متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
خامساً: منذ وقعة الجمل
الكتاب : الإمامة وأهل البيت (ع) ج1    |    القسم : مكتبة أهل البيت (ع)

خامساً: منذ وقعة الجمل:

بويع الإمام علي - رضي الله، عنه، وكرم الله وجهه في الجنة - بالخلافة في يوم الجمعة الخامس والعشرين من ذي الحجة عام 35 هـ‍(24 يونية 656 م) في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالمدينة المنورة.

ولعل من الأهمية بمكان الإشارة هنا إلى لقب الإمام ذلك اللقب الذي اختص به الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، من بين جميع الخلفاء الراشدين، ومن ثم فإن لقب الإمام إنما يطلق - إذ أطلق - فلا ينصرف إلى أحد، غير الإمام علي، بين جميع الأئمة الذين وسموا بهذه السمة من سابقيه ولاحقيه.

____________

(1) إن أهل الشام قد قتلوا عماراً في صفين - كما رأينا من قبل - فكانوا هم الفئة الباغية - وعلى رأسهم معاوية بن أبي سفيان، طبقاً للحديث الصحيح تقتلك الفئة الباغية (صحيح البخاري 4 / 25، صحيح مسلم 18 / 39 - 41، تحفة الأحوذي 10 / 300 - 301، طبقات ابن سعد 3 / 77، 187، حلية الأولياء 1 / 139، فضائل الصحابة لابن حنبل 2 / 858 - 861، وقعة صفين ص 340 - 344).

(2) أنظر عن الكيسانية (البغدادي: الفرق بين الفرق ص 38 - 53).

(3) علي سامي النشار: نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام 2 / 26 - 28.

الصفحة 385
ولعل سائلاً يتساءل: ألم يكن الصديق إماماً كعلي؟ ألم يكن الفاروق إماماً كعلي؟ ألم يكن ذو النورين إماماً كعلي؟ ألم يكونوا خلفاء راشدين - إذا قصدت الخلافة بعد النبوة، نعم كانوا أئمة مثله، بل وسبقوه في الإمامة.

ولكن الإمامة يومئذ كانت وحدها في ميدان الحكم بغير منازع ولا شريك، ولم يكتب لأحد منهم أن يحمل علم الإمامة ليناضل بها علم الدولة الدنيوية، ولا أن يتحيز بعسكر يقابله عسكر، وصفة تناوئها صفة، ولا أن يصبح رمزاً للخلافة يقترن، ولا يقترن بشيء غيرها، فكلهم إمام حيث لا اشتباه ولا التباس، ولكن الإمام بغير تعقيب ولا تذييل، إنما هو الإمام كلما وقع الاشتباه والالتباس، وذلك هو علي بن أبي طالب كما لقبه الناس، وجرى على الألسنة، فعرفه به الطفل، وهو يسمع أماديحه المنغومة في الطرقات، بغير حاجة إلى تسمية أو تعريف (1) -.

ويروي اليعقوبي: أنه ما أن تمت البيعة للإمام علي، حتى قام قوم من الأنصار فتكلموا، وكان أول من تكلم ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري - وكان خطيب الأنصار - فقال: والله يا أمير المؤمنين، لئن كانوا تقدموك في الولاية، فما تقدموك في الدين، ولئن كانوا سبقوك أمس، فقد لحقتهم اليوم، ولقد كانوا وكنت لا يخفى موضعك، ولا يجهل مكانك، يحتاجون إليك فيما لا يعلمون، وما احتجت إلى أحد مع علمك.

ثم قام خزيمة بن ثابت الأنصاري - وهو ذو الشهادتين - فقال: يا أمير المؤمنين، ما أصبنا لأمرنا هذا غيرك، ولا كان المنقلب إلا إليك، ولئن صدقنا أنفسنا فيك، فلأنت أقدم الناس إيماناً، وأعلم الناس بالله، وأولى المؤمنين برسول الله، لك ما لهم، وليس لهم ما لك.

____________

(1) عباس محمود العقاد: عبقرية الإمام علي ص 174 - 175 (القاهرة 1981).

الصفحة 386
وقام صعصعة بن صوحان فقال: والله يا أمير المؤمنين، لقد زينت الخلافة وما زانتك، ورفعتها وما رفعتك، ولهي أحوج إليك منك إليها.

وقام مالك بن الحارث الأشتر فقال: أيها الناس، هذا وصي الأوصياء، ووارث علم الأنبياء، العظيم البلاء، الحسن الغناء، الذي شهد له كتاب الله بالإيمان، ورسوله بجنة الرضوان، من كملت فيه الفضائل، ولم يشك في سابقته وعلمه وفضله الأواخر، والأوائل.

وقام عقبة بن عمرو فقال: من له يوم كيوم العقبة، وبيعة كبيعة الرضوان، والإمام الأهدى الذي لا يخاف جوره، والعالم الذي لا يخاف جهله (1).

هذا وقد واجه الإمام علي بعد توليته الخلافة خروج طلحة والزبير مطالبين بدم عثمان، ومالت معهم عائشة، وكانت من أشد المنكرين على عثمان - كما كان طلحة والزبير كذلك - غير أنها عندما سمعت بتولية الإمام علي قالت: والله ما كنت أبالي أن تقع هذه على هذه (2)، والزبير كان - كما هو معروف - من أنصار الإمام علي في الفترة التي سبقت توليته الخلافة - كان معه يوم اختيار أبي بكر، وكان معه يوم اختيار عثمان - ولكنه الآن يخرج - مع طلحة وعائشة - وقالوا:

إنهم إنما خرجوا غضباً لعثمان، وتوبة مما صنعوا من خذلانه (3).

وعلى أية حال، فإن المقدسي إنما يقسم الشيعة على أيام الإمام علي إلى فرق ثلاثة: فرقة على جملة أمرها في الاختصاص به، والموالاة له - مثل عمار وسلمان والمقداد وجابر وأبي ذر وعبد الله بن العباس وعبد الله بن عمر وجرير بن عبد الله البجلي ودحية بن خليفة (4) وفرقة أخرى تغلو في عثمان، وتميل إلى الشيخين، مثل عمرو بن الحمق ومحمد بن أبي بكر ومالك بن الأشتر، وأما الفرقة

____________

(1) تاريخ اليعقوبي 2 / 79.

(2) تاريخ اليعقوبي 2 / 180.

(3) تاريخ الطبري 4 / 490.

(4) المقدسي: البدى والتأريخ 5 / 124 (باريس 1899).

الصفحة 387
الثالثة فأتباع عبد الله بن سبأ (1)، فالمقدسي يذكر وجود فئات مختلفة من الشيعة أيام الإمام علي - كما يذكر النوبختي (2) - ويبدو من كلام المقدسي أن تعبير الشيعة إنما قد استعمل في خلافة الإمام علي (3)، هذا فضلاً عن ذكره لعبد الله بن عمر من بين الفريق الأول، وهذا من غير المعهود.

ويذهب ابن النديم في الفهرست إلى أن الشيعة إنما تكونت لما خالف طلحة والزبير علياً، وأبياً إلا الطلب بدم عثمان، مما اضطر الإمام إلى اللحاق بهما في البصرة ليقاتلهما حتى يفيئا إلى أمر الله، وقد تسمى من اتبع الإمام علي بن أبي طالب في ذلك بالشيعة، فكان يقول: شيعتي، وسماهم طبقة الأصفياء وطبقة الأولياء وطبقة شرطة الخميس وطبقة الأصحاب، ويفسر معنى شرطة الخميس: أن علياً قال لهذه الطائفة تشرطوا، فإنما أشارطكم على الجنة، ولست أشارطكم على ذهب، ولا فضة، فابن النديم إنما يذكر ظهور الشيعة كجماعة أو كتلة على مسرح الأحداث السياسية، ولكنه لا يذكر بدايتهم (4).

هذا وقد شاع أثناء موقعة الجمل (10 جمادى الآخرة عام 36 هـ‍) إطلاق كلمة الوصي (5) على الإمام علي - رضي الله عنه، وكرم الله وجهه في الجنة - وقد جمع ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة عدداً من الأشعار التي

____________

(1) نفس المرجع السابق ص 125.

(2) النوبختي: فرق الشيعة ص 16.

(3) نبيلة عبد المنعم داوود: نشأة الشيعة الإمامية - بغداد 1968 ص 61 - 62.

(4) ابن النديم: الفهرست ص 249، نبيلة عبد المنعم داوود المرجع السابق ص 62.

(5) لما علم حذيفة ين اليمان - صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم - بقدوم الإمام علي إلى ذي قار في طريقه إلى البصرة - قبل معركة الجمل - استنفر الناس، ودعا أصحابه فوعظهم، وذكرهم الله، وزهدهم في الدنيا، ورغبهم في الآخرة، وقال لهم: إلحقوا بأمير المؤمنين، ووصي سيد المرسلين، فإنه من الحق أن تنصروه، وهذا الحسن ابنه وعمار، قد قدما الكوفة يستنفرون الناس، فانفروا، قال:

فنفر أصحاب حذيفة إلى أمير المؤمنين، ومكث حذيفة بعد ذلك خمس عشرة ليلة، وتوفي رحمه الله تعالى (نهج البلاغة 2 / 188).

الصفحة 388
تضمنت هذه اللفظة، ومنها قول عبد الله بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب (من صدر الإسلام).

ومنا علي ذاك صاحب خيبر * وصاحب بدر يوم سالت كتائبه
وصي النبي المصطفى وابن عمه * فمن ذا يدانيه ومن ذا يقاربه

وقال عبد الله بن جعيل:

لعمري لقد بايعتم ذا حفيظة * على الدين معروف العفاف موفقا
علياً وصي المصطفى وابن عمه * وأول من صلى أخا الدين والتقي

وقال الهيثم بن التيهان - وكان بدرياً - (يوم الجمل):

قل للزبير وقل لطلحة إننا * نحن الذين شعارنا الأنصار
نحن الذين رأت قريش فعلنا * يوم القليب أولئك الكفار
كنا شعار نبينا ودثاره * يفديه منا الروح والإبصار
إن الوصي إمامنا وولينا * برح الخفاء وباحت الأسرار

وقال عمر بن حارثة الأنصاري - وكان مع محمد بن الحنفية يوم الجمل - وقد لامه أبوه لما تقاعس، فقال فيه:

سمي النبي وشبه الوصي * ورايته لونها العندم

وقال غلام من بني ضبه من عسكر عائشة يوم الجمل:

نحن بني ضبة أعداء علي * ذاك الذي يعرف قدماً بالوصي
وفارس الخيل على عهد النبي * ما أنا عن فضل علي بالعمي

وقال سعيد بن قيس الهمداني يوم الجمل - وكان في عسكر علي عليه السلام -:

قل للوصي أقبلت قحطانها * فادع بها تكفيكها همدانها


الصفحة 389
وقال زياد بن لبيد الأنصاري يوم الجمل - وكان من أصحاب علي عليه السلام:

ولا نبالي في الوصي من غضب * إنا أناس لا نبالي من عطب
هذا علي، وابن عبد المطلب * ننصره اليوم على من قد كذب

وقال حجر بن عدي الكندي يوم الجمل:

يا ربنا سلم لنا عليا * سلم لنا المبارك المضيا
المؤمن الموحد التقيا * لا خطل الرأي ولا غويا
بل هادياً موفقاً مهديا * واحفظه ربي واحفظ النبيا
فيه فقد كان له وليا * ثم ارتضاه بعده وصيا

وقال خزيمة بن ثابت الأنصاري - ذو الشهادتين وكان بدرياً - يوم الجمل:

يا وصي النبي قد أجلت الحر * ب الأعادي وسارت الأظعان

وقال خزيمة أيضاً:

أعائش خلي عن علي وعيبه * بما ليس فيه إنما أنت والده
وصي رسول الله من دون أهله * وأنت على ما كان من ذلك شاهده
وحسبك منه بعض ما تعلمينه * ويكفيك لو لم تعلمي غير واحدة

وقال ابن بديل بن زرقاء الخزاعي يوم الجمل:

يا قوم للخطة العظمى التي حدثت * حرب الوصي وما للحرب من آسى
الفاصل الحلم بالتقوى إذا ضربت * تلك القبائل أخماساً لأسداس

وقال عمرو بن أحيحة يوم الجمل في خطبة الحسن بن علي، عليهما السلام، بعد خطبة عبد الله بن الزبير:

وأبى الله أن يقوم بما قام * به ابن الوصي وابن النجيب
إن شخصاً بين النبي لك الخير * وبين الوصي غير مثوب


الصفحة 390
وقال زجر بن قيس الجعفي يوم الجمل:

أضربكم حتى تقروا لعلي * خير قريش كلها بعد النبي
من زانه الله وسماه الوصي * إن الولي حافظ ظهر الولي

كما الغوى تباع أمر الغوي (1) وروى عثمان بن سعيد عن عبد الله بن بكير عن حكيم بن جبير قال:

خطب علي عليه السلام، فقال في أثناء خطبته: أنا عبد الله، وأخو رسول الله، لا يقولها أحد قبلي ولا بعدي، إلا كذاب، ورثت نبي الرحمة، ونكحت سيدة نساء هذه الأمة، وأنا خاتم الوصيين (2).

فقال رجل من عبس: ومن لا يحسن أن يقول مثل هذا، فلم يرجع إلى أهله حتى جن وصرع (3)، فسألوهم: هل رأيتم به عرضاً قبل هذا؟ قالوا: ما رأينا به قبل هذا عرضا (4).

وهكذا رأينا أن كلمة الوصي إنما أطلقت يوم الجمل على الإمام علي، من قبل أنصاره وأعدائه، سواء بسواء، و سوف يكون لهذه الصفة (الوصي) مدلولها على الإمامة، وأحقية الإمام علي فيها (1).

وروى الزبير بن بكار في الموفقيات - عن المدائني - قول بعض شعراء قريش:

____________

(1) شرح نهج البلاغة 1 / 143 - 147.

(2) أنظر: المستدرك للحاكم 3 / 172، مجمع الزوائد للهيثمي 9 / 113، 146.

(3) روى أبو نعيم بسنده عن عمار قال: حدث علي عليه السلام، رجلاً بحديث فكذبه، فما قام حتى أعمي (دلائل النبوة ص 510).

(4) شرح نهج البلاغة 2 / 287 - 288.

(5) الفيروزآبادي: فضائل الخمسة من الصحاح الستة 2 / 36 - 43 (بيروت 1973).

الصفحة 391

والله ما كلم الأقوام من البشر * بعد الوصي علي كابن عباس (1)

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net