متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
الإمام الباقر والإمام أبو حنيفة
الكتاب : الإمامة وأهل البيت (ع) ج3    |    القسم : مكتبة أهل البيت (ع)

8 - الإمام الباقر والإمام أبو حنيفة

يروي الشيخ محمد أبو زهرة مناقشة جرت بين الإمام الباقر والإمام أبو حنيفة، فقيه العراق، وكان أبو حنيفة قد اشتهر بكثرة القياس في الفقه حتى تناولته الألسن بالملام، وإليك بعض ما جرى بينهما:

قال الإمام الباقر: أنت الذي حولت دين جدي وأحاديثه إلى القياس.

قال أبو حنيفة: أجلس مكانك كما يحق لي، فإن لك عندي حرمة، كحرمة جدك (صلى الله عليه وسلم)، في حياته على أصحابه، فجلس، ثم جثا أبو حنيفة بين يديه، ثم قال: إني أسألك عن ثلاث كلمات فأجبني، الرجل أضعف أم المرأة.

قال الباقر: المرأة أضعف، قال أبو حنيفة: كم سهم المرأة في الميراث، قال الباقر: للرجل سهمان، وللمرأة سهم، قال أبو حنيفة: هذا علم جدك، ولو حولت دين جدك لكان ينبغي القياس أن يكون للرجل سهم، وللمرأة سهمان، لأن المرأة أضعف من الرجل، ثم الصلاة أفضل أم الصوم، قال الباقر: الصلاة

____________

(1) أحمد مغنية: الإمام الصادق - بيروت 1958 ص 113 - 114، محمد أبو زهرة: الإمام الصادق ص 210 - 211.

الصفحة 43
أفضل، قال أبو حنيفة: هذا قول جدك، ولو حولت دين جدك، لكان أن المرأة إذا طهرت من الحيض أمرتها أن تقضي الصلاة، ولا تقضي الصوم.

ثم البول أنجس أم النطفة؟

قال الإمام الباقر: البول أنجس، قال أبو حنيفة: لو كنت حولت دين جدك بالقياس، لكنت أمرت أن يغتسل من البول، ويتوضأ من النطفة، ولكن معاذ الله أن أحول دين جدك بالقياس.

فقام الإمام الباقر، وعانقه، وقبل وجهه.

ويقول الشيخ أبو زهرة (1898 - 1974): ومن هذا الخبر نتبين إمامة الإمام الباقر للعلماء، يحضرهم إليه، ويحاسبهم على ما يبلغه عنهم، أو يبدو منهم، وكأنه الرئيس يحكم مرؤوسيه ليحملهم على الجادة، وهم يقبلون - طائعين غير مكرهين - تلك الرياسة (1).

غير أن المصادر الشيعية إنما ترى في هذه المناقشة أمورا ثلاثة:

الأول: أن أبا حنيفة كان يعمل بالقياس بلا شك، وعليه فقضية محاورته مع الإمام الباقر، عليه السلام، في أمر القياس، لا تخرج عن أن يكون محملها أحد أمور ثلاثة على سبيل مانعة الخلو، فإما أن تكون قبل أن يتشبع ذهن أبي حنيفة من فكرة العمل بالقياس، أو يكون عمله بالقياس فيما لا نص فيه من الشارع، أو تكون قضية هذه المحاورة مكذوبة على الإمامين الباقر وأبي حنيفة.

غير أن الاحتمال الثاني ضعيف، لأن من المسلم به أن مورد عملهم بالقياس، إنما هو فيما لا نص فيه، فيبقى الاحتمال الأول والثالث، ولا يبعد أن يكون الثالث هو الأقرب.

____________

(1) أبو زهرة: الإمام الصادق ص 22 - 23.

الصفحة 44
الثاني: أن الظاهر من هذه المحاورة أن الإمام الباقر عليه السلام، أقر الإمام أبا حنيفة على ما رآه في وجه القياس، وعلة الحكم القياسي، وأن القياس يجعل السهمين للمرأة، لأنها أضعف من الرجل، ولا يمكن للإمام الباقر أن يقره على ذلك، لأن ما أدركه أبو حنيفة بعقله من العلة المذكورة، ليست هي مناط الحكم.

الثالث: أن المحاورة المذكورة مقلوبة، لأنها وقعت بين الإمام الصادق وأبي حنيفة (1). هذا وقد عاد الشيخ أبو زهرة، وذكرها في نفس كتابه (الإمام الصادق) رواية عن الكليني في الكافي، وأنه اعتمدها فيها - كما في الهامش

____________

(1) الإمام أبو حنيفة: - هو أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطي، ولد في الكوفة عام 80 هـ (699 م)، وتوفي ببغداد عام 150 هـ (767 م)، كان جده زوطي جلب عبدا من فارس إلى الكوفة، وأعتقه سيده، وكان من قبيلة تيم الله، أما والده ثابت فقد ولد حرا في هذه القبيلة، وقد سمع أبو حنيفة بعض الصحابة وعددا كبيرا من التابعين بالكوفة، لكنه لم يرو عنهم، ومن شيوخه " أبو عمرو والشعبي (ت 104 هـ / 722 م). و " عطاء بن أبي رياح " (ت عام 114 هـ / 732 م) و " حماد بن أبي سليمان " (ت 120 هـ / 737 م)، والذي أثر فيه كثيرا، فقد سمع له نحو 18 عاما، وأما تلاميذ أبي حنيفة فأشهرهم " أبو يوسف "، (113 - 182 هـ / 731 - 798 م) و " زفر بن الهذيل " (110 - 158 هـ / 728 - 774 م) و " محمد بن الحسن الشيباني " (132 - 189 هـ / 749 - 805 م)، وكان أبو حنيفة يكسب قوته من التجارة، وحاول الخلفاء الأمويون المتأخرون، والخليفة العباسي المنصور أن يجبروه على منصب القضاء، ولكنه كان يرفض وسجن بسبب ذلك. وأما أهم مصادر ترجمته (مقالات الإسلاميين الأشعري 1 / 138 - 139، طبقات الفقهاء للشيرازي ص 67 - 68، تاريخ بغداد للخطيب 13 / 323 - 454، الانتقاء لابن عبد البر ص 121 - 175، الجواهر للقرشي 1 / 26 - 32، تذكرة الحفاظ للذهبي ص 168 - 169، مرآة الجنان لليافعي 1 / 309 - 312، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 2 / 12 - 15، وفيات الأعيان 2 / 215 - 219، كما صدر حديثا مجموعة كتب عنه، من أشهرها: كتاب أبو زهرة (أبو حنيفة) وكتاب عبد الحليم الجندي (أبو حنيفة) وكتاب محمد يوسف موسى (أبو حنيفة) وكتاب السيد عفيفي (حياة الإمام أبي حنيفة).

وأما أهم آثار أبي حنيفة (الفقه الأكبر - مسند أبي حنيفة - رسالة في الفرائض - معرفة المذاهب - دعاء أبي حنيفة - فتاوي أبي حنيفة ومحمد بن الحسن الشيباني - كتاب العالم والمتعلم - وصيته إلى ابنه حماد) وانظر: فؤاد سزكين: تاريخ التراث العربي - المجلد الأول - الجزء الثالث - الفقه - نشر جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - الرياض 1403 هـ / 1983) ص 31 - 50.

الصفحة 45
الأول من ص 293 - على مسند الإمام أحمد بن حنبل، يقول أبو زهرة: جاء في الكافي عن أبي حنيفة قال: استأذنت عليه (أي الإمام الصادق) فحجبني، وجاءه قوم من أهل الكوفة واستأذنوا، فأذن لهم، فدخلت معهم، فلما صرت عنده قلت: يا ابن رسول الله لو أرسلت إلى أهل الكوفة، فنهيتهم أن يشتموا أصحاب محمد (صلى الله عليه وسلم)، فإني تركت فيها أكثر من عشرة آلاف يشتمونهم، فقال: لا يقبلون مني، فقلت: ومن لا يقبل منك، وأنت ابن رسول الله.

فقال الصادق: أنت أول من لا يقبل مني، دخلت داري بغير أذني وجلست بغير أمري، وتكلمت بغير رأيي، وقد بلغني أنك تقول بالقياس، فقلت: نعم.

فقال: ويحك يا نعمان، أول من قاس إبليس، حين أمر بالسجود لآدم فأبى، وقال: خلقتني من نار، وخلقته من طين، أيهما أكبر يا نعمان، القتل أم الزنى؟ قلت: القتل، قال: فلم جعل الله في القتل شاهدين، وفي الزني أربعة أيقاس لك هذا؟ قلت: لا.

قال: فأيهما أكبر البول أو المني؟ قلت: البول، قال فلم أمر الله في البول بالوضوء، وفي المني بالغسل، أيقاس لك هذا؟ قلت: لا.

قال: فأيهما أكبر الصلاة أم الصوم؟ قلت: الصلاة، قال: فلم وجب على الحائض أن تقضي الصوم، ولا تقضي الصلاة، أيقاس ذلك؟ قلت: لا.

قال: فأيهما أضعف المرأة أم الرجل؟ قلت: المرأة، قال: فلم جعل الله تعالى في الميراث للرجل سهمين، وللمرأة سهما، أيقاس ذلك؟ قلت: لا.

قال: وقد بلغني أنك تقرأ آية في كتاب الله تعالى، وهي (لتسألن يومئذ عن النعيم)، أنه الطعام الطيب، والماء البارد في اليوم الصائف، قلت: نعم.

قال: لو دعاك رجل وأطعمك طعاما طيبا، وسقاك ماء باردا، ثم امتن به

الصفحة 46
عليك، ما كنت تنسبه، قلت: للبخل، قال: فتبخل الله علينا، قلت: فما هو قال: حبنا أهل البيت (1).

وروى أبو زهرة رواية أخرى: عن عيسى بن عبد الله القرشي قال: دخل أبو حنيفة على أبي عبد الله (الصادق) فقال له، يا أبا حنيفة بلغني أنك تقيس؟

قال نعم، قال: لا تقس، فإن أول من قاس إبليس، حين قال: خلقتني من نار، وخلقته من طين، فقاس ما بين النار والطين، ولو قاس نورية آدم بنورية النار، لعرف فضل ما بين النورين، وصفا أحدهما (2).

>>>>>>


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net