متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
20 - مبيت الإمام علي في فراش النبي (ص) ليلة الهجرة
الكتاب : الإمامة وأهل البيت (ع) ج2    |    القسم : مكتبة أهل البيت (ع)

20 - مبيت الإمام علي في فراش النبي صلى الله عليه وسلم، ليلة الهجرة:

روى الفخر الرازي في التفسير الكبير في تفسير قول الله تعالى: (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله، والله رؤوف بالعباد) (4)، قال: نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلام، بات على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليلة خروجه إلى الغار.

قال: ويروى أنه لما نام على فراشه صلى الله عليه وسلم، قام جبريل عند رأسه، وميكائيل عند رجليه، وجبريل ينادي: بخ بخ، من مثلك يا ابن أبي طالب، يباهي الله بك

____________

(1) ناجاه وانتجاه: أي حادثه وساره (ابن الأثير: جامع الأصول 8 / 659).

(2) رواه الترمذي برقم (36438) عن الطبراني، بأن النبي صلى الله عليه وسلم، بقي مع علي يوم الطائف مليا، ثم مر، فقال له أبو بكر: يا رسول الله، لقد طلت مناجاتك عليا منذ اليوم، فقال الحديث (محمد عبده يماني: علموا أولادكم محبة آل بيت النبي ص 111).

(3) ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 9 / 173.

(4) سورة البقرة: آية 207.

الصفحة 230
الملائكة، ونزلت الآية، يعني بها: (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله * والله رؤوف بالعباد) (1).

وروى ابن الأثير في أسد الغابة بإسناده إلى الأستاذ أبي إسحاق، أحمد بن إبراهيم الثعلبي المفسر، قال: رأيت في بعض الكتب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما أراد الهجرة، خلف علي بن أبي طالب بمكة لقضاء ديون، ورد الودائع التي كانت عنده، وأمره ليلة خرج إلى الغار، وقد أحاط المشركون بالدار، أن ينام على فراشه، وقال له: اتشح ببردي الحضرمي الأخضر، فإنه لا يخلص إليك منهم مكروه، إن شاء الله تعالى، ففعل ذلك، فأوحى الله إلى جبريل وميكائيل عليهما السلام: إني آخيت بينكما، وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر الآخر، فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة؟ فاختار كلاهما الحياة، فأوحى الله عز وجل إليهما: أفلا كنتما مثل علي بن أبي طالب؟ آخيت بينه وبين نبيي محمد، فبات على فراشه يحرسه، يفديه، بنفسه ويؤثره بالحياة، إهبطا إلى الأرض واحفظاه من عدوه، فنزلا، فكان جبريل عند رأس علي، وميكائيل عند رجليه، وجبريل ينادي: بخ بخ، من مثلك يا ابن أبي طالب، يباهي الله عز وجل به الملائكة، فأنزل الله عز وجل على رسوله، وهو متوجه إلى المدينة في شأن علي (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله * والله رؤوف بالعباد) (2).

وروى ابن الأثير في أسد الغابة بسنده عن يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال: وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني بعد أن هاجر أصحابه إلى المدينة - ينتظر مجئ جبريل عليه السلام، وأمره له أن يخرج من مكة، بإذن الله له في الهجرة إلى المدينة، حتى إذا اجتمعت قريش فمكرت بالنبي، وأرادوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أرادوا، أتاه جبريل عليه السلام، وأمره أن لا يبيت في مكانه الذي يبيت فيه،

____________

(1) فضائل الخمسة 2 / 309.

(2) أسد الغابة 4 / 103 - 104، سورة البقرة: آية 207. وانظر (محمد بيومي مهران: السيرة النبوية الشريفة 1 / 319 - 324 - بيروت 1990 م).

الصفحة 231
فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم، علي بن أبي طالب، فأمره أن يبيت على فراشه، ويتسجى ببرد له أخضر، ففعل، ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، على القوم، وهم على بابه.

قال ابن إسحاق: وتتابع الناس في الهجرة، وكان آخر من قدم المدينة من الناس ولم يفتن في دينه، علي بن أبي طالب، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخره بمكة، وأمره أن ينام على فراشه وأجله ثلاثا، وأمره أن يؤدي إلى كل ذي حق حقه ففعل، ثم لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم (1).

وقال المنادي في كنوز الحقائق: إن الله يباهي بعلي كل يوم الملائكة - قال: أخرجه الديلمي (2).

وروى النسائي بسنده عن عمرو بن ميمون... إلى أن قال: وشرى علي نفسه، لبس ثوب النبي صلى الله عليه وسلم، ثم نام مكانه، قال: وكان المشركون يرمون رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء أبو بكر، وعلي نائم، قال: وأبو بكر يحسبه أنه نبي الله، قال: فقال له علي: إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قد انطلق نحو بئر ميمون فأدركه، قال:

فانطلق أبو بكر، فدخل معه الغار، قال: وجعل علي يرمي بالحجارة، كما كان يرمي نبي الله، وهو يتضور، قال: لف رأسه في الثوب لا يخرجه، حتى أصبح، ثم كشف عن رأسه، فقالوا: إنك للئيم، كان صاحبك نرميه، فلا يتضور، وأنت تتضور، وقد استنكرنا ذلك (3).

ورواه الحاكم في المستدرك، ولا إمام أحمد في المسند، والمحب الطبري في الذخائر، والمتقي في كنز العمال، والهيثمي في مجمعه، وقال رواه أحمد، والطبراني في الكبير والأوسط اختصار (4).

____________

(1) أسد الغابة 4 / 95، سيرة ابن هشام 1 / 480 - 485.

(2) كنوز الحقائق ص 31.

(3) تهذيب خصائص للنسائي ص 27 - 28.

(4) المستدرك للحاكم 3 / 4، المسند 1 / 330، كنز العمال 8 / 133، ذخائر العقبى ص 86، مجمع الزوائد 9 / 119.

الصفحة 232
وروى الحاكم في المستدرك بسنده عن الإمام علي زين العابدين بن الإمام الحسين عليهما السلام: أن أول من شرى نفسه ابتغاء مرضاة الله، علي بن أبي طالب عليه السلام، وقال علي، عند مبيته على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم:

وقت نفسي خير من وطأ الحصى * ومن طاف البيت العتيق والحجر
رسول إله خاف أن يمكروا به * فنجاه ذو الطول الإله من المكر
وبات رسول الله في الغار آمنا * موقى وفي حفظ الإله وفي ستر
وبت أراعيهم ولم يتهمونني * وقد وطنت نفسي على القتل والأسر (1)

وروى الإمام أحمد في المسند بسنده عن ابن عباس في قوله تعالى: (وإذ يمكر الذين كفروا ليثبتوك...) قال: تشاورت قريش ليلة بمكة، فقال بعضهم:

إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق - يريدون النبي صلى الله عليه وسلم - وقال بعضهم: بل اقتلوه، وقال بعضهم: بل اخرجوه، فاطلع الله عز وجل نبيه على ذلك، فبات علي عليه السلام، على فراش النبي صلى الله عليه وسلم، تلك الليلة، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم، حتى لحق بالغار، وبات المشركون يحرسون عليا، يحسبونه النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أصبحوا ثاروا إليه، فلما رأوا عليا، رد الله مكرهم، فقالوا: أين صاحبك هذا؟ قال: لا أدري، فاقتفوا أثره، فلما بلغوا الجبل خلط عليهم، فصعدوا في الجبل، فمروا بالغار، فرأوا على بابه نسج العنكبوت، فقالوا: لو دخل هاهنا، لم يكن نسج العنكبوت على بابه، فمكث فيه ثلاث ليال (2).

ورواه الخطيب البغدادي في تاريخه، والهيثمي في مجمعه وقال: رواه أحمد والطبراني (3).

____________

(1) المستدرك للحاكم 3 / 4.

(2) مسند الإمام أحمد 1 / 348.

(3) تاريخ بغداد 13 / 191، مجمع الزوائد 7 / 27.

الصفحة 233
وروى المتقي الهندي في كنز العمال بسنده عن أبي الطفيل، عامر بن واثلة، قال: كنت على الباب يوم الشورى فارتفعت الأصوات بينهم، فسمعت عليا عليه السلام يقول: بايع الناس لأبي بكر، وأنا والله أولى بالأمر منه، وأحق به منه - إلى أن قال: إن عمر جعلني في خمسة أنفار، أنا سادسهم، لا يعرف:

لي فضلا عليهم في الصلاح، ولا يعرفونه لي، كلنا فيه شرع سواء، وأيم الله، لو أشاء أن أتكلم، ثم لا يستطيع عربيهم ولا عجميهم، ولا المعاهد منهم ولا المشرك، رد خصلة منها لفعلت - إلى أن قال: أفيكم أحد كان أعظم غناء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين اضطجعت على فراشه، ووقيته بنفسي، وبذلت له مهجة دمي، قالوا: اللهم لا (1).

وروى السيوطي في تفسير (الدر المنثور) في تفسير قول الله تعالى: - (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك ويخرجوك) (2). قال: وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة، قال: دخلوا دار الندوة يأتمرون بالنبي صلى الله عليه وسلم - وساق الحديث إلى أن قال: وقام علي عليه السلام على فراش النبي صلى الله عليه وسلم، أتوا يحرسونه - يعني المشركين - يحسبون أنه النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أصبحوا ثاروا إليه، فإذا هم بعلي عليه السلام، فقالوا أين صاحبك، فقال: لا أدري أثره، حتى بلغوا الغار، ثم رجعوا (3).

وروى ابن سعد في طبقاته: وأمر صلى الله عليه وسلم، عليا أن يبيت في مضجعه تلك الليلة، فبات فيه علي، وتغشى بردا أحمر حضرميا، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، ينام فيه، واجتمع أولئك النفر من قريش يتطلعون من صير الباب، ويرصدونه يريدون ثيابه ويأتمرون أيهم يحمل على المضطجع، صاحب الفراش، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، عليهم، وهم جلوس على الباب، فأخذ حفنة من البطحاء فجعل

____________

(1) كنز العمال 3 / 155.

(2) سورة الأنفال: آية 30.

(3) فضائل الخمسة 2 / 313.

الصفحة 234
يذرها على رؤوسهم، ويتلو (يس والقرآن الحكيم)، حتى بلغ (سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون)، ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم (1).

وعن عبد الله بن جعفر عن أم بكر بنت المسور عن أبيها: أن رقيقة بنت صيفي بن هاشم بن عبد مناف - وهي أم مخرمة بنت نوفل - حذرت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: إن قريشا قد اجتمعت تريد بياتك الليلة، قال المسور:

فتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن فراشه، وبات عليه علي بن أبي طالب، عليه السلام (2).

وروى الإمام الطبري في تفسيره بسنده عن عكرمة قال: لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، إلى الغار، أمر علي بن أبي طالب فنام في مضجعه، فبات المشركون يحرسونه، فإذا رأوه نائما حسبوا أنه النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أصبحوا، فإذا هم بعلي، فقالوا: أين صاحبك، قال: لا أدري، فركبوا الصعب، والذلول في طلبه (3).

وعن ابن عباس قال: تشاورت قريش ليلة بمكة، فقال بعضهم: إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق - يريدون النبي صلى الله عليه وسلم - وقال بعضهم: بل اقتلوه، وقال بعضهم:

بل أخرجوه، فأطلع الله نبيه على ذلك، فبات علي، رحمه الله، على فراش النبي صلى الله عليه وسلم، تلك الليلة، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم، حتى لحق بالغار، وبات المشركون يحرسون عليا، يحسبونه أنه النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أصبحوا ثاروا إليه، فلما رأوا عليا رحمة الله عليه، رد الله مكرهم فقالوا: أين صاحبك؟ قال: لا أدري، فاقتصوا أثره، فلما بلغوا الجبل، ومروا بالغار، رأوا على بابه نسج العنكبوت، قالوا: لو دخل هاهنا، لم يكن نسج على بابه، فمكث فيه ثلاثا (4).

____________

(1) الطبقات الكبرى 1 / 153 - 154.

(2) الطبقات الكبرى 8 / 35، وانظر 8 / 162.

(3) تفسير الطبري 13 / 496 - 497 (دار المعارف - القاهرة 1958) . (1) تفسير الطبري 13 / 497.

الصفحة 235
ورواه الهيثمي في مجمعه، وقال: رواه أحمد والطبراني (1).

وفي رواية عن السدي قال: وأخبر الله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنام على الفراش، وجعلوا عليه العيون، فلما كان في بعض الليل، انطلق هو وأبو بكر إلى الغار، ونام علي بن أبي طالب على الفراش (2).

وفي تفسير ابن كثير: وتشاورت قريش ليلة بمكة، فقال بعضهم: إذا أصبح فأثبتوه بالوثاق - يريدون النبي صلى الله عليه وسلم - وقال بعضهم: بل اقتلوه، وقال بعضهم: بل أخرجوه، فأطلع الله نبيه صلى الله عليه وسلم على ذلك، فبات علي رضي الله عنه، على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى لحق بالغار، وبات المشركون يحرسون عليا، يحسبونه النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أصبحوا ثاروا إليه، فما رأوا عليا، رد الله مكرهم فقالوا: أين صاحبك؟ قال: لا أدري، فاقتصوا أثره، فلما بلغوا الجبل فمروا بالغار، فرأوا على بابه نسج العنكبوت، فقالوا: لو دخل هاهنا، لم يكن نسج العنكبوت على بابه، فمكث فيه ثلاث ليال (3).

وروى النسفي في تفسيره (4): أن قريشا لما أسلمت الأنصار فرقوا أن يتفاقم أمره، فاجتمعوا في دار الندوة متشاورين في أمره، فدخل عليهم إبليس في صورة شيخ، وقال: أنا شيخ من نجد دخلت مكة فسمعت باجتماعكم فأردت أن أحضركم، ولن تعدموا مني رأيا ونصحا، فقال أبو البختري رأيي أن تحبسوه في بيت وأن تشدوا وثاقه، وتسدوا بابه، غير كوة، تلقون إليه طعامه وشرابه منها، وتتربصوا به ريب المنون، فقال إبليس: بئس الرأي، يأتيكم من يقاتلكم من قومه ويخلصه من أيديكم، فقال هشام بن عمرو، رأيي أن تحملوه

____________

(1) مجمع الزوائد 7 / 27.

(2) تفسير الطبري 13 / 498.

(3) تفسير ابن كثير 2 / 477.

(4) تفسير النسفي 2 / 101.

الصفحة 236
على جمل، وتخرجوه من بين أظهركم، فلا يضركم ما صنع، واسترحتم، فقال إبليس: بئس الرأي، يفسد قوما غيركم ويقاتلكم بهم، فقال أبو جهل - لعنه الله - أنا أرى أن تأخذوا من كل بطن غلاما وتعطوهم سيفا، فيضربوه ضربة رجل واحد، فيتفرق دمه في القبائل، فلا يقوى بنو هاشم على حرب قريش كلهم، فإذا طلبوا العقل عقلناه واسترحنا، فقال اللعين: صدق هذا الفتى، هو أجودكم رأيا، فتفرقوا على رأي أبي جهل مجتمعين على قتله، فأخبر جبريل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمره أن لا يبيت في مضجعه، وأذن الله له في الهجرة، فأمر علي بن أبي طالب فنام في مضجعه، وقال له: اتشح ببردتي، فإنه لن يخلص إليك أمر تكرهه، وباتوا مترصدين، فلما أصبحوا ثاروا إلى مضجعه، فأبصروا عليا فبهتوا، وخيب الله سعيهم، واقتفوا أثره، فأبطل الله مكرهم وقد جاءت القصة في كتب التفسير، وفي كتب السيرة النبوية الشريفة (1).

ولعل من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن دور الإمام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه، وكرم الله وجهه في الجنة - إنما كان من أهم أدوار الهجرة

____________

(1) أنظر: تفسير القرطبي ص 2833، صفوة التفاسير 1 / 501 - 502، تيسير الكريم الرحمن من تفسير كلام المنان 2 / 78، محمد بيومي مهران: السيرة النبوية الشريفة 1 / 319 - 324، سيرة ابن هشام 2 / 302 - 312، السيرة الحلبية 2 / 189 - 215، محمد الصادق إبراهيم عرجون:

محمد رسول الله 2 / 495 - 520، ابن كثير: السيرة النبوية 2 / 226 - 256، محمد أبو شهبة:

السيرة النبوية 2 / 490 - 499، محمد أبو زهرة: خاتم النبيين 1 / 510 - 519، الندوي: السيرة النبوية ص 141 - 148، محمد رضا محمد رسول الله ص 127 - 130.

وانظر عن: حماية أبي طالب للنبي (السيرة الحلبية 1 / 462 - 264، عرجون: محمد رسول 2 / 312 - 318، ابن كثير: السيرة النبوية 1 / 473 - 477، سيرة ابن هشام 1 / 160 - 162، تاريخ الطبري 2 / 326 - 328).

وعن حصار قريش لبني هاشم (أنظر: سيرة ابن هشام 1 / 219 - 221، السيرة الحلبية 2 / 25 - 26، تاريخ الطبري 2 / 341 - 343، ابن كثير: السيرة النبوية 2 / 43 - 48، محمد أبو زهرة:

خاتم النبيين 2 / 422 - 426، ابن حزم: جوامع السيرة ص 51 - 52.

وانظر: موقف بني هاشم من أحداث الهجرة (محمد بيومي مهران: السيرة النبوية الشريفة 1 / 328 - 377).

الصفحة 237
وأخطرها، ذلك أن خطة الهجرة المحكمة، إنما كانت تتطلب أن يأخذ مكان سيدنا ومولانا وجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، في البيت، رجل تشغل حركته داخل الدار، أنظار المحاصرين لها من مشركي قريش، وتخدعهم بعض الوقت، عن مخرج النبي صلى الله عليه وسلم، حتى يكون هو وصاحبه قد جاوزا منطقة الخطر، وخلفا وراءهما من متاهات الصحراء مسافات تتشتت فيها مطاردة قريش، إذا هي خرجت في طلبهما.

وكان من البدهي أن يكون مصير الذي يخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، في داره، ويخدع قريشا عن مخرجه، ويجعل كيدها الذي عبأت فيه كل قواها، لا هزيمة ماحقة فحسب، بل وسخرية تضحك منه ولدانها، خزيا يجثم فوق جبينها، لا ريب في أن مصيره القتل، إن لم تجد قريش ما هو أشد من القتل تشفيا وفتكا، ومن ثم فلا بد أن يكون هذا الفدائي من طراز فريد، وهكذا اختار النبي صلى الله عليه وسلم، علي بن أبي طالب، لأنه من بيت النبوة، ولأنه سليل بني هاشم، ولأنه ربيب الوحي، ولأنه أول المسلمين، ولأنه تلميذ النبي صلى الله عليه وسلم، وربيبه.

على أنه مهمة الإمام علي، عليه السلام، لم تكن مقصورة على المبيت مكان النبي صلى الله عليه وسلم، والمكر بقريش، حتى يغادر نبي الله وصاحبه مكة، بل إنها إنما كانت ذات جانب آخر، تتطلب بنفس القدرة من الفدائية والبذل والتضحية، ذلك هو قيام الإمام علي برد الأمانات والودائع، التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يحتفظ بها لذويها من أهل مكة، دونه أن ينيل منه فرصة، تحول بينه وبين إنجاز مهمته، وهذه المهمة، إنما هي - دونما ريب - خصيصة للإمام علي، لمكانته من النبي صلى الله عليه وسلم، ومنزلته الخاصة في قرابته وبيئته، لأنه ربيبه، وأعرف الناس بالنبي مدخلا ومخرجا، وأعلمهم بأحواله، وفي ثقة الناس به.

وليس هناك إلى سبيل من ريب، في أن مبيت علي المرتضى، في فراش النبي صلى الله عليه وسلم، وجعل نفسه فداء لصاحب الرسالة، وهو أول فداء في الإسلام، إنما كان فضلا من الله تعالى، على الإمام علي، فما زال المسلمون - وسيظلون إن

الصفحة 238
شاء الله إلى يوم الدين - عندما يذكرون حادث الهجرة، يذكرون عظمة الإمام علي بن أبي طالب، وبطولته وشجاعته، التي فاقت كل بطولة وشجاعة، لأنه جاد بحياته في سبيل إحياء حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ليحيا الإسلام، وتنتشر دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، وليتألق الإسلام في آفاق الدنيا كلها، وهو يعلم أن السيوف المسلولة تنتظره في الصباح.

ولا ريب في أنه لا تعليل لذلك، سوى الإيمان الصادق، الذي تغلغل في نفس الإمام علي - رضي الله عنه، وكرم الله وجهه في الجنة - وخالط وجدانه، فدفعه إلى إيثار حياة النبي صلى الله عليه وسلم، على حياته، فقام مقام الرسول، وتغطى بالبرد الحضرمي، الذي كان يتغطى به النبي صلى الله عليه وسلم، فكان الإمام علي، أول من شرى نفسه ابتغاء مرضاة الله، ووقى بنفسه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قبل أن يقول له النبي (لن يخلص إليك شئ)، وفيه نزل قول الله تعالى: (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله * والله رؤوف بالعباد) (1).

وليس هناك من ريب في أن مبيت الإمام علي في فراش النبي صلى الله عليه وسلم، في تلك الليلة المباركة، إنما قد أذهل الدنيا - بل أذهل أهل الأرض والسماء - روى الإمام الفخر الرازي في التفسير الكبير: أن الآية نزلت في علي بن أبي طالب، بات على فراش النبي صلى الله عليه وسلم، قام جبريل عليه السلام، عند رأسه، وميكائيل عليه السلام، عند رجليه، وجبريل ينادي: بخ بخ، من مثلك يا ابن أبي طالب، يباهي الله بك الملائكة، ونزلت الآية: (ومن الناس يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله * والله رؤوف بالعباد).

وروى الإمام الغزالي في (إحياء علوم الدين): أن ليلة بات علي بن أبي طالب على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم، أوحى الله إلى جبريل وميكائيل أني آخيت بينكما، وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر الآخر، فأيكما يؤثر صاحبه

____________

(1) سورة البقرة: آية 207.

الصفحة 239
بالحياة، فاختار كلاهما الحياة وأحباها، فأوحى الله إليهما: أفلا كنتما مثل علي بن أبي طالب، آخيت بينه وبين محمد، فبات علي على فراشه يفديه بنفسه، ويؤثره بالحياة، إهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوه، فكان جبريل عند رأسه، وميكائيل عند رجليه، ينادي: بخ بخ من مثلك يا ابن أبي طالب، تباهى بك الملائكة، فأنزل الله تعالى: (ومن الناس يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله * والله رؤوف بالعباد).

وروي أن السيدة عائشة، رضي الله عنها، قد افتخرت بأبيها يوما، لأنه ثاني اثنين في الغار، فقال لها أحد الأصحاب: شتان بين من قيل له (لا تحزن إن الله معنا)، ومن بات على الفراش، وهو يرى أنه يقتل، وأنزل الله فيه: (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله * والله رؤوف بالعباد).

هذا ويتساءل الأستاذ الخطيب في كتابه (علي بن أبي طالب - بقية النبوة، وخاتم الخلافة) يتساءل: أكان لإلباس رسول الله صلى الله عليه وسلم شخصيته لعلي بن أبي طالب في تلك الليلة، ما يوحي بأن هناك جامعة تجمع بين الرسول وعلي، أكثر من جامعة القرابة القريبة التي تجمع بينهما؟.

وهل لنا أن نستشف من ذلك، أنه إذا غاب شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان علي بن أبي طالب، هو الشخصية المهيأة لأن تخلفه، وتمثل شخصه، وتقوم مقامه؟.

ثم يجيب الأستاذ الخطيب: أحسبنا لم نتعسف كثيرا، إذا نظرنا إلى علي بن أبي طالب - رضي الله عنه، وكرم الله وجهه في الجنة - وهو في برد الرسول، وفي مثوى منامه، الذي اعتاد أن ينام فيه، فقلنا: هذا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقائم مقامه.

ثم إذا نظرنا إلى علي بن أبي طالب، وهو يواجه قريشا، بعد أن فعل بها ما فعل، وبعد أن صفعها تلك الليلة الصفعة المذلة المهينة، فمكر بها، حتى أفلت النبي صلى الله عليه وسلم، من بين يديها.


الصفحة 240
ألا يذكرنا ذلك بما كان من قريش للإمام علي، وإرهاقها له، وتجنيها عليه، بعد أن دخلت الإسلام، حيث لم ير الإمام علي من قريش، إلا حقدا عليه، وكيدا له، وإزورارا عنه، وقد يقول قائل: إن الإسلام قد ذهب بسخائم النفوس، غير أن ما فعله الإمام علي ليلة الهجرة، وما فعله بأبطال قريش وصناديدها في حروب الإسلام - وخاصة في بدر وأحد والخندق - أكبر من أن تنساه كل النفوس.

ثم هناك أمر آخر: إن هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، وتركه في مكة قلوبا مضطغنة عليه، متحرقة إلى ضره وأذاه، ثم استقباله في المدينة قلوبا فياضة بالبشر، عامرة بالحب، وفي نفس الوقت، يخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، الإمام علي، في مجتمع مكة المضطرب، ومع جماعة حانقة مبغضة، يعيش معها أياما، ثم يلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم في مهاجره الجديد، ثم يمضي رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى ربه، ويلحق بالرفيق الأعلى، وينتقل من دار إلى دار خير منها، أشبه بانتقاله من مكة إلى المدينة، يترك عليا وراءه يصطدم بالأحداث، يكابد الشدائد، حتى يلحق بالنبي في الرفيق الأعلى، كما لحق به في مهاجره من قبل.

ألا يبدو لنا من هذا الموقف ما نستشف منه أن للإمام علي بن أبي طالب، شأنا في رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودورا في دعوة الإسلام، ليس لأحد غيره من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net