متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
علم الباقر
الكتاب : الإمامة وأهل البيت (ع) ج3    |    القسم : مكتبة أهل البيت (ع)

10 - علم الباقر

لا ريب في أن الإمام الباقر - رضوان الله عليه - إنما هو أعلم أهل زمانه - حتى وإن أنكر ابن تيمية ذلك، بل وذهب إلى أن الزهري (2)، وهو من أقرانه، هو عند الناس أعلم منه (3) - وقد سمي الإمام " بالباقر " والباقر ليس اسما للإمام أبو جعفر محمد بن علي، وإنما هو وصف له - كما كان زين العابدين وصفا لأبيه علي - وإنما سمي محمد بالباقر إشارة إلى أنه يبقر العلم بقرا، أو يشقه شقا، ويصل إلى قلب الحكمة، والمقصود هنا بالعلم: علم التفسير والحديث

____________

(1) ابن كثير: البداية النهاية 8 / 150 - 151.

(2) الزهري: هو أبو بكر محمد بن مسلم بن عبد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري، ولد عام 51 هـ (670 م) - أو عام 56 هـ أو 57 هـ أو 85 هـ - وتوفي عام 124 هـ (742 م)، وكان محدثا ومؤرخا، عارفا بالشعر، واشتهر في الحديث بأنه أول من أسند الحديث، وأول من دون الحديث، ووصفه الطبري بأنه كان مؤرخا ورائدا في علم المغازي وفي أخبار قريش، كما كان راوية لأخبار الرسول والصحابة، كما عرف مصطلح السيرة، وأما أهم مصادر ترجمته فهي (حلية الأولياء 3 / 360 - 361، صفة الصفوة لابن الجوزي 2 / 77 - 78)، البداية والنهاية لابن كثير 9 / 340 - 348، غاية النهاية لابن الجزري 2 / 262، الكامل لابن الأثير 7 / 289، تاريخ الإسلام للذهبي 5 / 136 - 152، علم التاريخ للدوري ص 20 - 32، 76 - 102، 143 - 151، الأعلام للزركلي 7 / 317، معجم المؤلفين لكحالة 12 / 21، فؤاد سزكين: تاريخ التراث العربي - المجلد الأول 2 / 74 - 79)، وأما أهم آثاره (المغازي - نسب قريش - أسنان الخلفاء - الناسخ والمسوخ في القرآن - تنزيل القرآن - مشاهد النبي).

(3) ابن تيمية: المنتقي ص 171، منهاج السنة 1 / 132، النشار: المرجع السابق ص 139.

الصفحة 51
والفقه، فقد كان الإمام الباقر مفسرا ومحدثا وفقيها.

وكان الإمام الباقر عالما سيدا كبيرا (1)، كثر الرواة عنه أكثر مما كان عن آبائه، لأنه لم يلق التضييق الذي لقيه آباؤه من بني (2) أمية، كما كان الإمام الباقر وحيد عصره، ذكره الكثيرون من المؤلفين، وأفاضوا فيه، وأثنوا عليه، ورووا وتلقوا، منهم عبد الرحمن الأوزاعي (ت 157 هـ) و " ابن جريح المكي " (ت 150 هـ) ومحمد بن مسلم الزهري (ت 124 هـ) والأعمش (ت 148 هـ) والإمام زيد بن علي زين العابدين وغيرهم.

هذا وقد التف الناس حول الإمام الباقر، واستقوا من منهله، رغم كل الخطط التي وضعها أرباب السلطة من بني أمية، وازدحم العلماء للارتشاف من معينه، فضلا عن الحجازيين من مكة والمدينة، ممن أخلص الحب لآل البيت وأئمتهم، فكان الإمام الباقر مرجعا لهم جميعا، والحكم العدل فيهم، حتى بني أمية - الذين جبلوا على كراهيته وكراهية أسرته من آل بيت النبوة، إنما كانوا يضطرون إليه أحيانا لحل المشاكل، كما كان الإمام الباقر أول من أسس علم الأصول (3).

هذا ولعل أشهر رواته إنما كان " جابر الجعفي " و " زرارة بن أعين " و " بريدة العجلي " و " سدير الصيرفي " وقيل إن جابر الجعفي قد روى عنه أكثر من خمسين ألف حديث، كما روى عنه محمد بن مسلم ثلاثين ألف حديث، ومهما يكن من المبالغة في عدد هذه الأحاديث، فإنها إنما تدل على أن الإمام الباقر قد تفرغ للعلم والحديث، وسار على نهج أبيه الإمام علي زين العابدين

____________

(1) شمس الدين بن طولون: الشذرات الذهبية ص 81.

(2) المظفري: تاريخ الشيعة ص 42 (مطبعة الزهراء - النجف 1342 هـ).

(3) السيد الشريف عبد الرحمن بن محمد بن حسين المشهور: شمس الظهيرة في نسب أهل البيت من بني علوي - فرع فاطمة الزهراء وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب - الجزء الأول ص 37 - 38 (ط جدة 1984).

الصفحة 52
في تأكيد " الإمامة الروحية " دون الخوض في السياسة أو طلب الحكم (1).

ولعل من أهم آثار الإمام الباقر " تفسير القرآن " وقد رواه عنه تلميذه " أبو الجارود زياد بن المنذر " (2)، ومن أمثلة تفسيره الملهم، ما رواه أبو نعيم في الحلية بسنده عن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي قال: كنت جالسا عند خالي محمد بن علي، وعنده يحيى بن سعيد (3) و " ربيعة الرأي " (4)، إذ جاء الحاجب فقال: هؤلاء قوم من أهل العراق، فدخل أبو إسحاق السبيعي وجابر الجعفي وعبد الله بن عطاء والحكم بن عيينة، فتحدثوا فأقبل محمد بن علي الباقر على جابر فقال: ما يروي فقهاء أهل العراق في قوله عز وجل: (ولقد همت به وهم بها، لولا أن رأى برهان ربه) (5) ما البرهان؟ قال: رأى يعقوب عليه السلام، عاضا على إبهامه.

فقال الباقر: لا: حدثني أبي عن جدي عن علي بن أبي طالب، رضي الله تعالى عنه: أنه هم أن يحل التكة فقامت إلى صنم لها مكلل بالدر والياقوت في ناحية البيت فسترته بثوب أبيض بينها وبينه، فقال: أي شئ

____________

(1) أحمد صبحي: المرجع السابق ص 358.

(2) أنظر: ابن النديم: الفهرست ص 33، العاملي: أعيان الشيعة 4 / 3 / 19، فؤاد سزكين: تاريخ التراث - المجلد الأول - 2 / 266.

(3) يحيى بن سعيد الأنصاري: تابعي من المدينة، روى عن الصحابي أنس بن مالك، وعن عدد من كبار التابعين، وروى عنه الزهري ومالك والأوزاعي وسفيان الثوري وشعبة وغيرهم، ولي القضاء في المدينة، زمن الوليد بن عبد الملك (86 - 96 هـ / 705 / 715 م)، ويعد من فقهاء المدينة ذوي المكانة العالية، ويقول الثوري أن أهل المدينة كانوا يعتبرونه أعلم من الزهري، وقد دون ربيعة الرأي آراءه، وتوفي في البصرة عام 143 هـ - (760 م).

(4) ربيعة الرأي: هو ربيعة بن أبي عبد الرحمن فروخ التيمي، ولد بالمدينة وعاش بها، وروى عن الصحابي أنس وعن كبار التابعين، وكان هو تابعيا، وروى عنه مالك وسفيان الثوري وشعبة وحماد بن سلمة وغيرهم، وكان ربيعة من أصحاب الرأي في الفقه أفادوا منه عند عدم وجود نص ولذا سمي " ربيعة الرأي " تقديرا، وكان أصحاب الحديث يعدونه من أفضل رواته ويعارضون اللقب السابق، ويعد الإمام مالك من أحسن تلاميذه، وتوفي في العراق عام 136 هـ (753 م) فؤاد سزكين: تاريخ التراث العربي - المجلد الأول 3 / 23 - 24) (الرياض 1983).

(5) سورة يوسف: آية 24.

الصفحة 53
تصنعين؟ فقالت: أستحي من إلهي أن يراني على هذه الصورة، فقال يوسف عليه السلام: تستحين من صنم لا يأكل ولا يشرب، ولا أستحي أنا من إلهي الذي هو قائم على كل نفس بما كسبت، ثم قال: والله لا تناليها مني أبدا، فهو البرهان الذي رأى (1).

وروى الحافظ أبو نعيم (2) في حليته بسنده عن " بسام الصيرفي " قال:

سألت أبا جعفر محمد الباقر بن علي بن الحسين عن القرآن؟ فقال: كلام الله عز وجل غير مخلوق، وعن عبد الله بن عباس الخراز عن يونس بن بكير عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عن عبد الله بن محمد بن علي، قال: سئل علي بن الحسين عن القرآن فقال: ليس بخالق ولا مخلوق، وهو كلام الله عز وجل.

وروى الحافظ أبو نعيم في حليته (3) بسنده عن ثابت بن محمد بن علي الباقر، في قوله عز وجل: (أولئك يجزون الغرفة بما صبروا) (4) قال: على الفقر في دار الدنيا (5)، وفي نور الأبصار: سئل الإمام الباقر عن قوله تعالى:

(أولئك يجزون الغرفة بما صبروا)، فقال: بصبرهم على الفقر، ومصائب الدنيا، حكت سلمى مولاة أبي جعفر الباقر: أنه كان رجل عليه بعض إخوانه فلا يخرجون من عنده حتى يطعمهم الطيب، ويكسوهم في بعض الأحيان، ويعطيهم الدراهم، قال فكنت أكلمه في ذلك، لكثرة عياله، وتوسط حاله، فيقول: يا سلمى، ما حسنة الدنيا إلا صلة الإخوان والمعارف، فكان يصل بالخمسمائة درهم وبالستمائة إلى ألف درهم (4).

____________

(1) حلية الأولياء 3 / 181.

(2) حلية الأولياء 3 / 188.

(3) سورة الفرقان: آية 75.

(4) حلية الأولياء 3 / 181 - 182.

(5) نور الأبصار ص 144.


الصفحة 54
وعن أبي حمزة الثمالي عن الإمام أبي جعفر الباقر، في قوله عز وجل:

(وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا) (1)، قال: " بما صبروا على الفقر ومصائب الدنيا " (2).

وسئل الإمام الباقر عن قول الله عز وجل: (وقولوا للناس حسنا)، قال:

قولوا لهم أحسن ما تحبون أن يقال لكم، ثم قال: إن الله - سبحانه وتعالى - يبغض اللعان السباب، الطعان الفحاش، المتفحش، السائل الملحف، ويحب الحيي الحليم، العفيف المتعفف (3).

وفي المراجعات (4) عن بريدة العجلي قال: سألت أبا جعفر (الإمام محمد الباقر) عن قوله عز وجل: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)، فكان جوابه (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت، ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا) يقولون لأئمة الضلال والدعاة إلى النار، هؤلاء أهدى من آل محمد سبيلا (أولئك الذين لعنهم الله، ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا، أم لهم نصيب من الملك) يعني الإمام والخلافة (فإذا لا يؤتون الناس نقيرا، أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله)، ونحن الناس المحسدون على ما أتانا الله من الإمامة دون خلقه (فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما) يقول: جعلنا منهم الرسل والأنبياء والأئمة فكيف يقرون به في آل إبراهيم، وينكرونه في آل محمد (فمنهم من آمن به، ومنهم من صد عنه، وكفى بجهنم سعيرا) (5).

وعن محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد الله جعفر عن هذه الآية (إنما

____________

(1) سورة الإنسان: آية 12.

(2) حلية الأولياء 3 / 182.

(3) تاريخ اليعقوبي 2 / 321.

(4) المراجعات (رسائل متبادلة بين شيخ الأزهر، الإمام سليم البشري، والإمام شرف الدين العاملي عام 1329 هـ).

(5) المراجعات ص 28 وانظر: سورة النساء: آية 51 - 55، 59.

الصفحة 55
أنت منذر، ولكل قوم هاد) (1) فقال: كل إمام هاد في زمانه، وقال: الإمام أبو جعفر الباقر، في تفسيرها: المنذر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) والهادي علي، ثم قال:

والله ما زالت فينا إلى الساعة (2).

وأما الحديث الشريف: فقد كان الإمام الباقر محدثا كبيرا، روى أبو نعيم في حليته أن الإمام الباقر أسند عن جابر بن عبد الله الأنصاري، وروى عن ابن عباس وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري وأنس بن مالك وعن الإمامين الحسن والحسين، عليهما السلام، وأسند عن سعيد بن المسيب وعبيد الله بن أبي رافع.

وروى عنه من التابعين: عمرو بن دينار وعطاء بن أبي رباح وجابر الجعفي وأبان بن تغلب، وروى عنه من الأئمة والأعلام، ليث بن أبي سليم وابن جريح وحجاج بن أرطأة وآخرين (3).

ولنشرف هنا بذكر بعض الأحاديث الشريفة التي رويت عن طريقه:

حدثنا أحمد بن القاسم بن الريان ثنا محمد بن يونس القرشي ثنا أبو حذيفة موسى بن مسعود ثنا سفيان بن سعيد الثوري (4) ثنا جعفر بن محمد (الصادق)

____________

(1) سورة الرعد: آية 7.

(2) المراجعات ص 28.

(3) حلية الأولياء 3 / 188.

(4) سفيان الثوري هو أبو سعيد سفيان بن سعيد مسروق الثوري الكوفي، ولد عام 95 هـ (713 م) أو 96 هـ، وتوفي عام 161 هـ - (778 م) وكان محدثا ومتكلما وزاهدا، تعلم على والده وعلماء عصره، وروى عنهم، ورفض منصب القضاء تحرجا وورعا، فغضب عليه الخليفة حتى اضطر أن يقضي بقية عمره مستترا، والثوري أول من رتب الأحاديث ترتيبا موضوعيا في الكوفة، وقد أسس مذهبا فقهيا لم يبق طويلا، وقيل إنه كان عالما بالرياضيات، وأهم مصادر ترجمته (طبقات ابن سعد 6 / 371 - 374، الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 21 / 222 - 227، تاريخ بغداد 9 / 151 - 174، حلية الأولياء 6 / 356 - 393، 7 / 3 - 144، الرجال للقيسراني 1 / 194 - 195، وفيات الأعيان 2 / 386 - 391، التهذيب لابن حجر 4 / 111 - 115، تذكرة الحفاظ للذهبي ص 203 - 207، معجم المؤلفين لكحالة 4 / 234 - 235، الأعلام للزركلي 3 / 158).

الصفحة 56
عن أبيه (الباقر) عن جابر (1) رضي الله تعالى عنه أن النبي (صلى الله عليه وسلم) " أمر النفساء أن تحرم، وتفيض عليها الماء " (رواه القرباني عن الثوري فقال: أمر أسماء - يعني بنت عميس) -.

حدثنا محمد بن أحمد ثنا الحسن بن سفيان ثنا عتبة بن عبد الله، حدثنا عبد الله بن المبارك (2)، حدثنا سفيان عن جعفر بن محمد (الصادق) عن أبيه (الباقر) عن جابر رضي الله عنه قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول في خطبته:

يحمد الله ويثني عليه بما هو أهله ثم يقول: " من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، إن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، ثم يقول: بعثت أنا والساعة كهاتين، وكان إذا ذكرت الساعة احمرت وجنتاه، وعلا صوته، واشتد غضبه، كأنه نذير جيش صبحتكم مستكم، ثم قال:

من ترك مالا فلأهله، ومن ترك ضياعا أو دينا فإلي، أو علي، وأنا أولى المؤمنين (هذا حديث صحيح ثابت من حديث محمد بن علي (الباقر) رواه وكيع وغيره عن الثوري).

حدثنا سليمان بن أحمد ثنا مطر بن شعيب الأزدي ثنا محمد بن عبد العزيز الرملي ثنا الفرياني ثنا سفيان عن جعفر بن محمد (الصادق) عن أبيه (الباقر) عن جابر رضي الله تعالى عنه: قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) " كيف أنعم وصاحب القرن قد التقمه، وحنى جبهته، وأصغى بسمعه ينتظر متى يؤمر، فينفخ، قالوا: يا

____________

(1) أنظر: (أسد الغابة 1 / 307 - 308).

(2) عبد الله بن المبارك بن واضح الحنظلي التميمي، لقبه أبو عبد الرحمن، ولد عام 118 هـ (736 م) وتوفي في " هيت " عام 181 هـ (797 م)، وكان أحد كبار المحدثين والمؤرخين والصوفية، كان واسع الثراء، ولديه مكتبة ضخمة، وكان صاحب التصانيف العديدة في علوم الحديث والقرآن والتاريخ والتصوف، وأهم مصادر ترجمته (تاريخ بغداد 10 / 152 - 169، حلية الأولياء 8 / 162 - 190، المشاهير لابن حبان ص 194 - 195، تذكرة الحفاظ للذهبي 274 - 282، الجواهر للقرشي 1 / 281 - 282، معجم المؤلفين لكحالة 6 / 106، الأعلام 4 / 256، التهذيب لابن حجر 5 / 382 - 387).

الصفحة 57
رسول الله فما تأمرنا، قال: قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل " (هذا حديث غريب من حديث الثوري عن جعفر تفرد به الرملي عن الفرياني، ومشهورة ما رواه أبو نعيم وغيره عن الثوري عن الأعمش عن عطية عن أبي سعيد الخدري) أنظر: حلية الأولياء 3 / 189).

وعن الأوزاعي (1) قال: قدمت المدينة فسألت محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه، عن قوله عز وجل: (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) فقال نعم: حدثنيه أبي عن جده علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال: سألت عنها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: " لأبشرنك بها يا علي، فبشر بها أمتي من بعدي، الصدقة على وجهها، واصطناع المعروف، وبر الوالدين، وصلة الرحم، تحول الشقاء سعادة، وتزيد في العمر، وتقي مصارع السوء " (2).

وعن الأوزاعي قال: قدمت المدينة في خلافة هشام فقلت: من ههنا من العلماء، قالوا: ههنا محمد بن المنكدر، ومحمد بن كعب القرظي، ومحمد بن علي بن عبد الله بن عباس، ومحمد (الباقر) بن علي بن الحسين بن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فقلت: والله لأبدأن بهذا قبلكم، قال: فدخلت المسجد

____________

(1) الأوزاعي: هو أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد الأوزاعي، ولد عام 88 هـ (707 م) سكن دمشق وبيروت وتوفي فيها عام 157 هـ (774 م)، وسمع من عطاء بن أبي رباح وقتادة والزهري وغيرهم، وقد فضله البعض على سفيان الثوري، ومع ذلك فإن الحكم على عمله محدثا كان سلبيا، لأن صحف أحاديثه التي رواها عن الزهري - مثلا - لم يكن أخذها سماعا أو قراءة، وهو من أوائل من ألفوا كتبا مبوبة في السنن، وأما أهم مصادر ترجمته (طبقات ابن سعد 7 / 185 تاريخ الطبري 3 / 2514، الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 2 / 266 - 267، التقدمة لابن أبي حاتم ص 174 - 218، الفهرست لابن النديم ص 227، حلية الأولياء 6 / 135 - 142، التهذيب لابن حجر 6 / 236 - 242، البداية والنهاية لابن كثير 10 / 115 - 120، تذكرة الحفاظ للذهبي ص 178 - 183، وفيات الأعيان 3 / 127 - 128، معجم المؤلفين للكحالة 5 / 163، الأعلام للزركلي 4 / 94).

(2) حلية الأولياء 6 / 145.

الصفحة 58
فسلمت، فأخذ بيدي فأدناني منه، قال: من أي إخواننا أنت؟ فقلت له: رجل من أهل الشام، قال: من أي أهل الشام؟ فقلت: رجل من أهل دمشق، قال: نعم، أخبرني أبي عن جدي أنه سمع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: " للناس ثلاثة معاقل، فمعقلهم من الملحمة الكبرى التي تكون بعمق أنطاكية دمشق، ومعقلهم من الدجال بيت المقدس، ومعقلهم من يأجوج ومأجوج طور سيناء " (1) ومن مرويات الإمام الباقر عن خالد بن مخلد عن يحيى بن عمر قال: حدثني أبو جعفر الباقر قال: جاء أعرابي إلى أبي بكر في عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وقال له:

أوصني، فقال: لا تتأمر على اثنين، ثم إن الأعرابي شخص إلى " الربذة " فبلغه بعد ذلك وفاة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فسأل عن أمر الناس: من وليه، فقيل: أبو بكر، فقدم الأعرابي إلى المدينة، فقال لأبي بكر: ألست أمرتني ألا تأمر على اثنين؟

قال: بلى، قال: فما بالك، فقال أبو بكر: لم أجد لها أحدا غيري، أحق مني.

قال: ثم رجع أبو جعفر الباقر يديه وخفضهما، فقال: صدق، صدق (2).

وعن سليمان الأعمش عن سليمان بن ميسرة عن طارق بن شهاب عن رافع بن أبي الطائي قال: بعث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) جيشا، فأمر عليهم عمرو بن العاص - وفيهم أبو بكر وعمر - وأمرهم أن يستنفروا من مروا به، فمروا علينا، فنفرنا معهم في غزوة ذات السلاسل (3) - وهي التي تفخر أهل الشام فيقولون:

استعمل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عمرو بن العاص على جيش فيه أبو بكر وعمر - قال فقلت: والله لأختاره في هذه الغزوة لنفسي رجلا من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، استهد به، فإني لست أستطيع إتيان المدينة، فاخترت أبا بكر، ولم آل، وكان له

____________

(1) حلية الأولياء 6 / 146.

(2) ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 6 / 41.

(3) أنظر عن غزوة ذات السلاسل (سيرة ابن هشام 4 / 462 - 464، تاريخ الطبري 3 / 302 - 303، الكامل لابن الأثير 2 / 232، ابن كثير: السيرة النبوية 3 / 516 - 521، مغازي الواقدي 2 / 769 - 774، محمد بيومي مهران: السيرة النبوية الشريفة 2 / 371 - 373)

الصفحة 59
كساء فدكي يخله عليه إذا ركب ويلبسه، إذا نزل، وهو الذي عيرته به هوازن، بعد النبي (صلى الله عليه وسلم) وقالوا: لا نبايع ذا الخلال.

قال: فلما قضينا غزوتنا، قلت له: يا أبا بكر، إني قد صحبتك، وإن لي عليك حقا، فعلمني شيئا أنتفع به، فقال: كنت أريد ذلك، لو لم تقل لي:

تعبد الله لا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتحج البيت وتصوم شهر رمضان، ولا تتأمر على رجلين، فقلت: أما العبادات فقد عرفتها، أرأيت نهيك لي عن الإمارة، وهل يصيب الناس الخير والشر، إلا بالإمارة، فقال: إنك استجهدتني فجهدت لك، إن الناس دخلوا في الإسلام طوعا وكرها، فأجارهم الله من الظلم، فهم جيران الله، وعواد الله، وفي ذمة الله، فمن يظلم منكم، إنما يحقر ربه، والله إن أحدكم ليأخذ شويهة جاره أو بعيره، فيظل عمله بأسا بجاره، والله من وراء جاره.

قال: فلم يلبث إلا قليلا، حتى أتتنا وفاة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فسألت: من استخلف بعده؟ قيل: أبو بكر، فقلت: أصاحبي الذي كان ينهاني عن الإمارة، فشددت على راحلتي، فأتيت المدينة، فجعلت أطلب خلوته، حتى قدرت عليها، فقلت: أتعرفني؟ أنا فلان بن فلان، أتعرف وصية أوصيتني بها؟ قال:

نعم، إن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قبض، والناس حديثو عهد بالجاهلية، فخشيت أن يفتتنوا، وإن أصحابي حملونيها، فما زال يعتذر إلي حتى عذرته، وصار من أمري بعد أن صرت عريفا (1).

>>>>>>


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net