متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
2 ـ رسالته الذهبية في الطب
الكتاب : حياة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام ج1    |    القسم : مكتبة أهل البيت (ع)


    2 ـ رسالته الذهبية في الطب.

ولم تقتصر علوم الإمام الرضا ( عليه السلام ) على أحكام الشريعة الاسلامية


(199)
الغراء ، وانما شملت جميع أنواع العلوم ، والتي منها علم الطب ، فقد كان علما من أعلامه ، ومتمرسا بجميع فروعه ، وجزئياته ، ويدلل على ذلك بصورة واضحة هذه الرسالة التي سماها المأمون بالرسالة الذهبية.
    كما منح في تقريضه لها وسام الطبيب على الإمام ( عليه السلام ) وقد وضعت البرامج العامة لاصلاح بدن الانسان ، ووقايته من الإصابة بالأمراض الذي هو القاعدة الأساسية للطب الوقائي في هذه العصور ، والذي يعد من أعظم الوسائل في تقدم الصحة وازدهارها.
    وعلى أي حال فلا بدلنا من وقفة قصيرة للحديث عما يتعلق بهذه الرسالة قبل عرضها ، وفيما يلي ذلك :
    1 ـ سبب تأليفها :
    وتميز بلاط المأمون بأنه كان في معظم الأوقات ندوة من ندوات العلم والأدب خصوصا في عهد الإمام الرضا ( عليه السلام ) عملاق هذه الأمة ورائد نهضتها الفكرية والعلمية.
    فقد تحول البلاط العباسي إلى مسرح للبحوث العلمية والفلسفية ، كما ذكرنا ذلك في البحوث السابقة.
    ومن بين البحوث العلمية التي عرضت في تلك الندوة هو ما يضمه بدن الانسان من الأجهزة والخلايا العجيبة ، وبدائع تركيب أعضائه التي تجلت فيها حكمة الخالق العظيم ، وروعة قدرته ، وخاض القوم فيما يصلح بدن الانسان ويفسده.
    وقد ضمت الجلسة كبار العلماء والقادة كان في طليعتهم من يلي :
    1 ـ الإمام الرضا.
    2 ـ المأمون.
    3 ـ يوحنا بن ماسويه.
    4 ـ جبريل بن بختيشوع.
    5 ـ صالح بن بهلة الهندي.
    وقد خاض هؤلاء القوم سوى الامام في البحوث الطبية والإمام ( عليه السلام ) ساكت لم يتكلم بشئ فانبرى إليه المأمون قائلا له باكبار :
    ما تقول يا أبا الحسن في هذا الامر الذي نحن فيه اليوم والذي لا بد منه من معرفة هذه الأشياء ، والأغذية النافع منها ، والضار وتدبير الجسد ...
    لقد طلب المأمون من الإمام ( عليه السلام ) أن يفتح له آفاقا من العلم فيما يتعلق بأجهزة بدن الانسان ، ويرشده إلى النافع من الأغذية والضار منها ، وما يصلح جسم


(200)
الانسان وما يضره .. انبرى الامام فأجابه : عندي ما جربته ، وعرفت صحته بالاختبار ومرور الأيام مع ما وقفني عليه من مضى من السلف مما لا يسع الانسان جهله ولا يعذر في تركه ، فأنا أجمع ذلك مع ما يقاربه مما يحتاج إلى معرفته ....
    إن الإمام ( عليه السلام ) من خزنة الحكمة ، ومن ورثة الأنبياء ، وعنده علم ما يحتاج إليه الناس من أمر دينهم ودنياهم ، وقد استجاب الامام إلى طلب المأمون فزوده بالرسالة الذهبية الآتي نصها.
    2 ـ شرحها وترجمتها :
    ونظرا لأهمية هذه الرسالة ، فقد عكف على شرحها وترجمتها جمهرة من العلماء نص عليهم في تقديم هذه الرسالة سماحة الحجة المحقق السيد مهدي الخرسان ، وهم :
    1 ـ السيد الإمام ضياء الدين أبي الرضا فضل الله بن علي الراوندي ، المتوفى سنة ( 548 ه‍ ) سماه ( ترجمة العلوي للطب الرضوي ).
    2 ـ الولي فيض الله عصارة التستري ، وهو معاصر لفتح علي خان له ترجمة الذهبية بالفارسية.
    3 ـ محمد باقر المجلسي المتوفي سنة ( 1111 ه‍ ) ترجمها إلى اللغة الفارسية.
    4 ـ ابن محمد هاشم الطبيب شرحها بالفارسية.
    5 ـ محمد شريف بن محمد صادق الخواتون له شرح عليها ذكره في كتابه ( حافظ الأبدان ).
    6 ـ السيد عبد الله شبر المتوفى سنة ( 242 ه‍ ) له شرح عليها.
    7 ـ ميرزا محمد هادي بن ميرزا محمد صالح الشيرازي شرحها وأسماها ( عافية البرية في شرح الذهبية ) وكان معاصرا للسلطان حسين الصفوي.
    8 ـ المولى محمد بن الحاج محمد حسن المشهدي المدرس.
    9 ـ السيد شمس الدين محمد بن محمد بديع الرضوي المشهدي له شرح الذهبية فرغ من تأليفه سنة ( 1125 ه‍ ).
    10 ـ محمد بن يحيى له شرح الذهبية بالفارسية.
    11 ـ نوروز علي البسطامي له شرح على الذهبية أشار إليه في كتابه ( فردوس التواريخ ).


(201)
    12 ـ الحاج ميرزا كاظم الموسوي الزنجاني المتوفى سنة ( 1292 ه‍ ) له شرح عليها اسماه ( المحمودية ).
    13 ـ السيد نصر الله الموسوي الا رومي له شرح بالفارسية سماه ( الطب الرضوي ).
    14 ـ مقبول أحمد له شرح سماه ( الذهبية في أسرار العلوم الطبيعة ) باللغة الأوردية طبع بحيدر آباد.
    15 ـ السيد محمود له مفاتيح الصحة جمع فيه طب النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وطب الأئمة والرسالة الذهبية مع شرح يسير بالفارسية طبع سنة ( 379 ه‍ ) بالنجف الأشرف.
    16 ـ السيد ميرزا علي له شرح الرسالة الذهبية بالفارسية.
    17 ـ السيد حسين بن نصر الله الا رومي الموسوي له ( ترجمة الموسوي في الطب الرضوي ).
    18 ـ أبو القاسم سحاب له شرح بالفارسية باسم ( بهداشت رضوي ) وقد طبعه في آخر الجزء الأول من كتابه رزندكاني حضرت امام رضا (ع) من ص 301 ـ 350.
    19 ـ الدكتور السيد صاحب زيني له شرح على الرسالة تناول فيه جوانب على ضوء علم الطب الحديث ، طبع في بغداد في سلسلة ملتقى العصرين.
    20 ـ عبد الواسع ترجم الرسالة إلى اللغة الفارسية (1).
    ونظرا لأهميتها البالغة فقد كتبت بخطوط أثرية جميلة ، وتوجد نسخة قديمة بخط عبد الرحمن بن عبد الله الكرخي ، وقد كتبت سنة ( 715 ه‍ ) وهي بمكتبة الإمام الحكيم تسلسل 237.
    3 ـ تقريظ المأمون :
    وبعث الإمام الرضا ( عليه السلام ) برسالته الذهبية إلى المأمون فأعجب بها اعجابا بالغا ، وأمر أن تكتب بالذهب ، كما أمرت أن تكتب نسخ منها ، وتوزع على أولاده وافراد أسرته ، وجهاز دولته ، كما أمر أن تودع نسخة منها في بيوت الحكمة ، ومما لا شك فيه أنها عرضت على اعلام الطب في عصره فأقروها ، وقد قرظها المأمون
1 ـ توجد الترجمة بخط المؤلف في مكتبة الامام أمير المؤمنين تسلسل 377.

(202)
بالرسالة ، فقد جاء فيها بعد البسملة : الحمد لله أهل الحمد ووليه ، وله آخره وبدؤه ، ذو النعم والافضال والاحسان ، والاجمال ، أحمده على نعمه المتظاهرة وفواضله وأياديه المتكاثرة ، واشكره على منحه ومواهبه شكرا يوجب زيادته ، ويقرب زلفى ، اشهد ان الا إله إلا الله شهادة مخلص له بالايمان غير جاحد ، ولا منكر له بربوبيته ووحدانيته ، بل شهادة تصدق نسبته لنفسه ، وانه كما قال عزوجل : ( قل هو الله أحد الله الصمد ، لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد ) وكذلك ربنا عزوجل ، وصلى الله على سيد الأولين والآخرين محمد بن عبد الله خاتم النبيين.
    أما بعد : فإني نظرت في رسالة ابن عمي العلوي الأديب والفاضل الحبيب.
    والمنطقي الطبيب ، في اصلاح الأجسام ، وتدبير الحمام ، وتعديل الطعام ، فرأيتها في أحسن التمام ، ووجدتها في أفضل الانعام ، ودرستها متدبرا ، ورددت نظري فيها متفكرا ، فكلما أعدت قراءتها ، والنظر فيها ظهرت لي حكمتها ، ولاحت لي فائدتها ، وتمكنت من قلبي منفعتها ، فوعيتها حفظا ، وتدبرتها فهما ، إذ رأيتها من أنفس العلائق ، وأعظم الذخائر ، وأنفع الفوائد ، فأمرت ان تكتب بالذهب لنفاستها ، وحسن موقعها ، وعظم نفعها ، وكثرت بركتها ، وسميتها ( المذهبة ) وخزنتها في خزانة الحكمة.
    وذلك بعد أن نسخها آل هاشم فتيان الدولة ، لان بتدبير الأغذية تصلح الأبدان ، وبصحة الأبدان تدفع الأمراض ، وبدفع الأمراض تكون الحياة وبالحياة تنال الحكمة ، وبالحكمة تنال الجنة وكانت أهلا للصيانة والادخار ، وموضعا للتأهيل والاعتبار وحكما يعول عليه ، ومشيرا يرجع إليه ، ومن معادن العلم آمرا وناهيا ينقاد له ، ولأنها خرجت من بيوت الذين يوردون حكم الرسول ( صلى الله عليه وآله ) المصطفى ، وبلاغات الأنبياء ، ودلائل الأوصياء ، وآداب العلماء وشفاء للصدور والمرضى من أهل الجهل والعمى رضوان الله عليهم وبركاته أولهم وصغيرهم وكبيرهم. فعرضتها على خاصتي وصفوتي من أهل الحكمة والطب وأصحاب التأليف والكتب المعدودين في أهل الدراية والمذكورين بالحكمة ، وكل مدحها وأعلاها ، ورفع قدرها وأطراها انصافا لمصنفها ، واذعانا لمؤلفها وتصديقا له فيما حكاه فيها.
    فمن وقعت إليه هذه الرسالة من بعدنا من أبنائنا ، وأبناء دولتنا ، ورعايانا وسائر الناس على طبقاتهم فليعرف قدرها ، والموهبة له ، وتمام النعمة له ، وليأخذها بشكر فإنها أنفس من العقيان وأعظم خطرا من الدر والمرجان ، وليستعمل حفظها وعرضها على همته


(203)
وفكره ليلا ونهارا ، فإنها عائدة عليه بالنفع والسلامة ، من جميع الأمراض والاعراض إن شاء الله تعالى ، وصلى الله على رسوله محمد وأولاده الطيبين الطاهرين أجمعين حسبنا الله ونعم الوكيل والحمد لله رب العالمين ....
    وحكى هذا التقريظ على رسالة الإمام ( عليه السلام ) ما يلي :
    1 ـ محتوياتها الطبية :
    أما محتويات رسالة الإمام ( عليه السلام ) حسب ما أدلى به المأمون فهي :
    أ ـ اصلاح الأجسام ، ووقايتها من الأمراض ، والتمتع بالصحة الكاملة فقد وضعت الرسالة البرامج العامة لذلك.
    ب ـ تدبيره الحمام الذي هو من العناصر الأساسية للصحة فإنه كما يعنى بنظافة البدن ، كذلك يعنى في بث النشاط في جسم الانسان.
    ج ـ تعديل الطعام الذي تبتنى عليه صحة الانسان ووقايته من الأمراض.
    2 ـ دراسته لها :
    ودرس المأمون رسالة الامام دراسة وثيقة بامعان وتدبير ، وانه كلما جدد قراءته لها ظهرت له بدائعها ، وعظيم حكمتها ، وقد وجدها من ذخائر الكتب ، ومن مناجم الثروات ، فقد حوت أصول الصحة العامة ، وقواعد الطب ، في وقت كان الطب في أول مراحله ، وتعتبر هذه الرسالة تطورا في هذا الفن ، فقد فتحت آفاقا مشرقة له.
    3 ـ عرضها على الأطباء :
    وعرض المأمون رسالة الامام على أعلام الطب في عصره ، فكل واحد منهم أثنى عليها ، وأقرها ، وأطراها ، ورفع قدرها ، وقد اعترف جميع من راجعها من كبار الأطباء بفضل الإمام ( عليه السلام ) ، وتمرسه في هذا العلم ...
    هذه بعض المحتويات في هذا التقريظ.
    نص الرسالة الذهبية :
    أما نص هذه الرسالة الغراء فنحن ننقله عن طب الإمام الرضا من منشورات المطبعة الحيدرية في النجف الأشرف ، وقد طبع سنة ( 1385 ه‍ ) وقد جاء فيه بعد البسملة والثناء على الإمام ( عليه السلام ) ، ما نصه :
    اعلم يا أمير المؤمنين ان الله تعالى يبتل عبده المؤمن ببلاء حتى جعل له دواء يعالج به ، ولكل صنف من الداء صنف من الدواء وتدبير ونعت ذلك ....


(204)
وحكى هذا المقطع حكمة الله البالغة في خلقه للانسان الذي يحتوي على الأجهزة العجيبة ، التي هي عرضة للإصابة بأنواع الأمراض ، وان الله تعالى لم يخلق مرضا إلا وله دواء يقضي عليه ، ويحسمه ، فقد طويت في هذه العصور التي بلغ فيها الطب الذروة جمهرة من الأمراض وألقيت في البحر.
    كمرض السل ، والتهاب الأمعاء ، والتيفوئيد ، وذلك بفضل المضادات الحياتية كالبنسلين والارومايسين وغيرهما ، بالإضافة إلى عالم الجراحة التي قضت على كثير من الأمراض ، وبهذا فقد تجلت الحكمة البالغة في كلمة الامام سليل النبوة من أن الله تعالى قد جعل لكل صنف من الداء صنفا من الدواء ، وسوف يطوى في ملف الطب من أن بعض الأمراض لا دواء لها.
    قال ( عليه السلام ) : إن الأجسام الانسانية جعلت في مثال الملك ، فملك الجسد هو القلب ، والعمال العروق والأوصال ، والدماغ وبيت الملك قلبه ، وأرضه الجسد ، والأعوان يداه ، ورجلاه وعيناه ، وشفتاه ولسانه وأذناه ، وخزانته معدته وبطنه ، وحجابه صدره ، فاليدان عونان يقربان ، ويبعدان ويعملان على ما يوحي إليهما الملك ، والرجلان تنقلان الملك حيث يشاء ، والعينان تدلان على ما يغيب عنه ، لان الملك وراء حجاب لا يوصل إليه الا بهما ، وهما سراجاه أيضا ، وحصن الجسد وحرزه ، والأذنان لا تدخلان على الملك إلا ما يوافقه لأنهما لا يقدران أن يدخلا شيئا.
    حتى يوحي الملك إليهما فإذا أوحى إليهما أطرق الملك منصتا لهما حتى يسمع منهما ، ثم يجيب بما يريد فيترجم عنه اللسان بأدوات كثيرة ، منها ريح الفؤاد ، وبخار المعدة ، ومعونة الشفتين ، وليس للشفتين قوة إلا بالانسان ، وليس يستغني بعضها عن بعض ....
    عرض الإمام الحكيم إلى بدن الانسان ، هذا البدن العجيب الذي تجلت فيه قدرة الله الهائلة ، وابداعه المدهش ، وتنظيمه المحكم ، قال تعالى : ( يا أيها الانسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك ، فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك ).
    هذا البدن الذي حوى من الأجهزة والخلايا ما يعجز عنه الوصف ، ويقول فيه رائد الحكمة والبيان في الاسلام الامام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) :
أتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر
    نعم ان الانسان ليس هيكلا محدودا ، ولا جرما صغيرا وانما حوى العالم بأسره ، فهو مجموعة من الأكوان والعوالم.


(205)
    وقد شبه سليل النبوة ، ومعدن العلم والحكمة بدن الانسان بالدولة ، التي يتكون جهازها من الرئيس ، والجند والأعوان ، والأرض التي يكون حاكما لها.
    وقد ذكر الإمام ( عليه السلام ) من أعضاء البدن وأجهزته الرئيسة ما يلي :
    أ ـ القلب :
    أما القلب فهو من آيات الله الرائعة في جسم الانسان ، فهو يدفع الدم إلى نواحي الجسم جميعها حاملا معه مواد الغذاء والأوكسجين ليوزعها في كل مكان من الجسم ، وليأخذ الفضلات معه لتخليص الجسم منها (1).
    ان القلب يدفع الدم إلى الرئتين حيث يأخذ كفايته من الأوكسجين من الهواء الذي يتنفسه ، وفي الرئتين يتخلص الدم من بعض الفضلات التي جمعها من نواحي الجسم على شكل غاز يعرف باسم غاز ثاني أوكسيد الكاربون ، والقلب يدفع الدم إلى الكليتين أيضا (2) أما تنظيم ضربات القلب فهي سر من أسرار لخلق والابداع فهو ينبض بمعدل ( 70 ) ضربة في الدقيقة والواحدة أي بمعدل يصل ( 100 ) الف مرة يوميا و ( 40 ) مليون مرة سنويا وما يزيد عن ( 2000 ) مليون مرة في متوسط العمر.
    ولننظر إلى هذا التسبيح العظيم الذي لا يكف ولا يفتر في ليل أو نهار ولننظر إلى هذه الآية الرائعة في الجسم ، والتي هي تنظيم الحرارة ، ان هناك ما يشبه ميزان الحرارة داخل الجسم ، فإذا جاءت الاخبار الحسية من الجلد تخبر عن الوسط الخارجي ودرجة حرارته سارعت هذه المناطق الكائنة في الجذع الدماغي وما فوقه إلى جهاز الدوران تستحثه على أن يحمي الحدود الخارجية ، وتأمره ان يقوم بدور العامل المخلص في هذه الأزمة ، ويستجيب جهاز الدوران المرن ، وسرعان ما تحدث تقلصات العروق الدموية ونضح القلب للدم بما يفي حاجة الجلد ، فإذا كان باردا قل تدفق الدم الذي يحمل الحرارة ليعدل البرودة والعكس بالعكس (3).
    ان القلب هو مصدر الحياة للانسان وغيره ، فهو ملك الجسم ، وجميع أعضاء الانسان جنوده وأعوانه.
1 ـ جسمك هذا العجيب الغريب ( ص 13 ) تأليف روبرت فولبث.
2 ـ نفس المصدر.
3 ـ الطب محراب الايمان ( ص 141 ـ 142 ).


(206)
    2 ـ العروق :
    أما العروق فإنها عصب الحياة ، وهي التي تسيطر على الجسم ، وتعمل عملها في الغضب ، والخوف ، سائر الانفعالات ، والمباريات ، والعمل الجنسي ، وغيرها وقسم من الأعصاب يسمي بالأعصاب الإرادية ، وهي التي تسيطر على طائفة معينة من العضلات في الجسم وهي التي تسمى بالعضلات المخططة ، وهنا بحوث مهمة ذكرت في علم وظائف الأعضاء ، وهي تدلل على عظمة الخالق الحكيم.
    3 ـ الدماغ :
    أما الدماغ فهو من أعظم مخلوقات الله ، وهو الذي يهيمن على الجسم كله ، ويسيطر على جميع حركاته ، ويبعثه حيث ما شاء ، وبه تميز الانسان على سائر الحيوانات ، وقد خصه الله تعالى للانسان ، وشرفه به على جميع مخلوقاته. إن الدماغ دنيا من العجائب المذهلة ، فلا يضاهيه في عظمته أي مخلوق آخر ، فهو يحوي على مخازن لا تمتلئ ، ويحفظ ما يودع فيه من علم وغيره ، فسبحان المبدع والخالق له ، اما البحث عن عجائبه فهو يستدعي وضع كتاب له.
    4 ـ اليدان والرجلان :
    من الأجهزة المذهلة في بدن الانسان اليدان اللذان تقومان بما يحتاج إليه الانسان من مأكله وشرابه ، وتصنعان الأعمال البديعة من الكتابة والصياغة ، والبناء ، وغير ذلك ، بإشارة الدماغ وتوجيهه ، فهما عاملان في مصنعه ، وكذلك الرجلان يسيران لبلوغ الانسان إلى حاجاته ، ولولاهما لما أمكنه ان يصنع شيئا فسبحان الخالق الحكيم.
    5 ـ حاسة السمع :
    من الأجهزة العجيبة في بدن الانسان حاسة السمع ، وقد حوت ما يلي :
    أ ـ الاذن الخارجية : وهي حيوان الاذن الخارجي مع الممر الذي يوصل إلى غشاء الطبل.
    ب ـ الاذن الوسطى : وفيها ثلاث عظام تشبه أدوات الحداد ( المطرقة والسندان ) * وركابة السرج ، وعضلتان ( المطرقة والركابة ) ويوجد نفق يوصل ما بين الاذن الوسطى والبلعوم.
    ج ـ الاذن الداخلية : وتحوي على ما يشبه الحلزون ، وثلاثة إطارات ، وهذه الأقسام متصلة بعضها.


(207)
    ببعض ، ومتداخلة ، وفي داخل الأقنية ، أقنية غشائية تشبه الكيس ، وداخل الحلزون الذي يدور دورتين ونصف يوجد عضو كورتي.
    والاذن الداخلية هي التي تستقبل الأصوات ، وأما الاذن الوسطى والخارجية فهما اللذان تنقلان الصوت.
    اما انتقال الصوت فهو نتيجة اهتزاز جزئيات المادة ، ولهذا فان الصوت لا ينتقل ما لم يكن هناك وسط مادي : هواء سائل ، غازات ، أجسام صلبة ...
    وهنا بحوث مهمة تكشف عن عظمة الخالق الحكيم وبديع صنعه ، عرضت لها كتب الطب (1).
    6 ـ البصر :
    أما العين فإنها من آيات الله العظمى ، فبواسطة العين يتلقى الانسان النور ، والتعرف على المحيط الخارجي ، وبها يتعرف على الأشياء من ناحية شكلها ولونها.
    وهي من روع غرف التصوير الفنية ، فهي غرفة مظلمة ، مغلقة بثلاثة جدران هي من الظاهر إلى الباطن : الصلبة وهي التي تعطي اللون الأبيض للعين ، والمشيمية وهي التي تروي العين بعروقها والشبكية وهي التي تحمل العناصر الحساسة ، والمستقبلة للضوء وهي المخاريط والعصيات.
    وفي المقدمة توجد بلورة رقيقة هي القرنية تدخل النور القادم إلى العين ، ثم يجتاز النور بعد القرنية سائلا شفافا كاسرا للنور هو الخلط المائي الذي يقع ما بين القرنية والقزحية ، والقزحية هي التي تعطي العينين لونهما المعهود ، وتفتح في مركزها بثقبة واحدة خاصة لاستقبال النور كعدسة المصور وهي الحدقة.
    وإذا دخل النور الحدقة واجه بلورة من نوع جديد هي الجسم البلوري ، وهي أعجب بلورة موجودة في الوجود لأنها تتمدد وتتقلص بحيث تختلف وجوه تحديها إلى درجة كبيرة ، وبالتالي تتطابق العين مع المناظر التي تقع أمامها ، فإذا كانت المسافة المرئية قريبة تمددت وتقطعت بما يناسب الحالة ، والعكس بالعكس.
    فهي البلورة الحركية العاقلة ، وبعد الجسم البلوري يدخل النور خلطا جديدا شفافا كاسرا للنور هو الخلط الزجاجي ، فإذا انتهى النور من عبوره وصل إلى الشبكية حيث تستقبله العصيات والمخاريط ، وتنقله بشكل سيالة عصبية إلى الفص القفوي (2).
1 ـ الطب محراب الايمان ( ص 191 ـ 202 ).
2 ـ الطب محراب الايمان ( ص 204 ـ 206 ).


(208)
    ومضافا إلى عجائب صنعها بدائع حمايتها ووقايتها ، فقد جعل الله تعالى العينين في منطقة من الوجه منخفضة يحيط بها ثلاث تلال مرتفعات وهي :
    الحاجب ، والهرم لأنفي والبروز العظمي من الجبهة ، وبالإضافة إلى ذلك فإنهما مغطتان بجفنين يفتحان ويغلقان بمنتهى السرعة كما أحاطهما تعالى بالدمع لتطهير هما ، وترطبهما فسبحان الخالق المبدع العظيم.
    هذه بعض الأعضاء التي أشار إليها الإمام ( عليه السلام ) ، وقد عرض إلى خصوصياتها ووظائفها علم التشريح ، ولننتقل إلى فصل آخر من هذه الرسالة.
    قال ( عليه السلام ) : والكلام لا يحسن إلا بترجيعه في الانف لان الانف يزين الكلام كما يزين النفخ المزمار ، وكذلك المنخران هما ثقبتا الانف يدخلان على الملك بما يحب من الريح الطيبة فإذا جاءت ريح تسوء على الملك أوحى إلى اليدين ، فحجبتا بين الملك وتلك الريح ، وللملك على هذا ثواب وعقاب ، فعذابه أشد من عذاب الملوك الظاهرة القاهرة في الدنيا ، وثوابه أفضل من ثوابهم ، فأما عذابه فالحزن ، واما ثوابه فالفرح وأصل الحزن في الطحال ، واصل الفرح في الترب والكليتين (1) ومنهما يوصلان إلى الوجه ، فمن هناك يظهر الفرح والحزن فيرى علامتهما في الوجه ، وهذه العروق كلها طرق من العمال إلى الملك ، ومن الملك إلى العمال.
    ومصداق ذلك أنه إذا تناولت الدواء أدته العروق إلى موضع الداء باعانتها ....
    عرض سليل النبوة إلى عملية النطق والبيان ، وهي أعجوبة بذاتها فالكلام يخرج منسجما متوازنا يهدف إلى معين ، وهو من الظواهر الفذة العجيبة الدالة على عظمة الخالق العظيم ، قال تعالى : ( الرحمن علم القرآن خلق الانسان علمه البيان ) فما يريد أن يؤديه الانسان يتكون قبل التلفظ به في الدماغ ، وهو يوحي إلى اللسان بتأديته ، وذلك بعملية عجيبة ذكرها المعنيون بهذه البحوث.
    وذكر الإمام ( عليه السلام ) ثواب القلب والدماغ لجسم الانسان وعقابهما له ، وكلاهما يظهران على سحنات الوجه ، فالفرح يغطي الوجه بانبساطه ، والحزن يغمر الوجه بانقباضه ، وأفاد الامام ان أصل الحزن في الطحال ، وأصل الفرح في الترب والكليتين ، فمن هذه الأعضاء تنبعث هذه الظواهر في جسم الانسان.
1 ـ في بعض النسخ واصل الفرح في الكليتين.

(209)
    قال ( عليه السلام ) : واعلم يا أمير المؤمنين أن الجسد بمنزلة الأرض الطيبة متى تعوهدت بالعمارة والسقي من حيث لا يزداد في الماء فتغرق ، ولا ينقص منه فتعطش دامت عمارتها ، وكثر ريعها وزكى زرعها ، وان تغوفل فسدت ، ولم ينبت فيها العشب فالجسد بهذه المنزلة ، وبالتدبير في الأغذية والأشربة يصلح ، ويصلح ، وتزكو العافية.
    فانظر يا أمير المؤمنين ما يوافقك ، ويوافق معدتك ، ويقوى عليه بدنك ، ويستمريه من الطعام ، فقدره لنفسك ، واجعله غذاءك.
    واعلم يا أمير المؤمنين ان كل واحدة من هذه الطبايع تحب ما يشاكلها فاغتذ ما يشاكل جسدك ، ومن أخذ من الطعام زيادة لم يغذه ، ومن أخذه بقدر لا زيادة عليه ولا نقص في غذائه نفعه ، وارفع يديك منه ، وبك إليه بعض القرم ، وعندك إليه ميل فإنه أصلح لمعدتك ولبدنك ، وأزكى لعقلك ، وأخف لجسمك ....
    ووضع الإمام الحكيم المنهج العام للصحة العامة ، وأساسها التوازن ، وعدم الاسراف في الأكل والشرب ، وقد أعلن القرآن هذه القاعدة في حفظ بدن الانسان ووقايته من الإصابة بالأمراض قال تعالى : ( كلوا واشربوا ولا تسرفوا ).
    إن الجهاز الهضمي من أهم أجهزة الانسان ، وأكثرها حيوية وحساسية وهو يتأثر بالاسراف في الاكل الذي تنجم منه السمنة التي هي من أعظم الآفات المدمرة لبدن الانسان.
    ان العناية بالتغذية خصوصا في مقتبل العمر لها تأثير كبير على الحالة الصحية في السنوات التالية كما تطيل في فترات الشباب ، وهي من أحدث الوسائل في الصحة الوقائية ، فما يصيب الانسان ـ على الأكثر ـ من الأمراض المتنوعة انما هي من النتائج المباشرة لإسرافه في الطعام ، والشراب ، وعدم توازنه في حياته الجنسية وغيرها من شؤون حياته. لقد شبه الإمام الحكيم بدن الانسان بالأرض الخصبة ، وهو تشبيه بديع للغاية ، فان الانسان إذا اعتنى بأرضه ، وسهر على اصلاحها أثمرت وأعطت أطيب الثمرات ، وإذا عرض عنها ، وأهملها فإنها تتلف وتموت ولا تعطي أي ثمار ، وكذلك بدن الانسان إذا أصلحه ولم يفسده بكثرة الأكل والشرب فإنه يصلح ، ويتمتع بالصحة التي هي من أثمن ما يظفر به الانسان في حياته.


(210)

    لقد أكد الإمام ( عليه السلام ) على ضرورة عدم الاسراف في الطعام وان يرفع الانسان يده منه وعنده ميل إليه فان ذلك أجدي في حفظ صحته ووقايته من الإصابة بالأمراض.
    .. ان الافراط في الاكل يؤدي إلى السمنة ، وهي تسبب ما يلي :
    أ ـ عجز القلب.
    ب ـ ارتفاع الضغط الدموي.
    إلى غير ذلك من الأمراض الناجمة من الافراط في تناول الطعام ولننتقل لفصل آخر من هذه الرسالة.
    قال ( عليه السلام ) : واعلم يا أمير المؤمنين كل البارد في الصيف ، والحار في الشتاء المعتدل في الفصلين على قدر قوتك وشهوتك ، وابدأ بأول الطعام بأخف الأغذية التي تغتذي بها بدنك بقدر مادتك ، وبحسب طاقتك ونشاطك ، وزمانك الذي يجب أن يكون اكلك في كل يوم عندما يمضي من النهار ثمان ساعات أكلة واحدة ، أو ثلاث أكلات في يومين ، تتغذى باكرا في أول يوم ، ثم تتعشى ، فإذا كان في اليوم الثاني عند مضي ثمان ساعات من النهار أكلت أكله واحدة ، ولم تحتج إلى العشاء ، كذا أمر جدي محمد ( صلى الله عليه وآله ) عليا ( عليه السلام ) في كل يوم وجبة وفي غده وجبتين ، وليكن ذلك بقدر لا يزيد ولا ينقص ، وارفع يديك من الطعام وأنت تشتهيه ، وليكن شرابك على أثر طعامك ...
    وحكى هذا المقطع تنظيم الاكل الذي تبتني عليه أسس الصحة العامة ، وكان من بين ما حفل به. :
    أ ـ تناول المواد الباردة في أيام الصيف ، فان تناول الأطعمة الثقيلة يعود بالاضرار الجسيمة على بدن الانسان ، واما في الشتاء فبالعكس ، فإنه يحسن تناول الأطعمة الثقيلة التي تحتوي على السمن والسكر ، فان البدن يحتاج إليها.
    ب ـ ان يأكل الانسان من الطعام قدر طاقته ، وليس له أن يجهد نفسه ويحملها رهقا أكثر من ذلك.
    ج ـ أن يتناول الانسان أخف الأغذية ، وأيسرها على جهازه الهضمي ، وفي نفس الوقت يلاحظ مقدار سنه ، فان الانسان كلما تقدم به السن فينبغي أن يكون طعامه خفيفا قليل الملح ، والسمن لأنهما يؤديان إلى تصلب الشرايين خصوصا من تجاوز عمره الخميس عاما.


(211)

    د ـ أن يقلل الانسان من وجبات الطعام فيقتصر في اليومين على ثلاث وجبات من الطعام حسبما فصل الإمام ( عليه السلام ) ولا شبهة أن ذلك مما يوجب استقامة البدن وسلامته من الأمراض.
    ذ ـ وأكد الامام على ضرورة أن لا يأكل الانسان طعاما إلا وهو يشتهيه ولا يمتلئ منه ، وهذا من أثمن الوصايا الصحية ..
    ولنقرأ فصلا آخر من هذه الرسالة.
    قال ( عليه السلام ) : ونذكر الآن ما ينبغي ذكره من تدبير فصول السنة ، وشهورها الرومية الواقعة فيها في كل فصل على حدة وما يستعمل من الأطعمة والأشربة ، وما يجتنب منه ، وكيفية حفظ الصحة من أقاويل القدماء ....
    وهذا المقطع مقدمة تمهيدية إلى بيان ما يتناوله الانسان في فصول السنة ، وما يجتنب عنه فيها.
    قال ( عليه السلام ) : اما فصل الربيع فإنه من روح الزمان ، وأوله : ( آذار ) وعدة أيامه ثلاثون يوما ، وفيه يطيب الليل والنهار ، وتلين الأرض ، وتذهب سلطان البلغم ، ويهيج الدم ، ويستعمل من الغذاء اللطيف واللحوم ، ويتقى فيه اكل البصل والثوم والحامض ، ويستعمل فيه شرب المسهل ، ويستعمل فيه الفصد والحجامة ....
    عرض الامام إلى فصل الربيع وهو من أزهى فصول السنة ، ومن أكثرها عائدة على الكائنات الحية ، وما أروع قول الإمام ( عليه السلام ) انه روح الزمان ، ففيه يطيب الليل والنهار ، وتلين الأرض ويهيج الدم ، وقد حذر الامام من تناول البصل والثوم والحامض لأنها تسبب أمراضا سوف يكشفها الطب الحديث ، كما ندب الامام إلى شرب المسهل ، وأخذ شئ من الدم بالفصد أو الحجامة.
    قال ( عليه السلام ) : ( نيسان ) ثلاثون يوما يطول فيه النهار ، ويقوي مزاج الفصل ويتحرك الدم ، وتهب فيه الرياح الشرقية ، يستعمل فيه من المآكل المشوية ، وما يعمل بالخل ولحوم الصيد ، وتعالج بالجماع والتمريغ بالدهن في الحمام ، ويشرب الماء على الريق ، ويشم الرياحين والطيب ....
    عرض الإمام ( عليه السلام ) إلى شهر نيسان ، وذكر مميزاته وهي :
    1 ـ طول النهار ، وقصر الليل.


(212)

    2 ـ قوة المزاج.
    3 ـ تحرك الدم.
    4 ـ هبوب الرياح الشرقية.
    وقد ندب الامام إلى تناول المآكل المشوية ، وما يطبخ بالخل مع لحوم الصيد ، فان ذلك يعود بفائدة على الجسم ، كما ندب إلى دخول الحمام ، وتمريغ البدن بالدهن ، وأوصى بشرب الماء على الريق ، ذلك لما له من الأثر في تنظيف المجاري البولية ، وإزالة الرمل منها.
    قال ( عليه السلام ) : ( أيار ) واحد وثلاثون يوما ، تصفو فيه الرياح ، وهو آخر فصل الربيع ، وقد نهي فيه عن الملوحات واللحوم الغليظة كالرؤوس ولحوم البقر ، واللبن ، وينفع فيه دخول الحمام أول النهار وتكره فيه الرياضة قبل الغداء ....
    أما أيار فهو على أعتاب الصيف ، والجهاز الهضمي لا يتحمل الأغذية الثقيلة خصوصا إذا بلغ الانسان مرحلة الشيخوخة ، فان تناول اللحوم الغليظة يؤدي إلى الاضرار الجسيمة كالإصابة بالضغط الدموي وغيره.
    قال ( عليه السلام ) : ( حزيران ) ثلاثون يوما يذهب فيه سلطان الدم ، ويقبل زمان المرة الصفراء ، وينهى فيه عن التعب ، واكل اللحم دائما ، والاكثار منه ، وشم المسك والعنبر ، وينفع فيه أكل البقول الباردة ، كالهندباء ، والبقلة الحمقا ، واكل الخضر كالخيار والشيرخشت ، والفاكهة الرطبة ، واستعمال المحمضات ، ومن اللحوم المعز الثني ، والجدي ومن الطيور الدجاج ، والطيهوج ، والدراج ، والألبان والسمك الطري ....
    أما حزيران فهو أول شهور الصيف ، وتضعف فيه الأبدان لأنها تواجه قسوة الحر ، ومرارته ، وقد اكد الإمام ( عليه السلام ) على اجتناب ما يلي :
    1 ـ عدم التعب.
    2 ـ عدم تناول اللحم بكثرة.
    3 ـ أكل الخضروات ، والفواكه ، وذلك للطافتها ، وعدم ثقلها. قال ( عليه السلام ) : ( تموز ) : واحد وثلاثون يوما فيه شدة الحرارة ، وتغور المياه ، ويستعمل فيه


(213)

شرب الماء البارد على الريق ، وتؤكل فيه الأشياء الباردة الرطبة ، وتؤكل فيه الأغذية السريعة الهضم ـ كما ذكر في حزيران ـ ويستعمل فيه من الشموم والرياحين الباردة الرطبة الطيبة الرائحة ....
    أما تموز فهو من أثقل فصول السنة ، وأشدها قسوة على الانسان وذلك لشدة الحر الذي يسبب غور المياه ، وقد اكد الإمام ( عليه السلام ) على استعمال الأشياء الباردة ، واكل الأطعمة الخفيفة السريعة الهضم حتى لا يتأثر الجهاز الهضمي بها ، كما أكد الإمام ( عليه السلام ) على شم الرياحين الباردة الطيبة الرائحة وذلك لما لها من الأثر الفعال على الجهاز العصبي.
    قال ( عليه السلام ) : ( آب ) : واحد وثلاثون يوما ، وفيه تشتد السموم ، ويهيج الزكام بالليل ، ويهب الشمال ، ويصلح المزاج بالتربيد ، والترطيب ، وينفع فيه شرب اللبن الرائب ، ويجتنب فيه الجماع والمسهل ويقل من الرياضة ، ويشم الرياحين الباردة ....
    أما شهر آب ، فهو كشهر تموز في حرارته ، وشدة قسوته ، وفيه يشتد الزكام وذلك لضعف الأبدان بسبب الحر ، وقد ندب الامام إلى استعمال الأشياء الباردة لتخفف من شدة الحر.
    قال ( عليه السلام ) : ( أيلول ) : ثلاثون يوما فيه يطيب الهواء ، وتقوى سلطان المرة السوداء ، ويصلح شرب المسهل ، وينفع فيه أكل الحلاوات وأصناف اللحوم المعتدلة ، كالجداوي ، والحوالي من الضأن ويجتنب لحم البقر ، والاكثار من لحم الشواء ، ودخول الحمام ويستعمل فيه الطيب المعتدل المزاج ، ويجتنب فيه أكل البطيخ والقثاء ....
    أما في أيلول فقد انكسرت فيه شدة الحر ، وذهبت قسوته خصوصا في أواخره فان الهواء يطيب فيه وينفع فيه أكل أنواع الحلويات بشرط أن لا يكون الشخص يبتلى بداء السكر أو مصابا بالسمنة ، فان استعمال الحلويات مضر للغاية ، كما ينفع اكل اللحوم بجميع أصنافها إلا لحم البقر فإنه مضر ، وحذر الامام من اكل البطيخ والخيار لأنهما مضران في هذا الفصل.
    قال ( عليه السلام ) :


(214)

    ( تشرين الأول ) : واحد وثلاثون يوما ، فيه تهب الرياح المختلفة ، ويتنفس فيه ريح الصبا ، ويجتنب فيه الفصد ، وشرب الدواء ، ويحمد فيه الجماع ، وينفع فيه أكل اللحم بالتوابل ، ويقلل فيه شرب الماء ، وتحمد فيه الرياضة ....
    أما تشرين الأول فهو من فصول السنة الممتازة التي انطوت فيه مرارة الحر ، وهبت فيه ريح الصبا ، وقد حذر الإمام ( عليه السلام ) من الفصد ، فإنه يعود بالضرر على الجسم ، وأمر بتقليل شرب الماء كما أمر بالرياضة لأنها تنفع في حيوية الجسم ، وبث النشاط فيه.
    قال ( عليه السلام ) : ( تشرين الثاني ) : ثلاثون يوما فيه يقع المطر الوسمي ، ونهي فيه عن شرب الماء بالليل ، ويقلل من دخول الحمام والجماع ، ويشرب بكرة كل يوم جرعة ماء حار ، ويجتنب أكل البقول كالكرفس والنعنع والجرجير ....
    أما تشرين الثاني فهو من أطيب فصول السنة ، فان الناس يستقبلون فيه الشتاء ، ويقع فيه المطر الوسمي الذي هو من مصادر الخير والرحمة للناس ، فمنه تخضر الأرض ، وتأتي ثمراتها ، وينبغي لكل انسان أن يشرب جريعة من الماء الحار في صباحه المبكر ليسلم من غائلة البرد ، وقد حذر الامام من أكل الكرفس وبعض الخضروات الأخرى لما فيها من الاضرار البالغة على الانسان.
    قال ( عليه السلام ) : ( كانون الأول ) : واحد وثلاثون يوما تقوى فيه العواصف ويشتد فيه البرد ، وينفع فيه كل ما ذكر في ( تشرين الثاني ) ويحذر فيه من أكل الطعام البارد ، ويتقى فيه الحجامة والفصد ويستعمل فيه الأغذية الحارة بالقوة والفعل.
    أما شهر كانون الأول فهو أول شهور الشتاء ، ويواجه الناس فيه البرد القارص ، وتقوى فيه العواصف ، وقد حذر الإمام ( عليه السلام ) من تناول الأطعمة الباردة ، وذلك لأنها تؤثر على الصحة ، ويصاب الانسان من جرائها ببعض الأمراض ، كما دعا إلى تناول الأغذية الحارة وذلك لما فيها من الفوائد الصحية.
    قال ( عليه السلام ) : ( كانون الثاني ) : واحد وثلاثون يوما يقوى فيه غلبة البلغم ينبغي أن يتجرع فيه الماء الحار بالريق ، ويحمد فيه الجماع ، وينفع الأحساء فيه مثل البقول الحارة كالكرفس ، والجرجير ، والكراث ، وينفع فيه دخول الحمام ، والتمريخ بدهن الخيري


(215)

وما ناسبه ويحذر فيه الحلو ، وأكل السمك الطري واللبن ....
    أما كانون الثاني فيواجه الناس فيه قسوة البرد وشدته ، وقد ندب الامام إلى شرب الماء الحار في الصباح الباكر ليتقي فيه الانسان من مخلفات البرد ، كما دعا إلى استعمال البقول الحارة ، وذلك لتدفئة الجسم ووقايته من البرد ، كما ندب إلى دخول الحمام لان به تنشط الدورة الدموية ، وحذر من أكل السمك الطري ، واللبن ، والحلويات فإنه تضر بالبدن.
    قال ( عليه السلام ) : ( شباط ) : ثمانية وعشرون يوما تختلف فيه الرياح ، وتكثر الأمطار ويظهر العشب ، ويجري فيه الماء في الغور ، وينفع فيه أكل الثوم ، ولحم الطير والصيود والفاكهة ، ويقلل من أكل الحلاوات ويحمد فيه كثرة الحركة والرياضة ....
    وبدخول شباط تنتهي قسوة البرد وشدته ، وتكثر فيه الأمطار ويظهر العشب ، ويجرى الماء ، وندب الامام إلى اكل الثوم الذي هو من أعظم البقول عائدة على جسم الانسان فهو يقي الانسان من كثير من الأمراض كارتفاع الضغط الدموي ، والسكر وغيرهما ..
    وبهذا ينتهي حديث الامام عن فصول السنة ، وما ينبغي أن يستعمله الانسان من الأغذية ، وما يجتنبه منها في فصولها.
    قال ( عليه السلام ) : اعلم يا أمير المؤمنين إن قوة النفس تابعة لأمزجة الأبدان ، وان الأمزجة تابعة للهواء ، وتتغير بحسب الهواء في الأمكنة ....
    من المؤكد ان قوة الفكر وسلامته تابعة لصحة الجسم ، فإذا كان مصابا ومبتلى بالأمراض فتضعف القوى العقلية وفي المثل العقل السليم في الجسم السليم كما أن من المؤكد ان طيب الهواء وعذوبته وعدم تلوثه من العناصر الأساسية في الصحة العامة.
    قال ( عليه السلام ) في صفة الشراب الحلال ، وكيفية تركيبه :
    صفة الشراب الذي يحل شربه ، واستعماله بعد الطعام ، وقد تقدم ذكر نفعه في ابتدائنا بالقول على فصول السنة ، وما يعتمد فيها من حفظ الصحة ، وصفته هو أن يؤخذ من الزبيب المنقى عشرة أرطال (1) فيغسل وينقع في ماء صاف في غمرة ،


1 ـ الرطل : وزنه قرابة 340 غراما.


(216)

وزيادة عليه أربع أصابع ويترك في انائه ، ذلك ثلاثة في الشتاء ، وفي الصيف يوم وليلة ثم يجعل في قدر نظيف ، وليكن الماء ماء السماء إن قدر عليه ، وإلا فمن الماء العذب الذي ينبوعه من ناحية المشرق ماء براقا ، أيضا خفيفا.
    وهو القابل لما يعترضه على سرعة من السخونة والبرودة وتلك دلالة على صفاء الماء ، ويطبخ حتى ينتفخ الزبيب وينضج ثم يعصر ويصفى ماؤه ويبرد ، ثم يرد إلى القدر ثانيا ويؤخذ مقداره بعود ويغلى بنار لينة غليانا لينا رقيقا حتى يمضي ثلثاه.
    ثم يؤخذ من عسل النحل المصفى رطل فيلقى عليه ، ويؤخذ مقداره مقدار الماء إلى أين كان من القدر ويغلى حتى يذهب قدر العسل ، ويعود إلى حده ، ويؤخذ خرقة صفيقة (1) فيجعل فيها زنجبيل وزن درهم (2) ومن القرنفل نصف درهم ، ومن الدراجين نصف درهم ومن الزعفران درهم ، ومن سنبل الطيب نصف درهم ومن الهندباء مثله ، ومن مصطكي نصف درهم بعد أن يسحق الجميع كل واحدة على حدة ويجعل في الخرقة ويشد بخيط شدا جيدا وتلقى فيه وتمرس الخرقة في الشراب بحيث تنزل قوى العقاقير التي فيها ولا يزال يعاهدها بالتحريك على نار لينة برفق حتى يذهب عنه مقدار العسل ويرفع القدر.
    ويبرد ، ويؤخذ (3) مدة ثلاثة أشهر حتى يتداخل مزاجه بعضه ببعض ، وحينئذ يستعمل ، ومقدار ما يشرب منه أوقية إلى أوقيتين من الماء القراح فإذا اكلت يا أمير المؤمنين مقدار ما وصفت لك من الطعام فاشرب من هذا الشراب مقدار ثلاثة أقداح بعد طعامك ، فإذا فعلت ذلك فقد أمنت بإذن الله يومك وليلتك من الأوجاع الباردة المزمنة كالنقرس ، والرياح ، وغير ذلك من أوجاع العصب والدماغ ، والمعدة ، وبعض أوجاع الكبد والطحال والأمعاء ، والاحشاء فان صادفت بعد ذلك بشهوة الماء فلتشرب منه مقدار النصف مما كان يشرب قبله ، فإنه أصلح لبدن أمير المؤمنين.
    وأكثر وأشد لضبطه وحفظه. فان صلاح البدن وقوامه يكون بالطعام والشراب ، وفساده يكون بهما فان أصلحتهما صلح البدن ، وان أفسدتهما فسد البدن ..... وصف الإمام ( عليه السلام ) هذا الشراب بأنه الشراب الحلال الذي يعود على البدن بأهم الفوائد الصحية ويقيها من كثير من الأمراض وقد ذكر مواد تركيبه


1 ـ صفيقة : اي خفيفة.
2 ـ وزن الدرهم 2 / 5 غراما.
3 ـ يؤخذ : أي يترك.


(217)

وكيفية صنعه ، فقد حوى على عناصر مهمة في تقوية جسم الانسان كان من بينها الزبيب ، وهو يحتوي على كميات كبيرة من الفيتامينات ، ومن بينها العسل ، وهو غني بالفيتامينات ، مضافا إلى العناصر الأخرى التي تضم إلى هذا الشراب ومن الجدير بالذكران الإمام ( عليه السلام ) اعتبر النظافة الكاملة في الزبيب كما اعتبر في الماء أن يكون من ماء السماء أو من ماء عذب ، حتى لا يكون ملوثا ، فيسبب بعض الأمراض ويذهب بفعالية هذا الشراب يقول الدكتور صاحب زيني :
    لهذا الشراب الحلال قيمة غذائية كبيرة لما يحويه من عناصر مفيدة تعتبر أهم مصادر ومولدات الطاقة الحرارية التي يحتاجها الجسم دائما وبصورة مستمرة ، وخاصة في الفصول الباردة ، أما عن سهولة هضمه ، وتمثيل عناصره فحدث عنه ولا حرج ، إذ يعتبر سكر العنب ( سكر الكلوكوز ) من أسهل المواد هضما ، ومن المواد التي يأخذها يمكن الاستغناء عن أكثر أصناف الغذاء الأخرى لسهولة تحويله إلى مادة الكلايكوجين التي تخزن في الكبد كغذاء احتياطي يمكن استعماله في اي وقت من الأوقات.
    ويحوي الزبيب كميات كبيرة من الحديد ، ويفيد كعنصر يولد كريات الدم الحمراء ، ولعلاج مرض فقر الدم ، وزيادة عما لهذا الشراب من قيم غذائية عديدة ، فهو من أحسن العقاقير لمداواة حالات مرضية كثيرة كسوء الهضم ، وبعض حالات التهاب المعدة وتولد الغازات في المعدة والأمعاء ، وبعض أمراض الكبد ، وحالات ركود الأمعاء والامساك (1).
    ومما قاله الإمام ( عليه السلام ) : واعلم يا أمير المؤمنين أن النوم سلطان الدماغ ، وقوام الجسد وقوته ، فإذا أردت النوم فليكن اضطجاعا أولا على شقك الأيمن ، ثم انقلب على الأيسر ، وكذلك فقم من مضجعك ، ونم على شقك الأيمن كما بدأت به عند نومك ، وعود نفسك القعود من الليل ، وادخل الخلاء لحاجة الانسان ، والبث فيه بقدر ما تقضي حاجتك ، ولا تطل فيه ، فان ذلك يورث داء الفيل.
    النوم من العناصر الأساسية لحياة الانسان ، وصحة جسده فقد خلق الله في جسم الانسان بعض الأجهزة التي يتولد منها النوم ، وتقوم في نفس الوقت على اعطاء


1 ـ طب الرضا ( ص 58 ـ 59 ).


(218)

الجسد الحيوية والنشاط وتزيل عنه ما عاناه جسمه في أثناء النهار من التعب والجهد وبين الإمام ( عليه السلام ) كيفية النوم الصحية ، وهي :
    أن ينام الانسان على شقه الأيمن ، فان في ذلك راحة للقلب ، وسلامة للجسم كما بين ( عليه السلام ) كيفية الدخول إلى المرافق ، وان من الحكمة أن لا يطيل الانسان المكث فيها بعد قضاء حاجته لئلا يصاب بداء الفيل.
    قال ( عليه السلام ) : واعلم يا أمير المؤمنين ان أجود ما استكث به ليف الأراك (1) فإنه يجلو الأراك ، ويطيب النكهة ، ويشد اللثة ، وهو نافع من الحفر (2) إذا كان ذلك باعتدال ، والاكثار منه يرق الأسنان ، ويزعزعها ويضعف أصولها. فمن أراد حفظ الأسنان فليأخذ قرن الأيل (3) محرقا وكزمازجار (4) وسعدا ووردا ، وسنبل الطيب ، وحب الأثل (5) جزاء سواء ، وملحا اندرانيا (6) ربع جزء ، فيدق الجميع ناعما ويستن به ، فإنه يمسك الأسنان ، ويحفظ أصولها من الآفات العارضة ، ومن أراد أن تبيض أسنانه فليأخذ جزءا من ملح اندراني ، ومثله زبد البحر فيسحقهما ناعما ، ويستن به ..
    عرض الامام إلى طب الأسنان ، وقد ذكر وصفتين لاصلاح الأسنان.
    الأولى : السواك بعود الأراك ، وهو من أجود الوصفات في اصلاح الأسنان ، فقد حلل هذا العود فتبين أنه من أروع الأدوية لتطهير الأسنان وصيانتها من الإصابة بالأمراض ، وانه أصلح بكثير من المعاجن الحديثة (7).
    الوصفة الثانية : هي المعجون ، وقد ذكر الإمام ( عليه السلام ) الاجزاء التي يتألف منها ، وهو مما يقضي على تسوس الأسنان.


(219)

    قال : واعلم يا أمير المؤمنين إن أحوال الانسان التي بناها الله تعالى عليها ، وجعله متصرفا بها أربعة أحوال :
    الحالة الأولى : خمس عشرة سنة ، وفيها شبابه ، وحسنه وبهاؤه ، وسلطان الدم في جسمه.
    ثم الحالة الثانية من خمس عشرة سنة إلى خمس وثلاثين سنة ، وفيها سلطان المرة الصفراء ، وقوة غلبتها على الشخص وهي أقوى ما يكون ، ولا يزال كذلك حتى يستوفي المدة المذكورة وهي خمس وثلاثون سنة.
    ثم يدخل في الحالة الثالثة إلى أن تتكامل مدة العمر ستون سنة ، فيكون في سلطان المرة السوداء وهي سن الحكمة والمعرفة ، والدراية ، وانتظام الأمور وصحة في العواقب ، وصدق الرأي ، وثبات الجأش في التصرفات.
    ثم يد خل في الحالة الرابعة وهي سلطان البلغم وهي الحالة التي يتحول عنها ما بقي إلى الهرم ونكد العيش ، وذبول ونقص في القوة ، وفساد في تكونه ، واستنكار كل شئ كان يعرف من نفسه حتى صار ينام عند القوم ويسهر عند النوم ويتذكر ما تقدم وينسى ما يحدث في الأوقات ويذبل عوده ويتغير معهوده ويجف ماء رونقه وبهاؤه ويقل نبت شعره وأظفاره ولا يزال جسمه في انعكاس وادبار ما عاش لأنه في سلطان البلغم ، وهو بارد وجامد ، فجموده وبرده يكون فناء كل جسم تستولي عليه في الأخير القوة البلغمية ....
    حكى هذا المقطع الأدوار من عمر الانسان ، وهي أربعة أدوار.
    الدور الأول يبدأ من ولادته وينتهي ببلوغه الخامسة عشرة ، وهو دور الصبا ، وبداية الشباب الذي هو من أروع أدوار العمر ، ومن أكثر ها حيوية.
    الدور الثاني : ويبدأ من الخامسة عشر ، وينتهي بالخامسة والثلاثين وهو من أروع فترات العمر ففيه تتكامل قوة الانسان ، ونشاطه وبهاؤه.
    الدور الثالث : ويبدأ من الخامسة والثلاثين ، وينتهي بالستين وفي هذا الدور تتكامل معرفة الانسان ، وتنظم فيه أموره ، وذلك من خلال تجاربه للأمور ، ومعرفته بالاحداث ففي هذا السن يكمل نشاطه الفكري الا ان قواه الجسمية تضعف.
    الدور الرابع : ويبدأ من الستين حتى يوافيه الاجل المحتوم ففي هذا السن تضعف جميع أجهزته وخلاياه ، وتنحل قواه ، ويكون عالة على غيره خصوصا إذا أخذ الثمانين عاما ، فتكثر شكواه ، وأنينه يقول الشاعر :

ان الثمانين وبلغتها قد احوجت سمعي إلى ترجمان

    وفي المثل ان الشيخوخة سحابة تمطر بالأمراض ، ان الجسم في هذه السن – كما


(220)

يقول الامام ـ يذبل عوده ، ويجف ماء رونقه ، وهو دور فنائه.
    قال ( عليه ا لسلام ) : وقد ذكرت لأمير المؤمنين جميع ما يحتاج إليه في سياسة المزاج ، وأحوال جسمه ، وعلاجه ، وأنا أذكر ما يحتاج إلى تناوله من الأغذية والأدوية وما يجب أن يفعله في أوقاته.
    فإذا أردت الحجامة فليكن في اثنتي عشر ليلة من الهلال إلى خمس عشرة ، فإنه أصلح لبدنك ، فإذا نقص الشهر فلا تحتم إلا أن تكون مضطرا إلى ذلك ، وهو لان الدم ينقص في نقصان الهلال ، ويزيد في زيادته ولتكن الحجامة بقدر ما يمضي من السنين ، فابن عشرين سنة يحتجم في كل عشرين يوما ، وابن الثلاثين في كل ثلاثين يوما مرة واحدة ، وكذلك من بلغ من العمر أربعين سنة يحتجم في كل أربعين يوما مرة ، وما زاد فبحسب ذلك.
    واعلم يا أمير المؤمنين ان الحجامة انما يؤخذ دمها من صغار العروق المبثوثة في اللحم ، ومصداق ذلك ما ذكرته أنها لا تضعف القوة ، كما يوجد من الضعف عند الفصد ، وحجامة النقرة (1) تنفع من ثقل الرأس ، وحجامة الأخدعين (2) تخفف عن الرأس والوجه والعينين ، وهي نافعة لوجع الأضراس ، وربما ناب الفصد عن جميع ذلك ، وقد يحتجم تحت الذقن لعلاج القلدع (3) في الفم ، ومن فساد اللثة ، وغير ذلك ، من أوجاع الفم.
    وكذلك الحجامة بين الكتفين تنفع من الخفقان الذي يكون من الامتلاء والحرارة ، والذي يوضع على الساقين قد ينقص من الامتلاء نقصانا بينا ، وينفع من الأوجاع المزمنة في الكلى والمثانة والأرحام ، ويدر الطمث ، غير أنها تنهك الجسد وقد يعرض منها الغشي الشديد إلا انها تنفع ذوي البثور والدماميل.
    والذي يخفف من ألم الحجامة تخفيف المص عند أول ما يضع المحاجم ثم يدرج المص قليلا ، والثواني أزيد في المص من الأوايل ، وكذلك الثوالث فصاعدا ، ويتوقف عن الشرط حتى يحمر الموضع جيدا بتكرير المحاجم عليه ، ويلين المشراط على جلود لينة ، ويمسح الموضع قبل شرطه بالدهن وكذلك الفصد فإنه يقلل الألم ،


1 ـ النقرة : حفرة في القفا فوق فقرات العنق بأربع أصابع.
2 ـ الأخدعان : عرقان خلف العنق من يمينه وشماله في صفحتي العنق.
3 ـ القلاع : قرحة في جلد الفم واللسان.


(121)

وكذلك يلين المشرط والمبضع عند الحجامة ، وعند الفراغ منها يلين الموضع بالدهن ، ويقطر على العروق إذا فصد شيئا من الدهن لكيلا يحتجب فيضر ذلك بالمفصود ، وليعمد الفاصد أن يفصد من العروق ما كان في المواضع القليلة اللحم لان في قلة اللحم من فوق العروق قلة الألم ، وأكثر العروق ألما إذا فصد حبل الذراع (1) والقيفال (2) لاتصالهما بالعضد (3) وصلابة الجلد فأما الباسليق (4) والأكحل فأنهما في الفصد أقل ألما ، إذا لم يكن فوقهما لحم ، والواجب تكميد (5) موضع الفصد بالماء الحار ليظهر الدم وخاصة في الشتاء فإنه يلين الجلد ، ويقلل الألم ، ويسهل الفصد ، ويجب في كل ما ذكرناه من اخراج الدم اجتناب النساء قبل ذلك باثنتي عشرة ساعة.
    ويحتجم في يوم صاح ، صاف لا غيم فيه ، ولا ريح شديدة ، ويخرج من الدم بقدر ما يرى من تغيره ، ولا تدخل يومك ذلك الحمام فإنه يورث الداء ، وصب على رأسك وجسدك الماء الحار ، ولا تفعل ذلك من ساعتك.
    وإياك والحمام إذا احتجمت فان الحمى الدائمة تكون فيه ، فإذا اغتسلت من الحجامة فخذ خرقة مرغزي (6) فالقها على محاجمك أو ثوبا لينا من قز أو غيره ، وخذ قدر حمصة من الترياق الأكبر (7) واشربه ان كان شتاء ، وان كان صيفا فاشرب السكنجين العنصلي (8) ، وامزجه بالشراب المفرح المعتدل ، وتناوله ، أو بشراب الفاكهة.
    وان تعذر ذلك فشراب الأترج ، فان لم تجد شيئا فتناوله ـ أي الأترج ـ بعد علكه ناعما تحت الأسنان ، واشرب عليه جرع الماء الفاتر. وان كان ذلك في زمان الشتاء والبرد فاشرب عليه السكنجين العسلي فإنك متى فعلت ذلك أمنت من اللقوة والبرص والبهق والجذام بإذن الله تعالى وامتص من الرمان فإنه يقوي النفس ويحيى الدم ولا تأكل طعام مالحا بعد ذلك بثلاث ساعات فإنه يخاف أن يعرض من


1 ـ حبل الذراع : الوريد الذي يمتد من الساعد إلى الاعلى.
2 ـ القيفال : الوريد الذي يظهر عند المرفق.
3 ـ في نسخة ( بالعضل ) والصحيح العضد.
4 ـ الباسليق : الوريد الظاهر من المرفق إلى الساعد.
5 ـ التكميد : هو لف العضو بلفاف ونحوه.
6 ـ المرغزي : هو الزغب الذي تحت شعر العنز.
7 ـ الترياق الأكبر : هو من الأدوية القديمة.
8 ـ العنصلي : هو البصل البري ، ولعل الصحيح العسلي.


(222)

ذلك الجرب ، وإن شئت فكل من الطياهيج (1) إذا احتجمت ، واشرب عليه من الشراب المزكى الذي ذكرته أولا ، وادهن بدهن الخيري أو شئ من المسك وماء الورد ، وصب منه على هامتك ساعة فراغك من الحجامة.
    وأما في الصيف فإذا احتجمت فكل السكباج (2) والهلام (3) والمصوص (4) والحامض ، وصب على هامتك دهن البنفسج بماء الورد ، وشيئا من الكافور ، واشرب من ذلك الشراب الذي وصفته لك بعد طعامك ، وإياك وكثرة الحركة والغضب ، ومجامعة النساء ليومك .....
    عرض الإمام ( عليه السلام ) في هذا المقطع للحجامة التي تعود على البدن بأعظم الفوائد ، وتعيد له نشاطه ، وتنفي عنه الأسقام والأمراض ، فهي أعظم وصفة ، وأكثرها نجاحا للمصابين بارتفاع الضغط الدموي ، فالدم الذي يخرج انما يخرج من صغار العروق المبثوثة في اللحم ـ على حد تعبير الامام ـ وهو لا يوجب ضعفا في البدن.
    وقد ذكر الامام بعض الأمراض التي تعالج بالحجامة وهي :
    أ ـ احتقان الأسنان واللثة.
    ب ـ أمراض الكلى المزمنة والمثانة والرحم.
    ج ـ قلة الحيض.
    د ـ البثور والدمامل. وقد وصف الامام عملية الحجامة ، وأحاط بجميع جوانبها ، وما ينبغي أن يستعمله الانسان بعدها ، وما ينبغي له تركه من الأطعمة والأشربة.
    كما عرض الامام إلى الفصد ، وذكر الأوردة التي تفصد كحبل الذراع والقيفال ، وذكر أيضا ما ينبغي استعماله بعد الفصد من شرب بعض المشروبات المنعشة ، كما منع من بعض الأطعمة التي تسبب بعض المخاطر.
    قال ( عليه السلام ) : واحذر يا أمير المؤمنين أن تجمع بين البيض والسمك في المعدة في وقت واحد


1 ـ الطباهيج : نوع من الطيور.
2 ـ السكباج : حساء مع الخل.
3 ـ الهلام : هو السكباج المصفى من الدهن ، أو لحم البقر والعجل والمعز يسلق بماء الملح ، ثم يؤخذ اللحم المسلوق ، ويوضع على البقول المسلوقة مع الخل.
4 ـ المصوص : لحم يطبخ ويوضع في الخل أو لحم الطير خاصة.


(223)

فإنهما متى اجتمعا في جوف الانسان ولد عليه النقرس والقولنج والبواسير ، ووجع الأضراس.
    واللبن والنبيذ الذي يشربه أهله إذا اجتمعا ولدا النقرس والبرص ، ومداومة أكل البصل (1) يعرض منه الكلف (2) في الوجه واكل الملوحة ، واللحمان المملوحة ، وأكل السمك المملوح بعد الفصد والحجامة يعرض منه البهق والجرب ، وأكل كلية الغنم وأجواف الغنم يعكر المثانة.
    ودخول الحمام على البطنة يولد القولنج ، والاغتسال بالماء البارد بعد أكل السمك يورث الفالج ، وأكل الأترج في الليل يقلب العين ، ويوجب الحول ، واتيان المرأة الحائض يورث الجذام في الولد. والجماع ؟؟ من غير اهراق الماء على أثره (3) يوجب الحصاة ، والجماع بعد الجماع من غير فصل بينهما بغسل يورث الولد الجنون ، وكثرة أكل البيض (4) وادمانه يولد. الطحال ، ورياحا في رأس المعدة والامتلاء من البيض المسلوق يورث الربو والانبهار (5) واكل اللحم النئ يولد الدود في البطن ، وأكل التين يقل منه الجسد إذا أدمن عليه.
    وشرب الماء البارد عقيب الشئ الحار والحلاوة يذهب بالأسنان ، والاكثار من اكل لحوم الوحش والبقر يورث تغيير العقل ، وتحير الفهم ، وتبلد الذهن ، وكثرة النسيان.
    حذر الإمام ( عليه السلام ) ـ في هذا المقطع ـ من الجمع بين ألوان من الأطعمة في الاكل ، وذلك لما تورثه من الأمراض ، وكان من بين ما حذر منه الجمع بين أكل السمك والبيض.
    وذلك لما يعقبه من الأمراض التالية :
    1 ـ داء النقرس.
    2 ـ القولنج.
    3 ـ البواسير.


1 ـ في نسخة البيض.
2 ـ الكلف : مرض يعلو الوجه.
3 ـ اهراق الماء : أراد به عدم البول بعد العملية الجنسية.
4 ـ في نسخة البصل.
5 ـ الانبهار : ضيق النفس.


(224)

    4 ـ وجع الأضراس.
    كما حذر من تناول الطعام المالح لأنه يؤدي إلى تصلب الشرايين ، وارتفاع ضغط الدم. وكان من بين ما حذر منه الامام شرب الماء البارد عقيب الشئ الحار أو عقيب اكل الحلويات ، فإنه يوجب تدمير الأسنان كما أكد ذلك أطباء الأسنان ، فقد ذكروا ان ذلك مما يوجب تدمير الأسنان.
    لقد حوى المقطع على فوائد صحية في غاية الأهمية لو أخذ بها الناس لأصبح الطب وقائيا ، وما احتاجوا إلى عيادة الأطباء.
    قال ( عليه السلام ) : وإذا أردت دخول الحمام ، وأن لا تجد في رأسك ما يؤذيك فابدأ عند دخول الحمام بخمس أكف ماء حار تصبها على رأسك فإنك تسلم إن شاء الله تعالى من وجع الرأس والشقيقة.
    واعلم يا أمير المؤمنين ان الحمام ركب على تركيب الجسد ، للحمام أربعة بيوت مثل طبايع الجسد.
    البيت الأول : ـ وهو المسلخ الذي ينزع فيه الثياب ـ بارد يابس.
    والثاني : بارد رطب.
    والثالث : حار رطب.
    والرابع : حار يابس ، ومنفعة الحمام عظيمة يؤدي إلى الاعتدال ، وينقي الدرن ، ويلين العصب والعروق ، ويقوي الأعضاء الكبار ، ويذيب الفضول ، ويذهب العفن.
    فإذا أردت أن لا يظهر في بدنك بثرة ولا غيرها فابدأ عند دخول الحمام بدهن بدنك بدهن البنفسج ، وإذا أردت استعمال النورة ، ولا يصيبك قرح ، ولا شقاق ولا سواء فاغتسل بالماء البارد قبل أن تتنور.
    ومن أراد دخول الحمام للنورة ، فليجتنب الجماع قبل ذلك باثنتي عشرة ساعة ، وهو تمام يوم ، وليطرح في النورة شيئا من الصبر والاقاقيا (1) والحضض ، أو يجمع ذلك ويأخذ منه اليسير إذا كان مجتمعا أو متفرقا ، ولا يلقي في النورة شيئا من ذلك حتى تماث النورة بالماء الحار الذي طبخ فيه بابونج ومرزنجوش أو ورد بنفسج يابس أو جميع ذلك اجزاء يسيرة مجموعة أو متفرقة بقدر ما يشرب الماء رائحته ، وليكن الزرنيخ مثل سدس النورة ، ويدلك الجسد بعد الخروج منها بشئ يقلع رائحتها كورق الخوج ، وثجير العصفر ، والحناء والورد ، والسنبل


1 ـ الاقاقيا : الشوكة المصرية.


(225)

مفردة أو مجتمعة.
    ومن أراد أن يأمن من احراق النورة فليقلل من تقليبها ، وليبادر إذا عمل في غسلها ، وأن يمسح البدن بشئ من دهن الورد ، فان أحرقت البدن ـ والعياذ بالله ـ يؤخذ عدس مقشر ، ويسحق ويداف في ماء ورد وخل ويطلى به الموضع الذي أثرت فيه النورة ، فإنه يبرأ بإذن الله تعالى ...
    والذي يمنع من آثار النورة في الجسد هو أن يدلك الموضع بخل العنب الثقيف ، ودهن الورد دلكا جيدا ....
    الحمام ضرورة ملحة للانسان لا غنى له عنه ، فيه نظافته ، وسلامة بدنه من الأوساخ ، والأقذار ، التي تسبب الأمراض الجلدية ، وقد تحدث عنه سليل النبوة ، ومعدن العلم والحكمة عن جميع نواحيه ووجوهه ، ومنافعه التي منها اعتدال البدن ، ونقايته من الدرن وذهاب العفن.
    إن حديث الإمام ( عليه السلام ) عن الحمام كان حديثا مفصلا لأنه من الوسائل الصحية ، ومن مصادر الطهارة والنظافة التي تزيل ما ران على الجسد من الأوساخ الخارجية ، وافرازات الدهن السطحية كما تحدث ( عليه السلام ) بصورة شاملة عن النورة التي يزال بها الشعر المتراكم في البدن ، والتي يؤدي ازالته إلى انعاش البدن ، ونظافته.
    قال ( عليه السلام ) : ومن أراد أن لا يشتكي مثانته فلا يحبس البول ، ولو على ظهر دابته.
    ومن أراد أن لا تؤذيه معدته فلا يشرب بين طعامه ماء حتى يفرغ ، ومن فعل ذلك رطب بدنه ، وضعفت معدته ، ولم تأخذ العروق قوة الطعام فإنه يصير في المعدة فجا إذا صب الماء على الطعام أولا فأولا.
    ومن أراد أن لا يجد الحصاة وحصر البول فلا يحبس المني عند نزول الشهوة ، ولا يطل المكث عند النساء.
    ومن أراد أن يأمن من وجع السفل ، ولا يظهر به وجع البواسير فليأكل كل ليلة سبع ثمرات برني بسمن البقر ، ويدهن بين أنثييه بدهن زنبق خالص.
    ومن أراد أن يزيد حافظته فليأكل سبع مثاقيل زبيب على الريق ومن أراد أن يقل نسيانه ويكون حافظا فليأكل كل يوم ثلاث قطع زنجبيل مربى بالعسل ،


(226)

ويصطبغ (1) بالخردل مع طعامه في كل يوم.
    ومن أراد أن يزيد في عقله يتناول كل يوم ثلاث هيليجا بسكر ابلوج (2).
    ومن أراد أن لا ينشق ظفره ، ولا يميل إلى الصفرة ، ولا يسود حول ظفره فلا يقلم ظفره إلا يوم الخميس ، ومن أراد أن لا تؤلمه أذنه فليجعل فيها عند النوم قطنة.
    ومن أراد ردع الزكام مدة أيام الشتاء فليأكل كل يوم ثلاث لقم من الشهد .... عرض الإمام ( عليه السلام ) في هذا المقطع إلى وصايا صحية بالغة الأهمية ، فقد اعطى وصفات صحية للسلامة والوقاية من كثير من الأمراض كان منها :
    1 ـ سلامة الجهاز البولي.
    2 ـ سلامة المعدة.
    3 ـ الوقاية من الحصاة.
    4 ـ الوقاية من البواسير. إلى غير ذلك من الوصايا التي تتضمن سلامة البدن من الإصابة بالأمراض.
    قال ( عليه السلام ) : واعلم يا أمير المؤمنين أن للعسل دلائل يعرف بها نافعه من ضاره ، وذلك أن منه شيئا إذا أدركه الشم عطس ، ومنه شئ يسكر ، وله عند الذوق حرقة شديدة فهذه الأنواع من العسل قاتلة.
    ولا يؤخر شم النرجس فإنه يمنع الزكام في مدة أيام الشتاء ، وكذلك الحبة السوداء ، وإذا خاف الانسان الزكام في أيام الصيف فليأكل كل يوم خيارة ، وليحذر الجلوس في الشمس.
    ومن خشي الشقيقة (3) والشوصة (4) فلا يؤخر أكل السمك الطري صيفا أو شتاء ، ومن أراد أن يكون صالحا خفيف الجسم واللحم فليقلل من عشائه بالليل ، ومن أرد أن لا يشتكي سرته فليدهنها متى دهن رأسه ، ومن أراد أن لا تشقق شفتاه ،


1 ـ مصطبخ : أي يجعله صبغا واداما.
2 ـ سكر ابلوج : نبات.
3 ـ الشقيقة : وجع يصيب نصف الرأس والوجه.
4 ـ الشوصة : وجع في البطن أو ريح تعقب في الأضلاع.


(227)

ولا يخرج فيها باسور (1) فليدهن حاجته من دهن رأسه ، ومن أراد أن لا تسقط أذناه (2) ولهاتاه فلا يأكل حلوا حتى يتغرغر بعده بخل ، ومن أراد أن لا يصيبه اليرقان فلا يدخل بيتا في الصيف أول ما يفتح بابه.
    ولا يخرج منه أول ما يفتح بابه في الشتاء غدوة ، ومن أراد أن لا يصيبه ريح في بدنه فليأكل الثوم كل سبعة أيام مرة ، ومن أراد أن لا تفسد أسنانه فلا يأكل حلوا إلا بعد كسرة خبز ، ومن أراد أن يستمري طعامه فليتكئ بعد الاكل على شقه الأيمن.
    ثم ينقلب بعد ذلك على شقه الأيسر حتى ينام ، ومن أراد أن يذهب البلغم من بدنه ، وينقصه فليأكل كل يوم بكرة شيئا من الجوارش (3) الحريف ، ويكثر دخول الحمام ومضاجعة النساء ، والجلوس في الشمس ، ويجتنب كل بارد من الأغذية فإنه يذهب البلغم ويحرقه ، ومن أراد أن يطفئ لهب الصفراء فليأكل كل يوم شيئا رطبا باردا ويروح بدنه ، ويقل الحركة ، ويكثر النظر إلى من يحب.
    ومن أراد ان يحرق السوداء فعليه بكثرة القئ وفصد العروق ، ومداومة النورة.
    ومن أراد أن يذهب بالريح البارد فعليه بالحقنة ، والأدهان اللينة على الجسد وعليه بالتكميد بالماء الحار بالابزن (4).
    ومن أراد أن يذهب عنه البلغم فليتناول بكرة كل يوم من الأطريفل الصغير مثقالا واحدا ....
    عرض الإمام ( عليه السلام ) في أكثر فصول هذا المقطع إلى صحة أعضاء الانسان ، فوضع الوصفات الصحية لسلامتها ووقايتها من الإصابة بالأمراض ، فقد وضع الأسس الكفيلة للوقاية من الزكام الذي هو فاتحة الأمراض وقد اعطى الوصفة في الشتاء ، ووصفة أخرى في أيام الصيف.
    لقد أبدى الإمام ( عليه السلام ) نصائحه الطبية لسلامة أجهزة بدن الانسان ، ووضع لها الوصفات الناجحة التي تحسم الداء.
    قال ( عليه السلام ) : واعلم يا أمير المؤمنين أن المسافر ينبغي له أن يتحرز من الحر إذا سافر وهو ممتلئ من الطعام ، ولا خالي الجوف ، وليكن على حد الاعتدال ، وليتناول من الأغذية


1 ـ في نسخة باثور وهو الأصح.
2 ـ سقوط الاذن واللهاة تراخيهما ولعله يريد بالاذن اللوزيتين.
3 ـ الجوارش الحريف : كالكمون والفلافل وأشباههما.
4 ـ الأبزن : ظرف فيه ماء حار توضع فيه الأدوية الخاصة لجلوس المريض فيه.


(228)

الباردة مثل الغريض (1) والهلام ، والخل والزيت وماء الحصرم ونحو ذلك من الأطعمة الباردة.
    واعلم يا أمير المؤمنين أن السير الشديد في الحر الشديد ضار بالأبدان المنهوكة إذا كانت خالية من الطعام ، وهو نافع بالأبدان الخصبة ، وأما صلاح المياه للمسافر ، ودفع الأذى عنه فهو أن لا يشرب من ماء كل منزل يرده إلا بعد أن يمزجه بماء المنزل الذي قبله أو بشراب واحد غير مختلف يشوبه بالمياه على اختلافها ، والواجب أن يتزود المسافر من تربة وطنه التي ربي عليها.
    وكل ما ورد إلى منزل طرح في انائه الذي يشرب منه الماء شيئا من الطين الذي تزوده من بلده ، ويشوب الماء بالطين في الآنية بالتحريك ، ويؤخر قبل شربه حتى يصفو صفاء جيدا ، وخير الماء شربا لمن هو مقيم أو مسافر ما كان ينبوعه من الجهة الشرقية من الخفيف الأبيض ، وأفضل المياه ما كان مخرجها من مشرق الشمس الصيفي ، وأصحها وأفضلها ما كان بهذا الوصف الذي نبع منه ، وكان مجراه في جبال الطين وذلك لأنها تكون في الشتاء باردة.
    وفي الصيف ملينة للبطن نافعة لأصحاب الحرارات. وما الماء المالح والمياه الثقيلة فإنها تيبس البطن ، ومياه الثلوج والجليد ردية لساير الأجساد ، وهي كثيرة الضرر جدا. وأما مياه السحب فإنها خفيفة عذبة صافية نافعة للأجسام إذا لم يطل خزنها وحبسها في الأرض. وأما مياه الجب فإنها عذبة نافعة إن دام جريها.
    ولم يدم حبسها في الأرض ، واما البطايح والسباخ فإنها حارة غليظة في الصيف لركودها ، ودوام طلوع الشمس عليها وقد يتولد من دوام شربها المرة الصفراوية ، وتعظم به أطلحتهم ....
    ووضع الإمام ( عليه السلام ) البرامج الحية لسلامة المسافر ووقايته من الأمراض فقد أوصى بعدم السفر إذا كان الشخص ممتلئ البطن فان ذلك لا يساعده على جهد السفر وعنائه ، كما ينبغي أن لا يكون خالي الجوف فإنه لا يقوى على السفر ، ونهى الامام عن السفر في الحر الشديد فان ذلك يعرض المسافر للخطر.
    كما عرض الإمام ( عليه السلام ) إلى المياه فذكر أنواعها ، وما ينبغي أن يشرب


1 ـ الغريض : اللحم الطري.


(229)

منها ، وما ينبغي أن لا يشرب لأنه مما يضر بالصحة العامة لقد كان وصف الامام للمياه وصفا دقيقا ، لم يسبق أن عرض لها بهذه الكيفية غيره.
    قال ( عليه السلام ) : وقد وصفت لك يا أمير المؤمنين فيما تقدم من كتابي هذا ما فيه كفاية لمن أخذ به ، وانما أذكر أمر الجماع ، فلا تدخل النساء من أول الليل صيفا ، ولا شتاء ، وذلك لان المعدة والعروق تكون ممتلية ، وهو غير محمود ، ويتولد منه القولنج والفالج واللقوة ، والنقرس ، والحصاة والتقطير ، والفتق ، وضعف البصر ، ورقنه ، فإذا أردت ذلك فليكن في آخر الليل فإنه أصلح للبدن ، وأرجى للولد وأزكى للعقل في الولد ، الذي يقضي الله بينهما.
    ولا تجامع امرأة حتى تلاعبها ، وتكثر ملاعبتها ، وتغمز ثدييها فإنك إذا فعلت ذلك غلبت شهوتها ، واجتمع ماؤها لان ماءها يخرج من ثدييها ، والشهوة تظهر من وجهها وعينيها ، واشتهت منك مثل الذي تشتهيه منها ، ولا تجامع النساء إلا وهي طاهرة ، فإذا فعلت ذلك ، فلا تقم قائما ولا تميل جالسا ، ولكن تميل على يمينك ، ثم انهض للبول إذا فرغت من ساعتك شيئا ، فإنك تأمن من الحصاة بإذن الله تعالى. ثم اغتسل واشرب من ساعتك شيئا من الموميائي بشراب العسل أو بعسل منزوع الرغوة ، فإنه يرد من الماء مثل الذي خرج منك. واعلم يا أمير المؤمنين أن جماعهن ، والقمر في برج الحمل أو الدلو من البروج أفضل ، وخير من ذلك أن يكون في برج الثور لكونه شرف القمر (1).
    ومن عمل فيما وصفت في كتابي هذا ، ودبر به جسده أمن بإذن الله تعالى من كل داء ، وصح جسمه بحول الله وقوته ، فان الله يعطي العافية لمن يشاء ويمنحها إياه والحمد لله أولا وآخرا ، وظاهرا وباطنا ....
    وتناول الإمام ( عليه السلام ) ـ في هذا المقطع ـ الحياة الجنسية ، وقد أدلى بكثير من الجوانب المهمة التي يجهلها الناس ، فقد حذر من اتيانها في أول الليل ، وذلك لما يترتب عليها من الاضرار التي منها الإصابة بما يلي :
    أ ـ بالقولنج.


1 ـ قال المجلسي : ولعل ذكر هذه الأمور ـ إن كان منه ـ لبعض المصالح موافقة لما اشتهر في ذلك الزمام عند المأمون وأصحابه من العمل بآراء الحكماء.


(230)

    ب ـ الفالج.
    ج ـ اللقوة.
    د ـ النقرس.
    ه‍ ـ الحصاة.
    و ـ الفتق.
    ز ـ ضعف البصر.
    ودعا إلى استعمالها في الهزيع الأخير من الليل ، كما نبه على كثير من الفوائد.
    وبهذا ينتهي بنا الحديث عن هذه الرسالة الذهبية التي هي من ذخائر كتب الطب.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net