متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
الإمام الرضا والتصوف ، من مرويات الإمام الرضا
الكتاب : الإمامة وأهل البيت (ع) ج3    |    القسم : مكتبة أهل البيت (ع)

8 - الإمام الرضا والتصوف

ربط المتصوفة - كما رأينا من قبل - التصوف بالإمام علي بن أبي طالب، ثم بالأئمة من أولاده من بعده، اعتمادا على أمور كثيرة، منها صلة " سلمان الفارسي " ببيت النبوة، حيث قال عنه سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) " سلمان منا أهل البيت " (3)، وقال الإمام علي " ذلك امرؤ منا وإلينا أهل البيت، أدرك العلم الأول والعلم الآخر " (3).

وأخذ الصوفية الخبرين، وساروا بهما إلى نهاية الشوط، فقالوا: ولما كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، عبدا محضا قد طهره الله وأهل بيته تطهيرا، وأذهب عنهم الرجس، فلا يضاف إليهم إلا مطهرا، فإن المضاف إليهم هو الذي يشبههم، فما

____________

(1) ابن عبد ربه: العقد الفريد 5 / 349 - 359 (دار الكتب العلمية - بيروت 1983 م).

(2) أسد الغابة 2 / 421، صفة الصفوة 1 / 215.

(3) أسد الغابة 2 / 420، طبقات ابن سعد 4 / 61، صفة الصفوة 1 / 200.

الصفحة 148
يضيفون لأنفسهم إلا من له حكم الطهارة والتقديس، فهذه شهادة من النبي (صلى الله عليه وسلم)، لسلمان الفارسي بالطهارة، والحفظ الإلهي والعصمة، حيث قال فيه سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) " سلمان منا أهل البيت " (1) وقالوا كذلك " فكل عبد له صفات سيده " (2)، مشيرين بذلك إلى صلة الولاء التي ربطت سلمان بأهل بيت النبي (3).

ويذهب الدكتور الشيبي إلى أن " ابن عربي " قد غلا في سلمان - إن صح هذا التعبير - حتى قال - بناء على هذه الوراثة الروحية - " فأرجو أن يكون عقب عقيل وسلمان تلحقهم هذه العناية، كما لحقت أولاد الحسن والحسين وعقبهم، وموالي أهل البيت، فإن رحمة الله واسعة يا ولي " (4).

على أن هذه الصلة الروحية إنما تظهر بوضوح بين الإمام علي الرضا ومولاه " معروف الكرخي " - وهو واحد من قدماء المتصوفة، وأحد الذين فتح الله لهم باب الولاية في بغداد - قال عنه الحافظ أبو نعيم في حليته: هو " الملهوف إلى المعروف، عن الفاني مصروف، وبالباقي مشغوف، وبالتحف محفوف وللطف مألوف، الكرخي أبو محفوظ معروف " (5).

ومعروف الكرخي هذا - كما في وفيات الأعيان - " أبو محفوظ معروف بن فيروز - وقيل الفيروزان، وقيل علي - الكرخي، الصالح المشهور، وهو من موالي الإمام علي الرضا بن موسى الكاظم، وكان أبواه نصرانيين فأسلماه إلى مؤدبه، وهو صبي، فكان المؤدب يقول له: قل ثالث ثلاثة، فيقول معروف:

بل هو الواحد، فضربه المعلم على ذلك ضربا مبرحا، فهرب منه، وكان أبواه

____________

(1) أسد الغابة 2 / 421.

(2) ابن عربي: المفتوحات المكية 1 / 255 (القاهرة 1293 هـ).

(3) كامل مصطفى الشيبي: الصلة بين التصوف والتشيع 2 / 21 (بغداد 1964).

(4) الشيبي: المرجع السابق ص 21 - 22، الفتوحات المكية 1 / 256.

(5) حلية الأولياء 8 / 360.


الصفحة 149
يقولان: " ليته يرجع إلينا على أي دين شاء، فنوافقه عليه "، فنوافقه عليه " ثم إنه أسلم على يد الإمام علي الرضا، ورجع إلى أبويه، فدق الباب فقيل له: من بالباب؟ فقال:

معروف، فقيل له: على أي دين؟ فقال: على الإسلام، فأسلم أبواه (1). وقد توفي معروف عام 200 هـ (815 م) وقيل: 204 هـ، وقبره في بغداد مشهور يزار، رحمه الله تعالى (2).

على أن أهمية معروف الكرخي إنما تأتي مما ينسب إليه من كونه مولى الإمام علي الرضا - وكان كما رأينا ولي عهد الخليفة المأمون - وأكثر أصحاب كتب التصوف على أن معروفا الكرخي، إنما كان متصلا بالإمام علي الرضا، وأنه أسلم على يديه (3) - بعد أن كان نصرانيا أو كان صابئا (4) - ورووا أنه سمع " ابن السماك " الواعظ المشهور في الكوفة، وكما يقول معروف نفسه " فوقع كلامه في قلبي، وأقبلت على الله وتركت جميع ما كنت عليه، إلا خدمة مولاي علي بن موسى الرضا " (5).

وعلى أية حال، فإن الاتصال بالإمام - عند الشيعة - إنما يعني شيعية المتصل، ومن ثم فقد اهتم باحثو الشيعة بتحقيق العلاقة بين الإمام علي الرضا ومعروف الكرخي، وانتهوا إلى أنه غير مذكور في كتبهم، وإن لم يستبعدوا اتصاله به، وإن لم تقم لهم قرينة عليه.

على أن الأهم أن الإمام الرضا - بعد أن أصبح وليا لعهد الخلافة - لم يعد إماما للشيعة وحدهم، وإنما أصبح إماما للمسلمين جميعا، بما فيهم أهل السنة

____________

(1) ابن خلكان: وفيات الأعيان وإنباء أبناء الزمان - تحقيق إحسان عباس 5 / 231 - 232 (بيروت 1977).

(2) وفيات الأعيان 5 / 233.

(3) طبقات الصوفية ص 85، تذكرة الأولياء 1 / 224، أبو القاسم القشيري: الرسالة القشيرية ص 12 (القاهرة 1284 هـ)، طبقات الشعراني 1 / 61، نفحات الأنس ص 39.

(4) نيكلسون: في التصوف الإسلامي ترجمة أبو العلا عفيفي ص 4 (القاهرة 1947).

(5) أبو القاسم القشيري: الرسالة القشيرية 12.

الصفحة 150
والزيدية، فضلا عن سائر فرق الشيعة المتناحرة، ومن ثم فقد اجتمعت الأمة على إمامته واتباعه والالتفاف حوله، ومن هنا، فلا يبعد - والحال هذه - أن يكون اتصال معروف به أمرا واقعيا، وهو الزاهد الذي كان دائما يسعى إلى التمسك بمثل الإسلام، وكان الإمام الرضا - رضوان الله عليه - هو الإمام المطاع في العالم الإسلامي كله (1)

ولعل من الجدير بالإشارة هنا إلى أن بعض المصادر التي ذكرت صلة معروف بالإمام الرضا، إنما قد أشارت إلى أنه كان يحجبه بعد إسلامه (2) - أي أن الإمام الرضا قد اتخذه بعد إسلامه حاجبا له - وأن موت الإمام الرضا، وازدحام الشيعة على بابه إنما قد تسبب في كسر أضلع معروف فمات (3)، وهذا يعني ولاية معروف إنما نبعت من اعتناقه الإسلام - دين الله الخالد - الأمر الذي تحقق من قبل في صورة إسلام " سلمان الفارسي "، والذي ظل شطر عمره يبحث عن الدين الحق، حتى وجده في الإسلام (4). وقد أسلم معروف على يد الإمام الرضا، حفيد النبي (صلى الله عليه وسلم)، الذي أسلم سلمان على يديه من قبل، وبذا يبدو أننا أمام سلمان آخر، له في الزهد قدم صدق، وله في الولاية والمقام الروحي، ما جعله يفوز باحترام الناس وإعجابهم وإكبارهم (5).

هذا وقد رويت لمعروف الكرخي عدة كرامات، روى الحافظ أبو نعيم في حليته بسنده عن خليل الصياد قال: غاب ابني محمد فجزعت أمه عليه جزعا

____________

(1) الشيبي: المرجع السابق ص 26.

(2) طبقات الصوفية ص 85.

(3) طبقات الصوفية ص 85، ثم قارن: تاريخ بغداد للخطيب 13 / 202، حلية الأولياء 8 / 632.

(4) أنظر عن سلمان (أسد الغابة 2 / 417 - 421، حلية الأولياء 1 / 185 - 208، طبقات ابن سعد 4 / 53 - 67، الإستيعاب في معرفة الأصحاب 2 / 56 - 62، الإصابة في تمييز الصحابة 2 / 62 - 63، وفيات الأعيان 3 / 252.

(5) الشيبي: المرجع السابق ص 27 - 28.

الصفحة 151
شديدا، فأتيت معروفا فقلت: أبا محفوظ، قال: ما تشاء؟ قلت: ابني محمد غاب، وجزعت عليه أمه جزعا شديدا، فادع الله أن يرده عليها، فقال: اللهم إن السماء سماؤك، والأرض أرضك، وما بينهما لك، فأت به، قال خليل: فأتيت باب الشام، فإذا ابني محمد قائم منبهر، قلت: محمد؟ قال: يا أبت كنت الساعة بالأنبار (1).

وعن محمد بن إسحاق قال سمعت محمد بن عمرو بن مكرم الثقة، يقول: حدثني أبو محمد الضرير - وكان جارا لمردويه الصائغ - قال: أرسل مردويه فأتيته فقال: إن ابني قد غاب عنا منذ أيام، وقد ضيقوا على النساء لما يبكين، فأخذ بنا إلى معروف، قال: فغدوت أنا وهو إلى معروف فسلم عليه - وهو في المسجد - فقال معروف: ما الذي جاء بك يا أبا بكر؟ قال: إن ابني قد غاب عنا منذ أيام، وقد ضيقوا على النساء لما يبكين، قال: معروف: يا عالما بكل شئ، ويا من لا يخفى عليه شئ، ويا من علمه محيط بكل شئ، أوضح لنا أمر هذا الغلام، ثلاث مرار، قال: ثم انصرفنا من عنده، قال: فلما أن أصبحت قبل صلاة الفجر، إذ رسول مردويه قد جاء يدعوني، فقلت: إيش الخبر؟ فقال: قد جاء الغلام، فجئت فإذا الغلام قاعد بين يدي مردويه، فقال لي: اسمع العجب، قال الغلام: كنت أمشي بالكوفة فأتاني نفسان فأخذا بيدي فأخرجاني من الكوفة، وقالا: امض إلى بيتكم، فلم أقعد، ولم آكل ولم أشرب، ومررت ببئر تسع - أو قال تسعي - ثم رأيتهما، فلم يتحركا حتى أتيتكم، فأطعموني، فإني ما أكلت شيئا حتى جئتكم (2).

____________

(1) حلية الأولياء 8 / 362.

(2) حلية الأولياء 8 / 263، وأما أهم مصادر ترجمة معروف فهي كالتالي (طبقات الصوفية للسلمي ص 83 - 90، حلية الأولياء 8 / 360 - 368، تاريخ بغداد 13 / 199 - 208، طبقات الحنابلة 1 / 381 - 389، وفيات الأعيان 5 / 231 - 332، اليافعي: مرآة الجنان 1 / 460 - 463، الزركلي الأعلام 8 / 185، شذرات الذهب 1 / 360).

الصفحة 152

9 - من مرويات الإمام الرضا

روى صاحب كتاب " تاريخ نيسابور ": أن الإمام علي الرضا لما دخل نيسابور، وشق شوارعها، وعليه مظلة، لا يرى من ورائها، تعرض له الحافظان " أبو زرعة الرازي " و " محمد بن أسلم الطوسي " ومعهما من طلبة العلم والحديث ما لا يحصى، فتضرعا إليه أن يريهم وجهه، ويروي لهم حديثا عن آبائه.

فاستوقف الإمام البغلة، وأمر غلمانه بكشف المظلة، وأقر عيون تلك الخلائق برؤية طلعته المباركة فكانت له ذؤابتان معلقتان على عاتقه، والناس بين صارخ وباك، ومتمرغ في التراب، ومقبل لحافر بغلته، فصاحت العلماء: يا معشر الناس أنصتوا، فأنصتوا، واستملى منه الحافظان - أبو زرعة الرازي ومحمد بن أسلم الطوسي -.

فقال الإمام الرضا: حدثني أبي موسى الكاظم عن أبيه جعفر الصادق عن أبيه محمد الباقر عن أبيه زين العابدين عن أبيه الحسين بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب، رضي الله عنهم، قال: حدثني حبيبي وقرة عيني رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وآله، قال: حدثني جبريل، قال: سمعت رب العزة يقول: " لا إله إلا الله حصني، فمن قالها دخل حصني، ومن دخل حصني، آمن من عذابي "، ثم أرخى الستر وسار، فعد أهل المحابر والدوى الذين كانوا يكتبون، فأنافوا على عشرين ألفا.

وفي رواية أخرى: أن الحديث المروي " الإيمان معرفة بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان " ولعلهما واقعتان، قال الإمام أحمد بن حنبل: لو قرأت هذه الإسناد على مجنون، لبرئ من جنته (1).

____________

(1) أحمد بن حجر الهيثمي المكي: الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة ص 310 (دار الكتب العلمية - بيروت 1983.

الصفحة 153
هذا وقد نقل الشبلنجي هذا الإسناد في نور الأبصار كالتالي: حدثني أبو موسى الكاظم عن أبيه جعفر الصادق عن أبيه زين العابدين عن أبيه شهيد كربلاء عن أبيه علي المرتضى، قال حدثني حبيبي وقرة عيني رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، قال:

حدثني جبريل عليه السلام، قال: حدثني رب العزة سبحانه وتعالى (1).

وقال أبو القاسم القشيري (عبد الكريم بن هوازن - المتوفى 465 / 1074 م) في الرسالة القشيرية: اتصل هذا الحديث بهذا السند ببعض أمراء السامانية، فكتبه بالذهب، وأوصى أن يدفن معه في قبره، فرئي في المنام بعد موته، فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي بتلفظي ب‍ " لا إله إلا الله "، وتصديق " أن محمدا رسول الله " (وقد أورده المناوي في شرحه الكبير على الجامع الصغير وغيره) (2).

وروي عن الإمام الرضا عن آبائه عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: " من لم يؤمن بحوضي، فلا أورده الله تعالى حوضي، ومن لم يؤمن بشفاعتي فلا أناله الله شفاعتي "، ثم قال: " إنما شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي، فأما المحسنون فما عليهم من سبيل ".

وروي عن الإمام الرضا عن آبائه عن علي بن أبي طالب قال قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): " لما أسري بي رأيت رحما معلقة بالعرش تشكو رحما إلى ربها، أنا قاطعة لها، قلت: كم بينك وبينها من أب، قالت: نلتقي في أربعين أبا ".

وروي عن الإمام الرضا أنه قال: " من صام من شعبان يوما واحدا، ابتغاء ثواب الله، دخل الجنة، ومن استغفر الله تعالى في كل يوم منه سبعين مرة، حشر

____________

(1) نور الأبصار ص 154 - 155.

(2) نور الأبصار ص 155.

الصفحة 154
يوم القيامة في زمرة النبي (صلى الله عليه وسلم) ووجبت له من الله الكرامة، ومن تصدق في شعبان بصدقة، ولو بشقة تمرة، حرم الله جسده من النار (1).


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net