متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
وفاة الرضا , موقف المأمون من الإمام علي بن أبي طالب
الكتاب : الإمامة وأهل البيت (ع) ج3    |    القسم : مكتبة أهل البيت (ع)

6 - وفاة الرضا

هذا وقد اختلف في أمر وفاة الرضا؟ وكيف كان سببه السم الذي سقيه؟

فروي أن المأمون أمره أن يطول أظافره ففعل، ثم أخرج إليه شيئا يشبه التمر الهندي، وقال له: افركه واعجنه بيديك جميعا ففعل، ثم دخل علي الرضا، عليه السلام، فقال: ما خبرك؟ فقال: أرجو أن أكون صالحا، فقال: هل جاءك أحد من المترفقين اليوم، قال: لا، فغضب وصاح على غلمانه، وقال له: فخذ ماء الرمان فإنه مما لا يستغني عنه، ثم دعى برمان، فأعطاه عبد الله بن بشير،

____________

(1) نور الأبصار ص 157 - 158.

(2) ابن عبد ربه: العقد الفريد 5 / 359 (بيروت 1983).

الصفحة 130
وقال له: أعصر ماءه بيدك، ففعل، وسقاه المأمون الرضا بيده فشربه، وكان ذلك سبب وفاته، ولم يلبث إلا يومين، حتى مات عليه السلام.

وروي عن أبي الصلت الهروي، أنه دخل علي الرضا، عليه السلام، بعد ذلك، فقال له: يا أبا الصلت: قد فعلوها، أي سقوني السم.

وروي عن محمد بن الجهم: أن الرضا عليه السلام كان يعجبه العنب، فأخذ له عنب، وجعل في موضع الابر، فتركت أياما، فأكل منه في علته فقتله، وذكر أن ذلك من لطيف السموم.

ولما توفي الرضا لم يظهر المأمون موته في وقته، وتركه يوما وليلة، ثم وجه إلى محمد بن جعفر بن محمد، وجماعة من آل أبي طالب، فلما أحضرهم أراهم إياه، صحيح الجسد، لا أثر له، بكى، وقال: " عز علي يا أخي أن أراك في هذه الحالة، وقد كنت أؤمل أن أكون قبلك، فأبى الله إلا ما أراد "، وأظهر جزعا شديدا، وحزنا كثيرا، وخرج مع جنازته يحملها حتى أبى الموضع الذي هو مدفون فيه الآن، فدفنه هناك إلى جانب أبيه هارون الرشيد (1).

ويروي اليعقوبي عن أبي الحسن بن أبي عباد قال: رأيت المأمون يمشي في جنازة الرضا، حاسرا في مبطنة بيضاء، وهو بين قائمتي النعش يقول: " إلى من أروح بعدك يا أبا الحسن، وأقام عند قبره ثلاثة أيام، يؤتى في كل يوم برغيف وملح فيأكله، ثم انصرف في اليوم الرابع، وكان سن الرضا أربعا وأربعين سنة (2).

وفي رواية المسعودي: وفي خلافته (أي المأمون) قبض علي بن موسى

____________

(1) أبو الفرج الأصفهاني: مقاتل الطالبين ص 371 - 372.

(2) تاريخ اليعقوبي 2 / 453.

الصفحة 131
الرضا مسموما بطوس، ودفن هناك، وهو يومئذ ابن تسع وأربعين سنة، وستة أشهر، وقيل غير ذلك (1).

ولعل من الجدير بالإشارة أن الشيعة لا تجد تناقضا بين أن يجد الرضا كل هذه الحظوة لدى المأمون حين بايع له بولاية العهد، وزوجه أخته (الصحيح ابنته)، وبين أن يدس له المأمون السم في العنب، ثم يصلي عليه، ويدفنه بجوار قبر أبيه الرشيد في مشهده بطوس، فقد أصبح مقدرا على الأئمة - منذ الإمام الحسين بن علي - أن يكون قاتلوهم هم الخلفاء، أو بإيعاز منهم (2).

هذا ولما كان الإمام علي الرضا مات شهيدا، فقد أقيمت حول قبره مدينة جديدة يعيش فيها زوار قبر الإمام، والمتبركون به، سميت " المشهد الرضوي " أو " مشهد " والتي أخذت بالتدريج تأخذ مكان مدينة " طوس " القديمة، حتى قضت عليها، وغدت تمثل الآن أكبر عتبات الشيعة المقدسة - بجوار كربلاء والنجف - وهكذا يحق للشيعة أن يذكروا أن مدفن الإمام علي الرضا في طوس - والذي يعد من أكبر مزارات الشيعة بجوار مدفن هارون الرشيد - وهو من كان في عليائه وجبروته، وذيوع صيته، حتى فاقت شهرته جميع الخلفاء - يحق للشيعة أن يذكروا أن قبر الرشيد هذا، إنما قد اندرس، وأهمل شأنه، بينما ظهر قبر الإمام الرضا، يقصده زوار الشيعة، ومحبي آل بيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، من أطراف البلاد، وشاسع الأمصار، وهكذا يعلو شأن الأئمة الروحيين بعد مماتهم، بينما لا يعار سلاطين الأرض، أدنى اهتمام منذ اللحظة التي توارى فيها أجسادهم التراب (3).

وروى ابن خلكان (4) (608 - 681 هـ) أن بعض أصحاب أبي نواس

____________

(1) المسعودي: مروج الذهب 2 / 395.

(2) أحمد صبحي: المرجع السابق ص 378.

(3) أحمد صبحي: المرجع السابق ص 389.

(4) وفيات الأعيان 3 / 270 - 271.

الصفحة 132
- الشاعر المشهور - قال له: ما رأيت أقبح منك، ما تركت حمرا، ولا طردا، ولا معنى، إلا قلت فيه شيئا، وهذا " علي بن موسى الرضا " في عصرك لم تقل فيه شيئا، فقال: والله ما تركت ذلك، إلا إعظاما له، وليس قدر مثلي أن يقول في مثله، ثم أنشد بعد ساعة هذه الأبيات:

قيل لي أنت أحسن الناس طرا * في فنون الكلام النبيه
لك من جيد القريض مديح * يثمر الدر في يدي مجتنيه
فعلام تركت مدح ابن موسى * والخصال التي تجمعن فيه
قلت لا أستطيع مدح إمام * كان جبريل خادما لأبيه

وفي الإمام علي الرضا يقول أيضا:

مطهرون نقيات جيوبهم * تجري الصلاة عليهم أينما ذكروا
من لم يكن علويا حين تنسبه * فما له في قديم الدهر مفتخر
الله لما أبرأ خلقا فأتقنه * صفاكم واصطفاكم أيها البشر
فأنتم الملأ الأعلى وعندكم * علم الكتاب وما جاءت به السور
 

7 - موقف المأمون من الإمام علي بن أبي طالب

رأينا من قبل كيف أمر المأمون في عام 211 هـ، بأن ينادي: برئت الذمة من ذكر معاوية بخير، وأن أفضل الخلق - بعد النبي (صلى الله عليه وسلم) - علي بن أبي طالب (2).

ولعل رواية الفقيه ابن عبد ربه في عقده الفريد، إنما تشير بوضوح إلى عقيدة المأمون من الإمام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه، وكرم الله وجهه في الجنة -.

روى ابن عبد ربه في العقد الفريد: " أن إسحاق بن إبراهيم بن إسماعيل

____________

(1) السيوطي: تاريخ الخلفاء ص 308.

الصفحة 133
عن حماد بن زيد قال: بعث إلي يحيى بن أكثم (1) وإلى عدة من أصحابي، وهو يومئذ قاضي القضاة، فقال: إن أمير المؤمنين أمرني أن حضر معي غدا مع الفجر أربعين رجلا، كلهم فقيه، يفقه ما يقال له، ويحسن الجواب، فسموا من تظنونه يصلح لما يطلب أمير المؤمنين، فسمينا له عدة، وذكر هو عدة، حتى تم العدد الذي أراد، وكتب تسمية القوم، وأمر بالبكور في السحر، وبعث إلى من لم يحضره، فأمره بذلك، فغدونا عليه قبل طلوع الفجر، فوجدناه قد لبس ثيابه، وهو جالس ينتظرنا ".

" فركب وركبنا معه، حتى صرنا إلى الباب، فإذا بخادم واقف، فلما نظر إلينا قال: يا أبا محمد، أمير المؤمنين ينتظرك، فأدخلنا، فأمرنا بالصلاة فأخذنا فيها، فلم نستتم حتى خرج الرسول، فقال: ادخلوا، فإذا أمير المؤمنين جالس على فراشه، وعليه سواده وطيلسانه، والطويلة وعمامته، فوقفنا وسلمنا، فرد السلام، وأمر لنا بالجلوس، فلما استقر بنا المجلس، انحدر عن فراشه ونزع عمامته وطيلسانه، ووضع قلنسوته، ثم أقبل علينا، فقال: إنما فعلت ما رأيتم لتفعلوا مثل ذلك، وأما الخف فمنع من خلعه علة، من قد عرفها منكم،

____________

(1) يحيى بن أكثم: من ولد أكثم بن صيفي التميمي، حكيم العرب، كان عالما بالفقه، بصيرا بالأحكام، ذكره الدارقطني في أصحاب الشافعي، وقال الخطيب في تاريخ بغداد: كان يحيى بن أكثم سليما من البدعة، ينتحل مذهب أهل السنة، سمع عبد الله بن المبارك وسفيان بن عيينة وغيرهما، وروى عنه أبو عيسى الترمذي وغيره، وكان يحيى من أعلام الدنيا، وكان واسع العلم بالفقه، كثير الأدب، قائم بكل معضلة، وغلب على المأمون، حتى لم يتقدمه أحد غيره من الناس جميعا وكان المأمون ممن برع في العلوم، فعرف من حال يحيى بن أكثم، وما هو عليه من العلم والعقل ما أخذ بمجامع قلبه، حتى قلده قضاء القضاة، وتدبير أهل مملكته، فكانت الوزراء لا تعلم في تدبير الملك شيئا، إلا بعد مطالعة يحيى، وقد توفي يحيى بن أكثم في خلافة المتوكل (232 - 247 هـ) وذلك في يوم الجمعة منتصف ذي الحجة عام 242 هـ بالربذة، وهو في طريقه من مكة إلى العراق، وقبل توفي في غزة سنة 243 هـ، وعمره ثلاث وثمانون سنة (وفيات الأعيان 6 / 147 - 165، أخبار القضاة لوكيع 2 / 161، طبقات الحنابلة 1 / 140، النجوم الزاهرة 2 / 217، 308، مرآة الجنان 2 / 135، ميزان الاعتدال 4 / 361، شذرات الذهب 2 / 101 - 102).

الصفحة 134
فقد عرفها، ومن لم يعرفها فسأعرفه بها، ومد رجله، وقال: انزعوا قلانسكم وخفافكم وطيالستكم، قال: فأمسكنا، فقال لنا يحيى: انتهوا إلى ما أمركم به أمير المؤمنين، فتنحينا فنزعنا أخفافنا وطيالستنا وقلانسنا ورجعنا ".

" فلما استقر بنا المجلس قال: إنما بعثت إليكم معشر القوم في المناظرة، فمن كان به شئ من الأخبثين لم ينتفع بنفسه، ولم يفقه ما يقول، فمن أراد منكم الخلاء فهناك، وأشار بيده، فدعونا له، ثم ألقى مسألة من الفقه، فقال: يا أبا محمد، قل، وليقل القوم من بعدك، فأجابه يحيى، ثم الذي يلي يحيى، ثم الذي يليه حتى أجاب آخرنا في العلة، وعلة العلة، وهو مطرق لا يتكلم، حتى إذا انقطع الكلام، التفت إلى يحيى فقال: يا أبا محمد: أصبت الجواب، وتركت الصواب في العلة، ثم لم يزل يرد على كل واحد منا مقالته، ويخطئ بعضنا، ويصوب بعضنا، حتى أتى على آخرنا ".

ثم قال: إني لم أبعث فيكم لهذا، ولكني أحببت أن أنبئكم أن أمير المؤمنين أراد مناظرتكم في مذهبه، الذي هو عليه، والذي يدين الله به، قلنا: فليفعل أمير المؤمنين - وفقه الله - فقال: إن أمير المؤمنين يدين الله على أن " علي بن أبي طالب " خير خلق الله - بعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) - وأولى الناس بالخلافة له ".

قال إسحاق: فقلت يا أمير المؤمنين، إن فينا من لا يعرف ما ذكر أمير المؤمنين في " علي "، وقد دعانا أمير المؤمنين للمناظرة.

قال: يا إسحاق، اختر، إن شئت سألتك، وإن شئت أن تسأل، فقل.

فقال إسحاق: فاغتنمتها منه، فقلت: بل أسألك يا أمير المؤمنين، قال:

سل، قلت: من أين قال أمير المؤمنين: إن علي بن أبي طالب، أفضل الناس، بعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وأحقهم بالخلافة بعده؟


الصفحة 135
قال: يا إسحاق، أخبرني عن الناس، بم يتفاضلون حتى يقال: فلان أفضل من فلان؟.

قلت: بالأعمال الصالحة، قال صدقت قال: فأخبرني عمن فضل صاحبه على عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ثم إن المفضول عمل بعد وفاة رسول الله بأفضل من عمل الفاضل على عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، أيلحق به؟.

قال: فأطرقت، فقال لي: يا إسحاق، لا تقل نعم، فإنك إن قلت نعم أوجدتك في دهرنا هذا من هو أكثر منه جهادا وحجا وصياما وصلاة وصدقة.

فقلت: أجل يا أمير المؤمنين، لا يلحق المفضول على عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، الفاضل أبدا.

قال يا إسحاق، فانظر ما رواه لك أصحابك، ومن أخذت عنهم دينك.

وجعلتهم قدوتك من فضائل علي بن أبي طالب، فقس عليها ما أتوك به من فضائل أبي بكر، فإن رأيت فضائل أبي بكر تشاكل فضائل علي، فقال: إنه أفضل منه.

لا والله، ولكن فقس إلى فضائله، ما روي لك من فضائل أبي بكر وعمر، فإن وجدت لهما من الفضائل ما لعلي وحده، فقل إنهما أفضل منه، ولا والله، ولكن قس إلى فضائله فضائل أبي بكر وعمر وعثمان، فإن وجدتها مثل فضائل علي، فقل إنهم أفضل منه، لا والله قس بفضائل العشرة الذين شهد لهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بالجنة، فإن وجدتها تشاكل فضائله، فقل: إنهم أفضل منه.

قال: يا إسحاق: أي الأعمال كانت أفضل يوم بعث الله رسول الله (صلى الله عليه وسلم)؟.

قلت: الإخلاص بالشهادة، قال: أليس السبق إلى الإسلام؟ قلت: نعم، قال: إقرأ ذلك في كتاب الله تعالى، يقول: (والسابقون السابقون أولئك

الصفحة 136
المقربون) (1)، إنما عنى من سبق إلى الإسلام، فهل علمت أحدا سبق عليا إلى الإسلام؟.

قلت: يا أمير المؤمنين، إن عليا أسلم وهو حديث السن، لا يجوز عليه الحكم، وأبو بكر سلم وهو مستكمل يجوز عليه الحكم.

قال: أخبرني أيهما أسلم قبل، ثم أناظرك من بعده في الحداثة والكمال.

قلت: علي أسلم قبل أبي بكر، على هذه الشريطة.

فقال: نعم، فأخبرني عن إسلام علي حين أسلم: لا يخلو من أن يكون رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، دعاه إلى الإسلام، أو يكون إلهاما من الله؟.

قال: فأطرقت، فقال لي: يا إسحاق، لا تقل إلهاما، فتقدمه على رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، لأن الرسول (صلى الله عليه وسلم)، لم يعرف الإسلام حتى أتاه جبريل عن الله تعالى.

قال: أجل بل دعاه رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، إلى الإسلام.

قال: يا إسحاق، فهل يخلو رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، حين دعاه إلى الإسلام، من أن يكون دعاه بأمر الله، أو تكلف ذلك من نفسه. قال: فأطرقت.

فقال: يا إسحاق، لا تنسب رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، إلى التكلف، فإن الله يقول:

(وما أنا من المتكلفين) (2)، قلت: أجل يا أمير المؤمنين، بل دعاه بأمر الله.

قال: فهل من صفة الجبار، جل ثناؤه، أن يكلف رسله دعاء من لا يجوز عليه حكم؟ قلت: أعوذ بالله فقال: أفتراه في قياس الناس قولك يا إسحاق، " إن عليا أسلم صبيا، لا يجوز عليه الحكم " إن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قد كلف من دعاء

____________

(1) سورة الواقعة: آية 10.

(2) سورة ص: آية 86.

الصفحة 137
الصبيان ما لا يطيقون، فهو يدعوهم الساعة ويرتدون بعد ساعة، فلا يجب عليهم في ارتدادهم شئ، ولا يجوز عليهم حكم الرسول عليه الصلاة والسلام، أنى هذا جائزا عندك أن تنسبه إلى الله عز وجل؟ قلت: أعوذ بالله.

قال: يا إسحاق، فأراك إنما قصدت لفضيلة فضل بها رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، عليا على هذا الخلق، إبانة بها منهم، ليعرف مكانه وفضله، ولو كان الله تبارك وتعالى أمره بدعاء الصبيان لدعاهم، كما دعا عليا؟ قلت: بلى.

قال: فهل بلغك أن رسول (صلى الله عليه وسلم)، دعا أحدا من الصبيان من أهله وقرابته - لئلا نقول إن عليا ابن عمه -؟ قلت: لا أعلم، ولا أدري فعل أم لم يفعل.

قال: يا إسحاق، رأيت ما لم تدره، ولم تعلمه، هل تسأل عنه؟ قلت:

لا.

قال: فدع ما وضعه الله عنا وعنك.

قال: ثم أي الأعمال كانت أفضل، بعد السبق إلى الإسلام؟ قلت: الجهاد في سبيل الله.

قال: صدقت، فهل تجد لأحد من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ما تجد لعلي في الجهاد؟.

قلت: في أي وقت؟ قال: في أي الأوقات شئت، قلت: بدر.

قال: لا أريد غيرها؟ فهل تجد لأحد، إلا دون ما تجد لعلي يوم بدر؟.

أخبرني: كم قتلى بدر؟ قلت: نيف وستون رجلا من المشركين.

قال: فكم قتلى علي وحده؟ قلت: لا أدري، قال ثلاثة وعشرين أو اثنين وعشرين، والأربعون لسائر الناس.

قلت: يا أمير المؤمنين، كان أبو بكر مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، في عريشه.

قال: يصنع ماذا؟ قلت: يدبر، قال: ويحك، يدبر دون رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، أو

الصفحة 138
يكون معه شريكا أو افتقارا من رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، إلى رأيه؟ أي الثلاث أحب إليك؟.

قلت: أعوذ بالله أن يدبر أبو بكر، دون رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، أو يكون معه شريكا، أو أن يكون برسول الله (صلى الله عليه وسلم)، افتقارا إلى رأيه.

قال: فما الفضيلة بالعريش، إذا كان الأمر كذلك؟ قلت: يا أمير المؤمنين، كل الجيش كان مجاهدا.

قال: صدقت، كل مجاهد، ولكن الضارب بالسيف، المحامي عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وعن الجالس، أفضل من الجالس، أما قرأت كتاب الله (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر، والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة، وكلا وعد الله الحسنى، وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما) (1).

قلت: وكان أبو بكر وعمر مجاهدين، قال: فهل كان لأبي بكر وعمر فضل على من لم يشهد ذلك المشهد؟ قلت: نعم، قال: فكذلك، سبق الباذل نفسه فضل أبي بكر وعمر، قلت: أجل.

قال: يا إسحاق، هل تقرأ القرآن؟ قلت: نعم.

قال: إقرأ علي (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا) فقرأت منها حتى بلغت قوله: (يشربون من كأس كان مزاجها كافورا) إلى قوله تعالى: (ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا) (2).

قال: فهل بلغك أن عليا حين أطعم المسكين واليتيم والأسير، قال: إنما

____________

(1) سورة النساء: آية 95.

(2) سورة الإنسان: آية 1 - 8


الصفحة 139
نطعمكم لوجه الله؟ وهل سمعت الله وصف في كتابه أحدا بمثل ما وصف به عليا؟ قلت: لا.

قال: صدقت، لأن الله، جل ثناؤه، عرف سيرته، يا إسحاق، ألست تشهد أن العشرة في الجنة؟.

قلت: بلى يا أمير المؤمنين. قال: أرأيت لو أن رجلا قال: والله ما أدري هذا الحديث صحيح أم لا، ولا أدري إن كان رسول الله قاله أم لم يقله، أكان عندك كافرا؟ قلت: أعوذ بالله.

قال: أرأيت لو أنه قال: ما أدري هذه السورة من كتاب الله أم لا؟ كان كافرا؟ قلت: نعم.

قال: يا إسحاق، أرى بينهما فرقا، يا إسحاق: أتروي الحديث؟ قلت:

نعم، قال: فهل تعرف حديث الطير (1)، قلت نعم، قال: فحدثني به. قال:

____________

(1) روى الإمام أحمد في الفضائل بسنده عن ثابت البجلي عن سفينة قال: أهدت امرأة من الأنصار إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، طيرين مع رغيفين، فقدمت إليه الطيرين فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): اللهم ائتني بأحب خلقك إليك وإلى رسولك، ورفع صوته، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): من هذا، فقال: علي:

قال: فافتح له، ففتحت، فأكل مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من الطيرين، حتى فنيا (فضائل الصحابة 2 / 560 - 562)، وروى الترمذي بسنده عن السدي عن أنس بن مالك قال: كان عند النبي (صلى الله عليه وسلم) طير، فقال: اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي هذا الطير، فجاء علي، فأكله معه (صحيح الترمذي 2 / 299، وقال الترمذي: وقد روي من غير وجه عن أنس).

وروى الحاكم في المستدرك (3 / 130) بسنده عن يحيى بن سعيد عن أنس بن مالك قال:

كنت أخدم رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فقدم لرسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فرخ مشوي، فقال: اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي هذا الطير، فقلت: اللهم اجعله رجلا من الأنصار، فجاء علي، فقلت: إن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على حاجة، ثم جاء فقلت: إن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على حاجة، ثم جاء فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): افتح، فدخل، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): ما حبسك علي، فقال: إن هذه آخر ثلاث يردني أنس، يزعم أنك على حاجة، فقال: ما حملك على ما صنعت؟ فقلت: رسول الله سمعت دعاءك، فأحببت أن يكون رجلا من قومي، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): إن الرجل قد يحب قومه (قال الحاكم: هذا صحيح على شرط الشيخين، ثم قال: وقد رواه عن أنس جماعة من أصحابه زيادة على ثلاثين نفسا، ثم صحت الرواية عن علي وأبي سعيد وأنس)، والحديث رواه الترمذي =>


الصفحة 140
فحدثته الحديث، فقال: يا إسحاق، إني كنت أكلمك، وأنا أظنك خير معاند للحق، فأما الآن، فقد بان لي عنادك، إنك توقن أن هذا الحديث صحيح.

قلت: نعم، رواه من لا يمكنني رده.

قال: أرأيت أن من أيقن أن هذا الحديث صحيح، ثم زعم أن أحدا أفضل من علي، لا يخلو من إحدى ثلاثة: من أن تكون دعوة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، عنده مردودة عليه، أو أن يقول عرف الفاضل من خلقه، وكان المفضول أحب إليه، أو أن يقول: إن الله عز وجل لم يعرف الفاضل من المفضول، فأي الثلاثة أحب إليك أن تقول، فأطرقت.

ثم قال: يا إسحاق، لا تقل منها شيئا، فإنك إن قلت منها شيئا استنبتك، وإن كان للحديث عندك تأويل غير هذه الثلاثة الأوجه، فقله، قلت: لا أعلم، وإن لأبي بكر فضلا.

قال: أجل، لولا أن له فضلا، لما قيل إن عليا أفضل منه، فما فضله الذي قصدت له الساعة؟.

قلت: قول الله عز وجل (ثاني اثنين إذ هما في الغار، إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا) (1) فنسبه إلى صحبته.

قال: يا إسحاق، أما إني لا أحملك على الوعر من طريقك، إني وجدت الله تعالى نسب إلى صحبة من رضيه، ورضي عنه كافرا، وهو قوله تعالى: (فقال له صاحبه وهو يحاوره، أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من

____________

<= (2 / 299، 5 / 636) والهيثمي في مجمع الزوائد (9 / 125 - 126) وأبو نعيم في الحلية (6 / 339) والخطيب البغدادي في تاريخه (13 / 171) وابن الأثير في أسد الغابة (4 / 110 - 111) والمتقي الهندي في كنز العمال (6 / 406) والمحب الطبري في الذخائر (ص 61) وفي الرياض النضرة (2 / 211)، وانظر: السيد مرتضى الحسين الفيروزآبادي في (فضائل الخمسة الصحاح الستة 2 / 189 - 195 - ط بيروت 1973).

(1) سورة التوبة: آية 40.

الصفحة 141
نطفة ثم سواك رجلا، لكنا هو الله ربي، ولا أشرك بربي أحدا) (1).

قلت: إن ذلك صاحب كان كافرا، وأبو بكر مؤمن قال: فإذا أجاز أن ينسب إلى صحبة من رضيه كافرا، جاز أن ينسب إلى صحبة نبيه مؤمنا، وليس بأفضل المؤمنين، ولا الثاني ولا الثالث.

قلت: يا أمير المؤمنين، إن قدر الآية عظيم، إن الله تعالى يقول: (ثاني اثنين إذ هما في الغار، إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا).

قال: يا إسحاق، تأبى الآن إلا أن أخرج إلى الاستقصاء عليك، أخبرني عن حزن أبي بكر، أكان رضا أم سخطا؟.

قلت: إن أبا بكر إنما حزن من أجل رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، خوفا عليه وغما أن يصل إلى رسول الله شئ من المكروه.

قال: ليس هذا جوابي، إنما كان جوابي أن تقول: رضا أم سخطا.

قلت: بل كان رضا لله. قال: فكأن الله جل ذكره بعث إلينا رسولا ينهى عن رضا الله عز وجل، وعن طاعته.

قلت: أعوذ بالله. قال: أو ليس قد زعمت أن حزن أبي بكر رضا لله؟

قلت: بلى.

قال: أولم تجد أن القرآن يشهد أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، قال: " لا تحزن "، نهيا له عن الحزن؟.

قلت: أعوذ بالله. قال: يا إسحاق، إن مذهبي الرفق بك، لعل الله يردك إلى الحق، ويعدل بك عن الباطل، لكثرة ما تستعيذ به.

____________

(1) سورة الكهف: الآيتان 36 - 37.

الصفحة 142
وحدثني عن قول الله: (فأنزل الله سكينته عليه)، من عنى بذلك، رسول الله أم أبا بكر؟.

قلت: بل رسول الله. قال: صدقت.

قال: حدثني عن قول الله عز وجل (ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم) إلى قوله: (ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين) (1)، أتعلم من المؤمنين الذين أراد الله في هذا الموضوع؟.

قلت: لا أدري يا أمير المؤمنين.

قال: الناس جميعا انهزموا يوم حنين، فلم يبق مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، إلا سبعة نفر من بني هاشم، علي يضرب بسيفه بين يدي رسول الله، والعباس آخذ بلجام بغلة رسول الله، والخمسة محدقون به، خوفا من أن يناله من جراح القوم شئ، حتى أعطى الله لرسوله الظفر، والمؤمنون في هذا الموضع، علي خاصة، ثم من حضره من بني هاشم.

قال: فمن أفضل: من كان مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، في ذلك الوقت، أم من انهزم عنه، ولم يره الله موضعا لينزلها عليه؟ قلت: بل من أنزلت عليه السكينة.

قال: يا إسحاق، من أفضل: من كان معه في الغار، أم من نام على فراشه، ووقاه بنفسه، حتى تم لرسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ما أراد من الهجرة؟ إن الله تبارك وتعالى أمر رسوله أن يأمر عليا بالنوم على فراشه، وأن يقي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بنفسه، فأمره رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بذلك، فبكى علي، رضي الله عنه، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وسلم): ما يبكيك يا علي، أجزعا من الموت؟ قال: لا، والذي بعثك بالحق يا رسول الله، ولكن خوفا عليك، أفتسلم يا رسول الله؟ قال: نعم، قال:

سمعا وطاعة، وطيبة نفسي بالفداء لك يا رسول الله، ثم أتى مضجعه واضطجع،

____________

(1) سورة التوبة: آية 25 - 26.

الصفحة 143
وتسجى بثوبه، وجاء المشركون من قريش فحفوا به، لا يشكون أنه رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وقد أجمعوا أن يضربه من كل بطن من بطون قريش رجل ضربة بالسيف، لئلا يطلب الهاشميون من البطون بطنا بدمه.

وعلي يسمع ما القوم فيه من إتلاف نفسه، ولم يدعه ذلك إلى الجزع - كما جزع صاحبه في الغار - ولم يزل علي صابرا محتسبا، فبعث الله ملائكته فمنعته من مشركي قريش، حتى أصبح، فلما أصبح قام فنظر القوم إليه، فقالوا:

أين محمد؟ قال: وما علمي بمحمد أين هو؟ قالوا: فلا نراك إلا مغررا بنفسك منذ ليلتنا، فلم يزل على أفضل ما بدأ به يزيد ولا ينقص، حتى قبضه الله إليه.

قال: يا إسحاق، هل تروي حديث الولاية؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين.

قال: أروه، ففعلت.

قال: يا إسحاق، أرأيت هذا الحديث، هل أوجب على أبي بكر وعمر، ما لم يوجب لهما عليه؟.

قلت: إن الناس ذكروا أن الحديث، إنما كان بسبب " زيد بن حارثة " لشئ جرى بينه وبين علي، وأنكر ولاء علي، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): " من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه ".

قال: في أي موضع قال هذا، أليس بعد منصرفه من حجة الوداع؟ قلت:

أجل.

قال: فإن قتل " زيد بن حارثة " قبل الغدير (1) كيف رضيت لنفسك بهذا؟

____________

(1) روي حديث الولاية الصحيح بأسانيد وطرق مختلفة، ويعرف بحديث الولاية وبحديث الغدير، وقد أخرجه الإمام أحمد عن علي وأبي أيوب الأنصاري، وزيد بن أرقم، وعمر وذي مر، وأخرجه أبو يعلى عن أبي هريرة، والطبراني عن ابن عمر، ومالك بن الحويرث، وحبشي بن جنادة وجرير وسعد بن أبي وقاص وأبي سعيد الخدري وأنس، وأخرجه البزار عن ابن عباس وعمارة وبريدة (السيوطي: تاريخ الخلفاء ص 169). ورواه الترمذي (2 / 298) وابن ماجة (ص 12) =>


الصفحة 144
أخبرني، لو رأيت ابنا لك قد أتت عليه خمس عشرة سنة يقول: مولاي مولى ابن عمي، أيها الناس فاعلموا ذلك، أكنت منكرا ذلك عليه: تعريفه الناس ما لا ينكرون ولا يجهلون؟ فقلت: اللهم نعم.

قال: يا إسحاق، أفتنزه ابنك عما لا تنزه عنه رسول الله (صلى الله عليه وسلم)؟ ويحكم، لا تجعلوا فقهاءكم أربابكم، إن الله عز وجل قال في كتابه (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله) (1)، ولم يصلوا لهم ولا صاموا، ولا زعموا أنهم أرباب، ولكن أمروهم فأطاعوا أمرهم.

____________

<= والحاكم في المستدرك (2 / 129، 110، 3 / 109، 116، 370) والإمام أحمد في المسند (1 / 84، 88، 118، 119، 152، 330، 4 / 370 - 372، 281، 5 / 307، 350، 419) وفي فضائل الصحابة (2 / 563، 569، 572، 584، 585، 586، 592، 593، 596، 597، 599، 613، 620، 659، 682، 683، 684، 688، 689، 705، وهي الأحاديث أرقام: 947، 959، 967، 989، 990، 991، 992، 1007، 1021، 1022، 1048، 1060، 1104، 1167، 1168، 1175) والنسائي في تهذيب الخصائص (ص 50 - 45، 61، أحاديث أرقام: 65، 66، 67، 68، 69، 70، 71، 72، 73، 74، 75، 85)، وابن كثير في السيرة (4 / 414 - 425) وفي السيرة الحلبية (3 / 336 - 340) والهيثمي في مجمع الزوائد (7 / 17، 9 / 104 - 105، 106، 107، 108، 119، 163، 164، 166) والخطيب في تاريخ بغداد (8 / 290) وابن خلدون في تاريخه (2 / 841 - 842) وأبو داود الطيالسي (1 / 23) والواحدي في أسباب النزول ص 135 وابن الأثير في أسد الغاية (1 / 364، 3 / 171، 4 / 108 - 109) والطحاوي في مشكل الآثار (2 / 307) والمتقي الهندي في كنز العمال (1 / 48، 6 / 153، 154، 390، 397، 398، 399، 403، 405، 406) وابن حجر العسقلاني في الإصابة (1 / 304 - 305، 408، 4 / 159)، وفي تهذيب التهذيب: ذكر أسامي جملة من الصحابة ممن روى حديث الغدير هذا، ثم قال: وقد جمع ابن جرير الطبري حديث الموالاة هذا في مؤلف فيه أضعاف من ذكر وصححه (تهذيب التهذيب 7 / 377 - 339) والمسهودي في وفاء الوفاء (3 / 1018) والمناوي في فيض القدير (6 / 217) وابن حجر الهيثمي في صواعقه (ص 188) والمحب الطبري في الرياض النضرة (2 / 222 - 225 - 289)، والشبلنجي في نور الأبصار (ص 78)، وابن عبد البر في الإستيعاب 36)، وانظر: (فضائل الخمسة من الصحاح الستة 1 / 349 - 384).

ولقد استشهد زيد، رضي الله عنه، في غزوة مؤتة عام 8 هـ (629 م)، وحديث الغدير كان في 8 ذي الحجة عام 10 هـ (632 م) أنظر: محمد بيومي مهران: السيرة النبوية الشريفة - الجزء الثاني ص 447 - 456 ص 522 - 524).

(1) سورة التوبة: آية 31.

الصفحة 145
ثم قال: يا إسحاق أتروي حديث " أنت مني بمنزلة هارون من موسى " (2)، قلت: نعم يا أمير المؤمنين، قد سمعته وسمعت من صححه وجحده، قال:

فمن أوثق عندك، من سمعت منه فصححه أو من جحده؟.

قلت: من صححه، قال: فهل يمكن أن يكون رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مزح بهذا القول؟

قلت: أعوذ بالله. قال: فقال قولا لا معنى له، فلا يوقف عليه؟ قلت:

أعوذ بالله.

قال: أفما تعلم أن هارون كان أخا موسى لأبيه وأمه؟ قلت: بلى قال: فعلي أخو رسول الله لأبيه وأمه؟ قلت: لا.

قال: أوليس هارون كان نبيا، وعلي غير نبي؟ قلت: بلى.

قال: فهذان الحالان معدومان في علي، وقد كانا في هارون، فما معنى قوله (صلى الله عليه وسلم): " أنت مني بمنزلة هارون من موسى "؟.

قلت: إنما أراد أن يطيب بحديث المنزلة (1) هذا نفس علي، لما قال المنافقون: إنه خلفه استثقالا له.

____________

(1) روى هذا الحديث الصحيح، والمعروف بحديث المنزلة، رواه البخاري في صحيحه (5 / 24، 6 / 3) ومسلم في صحيحه (15 / 174، 175، 176) والنسائي في تهذيب الخصائص (19، 20، 28، 29، 39، 40، 41، 42، 43، 44، 45، 46، 72، الأحاديث أرقام: 8، 9، 21، 40، 41، 42، 43، 44، 45، 46، 47، 48، 49، 50، 51، 52، 53، 54، 55، 56، 57، 112) ورواه الإمام أحمد في الفضائل (2 / 566، 567، 568، 592، 610، 611، 612، 633، 642، 643، 663، 670، 675، 684، الأحاديث أرقام 954، 956، 957، 1006، 1041، 1045، 1079، 1091، 1093، 1131، 1143، 1153، 1168،) وفي مسند الإمام أحمد (1 / 170، 173، 175، 177، 184، 330، 6 / 369) رواه الهيثمي في في مجمع الزوائد (9 / 109، 110، 111، 119،) والمتقي الهندي في كنز العمال (3 / 154، 5 / 40، 6 / 154، 188، 395، 405، 8 / 215) ورواه ابن سعد في طبقاته (3 / 14، 15) وأبو نعيم في حلية الأولياء (4 / 345، 7 / 159 - 196) والترمذي (2 / 301) والطبري في تاريخه (3 / 104) وابن الأثير في أسد الغابة (4 / 104، 106) والمحب الطبري في الرياض النضرة  =>


الصفحة 146
قال: يا إسحاق، له معنى في كتاب الله بين. قلت: وما هو يا أمير المؤمنين؟

قال: قوله عز وجل حكاية عن موسى أنه قال لأخيه هارون: (أخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين) (1).

قلت: يا أمير المؤمنين، إن موسى خلف هارون في قومه وهو حي، ومضى إلى ربه، وإن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) خلف عليا كذلك حين خرج إلى غزواته.

قال: كلا، ليس كما قلت، أخبرني حين خلف هارون، هل كان معه حين ذهب إلى ربه أحد من أصحابه أو أحد من بني إسرائيل؟ قلت: لا.

قال: أوليس استخلفه على جماعتهم؟ قلت: نعم، قال: فأخبرني عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، حين خرج إلى غزاته، هل خلف إلا الضعفاء، والنساء والصبيان، فأنى يكون مثل ذلك؟ وله عندي تأويل آخر من كتاب الله يدل على استخلافه إياه، لا يقدر أحد أن يحتج فيه، ولا أعلم أحدا احتج به، وأرجو أن يكون توفيقا من الله، قلت: وما هو يا أمير المؤمنين؟.

قال: قوله عز وجل، حين حكى عن موسى قوله: (واجعل لي وزيرا من أهلي، هارون أخي أشدد به أزري، وأشركه في أمري، كي نسبحك كثيرا، ونذكرك كثيرا، إنك كنت بنا بصيرا) (2)، " فأنت يا علي مني بمنزلة هارون من موسى، وزيري من أهلي، وأخي، أشدد به أزري، وأشركه في أمري، كي

____________

<= (2 / 214، 215، 216، 270، 326) وابن ماجة (ص 12) والخطيب البغدادي في تاريخه (1 / 324، 2 / 323، 3 / 288، 4 / 204، 282، 7 / 452، 8 / 52، 9 / 394، 10 / 43، 11 / 432) والطحاوي في مشكل الآثار (2 / 309) وابن هشام في السيرة (4 / 382) وابن الأثير في الكامل (2 / 278) وابن عساكر في تاريخه (1 / 107) وابن كثير في السيرة (4 / 12) وابن قيم الجوزية في زاد المعاد (3 / 530) وفي السيرة الحلبية (3 / 104) والمقدسي في البدء والتأريخ 4 / 239).

(1) سورة الأعراف: آية 142.

(2) وسورة طه: آية 29 - 35.

الصفحة 147
نسبح الله كثيرا، ونذكره كثيرا "، فهل يقدر أحد أن يدخل في هذا شيئا غير هذا، ولم يكن ليبطل قول النبي (صلى الله عليه وسلم) وأن يكون لا معنى له؟

قال: فطار المجلس وارتفع النهار، فقال يحيى بن أكثم القاضي: يا أمير المؤمنين، قد أوضحت الحق، لمن أراد الله به الخير، وأثبت ما لا يقدر أحد أن يدفعه.

قال إسحاق: فأقبل علينا وقال: ما تقولون؟ فقلنا: كلنا نقول بقول أمير المؤمنين، أعزه الله.

فقال: والله لولا أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: أقبلوا القول من الناس، ما كنت لأقبل منكم القول اللهم قد نصحت لهم القول، اللهم إني قد أخرجت الأمر من عنقي، اللهم إني أدينك بالتقرب إليك بحب علي وولايته (1).

 

>>>>>>


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net