متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
الإمام الباقر وأهل السنة
الكتاب : الإمامة وأهل البيت (ع) ج3    |    القسم : مكتبة أهل البيت (ع)

3 - الإمام الباقر وأهل السنة

يقول ابن خلكان في " وفيات الأعيان ": كان الباقر عالما، سيدا كبيرا، وإنما قيل له الباقر، لأنه تبقر في العلم، أي توسع، والتبقر: التوسع، وفيه يقول الشاعر:

يا باقر العلم لأهل التقى * وخير من لبى على الأجبل (1)

ويقول ابن تيمية: أبو جعفر محمد بن علي، من خيار أهل العلم والدين، وقيل: إنما سمي الباقر، لأنه بقر العلم، لا لأجل بقر السجود جبهته، وإن كان ابن تيمية ينكر " كونه أعلم أهل زمانه " (2) لأن هذا القول يحتاج إلى دليل، ويرى أن الزهري - وهو من أقران محمد بن علي الباقر - هو عند الناس أعلم منه، ولكن ابن تيمية يعترف أنه أخذ الحديث عن جابر، وأنه روى عنه عددا كبيرا من الأحاديث الصحيحة، ودخل على جابر مع أبيه علي بن الحسين، بعدما كبر جابر، وكان جابر من المحبين لهم، رضي الله عنهم.

ويرى ابن تيمية أيضا أن الإمام الباقر أخذ الحديث أيضا عن أنس بن مالك وابن عباس وأبي سعيد الخدري وأبي هريرة وغيرهم من الصحابة، وعن سعيد بن المسيب وعبد الله بن أبي رافع كاتب الإمام علي، ثم روى عنه أبو إسحاق الهمداني وربيعة بن عبيد أبي عبد الرحمن والأعرج - وهو أسن من محمد الباقر، وولده جعفر الصادق - وابن جريج ويحيى بن أبي كثير، والأوزاعي وغيرهم (3)، وأضاف ابن كثير عمر بن دينار (4).

ولا ريب في أن هذا إنما يدل على ما يكنه ابن تيمية - وهو من علماء

____________

(1) وفيات الأعيان 4 / 174.

(2) ابن تيمية: المنتقى من منهاج السنة ص 171 (دمشق 1374 هـ).

(3) ابن تيمية: منهاج السنة 1 / 132.

(4) ابن كثير: البداية والنهاية 9 / 309.

الصفحة 25
السلف، بل عالمهم الكبير المتأخر - من احترام كبير لإمام من أئمة أهل البيت الطاهرين، نشر العلم الإسلامي وأخلص لأعظم جوانبه، وهو جانب علم الحديث، وكان ابن تيمية محدثا مشهورا، فوضعه للإمام الباقر في نسق المحدثين العظام، العدول، إنما يدل على ما كان للإمام الباقر من مقام عظيم حتى في أوساط السلف وأهل السنة والجماعة.

وأما إنكار " ابن تيمية " " كون الباقر أعلم أهل زمانه " - فهذا - كما يقول الدكتور النشار - اتجاه سلفي من عالم اشتهر عنه تخطئة الناس جميعا - حتى إمامة الإمام أحمد بن حنبل، بل الصحابة كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي - ثم هو مزاج ابن تيمية الحار، وهو يناقش " ابن المطهر الحلي " من عدم كون علي وأولاده، دون الناس، أصحاب العلم، وورثة الأنبياء، وإليهم مرجع أمور المسلمين (1).

ويقول ابن كثير: هو أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، سمي الباقر لبقره العلوم واستنباطه الحكم، كان ذاكرا خاشعا صابرا، وكان من سلالة النبوة، رفيع النسب، عالي الحسب، وكان عارفا بالخطرات، كثير البكاء والعبرات، معرضا عن الجدال والخصومات.

وعن عبد الله بن عطاء قال: ما رأيت العلماء عند أحد، أصغر منهم عند أبي جعفر محمد بن علي، قال: رأيت الحكيم عنده كأنه متعلم، وقال: كان لي أخ في عيني عظيم، وكان الذي عظمه في عيني صغر الدنيا في عينه، وقال ابن كثير: هو تابعي جليل، كبير القدر كثيرا، أحد أعلام هذه الأمة - علما وعملا، وسيادة وشرفا - وقد روى عن غير واحد من الصحابة، وحدث عنه جماعة من كبار التابعين وغيرهم، فمن روى عنه: ابنه جعفر الصادق، والحكم بن عتيبة، وربيعة، والأعمش، وأبو إسحاق السبعيني، والأوزاعي،

____________

(1) علي سامي النشار: المرجع السابق ص 140.

الصفحة 26
والأعرج - وهو أسن منه - وابن جريج، وعطاء، وعمرو بن دينار، والزهري.

وروى سفيان بن عيينة عن جعفر الصادق قال: حدثني أبي - وكان خير محمدي على وجه الأرض - قال العجلي: هو مدني تابعي ثقة (1).

ويقول ابن سعد في الطبقات الكبرى: وكان ثقة، كثير العلم والحديث، وليس يروى عنه من يحتج به (2).

ويقول الحافظ أبو نعيم الأصفهاني في حليته: هو الحاضر الذاكر، الخاشع الصابر، أبو جعفر محمد بن علي الباقر، كان من سلالة النبوة، وممن جمع حسب الدين والأبوة، تكلم في العوارض والخطرات، وسفح الدموع والعبرات، ونهى عن المراء والخصومات (3).

ويقول الشبلنجي في نور الأبصار: قال صاحب الإرشادات: لم يظهر أحد من ولد الحسن والحسين من علم الدين والسنن، وعلم القرآن والسير، وفنون الأدب، ما ظهر من أبي جعفر الباقر، روى عن معالم الدين بقايا الصحابة ووجوه التابعين والسير، وسارت بذكر علومه الأخبار، وأنشد في مدائحه الأشعار، فمن ذلك ما قاله " مالك بن أعين الجهني " من قصيدة يمدحه فيها:

إذا طلب الناس علم القرآن * كانت قريش عليه عيالا
وإن فاه ابن بنية النبي * تلقت يداك فروعا طوالا

وفيه يقول الشريف الرضي:

____________

(1) البداية والنهاية 9 / 347 - 351.

(2) طبقات ابن سعد 5 / 238.

(3) حلية الأولياء 3 / 180

الصفحة 27

باقر العلم لأهل التقى * وخير من لبى على الأجل (1)

ويقول المحدث الفقيه ابن حجر الهيثمي في صواعقه: أبو جعفر محمد الباقر، سمي بذلك: من بقر الأرض، أي شقها وأثار مخبآتها ومكامنها، فلذلك هو أظهر من مخبآت كنوز المعارف، وحقائق الأحكام والحكم واللطائف، ما لا يخفى إلا على منطمس البصيرة، أو فاسد الطوية والسريرة، ومن ثم قيل فيه:

هو باقر العلم وجامعه، وشاهر علمه ورافعه، صفا قلبه: وزكا علمه وعمله، وطهرت نفسه، وشرف خلقه، وعمرت أوقاته بطاعة الله، وله من الرسوم في مقامات العارفين، ما تكل عنه ألسنة الواصفين، وله كلمات كثيرة في السلوك والمعارف لا تحتملها هذه العجالة.

وكفاه شرفا، أن ابن المديني روى عن جابر، أنه قال له - وهو صغير - " رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يسلم عليك، فقيل له: وكيف ذاك؟ قال: كنت جالسا عنده - والحسين في حجره، وهو يداعبه - فقال: يا جابر، يولد له مولود اسمه علي، إذا كان يوم القيامة نادى مناد: ليقم سيد العابدين، فيقوم ولده، ثم يولد له ولد اسمه محمد، فإن أدركته يا جابر، فأقرئه مني السلام (2).

ويقول أبو زهرة (3): ورث الباقر إمامة العلم، ونبل الهداية، عن أبيه زين العابدين، ولذا كان مقصد العلماء من كل البلاد الإسلامية، وما زار أحد المدينة، إلا عرج على بيت محمد الباقر يأخذ عنه، وكان ممن يزوره علماء من الذين يتشيعون لآل البيت، وعلماء من أهل السنة، وكان يقصده بعض المنحرفين الغلاة في تشيعهم الذين أفرطوا، فكان يبين لهم الحق، فإن اهتدوا أخذ بيدهم إلى الحق الكامل، وإن استمروا على غيهم صدهم، وأخرجهم من مجلسه.

____________

(1) نور الأبصار ص 143.

(2) الصواعق المحرقة ص 304 - 305.

(3) محمد أبو زهرة: الإمام الصادق ص 22.

الصفحة 28
وكان يقصده من أئمة الفقه والحديث كثيرون، منهم " سفيان الثوري " (96 - 161 هـ / 713 - 778 م) و " سفيان بن عيينة " (107 - 96 هـ / 725 - 811 م) محدث مكة، ومنهم الإمام أبو حنيفة (80 - 159 م / 699 - 767 م) فقيه العراق، وكان يرشد كل من يجئ إليه، ويبين له الحق، الذي لا عوج فيه.

وقال الصبان في إسعاف الراغبين: هو صاحب المعارف، وأخو الدقائق واللطائف، ظهرت كراماته، وكثرت في السوالك إشاراته، ولقب بالباقر، لأنه بقر العلم، أي شقه، فعرف أصله وخفيه (1).

وقال أبو زهرة: كان رضي الله عنه مفسرا للقرآن، ومفسرا للفقه الإسلامي، مدركا حكمة الأوامر والنواهي، فاهما - كل الفهم - لمراميها، وكان راوية للأحاديث، يروي أحاديث آل البيت، ويروي أحاديث الصحابة من غير تفرقة، ولكمال نفسه، ونور قلبه، وقوة مداركه، أنطقه الله تعالى بالحكم الرائعة، ورويت عنه عبارات في الأخلاق الشخصية والاجتماعية، ما لو نظم في سلك لتكون فيه مذهب خلقي سام، يعلو بمن يأخذ به إلى مدارج السمو الإنساني (2).

>>>>>>


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net