متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
سادساً: منذ التحكيم
الكتاب : الإمامة وأهل البيت (ع) ج1    |    القسم : مكتبة أهل البيت (ع)

سادساً: منذ التحكيم:

استشهد الصحابي الجليل عمار بن ياسر في معارك صفين بين الإمام علي - رضي الله عنه، وكرم الله وجهه في الجنة - ومعاوية بن أبي سفيان، وكان لاستشهاد عمار تأثير كبير على المتحاربين، ولأنه يبين أصحاب الحق من الفريقين المقاتلين، ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعلم المسلمين من قبل أن عمار تقتله الفئة الباغية، وقد روت معظم كتب الحديث هذا الحديث الشريف، جاء في صحيح البخاري بلفظ ويح عمار تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة، ويدعونه إلى النار (2)، كما جاء أيضاً بلفظ ويح عمار، تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الله، ويدعونه إلى النار (3)، وجاء في صحيح مسلم بلفظ بؤس ابن سمية تقتله فئة باغية (4)، وبلفظ تقتلك الفئة الباغية (5).

ورواه النسائي في الخصائص (6)، والترمذي في مناقب عمار، والحاكم في المستدرك (7)، والإمام أحمد في المسند والفضائل (8)، وأبو داود الطيالسي في مسنده (9)، وأبو نعيم في الحلية (10).

____________

(1) شرح نهج البلاغة 2 / 262.

(2) صحيح البخاري 1 / 121 - 122.

(3) صحيح البخاري 4 / 25.

(4) صحيح مسلم 18 / 39 - 40.

(5) صحيح مسلم 18 / 41.

(6) النسائي: تهذيب خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه - بيروت 1983 ص 89 - 92.

(7) المستدرك للحاكم 2 / 148، 3 / 385، 386، 387.

(8) مسند الإمام أحمد 2 / 161، 164، 4 / 197، 6 / 289، فضائل الصحابة لابن حنبل 2 / 858 - 861.

(9) مسند أبي داود الطيالسي 3 / 90.

(10) حلية الأولياء 4 / 172.

الصفحة 392
ورواه الطبري في تاريخه (1)، والخطيب البغدادي في تاريخه (2)، وابن سعد في طبقاته (3)، وابن الأثير في أسد الغابة (4)، وابن قتيبة في الإمامة والسياسة (5)، وابن حجر في الإصابة (6)، والمحب الطبري في الرياض النضرة (7)، والشبلنجي في نور الأبصار (8)، والمتقي الهندي في كنز العمال (9)، والهيثمي في مجمعه (10)، وغيرهم (11).

وكان عبد الله بن الخطاب يأسف أنه لم يقاتل الفئة الباغية مع الإمام علي، وكان يقول: ما آسى على شئ إلا تركي قتال الفئة الباغية مع علي (12)، ولعل هذا هو الذي دفع المقدسي إلا أن يراه من الموالين للإمام علي (13)، كما كان عبد الله بن عمرو بن العاص يأسف أنه كان بجوار أبيه مع الفئة الباغية (14).

وفي الإصابة في ترجمة زبيد بن عبد الخولاني قال: له إدراك وشهد فتح

____________

(1) تاريخ الطبري 5 / 41.

(2) تاريخ بغداد 5 / 315، 7 / 414، 13 / 186.

(3) طبقات ابن سعد 3 / 177، 180، 181.

(4) أسد الغابة 2 / 217، 4 / 133.

(5) الإمامة والسياسة ص 106.

(6) الإصابة في معرفة الصحابة 2 / 512.

(7) الرياض النضرة 1 / 14.

(8) نور الأبصار ص 89.

(9) كنز العمال 7 / 72، 73، 74.

(10) مجمع الزوائد 7 / 240 - 242، 9 / 396 - 397.

(11) الفيروزآبادي: فضائل الخمسة 2 / 377 - 393، ابن عبد البر: الإستيعاب في معرفة الأصحاب 2 / 480 - 481، تحفة الأحوذي 10 / 300 - 301.

(12) أنظر: المستدرك للحاكم 3 / 115، أسد الغابة 3 / 342، 4 / 115، طبقات ابن سعد 4 / 136 - 137، مجمع الزوائد 3 / 182، الرياض النضرة 2 / 242، الإستيعاب 2 / 345 - 346.

(13) المقدسي: البدء والتأريخ 5 / 124.

(14) طبقات ابن سعد 2 / 12، الإستيعاب 2 / 348 - 349، أسد الغابة 3 / 350.


الصفحة 393
مصر، ثم شهد صفين مع معاوية: وكانت معه الراية، فلما قتل عمار تحول إلى عسكر الإمام علي (1)، وفي أسد الغابة قال: روى عمارة بن خزيمة بن ثابت قال: شهد خزيمة بن ثابت الجمل، وهو لا يسل سيفاً، وشهد صفين ولم يقاتل، وقال: لا أقاتل حتى يقتل عمار، فانظر من يقتله، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: تقتله الفئة الباغية، فلما قتل عمار قال خزيمة: ظهرت لي الضلالة، ثم تقدم فقاتل حتى قتل (2)، وفي الإصابة عن محمد بن عمارة بن خزيمة بن ثابت قال: ما زال جدي كافاً سلاحه حتى قتل عمار بصفين، فسل سيفه وقاتل حتى قتل (3).

وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال:

لما كان يوم صفين نادى مناد من أصحاب معاوية أصحاب علي: أفيكم أويس القرني؟ قالوا: نعم، فضرب دابته حتى دخل معهم، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: خير التابعين أويس القرني (4).

وعلى أية حال، فإن النصر كاد أن يتم لمعسكر الإمام علي، لولا خدعة التحكيم المشهورة (5)، وقد أصبحت لفظة شيعة علي، مقابلة هنا للفظة شيعة معاوية - كما جاء في وثيقة التحكيم.

هذا ويذهب البعض إلى أن التشيع إنما بدا بعد التحكيم، يرىً فان فلوتنً أن الشيعة تفرعت من ذلك الحزب السياسي الذي قضى عليه الأمويون بحروراء، ثم انتشرت وقامت بحركة دينية واسعة النطاق ضمت إليها جميع

____________

(1) الإصابة في تمييز الصحابة 1 / 576.

(2) أسد الغابة 4 / 135.

(3) الإصابة 1 / 426.

(4) المستدرك للحاكم 3 / 402، وانظر: حلية الأولياء 2 / 76، طبقات ابن سعد 6 / 112.

(5) أنظر عن خدعة التحكيم (محمد بيومي مهران: الإمام علي بن أبي طالب 2 / 97 - 124 - بيروت 1990).

الصفحة 394
العناصر الإسلامية المعادية للأمويين وللعرب جميعاً (1).

وقد أخطأ فان فلوتن في هذا، فالخوارج لم يكونوا أبداً شيعة، بل هم أعداء الإمام علي، الذين خرجوا عليه بعد رجوعه من صفين إلى الكوفة، وانحازوا إلى حروراء، وهم يومئذ اثنا عشر ألفاً أو ثمانية آلاف، ولذا سميت الخوارج حرورية (2)، وكانوا يقولون لا حكم إلا لله فلما بلغ الإمام علي ذلك قال: كلمة حق أريد بها باطل، ولما فشلت المفاوضات معهم، اضطر الإمام إلى قتالهم في وقعة النهروان سنة 39 هـ‍(3).

ثم إن ظهور الشيعة إنما كان سابقاً لهذه الفترة - كما رأينا من قبل - الأمر الذي يدل على أن فان فلوتن إنما يخلط بين الشيعة والخوارج، فضلاً عن الخلط بين الشيعة العلوية وبين من استظل برايتهم من الغلاة (4).

وعلى أية حال، فإن هناك من يرد نشأة التشيع إلى أول خلاف حول المبادئ الإسلامية، عندما نادى الخوارج لا حكم إلا لله (5)، فكان الخوارج أول طائفة في الإسلام تثير مشكلة الإمامة على نحو لم يسبق له، حين تراها عامة بالاختيار، لا فضل فيها لعربي على عجمي، ولا لقرشي على حبشي، وكان لا بد أن تظهر مبادئ أخرى معارضة تدعم حق الإمام علي في الإمامة، ولا شك أن الانشقاق السياسي بين شيعة الإمام علي بعد موقعة صفين، وقيامه على أساس فكري، وهو نحو يختلف تماماً عن خروج طلحة أو الزبير على الإمام علي، ونكثهما بيعته، أو بمخالفة معاوية بن أبي سفيان وطلبه بدم

____________

(1) فان فلوتن: السيادة العربية والشيعة والإسرائيليات - ترجمة حسن إبراهيم حسن ومحمد زكي إبراهيم - القاهرة 1934 ص 74.

(2) أنظر عن الخوارج (البغدادي: الفرق بين الفرق ص 72 - 113) (دار المعرفة - بيروت).

(3) أنظر (محمد بيومي مهران: الإمام علي بن أبي طالب 2 / 124 - 131).

(4) نبيلة عبد المنعم داود: المرجع السابق ص 63 - 64.

(5) أنظر عن الخلاف حول التحكيم (نصر بن مزاحم المنقري: وقعة صفين - تحقيق عبد السلام محمد هارون ص 512 - 527 (ط ثالثة - القاهرة 1981).

الصفحة 395
عثمان، إنه نهج فكري أيديولوجي يزعزع الأسس التي اجتمع عليها أنصار الإمام علي حوله، فكان لا بد من مواجهة الخوارج - لا كقوة سياسية - وإنما كعقيدة سياسية، تسعى إلى ضياع حق الإمام علي.

وفي الواقع أن التشيع - كرد فعل للخوارج - يتضح فيه مدى المقابلة بين العقيدتين، فبينما جعل الخوارج الإمامة عامة، هي عند الشيعة في بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وفي ذرية الإمام علي، وبنص من النبي على ذلك، فهي إذن من صميم الدين، وبينما طائفة من الخوارج ترى الإمامة غير واجبة، ولا يلزم نصب الإمام، هي عند الشيعة واجبة، وعلى الله تعالى.

وهكذا - فيما يقول الدكتور صبحي - يظهر رد فعل التشيع كعقيدة لآراء الخوارج في الإمامة، ويجب الاعتراف بأن الخوارج كمذهب عقائدي له نظرياته في الإمامة، سابق في وجوده على التشيع كعقيدة، ولا يستبعد أن يكون كثير من عقائد الشيعة قد صيغت متأثرة في ذلك بنظرية الخوارج في الإمام علي نحو عكسي، ولا سيما أن كارثة انشقاق الخوارج هي أكبر ما حل بأنصار الإمام من كوارث، ثم تبعها مصرع الإمام نفسه، على يد واحد منهم، ثم جرأتهم على الحق حتى ذهبوا إلى تكفير الإمام - وهو ما لم يذهب إليه ألد أعدائه كمعاوية - فكان لا بد أن يقابل ذلك تقديس للإمام علي، ورفع مقامه إلى مرتبة وصي النبي صلى الله عليه وسلم، وخليفته بالنص الإلهي (1).

ثم يقول: هذا وقد نقل الخوارج الاختلاف من مجرد خلاف بين الأشخاص - كما هو الحال بين الإمام علي ومعاوية - إلى خلاف حول المبادئ، ومن ثم فقد أعلنوا لا حكم إلا لله، وقد وصف الإمام علي ذلك بأن القوم طلبوا الحق فأخطأوه، وقال - كرم الله وجهه في الجنة - رداً على ذلك كلمة حق يراد بها باطل، نعم إنه لا حكم إلا الله، ولكن هؤلاء يقولون: لا

____________

(1) أحمد صبحي: المرجع السابق ص 40 - 41.

الصفحة 396
إمرة، وإنه لا بد للناس من أمير - بر أو فاجر - يعمل في إمرته المؤمن، ويستمتع فيها الكافر، ويبلغ الله فيها الأجل، ويجمع به الفئ، ويقاتل به العدو، وتؤمن به السبل، ويؤخذ به للضعيف من القوي، حتى يستريح بر، أو يستراح من فاجر (1).

وهكذا أثبت الإمام علي - رضي الله عنه، وكرم الله وجهه في الجنة - وجوب الإمامة، تلك القضية التي تشغل أول الأبحاث في النظريات السياسية في الفكر الإسلامي، ولقد سبق أن اختلف المسلمون يوم السقيفة حول شخص من يخلف الرسول صلى الله صلى الله عليه وسلم فبحثوا في الإمامة، وجعلوها محور تفكيرهم السياسي، ثم أثار الخوارج التشكيك في ضرورة وجود الإمام، فالتفت معظم فرق المسلمين عند القول بوجوب وجود الإمام في بداية أبحاثهم السياسية (2).

علي أن الخوارج إنما يمثلون - من ناحية أخرى - جموح الهوى، وغلو الاجتهاد في الرأي، ثم سرعان ما تنعزل هذه الفرقة عن الناس، وتتخذ لها جبهة خاصة بها، فتنحرف عما عليه جماعة المسلمين، وحتى يحملها العناد والشقاق، على أن تشتط، وتمعن في الشطط، وإذا هي خارج دائرة الإسلام، تستحل دماء المسلمين، وتستبيح أموالهم وأعراضهم، دونما تقية أو حرج، وكانوا يلقون الواحد من المسلمين فيسألونه: ألم يكن قبول التحكيم كفراً؟ ألم يأثم علي بقبول التحكيم؟ ألسنا في حل من طاعته وبيعته حتى يقر بإثمه ويتوب؟ فإن أجاب المسؤول بنعم، تركوه ينجوه، وإن أجاب بلا، سفكوا دمه، وأزهقوا روحه.

وروى البخاري في صحيحه (3) (كتاب بدء الخلق - باب علامات النبوة في الإسلام) بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يقسم قسماً، أتاه ذي الخويصرة، وهو رجل من بني تميم، فقال: يا

____________

(1) شرح نهج البلاغة 2 / 307 (بيروت 1979).

(2) أحمد صبحي: المرجع السابق ص 42.

(3) صحيح البخاري 4 / 343 - 224.

الصفحة 397
رسول الله إعدل، فقال: ومن يعدل إذا لم أعدل؟ قد خبت وخسرت، إن لم أكن أعدل، فقال عمر: يا رسول الله إئذن لي فيه فأضرب عنقه، قال: دعه فإن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين، كما يمرق السهم من الرمية، ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شئ، ثم ينظر إلى رصافه، فما يوجد فيه شئ، ثم ينظر إلى نضيه، وهو قدحه، فلا يوجد فيه شئ، ثم ينظر إلى قذذه فلا يوجد فيه شئ، قد سبق الفرث والدم، آيتهم رجل أسود، إحدى عضديه مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة تدردر، ويخرجون على خير فرقة من الناس.

قال أبو سعيد: فأشهد أني سمعت هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم، وأنا معه، فأمر بذلك الرجل، فالتمس فأتي به، حتى نظرت إليه على نعت النبي صلى الله عليه وسلم، الذي نعته.

وروى الإمام مسلم في صحيحه بسنده عن ابن الزبير عن جابر بن عبد الله قال: أتى رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة، منصرف من حنين، وفي ثوب بلال فضة، رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقبض منها يعطي الناس، فقال: يا محمد أعدل، قال:

ويلك ومن يعدل إذا لم أكن أعدل، لقد خبت وخسرت، إن لم أكن أعدل، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: دعني يا رسول الله فأقتل هذا المنافق، فقال:

معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي: إن هذا وأصحابه يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون منه كما يمرق السهم من الرمية (1).

وفي رواية لمسلم أيضاً عن ابن شهاب قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن والضحاك الهمداني أن أبا سعيد الخدري قال: بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يقسم قسماً، أتاه ذو الخويصرة، وهو رجل من بني تميم، فقال: يا رسول الله أعدل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ويلك ومن يعدل، إن لم أعدل،

____________

(1) صحيح مسلم 7 / 159، وانظر روايات أخرى 7 / 159 - 165.

الصفحة 398
قد خبت وخسرت، إن لم أعدل، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا رسول الله، إئذن لي فيه أن أضرب عنقه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعه، فإن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام، كما يمرق السهم من الرمية، ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شئ، ثم ينظر إلى رصافه فلا يوجد فيه شئ، ثم ينظر إلى نضيه فلا يوجد فيه شئ - وهو القدح - ثم ينظر إلى قذذه فلا يوجد فيه شئ، سبق الفرث والدم، آيتهم رجل أسود، إحدى عضديه مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة تدردر يخرجون على خير فرقة من الناس، قال أبو سعيد: فأشهد أني سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشهد أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قاتلهم وأنا مع، فأبر بذلك الرجل فالتمس فوجد، فأتي به حتى نظرت إليه على نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي نعت (1).

وفي رواية لمسلم أيضاً بسنده عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تكون في أمتي فرقتان فتخرج من بينها مارقة، يلي قتلهم أولاهم بالحق (2).

وفي رواية لمسلم أيضاً بسنده عن بسر بن سعيد عن عبد الله بن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن الحرورية لما خرجت - وهو مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه - قالوا: لا حكم إلا لله، قال علي: كلمة حق أريد بها باطل، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصف ناساً إني لأعرف صفتهم من هؤلاء، يقولون الحق بألسنتهم، لا يجوز هذا منهم - وأشار إلى حلقه - من أبغض خلق الله إليه، منهم أسود، إحدى يديه طي شاة، أو حلمة ثدي، فلما قتلهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: أنظروا فنظروا فلم يجدوا شيئاً، فقال: ارجعوا فوالله ما كذبت ولا كذبت - مرتين أو ثلاثاً - ثم وجدوه في خربة حتى وضعوه بين يديه، قال عبيد الله، وأنا حاضر ذلك من أمرهم، وقول علي فيهم، زاد يونس في

____________

(1) صحيح مسلم 7 / 165 - 167، وانظر روايات أخرى في 7 / 167 - 168.

(2) صحيح مسلم 7 / 168، وانظر روايات أخرى في 7 / 168 - 173.

الصفحة 399
روايته، قال بكير: وحدثني رجل عن أبي حنين أنه قال: رأيت ذلك الأسود (1).

هذا وقد روى الحديث الشريف النسائي في الخصائص (2)، وابن الأثير في أسد الغابة (3)، والطبري في تفسيره (4) والإمام أحمد في المسند (5)، والهيثمي في مجمعه (6)، والذهبي في ميزان الاعتدال (7)، والحاكم في المستدرك (8)، وابن سعد في طبقاته (9)، وأبو نعيم في الحلية (10)، والخطيب البغدادي في تاريخه (11)، والمتقي الهندي في كنز العمال (12)، والشوكاني في نيل الأوطار (13).

ويذهب الدكتور أحمد صبحي إلى أن الخوارج لم يفسدوا على الإمام علي أمره في مجال السياسة والحرب فحسب، بل وفي مجال المبادئ والعقائد التي استنفر أصحابه ليحاربوا من أجلها، ولم يكن جدال الإمام معهم بكاف لإقناعهم، بل لا بد من الانقياد للإمام لكبت الأهواء الجامحة، فالفوضى المطلقة الناجمة عن الغلو في الاجتهاد، وتحكيم الرأي، لا بد وأن تقابلها سلطة مطلقة لحاكم في مجتمع في مجتمع يدين بالثيوقراطية، أو بالسياسة المستندة إلى الدين،

____________

(1) صحيح مسلم 7 / 173 - 175.

(2) النسائي: تهذيب خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ص 92 - 108.

(3) أسد الغابة 2 / 172.

(4) تفسير الطبري 10 / 109.

(5) مسند الإمام أحمد 1 / 88، 91، 3 / 26، 32، 45، 48، 56، 70، 82، 95.

(6) مجمع الزوائد 5 / 239، 6 / 341.

(7) ميزان الاعتدال 2 / 263.

(8) المستدرك للحاكم 2 / 145، 147، 148، 154.

(9) طبقات ابن سعد 4 / 36.

(10) حلية الأولياء 4 / 186، 6 / 21، 7 / 31.

(11) تاريخ بغداد 1 / 159، 7 / 237.

(12) كنز العمال 1 / 92.

(13) الشوكاني: نيل الأوطار، شرح منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخبار 8 / 287 - 288 (دار الكتب العملية - بيروت).

الصفحة 400
إلا إذا كانت مؤيدة من الله تعالى، فظهر لدى الشيعة مبدأ وجوب الإمامة، وهكذا أنكر الخوارج الإمامة، فأوجبها الشيعة، واستبعد الخوارج تحكيم الرجال، فأقر الشيعة ولاية الإمام، وكفر الخوارج الإمام (والعياذ بالله) فقدسه الشيعة.

وعلى أية حال، فإذا كانت حركة الخوارج لها أهميتها في صياغة العقيدة الشيعية، فإن ردوا بداية التشيع إلى هذا الزمن، أو إلى زمن خلافة الإمام علي، إنما قصدوا الحكم على أنصار الإمام في حرب الجمل، ثم في صفين، فالذين يرجعون الحركة الشيعية إلى وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، إنما يقصدون عماراً وسلمان وأبا ذر وغيرهم، والذين يرجعونها إلى زمن خلافة الإمام علي إنما يعتبرون المسلمين قد تفرقوا شيعاً، ولم يجمعوا على خلافة الإمام علي، فكان شيعة الإمام علي هم أنصاره ومؤيدوه في حرب الجمل ثم صفين (1).

ولعل من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن كلمة الوصي إنما تتردد أيضاً في معركة صفين - كما ترددت في معركة الجمل - يقول النضر بن عجلان الأنصاري:

كيف التفرق والوصي إمامنا * لا كيف إلا حيرة وتخاذلا
لا تعتبن عقولكم لا خير في * من لم يكن عنده البلابل عاقلا
وذروا معاوية الغوي وتابعوا * دين الوصي تصادفوه عاجلا

ويقول عبد الرحمن بن ذؤيب الأسلمي:

ألا أبلغ معاوية بن حرب * أما لك لا تنيب إلى الصواب
يقودهم الوصي إليك حتى * يردك عن عوائك وارتياب

ويقول المغيرة بن الحارث بن عبد المطلب:

____________

(1) أحمد صبحي: المرجع السابق ص 42 - 43.

الصفحة 401

فيكم وصي رسول الله قائدكم * وأهله وكتاب الله قد نشرا

ويقول الفضل بن عباس بن عبد المطلب:

وصي رسول الله من دون أهله * وفارسه إن قيل هل من منازل

ويقول المنذر بن أبي خميصة الوادعي - فارس همدان -:

ليس منا من لم يكن لك في الله * يا ذا الولا والوصية

وقال جرير بن عبد الله:

وصي رسول الله من دون أهله * وفارسه الأولى به يضرب المثل (1)

بل إن ابن عباس - رضي الله عنهما - إنما يصف الإمام علي - رضي الله عنه، وكرم الله وجهه في الجنة - بأنه حب النبي ونفسه، وذلك في رده على عمرو بن العاص، حين فخر بخديعته لأبي موسى الأشعري في قصة خديعة التحكيم المشهورة - يقول ابن عباس (2):

وتزعم أن الأمر منك خديعة * إليه وكل القول في شأنكم فضلا
فأنتم ورب البيت قد صار دينكم * خلافاً لدين المصطفى الطيب العدلا
أعاديتم حب النبي ونفسه * فما لكم من سابقات ولا فضلا (3)

وعلى أية حال، فهناك ما يثبت أن الشيعة كانت معروفة على أيام خلافة

____________

(1) المنقري: وقعة صفين ص 49، 365، 382، 385، 416، 436.

(2) نفس المرجع السابق ص 550.

(3) كان الإمام علي أحب الرجال إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنظر: المستدرك للحاكم 3 / 130 - 131، 155، 154، 157، خصائص النسائي ص 29، الإستيعاب لابن عبد البر 2 / 751، كنز العمال 6 / 84، 400، صحيح الترمذي 2 / 299، 319، ذخائر العقبى ص 35، مسند الإمام أحمد 4 / 257، مجمع الزوائد 9 / 126، أسد الغابة 4 / 30، 5 / 547، حلية الأولياء 6 / 339) وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعتبر الإمام علي كنفسه (أنظر المستدرك للحاكم 3 / 122).

الصفحة 402
علي، روى ابن الأثير بسنده عن سويد بن غفلة قال: مررت بقوم من الشيعة يشتمون أبا بكر وعمر، وينتقصونهما، فأتيت علي بن أبي طالب، فقلت: يا أمير المؤمنين، إني مررت بقوم من الشيعة يشتمون أبا بكر وعمر وينتقصونهما، ولولا أنهم يعلمون أنك تضمر لهما على ذلك لما اجترؤوا عليه، فقال علي:

معاذ الله أن أضمر لهما إلا على الجميل، ألا لعنة الله على من يضمر لهما إلا الحسن (1).


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net