 170 - 171.

الصفحة 305
وأراد معاوية أن يتلطف ويتقرب إليه، فدعاه إلى قصره، وهو قصر ضخم، بناه معاوية في دمشق، لينافس به قصور أباطرة الرومان، وأسماه الخضراء، فقال له أبو ذر: يا معاوية، إن كانت هذه الأبهة من مال الله فهي الخيانة، وإن كانت من مالك فهي الإسراف (1).

فسكت معاوية على مضض، غير أن أبا ذر سرعان ما سأل: يا معاوية ما يدعوك إلى أن تسمي مال المسلمين مال الله؟ وكان معاوية، وسائر عمال عثمان من بني أمية، يرون أنهم يتصرفون في المال بموجب حق إلهي، بما أن المال مال الله، وهم خلفاؤه على هذا المال.

فلما سمع معاوية سؤال أبي ذر قال: يرحمك الله يا أبا ذر، ألا إن كل شئ لله، ألسنا عباد الله، والمال ماله، والخلق خلقه، والأمر أمره؟ قال أبو ذر:

كأنك تريد أن تحجب هذا المال دون المسلمين، فلا تقل هذا، فقال معاوية: لا أقول إنه ليس لله، ولكني سأقول مال المسلمين (2).

وكان أبو ذر يذهب إلى أن المسلم لا ينبغي له أن يكون في ملكه، أكثر من قوت يومه وليلته، أو شئ ينفقه في سبيل الله، أو يعده لكريم، ويأخذ بظاهر القرآن * (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله * فبشرهم بعذاب أليم) * (3).

فكان يقوم بالشام ويقول: يا معشر الأغنياء، واسوا الفقراء، بشر الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله بمكاوي من نار تكوى بها

____________

(1) عبد الرحمن الشرقاوي: علي إمام المتقين 1 / 170 (ط مكتبة غريب - القاهرة 1985)، نهج البلاغة 8 / 256.

(2) تاريخ الطبري 4 / 283، ابن الأثير: الكامل في التاريخ 3 / 114، عبد الرحمن الشرقاوي: علي إمام المتقين 1 / 170.

(3) سورة التوبة: آية 34.

الصفحة 306
جباهم وجنوبهم وظهورهم، فما زال حتى ولع الفقراء بمثل ذلك، وأوجبوه على الأغنياء، وشكا الناس ما يلقون منهم.

فأرسل معاوية إليه بألف دينار في جنح الليل فأنفقها فلما صلى معاوية الصبح دعا رسوله الذي أرسله إليه فقال: إذهب إلى أبي ذر فقل له: أنقذ جسدي من عذاب معاوية، فإنه أرسلني إلى غيرك، وإني أخطأت بك، ففعل ذلك، فقال له أبو ذر: يا بني قل له: والله ما أصبح عندنا من دنانيرك دينار، ولكن أخرنا ثلاثة أيام حتى نجمعها، فلما رأى معاوية أن فعله يصدق قوله، كتب إلى عثمان: إن أبا ذر قد ضيق علي، وقد كان كذا وكذا، للذي يقول للفقراء، فكتب إليه عثمان: إن الفتنة قد أخرجت خطمها وعينيها، ولم يبق إلا أن تثب، فلا تنكأ القرح، وجهز أبا ذر إلي، وابعث معه دليلاً، وكفكف الناس ونفسك ما استطعت، وبعث إليه بأبي ذر (1).

هذا ويختلف الباحثون في الأسباب التي دفعت أبا ذر إلى الإقامة في الربذة، ففي رواية ابن سعد، عن زيد بن وهب قال: مررت بالربذة فإذا أنا بأبي ذر، قال فقلت: ما أنزلك منزلك هذا؟ قال: كنت بالشام فاختلفت أنا ومعاوية في هذه الآية * (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله) *، وقال معاوية: نزلت في أهل الكتاب، قال فقلت: نزلت فينا وفيهم، قال: فكان بيني وبينه في ذلك كلام، فكتب يشكوني إلى عثمان، قال:

فكتب إلي عثمان أن أقدم المدينة فقدمت المدينة وكثر الناس علي، كأنهم لم يروني قبل ذلك، قال: فذكر ذلك لعثمان فقال لي: إن شئت تنحيت فكنت قريباً، فذاك أنزلني هذا المنزل، ولو أمر على حبشي، لسمعت ولأطعت (2).

غير أن رواية ابن الأثير في الكامل إنما تذهب إلى أن أبا ذر لما قدم

____________

(1) ابن الأثير: الكامل في التاريخ 3 / 114 - 115.

(2) ابن سعد: الطبقات الكبرى 4 / 166 (دار التحرير - القاهرة 1969).

الصفحة 307
المدينة ورأى المجالس في أصل جبل سلع قال: بشر أهل المدينة بغازة شعواء، وحرب مذكاء، ودخل على عثمان فقال له: ما لأهل الشام يشكون ذرب لسانك؟ فأخبره، فقال: يا أبا ذر، على أن أقضي ما علي، وأن أدعو الرعية إلى الاجتهاد والاقتصاد، وما علي أن أجبرهم على الزهد، فقال أبو ذر: لا ترضوا من الأغنياء حتى يبذلوا المعروف، ويحسنوا إلى الجيران والإخوان ويصلوا القربات.

فقال كعب الأحبار - وكان حاضراً - من أدى الفريضة فقد قضى ما عليه، فضربه أبو ذر فشجه، وقال له: يا ابن اليهودية، ما أنت وما ههنا؟ فاستوهب عثمان كعباً شجته، فوهبه.

فقال أبو ذر لعثمان: تأذن لي في الخروج من المدينة، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمرني بالخروج منها، إذا بلغ البناء سلعاً، فأذن له، فنزل الربذة وبنى مسجداً، وأقطعه عثمان صرمة من الإبل، وأعطاه مملوكين، وأجرى عليه كل يوم عطاء، وكان أبو ذر يتعاهد المدينة مخافة أن يعود أعرابياً (1).

وروى الطبري في تاريخه عن محمد بن سيرين (2) قال: خرج أبو ذر إلى

____________

(1) ابن الأثير: الكامل في التاريخ 3 / 115، تاريخ الطبري 4 / 283 - 284، ابن كثير: البداية والنهاية 7 / 170.

(2) هو أبو بكر محمد بن سيرين البصري الأنصاري، كان أبوه يعمل القدور النحاسية، وهو من جرجرايا أحضر عبداً من عين التمرة، وقد ولد ابن سيرين في عام 33 هـ‍(653 م)، وتوفي في عام 110 هـ‍(729 م)، وعاش في البصرة، وكان تابعياً مشهوراً، روى عن عدد من الصحابة، كما كان فقيهاً، وزاهداً من الزهاد الأوائل، وهو حجة في تفسير الأحلام، وإن كنا لا ندري إن كان ألف في ذلك رسائل م لا، وإن جعله الجاحظ وابن قتيبة الحجة في هذا الميدان، وأما أشهر مراجع ترجمته فهي (طبقات ابن سعد 7 / 193 - 206، محمد بن حبيب: المحبر ص 379 - 480، ابن قتيبة: المعارف، ابن أبي حاتم: الجرح والتعديل 3 / 280 - 281. أبو نعيم: حلية الأولياء 2 / 263 - 282، الشيرازي: طبقاتها الفقهاء ص 69 - 70، الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 5 / 331 - 338، الذهبي: تذكرة الحفاظ ص 77 - 78، الصفدي: الوافي بالوفيات 3 / 146، ابن حجر العسقلاني: تهذيب التهذيب 9 / 214 - 217، اليافعي: مرآة الجنات 1 / 232

=>


الصفحة 308
الربذة من قبل نفسه، لما رأى عثمان لا ينزع له، وأخرج معاوية أهله من بعده، فخرجوا إليه ومعهم جراب يثقل يد الرجل، فقال: أنظروا إلى هذا الذي يزهد في الدنيا ما عنده، فقالت امرأته: أما والله ما فيه دينار ولا درهم، ولكنها فلوس إذا خرج عطاؤه ابتاع منه فلوساً لحوائجنا.

ولما نزل أبو ذر الربذة أقيمت الصلاة، وعليها رجل يلي الصدقة، فقال:

تقدم يا أبا ذر، فقال: لا، تقدم أنت، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي: إسمع وأطع، وإن كان عليك عبد مجدع، فأنت عبد، ولست بأجدع، وكان من رقيق الصدقة، وكان أسود يقال له مجاشع (1).

على أن رواية اليعقوبي إنما تذهب إلى أن معاوية كتب إلى عثمان: إنك قد أفسدت الشام على نفسك بأبي ذر، فكتب إليه: أن أحمله على قتب بغير وطاء، فقدم به إلى المدينة، وقد ذهب لحم فخذيه، فلما دخل إليه، وعنده جماعة قال: بلغني أنك تقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا كمل بنو أمية ثلاثين رجلاً، اتخذوا بلاد الله دولاً، وعباده خولاً، ودين الله دغلاً، فقال: نعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك، فقال لهم: أسمعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك؟

فبعث إلى علي بن أبي طالب، فأتاه، فقال: يا أبا الحسن: أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما حكماه أبو ذر وقص عليه الخبر، فقال علي: نعم، قال:

وكيف تشهد؟ قال: لقومه صلى الله عليه وسلم: ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء، ذا لهجة أصدق من أبي ذر.

فلم يقم بالمدينة حتى أرسل إليه عثمان: والله لتخرجن عنها، قال:

أتخرجني من حرم رسول الله؟ قال: نعم، وأنفك راغم، قال: فإلى مكة؟ قال:

لا، قال: فإلى البصرة؟ قال: لا، قال: فإلى الكوفة؟ قال: لا، ولكن إلى

____________

<=

- 234، ابن العماد الحنبلي: شذرات الذهب 1 / 138، الزركلي: الأعلام 7 / 25، كحالة: معجم المؤلفين 10 / 59، ابن خلكان: وفيات الأعيان 4 / 181 - 183، فؤاد سزكين: تاريخ التراث العربي 4 / 97 - 99.

(1) تاريخ الطبراني 4 / 284 - 283، ابن الأثير: الكامل في التاريخ 3 / 115 - 116.

الصفحة 309
الربذة، التي خرجت منها حتى تموت بها، يا مروان أخرجه، ولا تدع أحداً يكلمه حتى يخرج، فأخرجه على جمل، ومعه امرأته وابنته، فخرج وعلي والحسن والحسين وعبد الله بن جعفر وعمار بن ياسر، ينظرون. فلما رأى أبو ذر علياً، قام إليه فقبل يده، ثم بكى وقال: إني إذا رأيتك، ورأيت ولدك، ذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم أصبر حتى أبكي، فذهب علي يكلمه، فقال له مروان:

إن أمير المؤمنين قد نهى أن يكلمه أحد، فرفع علي السوط فضرب وجه ناقة مروان، وقال: تنح، نحاك الله إلى النار، ثم شيعه، وانصرف مروان إلى عثمان، فجرى بينه وبين علي في هذا بعض الوحشة، وتلاحيا كلاماً، فلم يزل أبو ذر في الربذة حتى توفي (1).

ويروي أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب السقيفة بسنده عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما خرج أبو ذر إلى الربذة أمر عثمان فنودي في الناس: ألا يكلم أحد أبا ذر ولا يشيعه، وأمر مروان بن الحكم أن يخرج به، فخرج به، وتحاشاه الناس، إلا علي بن أبي طالب، عليه السلام، وعقيلاً أخاه، وحسناً وحسيناً، عليهم السلام، وعماراً، فإنهم خرجوا معه يشيعونه، فجعل الحسن عليه السلام يكلم أبا ذر، فقال له مروان: إيها يا حسن، ألا تعلم أن أمير المؤمنين قد نهى عن كلام هذا الرجل، فإن كنت لا تعلم فاعلم ذلك، فحمل علي عليه السلام، على مروان، فضرب بالسوط بين أذني راحلته، وقال:

تنح نحاك الله إلى النار.

فرجع مروان مغضباً إلى عثمان، فأخبره الخبر، فتلظى على علي عليه السلام، ووقف أبو ذر فودعه القوم، ومعه ذكوان مولى أم هانئ بنت أبي طالب.

قال ذكوان: فحفظت كلام القوم - وكان حافظاً - فقال علي عليه السلام:

____________

(1) تاريخ اليعقوبي: 2 / 172 - 173.

الصفحة 310
يا أبا ذر، إنك غضبت لله، إن القوم خافوك على دنياهم، وخفتهم على دينك، فامتحنوك بالقلى، ونفوك إلى الفلا، والله لو كانت السماوات والأرض على عبد رتقاً، ثم اتقى الله، لجعل له منها مخرجاً، يا أبا ذر، لا يؤذنك إلا الحق، ولا يوحشنك إلا الباطل، ثم قال لأصحابه: ودعوا عمكم، وقال لعقيل: ودع أخاك.

فتكلم عقيل، فقال: ما عسى أن نقول يا أبا ذر، وأنت تعلم أنا نحبك، وأنت تحبنا، فاتق الله، فإن التقوى نجاة، واصبر فإن الصبر كرم، واعلم أن استثقالك الصبر من الجزع، واستبطاءك العافية من اليأس، فدع اليأس والجزع.

ثم تكلم الحسن فقال: يا عماه، لولا أنه لا يبغي للمودع أن يسكت، وللمشيع أن ينصرف، لقصر الكلام، وإن طال الأسف، وقد أتى القوم إليك ما ترى، فضع عنك الدنيا بتذكر فراغها، وشدة ما اشتد منها برجاء ما بعدها، واصبر حتى تلقى نبيك صلى الله عليه وسلم، وهو عنك راض.

ثم تكلم الحسين عليه السلام، فقال: يا عماه إن الله تعالى قادر أن يغير ما قد ترى، والله كل يوم هو في شأن، وقد منعك القوم دنياهم، ومنعتهم دينك، فما أغناك عما منعوك، وأحوجهم إلى ما منعتهم، فاسأل الله الصبر والنصر، واستعذبه من الجشع والجزع، فإن الصبر من الدين والكرم، وإن الجشع لا يقدم رزقاً، والجزع لا يؤخر أجلاً.

ثم تكلم عمار، رحمه الله، مغضباً، فقال: لا آنس الله من أوحشك، ولا آمن من أخافك، أما والله لو أردت دنياهم لأمنوك، ولو رضيت أعمالهم لأحبوك، وما منع الناس أن يقولوا بقولك، إلا الرضا بالدنيا، والجزع من الموت، مالوا إلى ما سلطان جماعتهم عليه، والملك لمن غاب، فوهبوا لهم دينهم، ومنحهم القوم دنياهم، فخسروا الدنيا والآخرة، ألا ذلك هو الخسران المبين.


الصفحة 311
فبكى أبو ذر - رحمه الله، وكان شيخاً كبيراً - وقال: رحمكم الله يا أهل بيت الرحمة، إذا رأيتكم ذكرت بكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما لي بالمدينة سكن، ولا شجن غيركم، إني ثقلت على عثمان بالحجاز، كما ثقلت على معاوية بالشام، وكره أن أجاور أخاه وابن خاله بالمصرين، فأفسد الناس عليهما، فسيرني إلى بلد ليس لي به ناصر ولا دافع، إلا الله، والله ما أريد إلا الله صاحباً، وما أخشى مع الله وحشة.

ورجع القوم إلى المدينة، فجاء علي عليه السلام إلى عثمان، فقال: ما حملك على رد رسولي، وتصغير أمري، فقال علي عليه السلام: أما رسولك فأراد أن يرد وجهي فرددته، وأما أمرك فما أصغره.

فقال: أما بلغك نهي عن كلام أبي ذر، قال: أو كلما أمرت بأمر معصية أطعناك فيه، قال عثمان: أقد مروان من نفسك، قال: مم ذا؟ قال: من شتمه وجذب راحلته، قال: أما راحلته فراحتي بها، وأما شتمه إياي، فوالله لا يشتمني شتمة إلا شتمتك مثلها، لا أكذب عليك، فغضب عثمان، وقال: لم لا يشتمك، كأنك خير منه، قال علي: أي والله ومنك، ثم قام فخرج.

فأرسل عثمان إلى وجوه المهاجرين والأنصار وإلى بني أمية، يشكو علياً عليه السلام، فقال القوم: أنت الوالي، وإصلاحه أجمل، قال: وددت ذاك، فأتوا علياً عليه السلام فقالوا: لو اعتذرت إلى مروان وأتيته، فقال: كلا، وأما مروان فلا آتيه، ولا أعتذر منه، ولكن إن أحب عثمان أتيته.

فرجعوا إلى عثمان فأخبروه، فأرسل عثمان إليه، فأتاه ومعه بنو هاشم، فتكلم علي عليه السلام، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما ما وجدت علي فيه من كلام أبي ذر ووداعه، فوالله ما أردت مساءتك، ولا الخلاف عليك، ولكن أردت به قضاء حقه، وأما مروان فإنه اعترض، يريد ردي عن قضاء حق الله

الصفحة 312
عز وجل، فرددته رد مثلي مثله، وأما ما كان مني إليك، فإنك أغضبتني، فأخرج الغضب مني ما لم أرده. فتكلم عثمان، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال:

أما ما كان منك إلي فقد وهبته لك، وأما ما كان منك إلى مروان، فقد عفا الله عنك، وأما ما حلفت عليه فأنت البر الصادق، فادن يدك، فأخذ يده فضمها إلى صدره. فلما نهض قالت قريش وبنو أمية: أأنت رجل ; جبهك علي، وضرب راحلتك، وقد تفانت وائل في ضرع ناقة، وذبيان وعبس في لطمة فرس، والأوس والخزرج في نسعة، أفتحمل لعلي عليه السلام ما أتاه إليك. فقال مروان: والله لو أردت ذلك ما قدرت عليه.

ويقول ابن أبي الحديد: واعلم أن الذي عليه أكثر أهل السير وعلماء الأخبار والنقل، أن عثمان نفى أبا ذر، أولاً إلى الشام، ثم استقدمه إلى المدينة لما شكا منه معاوية، ثم نفاه من المدينة إلى الربذة، لما عمل بالمدينة نظر ما كان يعمل بالشام.

وأصل هذه الحكاية، أن عثمان لما أعطى مروان بن الحكم وغيره بيوت الأموال، واختص زيد بن ثابت بشئ منها، جعل أبو ذر يقول بين الناس وفي الطرقات والشوارع: بشر الكافرين بعذاب أليم، ويرفع بذلك صوته، ويتلو قوله تعالى: * (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله * فبشرهم بعذاب أليم) *، فرفع ذلك إلى عثمان مراراً، وهو ساكت.

ثم إنه أرسل إليه مولى من مواليه: أن انته عما بلغني عنك، فقال أبو ذر:

أو ينهاني عثمان عن قراءة كتاب الله، وعيب من ترك أمر الله تعالى، فوالله لأن أرضي الله بسخط عثمان، أحب إلي من أن أسخط الله برضى عثمان، فأغضب ذلك عثمان وأحفظه، فتصابر وتماسك، إلى أن قال عثمان يوماً، والناس حوله: أيجوز للإمام أن يأخذ من المال شيئاً قرضاً، فإذا أيسر قضى؟ فقال كعب الأحبار: لا بأس بذلك، فقال أبو ذر: يا ابن اليهوديين، أتعلمنا ديننا؟ فقال

الصفحة 313
عثمان: قد كثر أذاك لي، وتولعك بأصحابي، إلحق بالشام، فأخرجه إليها (1).

ثم كان من أبي ذر مع معاوية، ما ذكرناه آنفاً (2).

ولعل من الأهمية بمكان الإشارة هنا إلى أن أبا ذر كان يقعد في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويجتمع إليه الناس، فيحدث بما فيه الطعن على عثمان، وأنه وقف بباب المسجد، فقال:

أيها الناس، من عرفني فقط عرفني، ومن لم يعرفني فأنا أبو ذر الغفاري، أنا جندب بن جنادة الربذي، إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين، ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم، محمد الصفوة من نوح، فالأول من إبراهيم، والسلالة من إسماعيل، والعترة الهادية من محمد، إنه شرف شريفهم، واستحقوا الفضل في قوم هم فينا كالسماء المرفوعة، وكالكعبة المستورة، أو كالقبلة المنصوبة، أو كالشمس الضاحية، أو كالقمر الساري، أو كالنجوم الهادية، أو كالشجر الزيتونية أضاء زيتها، وبورك زبدها، ومحمد وارث علم آدم، وما فضل به النبيون، وعلي بن أبي طالب، وصي محمد، ووارث علمه.

أيتها الأمة المتحيرة بعد نبيها، أما لو قدمتهم من قدم الله، وأخرتم من أخر الله، وأقررتم الولاية والوراثة في أهل بيت نبيكم، لأكلتم من فوق رؤوسكم، ومن تحت أقدامكم، ولما عال ولي لله، ولا طاش سهم من فرائض الله، ولا اختلف اثنان في حكم الله، إلا وجدتم علم ذلك عنده من كتاب الله وسنة نبيه، فأما إذا فعلتم ما فعلتم، فذوقوا وبال أمركم، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون (3).

____________

(1) ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 8 / 252 - 256 (بيروت 1966).

(2) أنظر التفصيلات (شرح نهج البلاغة 8 / 256 - 262).

(3) تاريخ اليعقوبي 2 / 171 (بيروت 1980). وانظر تفصيلات أخرى (المسعودي: مروج الذهب ومعادن الجوهر - المجلد الأول - بيروت 1982 ص 630 - 632).

الصفحة 314


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net