متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
في رحاب القرآن الكريم
الكتاب : حياة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام ج1    |    القسم : مكتبة أهل البيت (ع)

  في رحاب القرآن الكريم

    كان الإمام الرضا ( عليه السلام ) حليف القرآن الكريم يتلوه باستمرار ، ويتأمل آياته بامعان ، وكان يجد في تلاوته له متعة لا تعادلها أية متعة في الحياة.
    ويقول الرواة : ان جميع كلامه تأثر تأثيرا مباشرا بالقرآن فكان جوابه ، وتمثله انتزاعات منه (1) وبلغ من شغفه وولعه بالقرآن انه كان يختمه في كل ثلاثة أيام ، ويقول : لو أردت أن أختمه في أقرب من ثلاثة أيام لفعلت ، ولكني ما مررت بآية قط إلا فكرت فيها وفي أي شئ نزلت ، وفي أي وقت ؟ فلذلك صرت أختم في كل ثلاثة أيام (2).
    ومعنى ذلك أنه كان في أغلب أوقاته مشغولا بتلاوة القرآن الكريم ، والامعان في تفسيره ، وأسباب نزول آياته. ويقول المؤرخون : إنه كان يكثر بالليل في فراشه من تلاوة القرآن فإذا مر بآية فيها ذكر الجنة أو النار بكى ، وسأل الله الجنة ، وتعوذ به من النار (3).
    وقبل أن نعرض لنماذج من تفسيره لبعض الآيات نلمح لبعض الجهات التي ترتبط بالموضوع. تعقيبه على بعض الأمور.
    كان الإمام ( عليه السلام ) إذا قرأ بعض سور القرآن الكريم عقب عليها ببعض الكلمات ، ومن بينها هذه السور :
    1 ـ سورة التوحيد.
    وكان إذا فرغ من تلاوة سورة التوحيد عقب عليها بقوله : كذلك الله ربنا يقول ذلك ثلاثا.
    2 ـ سورة الجحد. وإذا فرغ من قراءة سورة الجحد قال ثلاثا ربي الله وديني الاسلام.
    3 ـ سورة التين : وبعد الفراغ من قراءتها يقول : بلى وأنا على ذلك من الشاهدين.
    4 ـ سورة القيامة : وإذا قرأ سورة القيامة قال : سبحانك اللهم ...
1 ـ عيون أخبار الرضا 2 / 180.
2 ـ عيون أخبار الرضا 2 / 180 ، البحار 12 / 23.
3 ـ عيون أخبار الرضا 2 / 180.


(297)

    5 ـ سورة الفاتحة : وبعد فراغه من قراءة سورة الفاتحة يقول : الحمد لله رب العالمين ...
    6 ـ سورة سبح اسم ربك : وإذا تلى هذه السورة قال : سبحان ربي الاعلى (1).
    البسملة : تطرق الإمام ( عليه السلام ) إلى بعض شؤون البسملة في جملة من أحاديثه ، كان منها ما يلي :

    1 ـ أهمية البسملة :
    إن للبسملة أهمية خاصة عند أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) فقد روي عن الامام أبي جعفر ( عليه السلام ) أنها أول كل كتاب نزل من السماء بسم الله الرحمن الرحيم وروي عن الإمام الرضا ( عليه السلام ) : انها أقرب إلى اسم الله الأعظم من ناظر العين إلى سوادها (2).

    2 ـ البسملة جزء من السورة :
    وأعلن الإمام ( عليه السلام ) أن البسملة جزء من سورة القرآن الكريم ، فقد روي أنه قيل للإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : أخبرنا عن بسم الله الرحمن الله الرحيم أهي من فاتحة الكتاب ؟
    فقال : نعم كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقرأها ويعدها آية منها ، ويقول : فاتحة الكتاب هي السبع المثاني (3).

    3 ـ الجهر بالبسملة في الصلاة :
    وكان الإمام الرضا ( عليه السلام ) يجهر بالبسملة في جميع صلواته بالليل والنهار (4) وشجب من يخفت بها.
    فقال : ما بالهم قاتلهم الله عمدوا إلى أعظم آية في كتاب الله فزعموا أنها بدعة إذا أظهروها (5).
    نماذج من تفسيره للقرآن : وأهتم الإمام الرضا ( عليه السلام ) اهتماما بالغا في تفسير القرآن الكريم فأولاه


1 ـ عيون أخبار الرضا 2 / 183.
2 ـ مواهب الرحمن في تفسير القرآن 1 / 21.
3 ـ مواهب الرحمن في تفسير القرآن 1 / 20.
4 ـ عيون أخبار الرضا 2 / 180.
5 ـ مواهب الرحمن في تفسير القرآن 1 / 20.


(298)

المزيد من العناية في محاضراته وبحوثه التي ألقاها على الفقهاء والعلماء وسائر طلابه ، وقد نقلها الرواة والمفسرون للقرآن ، وهذا بعضها :

    1 ـ قوله تعالى : ( ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم ) (1).
    قال ( عليه السلام ) في تفسير هذه الآية : الختم هو الطبع على قلوب الكفار عقوبة على كفرهم ... (2) و

    2 ـ قوله تعالى : مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون ) (3).
    قال ( عليه السلام ) في تفسير قوله تعالى : ( وتركهم في ظلمات لا يبصرون ) إن الله لا يوصف بالترك كما يوصف خلقه ، ولكنه متى علم أنهم لا يرجعون عن الكفر والضلالة ، فمنعهم المعاونة واللطف ، وخلى بينهم وبين اختيارهم (4).

    3 ـ قوله تعالى : ( ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين ) (5) سأل عبد السلام بن صالح الهروي الإمام الرضا ( عليه السلام ) فقال له : يا بن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أخبرني عن الشجرة التي أكل منها آدم وحواء ما كانت ؟ فقد اختلف الناس فيها فمنهم من يروي أنها الحنطة ، ومنهم من يروي أنها العنب ومنهم من يروي أنها شجرة الحسد ؟
    فقال ( عليه السلام ) : كل ذلك حق ، فقال عبد السلام : ما معنى هذه الوجوه على اختلافها ؟ فقال ( عليه السلام ) : يا بن الصلت إن شجرة الجنة تحمل أنواعا ، وكانت شجرة الحنطة ، وفيها عنب ، وليست كشجرة الدنيا (6).
    وعلق الامام السبزواري على هذه الرواية بقوله : لا ريب في أن تلك الجنة ، ولو كانت من الدنيا لها خصوصية ليست تلك الخصوصية في جميع جنات الدنيا ، ومن جهة قلة التزاحم والتنافي في تلك الجنة أو عدمهما فصح أن تحمل شجرة منها أنواعا.


1 ـ سورة البقرة / آية 7.
2 ـ مواهب الرحمن 1 / 85.
3 ـ سورة البقرة / آية 20.
4 ـ مواهب الرحمن 1 / 106.
5 ـ سورة البقرة / آية 35.
6 ـ عيون أخبار الرضا.


(299)

    4 ـ قوله تعالى : ( وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ... ) (2).
    قال ( عليه السلام ) في تفسير الآية الكريمة : أنهم ـ أي الذين قالوا لموسى هذا القول ـ السبعون الذين اختارهم موسى ( عليه السلام ) وصاروا معه إلى الجبل ، فقالوا : أنك قد رأيت الله فأرناه كما رأيته ، فقال لهم : إني لم أره ، فقالوا له : لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة (3).

    5 ـ قوله تعالى : ( وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين * قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك فافعلوا ما تؤمرون * قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفرا فاقع لونها تسر الناظرين * قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي ان البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون * قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلمة لاشية فيها قالوا الآن جئت بالحق فذبحوها وما كادوا يفعلون ) (4).
    وأدلى الإمام ( عليه السلام ) بتفسير هذه الآيات ، فقد روى أحمد بن أبي نصر البزنطي ، قال : سمعت أبا الحسن الرضا يقول : ان رجلا من بني إسرائيل قتل قرابة له ، ثم أخذه وطرحه على طريق أفضل سبط من أسباط بني إسرائيل ثم جاء يطلب بدمه ، فقالوا لموسى ( عليه السلام ) إن سبط آل فلان قتلوا فلانا ، فأخبرنا من قتله ؟ قال : ايتوني ببقرة ( قالوا أتتخذنا هزوا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين ) ولو أنهم عمدوا إلى بقرة أجزأتهم.
    ولكن شددوا فشدد الله عليهم ( قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان ) يعني لا صغيرة ولا كبيرة ( عوان بين ذلك ) ولو أنهم عمدوا إلى أي بقرة أجزأتهم ولكن شددوا فشدد الله عليهم ( قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسر الناظرين ) ولو أنهم عمدوا إلى بقرة أجزأتهم ولكن شددوا فشدد الله عليهم


1 ـ مواهب الرحمن 1 / 188.
2 ـ سورة البقرة / آية 55.
3 ـ مواهب الرحمن 1 / 255.
4 ـ سورة البقرة / آية 67 ـ 71.


(300)

( قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي ان البقر تشابه علينا وإنا إن شاء الله لمهتدون قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلمة لاشية فيها قالوا لان جئت بالحق ) فطلبوها فوجدوها عند فتى من بني إسرائيل ، فقال : لا أبيع إلا بملء مسك ذهبا فجاؤوا إلى موسى ( عليه السلام ) ، وقالوا له ذلك ، فقال اشتروها فاشتروها ، وجاؤوا بها فأمر بذبحها ثم أمر ان يضربوا الميت بذنبها ، فلما فعلوا ذلك حيي المقتول ، وقال : يا رسول الله ان ابن عمي قتلني دون من يدعي عليه قتلي.
    فعلموا بذلك قاتله فقال لرسول الله موسى بعض أصحابه : إن هذه البقرة لها نبأ ، فقال موسى : ما هو ؟ قالوا إن فتى من بني إسرائيل كان بارا بأبيه ، وانه اشترى بيعا ، فجاؤوا إلى أبيه والأقاليد ( مقاليد ) تحت رأسه فكره أن يوقظه فترك ذلك البيع ، فاستيقظ أبوه ، فأخبره ، فقال له : أحسنت هذه البقرة فهي لك عوضا لما فاتك ، قال : فقال له رسول الله موسى : انظر إلى البر ما بلغ أهله (1).

    6 ـ قوله تعالى : ( وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا انما نحن فتنة .... ) الآية (2).
    قال ( عليه السلام ) في تفسير هذه الآية : واما هاروت وماروت فكانا ملكين علما الناس السحر ليتحرزوا به عن سحر السحرة ، ويبطلوا كيدهم وما علما أحدا من ذلك شيئا إلا قالا له : إنما نحن فتنة فلا تكفر ، فكفر قوم باستعمالهم لما أمروا بالاحتراز عنه ، وجعلوا يفرقون بما يعلمونه بين المرء وزوجه ، قال الله تعالى : ( ما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ) (3).
    7 ـ قوله تعالى : ( فإن أحصرتم فما استيسر من الهدى ... ) (4).
    قال ( عليه السلام ) في تفسير هذه الآية : يعني شاة ، وضع على أدنى القوم قوة ليسع القوي ، والضعيف (5).
    8 ـ قوله تعالى : ( وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل ) (6).


1 ـ تفسير العياشي.
2 ـ سورة البقرة / آية 102.
3 ـ مواهب الرحمن 2 / 355.
4 ـ سورة البقرة / آية 196.
5 ـ مواهب الرحمن.
6 ـ سورة البقرة / آية 205.


(301)

    هذه الآية الكريمة نزلت في الأخنس بن شريك حليف بني زهرة اقبل إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) في المدينة ، وقال : جئت أريد الاسلام ويعلم الله أني لصادق فأعجب النبي ( صلى الله عليه وآله ) منه ، ثم انه خرج من عند النبي ( صلى الله عليه وآله ) فمر بزرع لقوم من المسلمين وحمر فاحرق الزرع وعقر الحمر (1).
    وقد فسر الإمام الرضا ( عليه السلام ) النسل بالذرية والحرث بالزرع (2).

    9 ـ قوله تعالى : ( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الامر ، والى الله ترجع الأمور ) (3).
    سأل ابن فضال الإمام الرضا ( عليه السلام ) عن تفسير هذه الآية فأجابه : هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله بالملائكة في ظلل من الغمام وهكذا نزلت ، وعن قول الله عزوجل : ( وجاء ربك والملك صفا صفا ) فقال ( عليه السلام ) : إن الله لا يوصف بالمجئ والذهاب تعالى عن الانتقال ، وانما يعني بذلك وجاء امر ربك والملك صفا صفا (4).
    وعلق السيد السبزواري على تفسير الامام بقوله : ما ورد في الحديث حسن جدا للآية الشريفة كما هو شأنه ( عليه السلام ) في بيان الآيات المتشابهات ، والمراد بقوله ( عليه السلام ) : هكذا نزلت هو النزول البياني والتفسيري على قلب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) (5).

    10 ـ قوله تعالى : ( وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي ... ) (6).
    سأل صفوان بن يحيى الإمام الرضا ( عليه السلام ) عن هذه الآية ، وقال له : أكان في قلب إبراهيم شك ؟ فقال ( عليه السلام ) : لا كان على يقين ولكنه أراد من الله الزيادة في يقينه. (7).

    11 ـ قوله تعالى : ( ان الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم على العالمين ذرية


1 ـ الدر المنثور.
2 ـ تفسير العياشي.
3 ـ سورة البقرة / آية 210.
4 ـ مواهب الرحمن 3 / 270.
5 ـ مواهب الرحمن 4 / 270.
6 ـ سورة البقرة / آية 260.
7 ـ تفسير القمي.


(302)

بعضها من بعض ) (1).
    استدل الإمام الرضا ( عليه السلام ) بهذه الآية الكريمة حينما سأله المأمون هل فضل الله العترة على سائر الأمة ؟ فقال ( عليه السلام ) : إن الله عزوجل أبان فضل العترة على سائر الناس في محكم كتابه.
    فقال المأمون : وأين ذلك من كتاب الله ؟ فقال ( عليه السلام ) : في قوله عزوجل : ( ان الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم ، وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض ) إن العترة داخلون في آل إبراهيم لان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من ولد إبراهيم وهو دعوة إبراهيم ، وعترته منه (2) وكلام الإمام ( عليه السلام ) ليس من التفسير ، وانما هو من الاستدلال بظاهر الآية على ما ذكره.

    12 ـ قوله تعالى : ( قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ) (3).
    قال ( عليه السلام ) في تفسير الآية : ( انه ما شبه أمر أحد من أنبياء الله ، وحججه على الناس إلا أمر عيسى وحده ، لأنه رفع من الأرض حيا ، وقبض روحه بين السماء والأرض ثم رفع إلى السماء ، ورد عليه روحه ، وذلك قوله عزوجل : ( إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك ) وقال الله حكاية عن عيسى يوم القيامة : ( وكنت شهيدا عليهم ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم ، وأنت على كل شئ شهيدا ) (4).
    وعلق السيد السبزواري على هذا الحديث بقوله : الحديث يدل على توفي عيسى ( عليه السلام ) وموته قبل رفعه إلى السماء وبهذا يمكن أن يجمع بين جميع الأقوال لفرض صراحة الحديث بأنه مات ما بين السماء والأرض ثم ارجع الله روحه إليه ، ورفعه (5).

    13 ـ قوله تعالى : ( هم درجات عند الله والله بصير بما يعملون ) (6).
    فسر الإمام الرضا ( عليه السلام ) الدرجات والتفاوت بين المتقين يوم القيامة فقال


1 ـ سورة آل عمران / آية 33 ـ 34.
2 ـ مواهب الرحمن 5 / 328.
3 ـ سورة آل عمران / آية 55.
4 ـ عيون أخبار الرضا.
5 ـ مواهب الرحمن.
6 ـ سورة آل عمران / آية 163.


(303)

( عليه السلام ) : الدرجة ما بين السماء والأرض (1) ان الدرجات بين الأخيار والصالحين تختلف اختلافا كثيرا ، فدرجة الأنبياء غير درجة المتقين ، وهكذا بالنسبة إلى المتقين.

    14 ـ قوله تعالى : ( لتبلون في أموالكم وأنفسكم ... ) (2).
    قال ( عليه السلام ) : في تفسير هذه الآية ، لتبلون في أموالكم باخراج الزكاة ، وفي أنفسكم بالتوطين على الصبر (3).

    15 ـ قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ) (4). قال ( عليه السلام ) : إذا كان يوم القيامة ينادي مناد أين الصابرون ؟ فيقوم فئام (5) من الناس ، فقال له بعض أصحابه : جعلت فداك ، ما الصابرون ؟ قال ( عليه السلام ) : على أداء الفرائض ، والمتصبرون على اجتناب المحارم (6).

    16 ـ قوله تعالى : ( فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ... ) (7). دلت الآية الكريمة على جواز زواج الرجل بأربع نساء من دون أن يسمح للمرأة بذلك ، وقد تحدث الإمام ( عليه السلام ) عن بعض الحكم والمصالح في هذا التشريع قال ( عليه السلام ) : علة تزويج الرجل بأربع نسوة ، وتحريم أن تزوج المرأة أكثر من واحد لان الرجل إذا تزوج أربع نسوة كان الولد منسوبا إليه ، والمرأة لو كان لها زوجان أو أكثر من ذلك لم يعرف الولد لمن هو ؟ إذ هم مشتركون في نكاحها وفي ذلك فساد الأنساب والمواريث والمعارف (8).

    17 ـ قوله تعالى : ( يريد الله ليبني لكم ، ويهديكم سنن الذين من قبلكم ... ) (9).


1 ـ تفسير العياشي.
2 ـ سورة آل عمران / آية 186.
3 ـ مواهب الرحمن 6 / 162.
4 ـ سورة آل عمران / آية 200.
5 ـ الفئام : الجماعة من الناس.
6 ـ تفسير القمي.
7 ـ سورة النساء / آية 2.
8 ـ مواهب الرحمن 7 / 279.
9 ـ سورة النساء / آية 26.


(304)

    سئل الإمام الرضا ( عليه السلام ) عن إرادة العباد ، وإرادة الله تعالى ، فقال : إن الإرادة من العباد الضمير ، وما يبدو بعد ذلك من الفعل ، واما من الله عزوجل فالإرادة للفعل احداثه انما يقول : كن فيكون بلا تعب وكيف (1).

    18 ـ قوله تعالى : ( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما انفقوا من أموالهم ... ) (2).
    استشهد الامام بهذه الآية الكريمة في جوابه لمحمد بن سنان حينما سأله عن العلة في اعطاء المرأة نصف ما يعطى الرجل من الميراث فقال ( عليه السلام ) :
    علة اعطاء النساء نصف ما يعطى الرجال من الميراث لأن المرأة إذا تزوجت أخذت ، والرجل يعطي فلذلك وفر على الرجال.
    وعلة أخرى في اعطاء الذكر نصف ما تعطى الأنثى لان الأنثى من عيال الذكر إذا احتاجت ، وعليه أن يعولها وليس على المرأة ان تعول الرجل ، ولا تؤخذ بنفقته إذا احتاج ، فوفر على الرجال لذلك ، وذلك قول الله عزوجل : ( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما انفقوا من أموالهم ، فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله ) (3).

    19 ـ قوله تعالى : ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ) (4).
    سأل بريد العجلي الإمام الرضا ( عليه السلام ) عن تفسير هذه الآية فقال ( عليه السلام ) : هم الأئمة من آل محمد (ص) ان يؤدوا الأمانة إلى من بعده ، ولا يخص بها غيره ، ولا يزويها عنه (5).
    ودلت هذه الرواية على أن أمر الإمامة بيد الله تعالى ، وانه تعالى يهبها لافضل عباده ، وأتقاهم ، وان الإمامة أمانة عند الامام فعند ارتحاله إلى حظيرة القدس لا بد أن يعهد بها إلى من هو المنصوص عليه من قبل النبي (ص) وليس له أن يقلدها لأي شخص كان.


1 ـ مواهب الرحمن 8 / 140.
2 ـ سورة النساء / آية 34.
3 ـ مواهب الرحمن 8 / 195
4 ـ سورة النساء / آية 58.
5 ـ مواهب الرحمن 8 / 367.


(305)

    20 ـ قوله تعالى : ( واتخذ الله إبراهيم خليلا ... ) (1).
    قال ( عليه السلام ) : سمعت أبي يحدث عن أبيه ( عليه السلام ) أنه قال : إنما اتخذ الله إبراهيم خليلا لأنه لم يرد أحدا ، ولم يسأل أحدا قط غير الله عزوجل (2).

    21 ـ قوله تعالى : ( وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزء بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره ) (3).
    قال ( عليه السلام ) : في تفسير الآية الكريمة إذا سمعت الرجل يجحد الحق ، ويكذب به ، ويقع في أهله فقم من عنده ولا تقاعده (4).

    22 ـ قوله تعالى : ( ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ) (5).
    قال ( عليه السلام ) : في تفسير الآية لن يجعل الله للكافر على المؤمنين حجة ، ولقد أخبر الله تعالى عن كفار قتلوا نبيهم بغير الحق ، ومع قتلهم إياهم لم يجعل الله لهم على أنبيائه سبيلا (6).

    22 ـ قوله تعالى : ( يخادعون الله وهو خادعهم ... ) (7).
    قال ( عليه السلام ) في تفسير الآية الكريمة الله تبارك وتعالى لا يخادع ولكنه يجازيهم جزاء الخديعة (8).

    23 ـ قوله تعالى : ( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض .... (9).


1 ـ سورة النساء / آية 124.
2 ـ الميزان 5 / 96.
3 ـ سورة النساء / آية 140.
4 ـ الميزان 5 / 120.
5 ـ سورة النساء / آية 141.
6 ـ الميزان 5 / آية 120.
7 ـ سورة النساء / آية 142.
8 ـ الميزان.
9 ـ سورة المائدة / آية 33.


(306)

    سئل الإمام الرضا ( عليه السلام ) عن تفسير الآية الكريمة ، وقيل له : ما الذي إذا فعله استوجب واحدة من هذه الأربع ؟
    فقال ( عليه السلام ). إذا حارب الله ورسوله ، وسعى في الأرض فسادا فقتل قتل به وان قتل وأخذ المال قتل وصلب ، وإن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف ، وإن شهر السيف فحارب الله ورسوله وسعى في الأرض فسادا ولم يقتل ولم يأخذ المال نفي من الأرض.
    قلت كيف ينفى من الأرض وما حد نفيه ؟
    قال ( عليه السلام ) : ينفى من المصر الذي فعل فيه ما فعل إلى مصر غيره ، ويكتب إلى أهل ذلك المصر أنه منفي فلا تجالسوه ، ولا تبايعوه ، ولا تناكحوه ، ولا تؤاكلوه ولا تشاربوه ، فيفعل ذلك به سنة ، فان خرج من ذلك المصر إلى غيره كتب إليهم بمثل ذلك حتى تتم السنة.
    قلت : فان توجه إلى أرض الشرك ليدخلها ؟
    قال ( عليه السلام ) : إن توجه إلى ارض الشرك ليدخلها قوتل أهلها (1).

    24 ـ قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ) (2).
    استشهد الإمام ( عليه السلام ) بهذه الآية الكريمة في جوابه عن مسائل أحمد بن محمد ، قال ( عليه السلام ) : أولم تنهوا عن كثرة المسائل فأبيتم أن تنتهوا ، إياكم وذلك ، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم ، قال الله تبارك وتعالى : ( يا أيها الذين آمنوا تسألوا عن أشياء ان تبد لكم تسؤكم ). (3).

    25 ـ قوله وتعالى : ( قل انما هو إله واحد وانني برئ مما تشركون ) (4).
    قال ( عليه السلام ) : للناس في التوحيد ثلاثة مذاهب : نفي وتشبيه واثبات بغير تشبيه فمذهب النفي لا يجوز ومذهب التشبيه لا يجوز لان الله تبارك وتعالى لا يشبهه شئ ، والسبيل في الطريقة الثالثة إثبات بلا تشبيه.


1 ـ الميزان 5 / 331.
2 ـ سورة المائدة / آية 101.
3 ـ تفسير العياشي.
4 ـ سورة الأنعام / آية 19.


(307)

    وأوضح السيد الطباطبائي هذه المذاهب الثلاثة قال : المراد بمذهب النفي نفي معاني الصفات عنه تعالى كما ذهبت إليه المعتزلة ، وفي معناه ارجاع الصفات الثبوتية إلى نفي ما يقابلها كالقول بأن معنى القادر انه ليس بعاجز ، ومعنى العالم انه ليس بجاهل إلا ان يرجع إلى ما ذكره ( عليه السلام ) من المذهب الثالث.
    والمراد بمذهب التشبيه أن يشبهه تعالى بغيره ـ وليس كمثله شئ ـ أي أن يثبت له من الصفة معناه المحدود الذي فينا المتميز من غيره من الصفات بأن يكون قدرته كقدرتنا وعلمه كعلمنا وهكذا ، ولو كان ماله من الصفة كصفتنا احتاج كاحتياجنا فلم يكن واجبا تعالى عن ذلك.
    والمراد بمذهب الاثبات من غير تشبيه ان يثبت له من الصفة أصل معناه ، وتنفى عنه خصوصيته التي قارنته في الممكنات المخلوقة أي تثبت الصفة وينفى الحد (1).

    26 ـ قوله تعالى : ( ما فرطنا في الكتاب من شئ ) (2).
    استشهد الإمام ( عليه السلام ) بالآية الكريمة في حديثه التالي ، قال ( عليه السلام ) : ان الله عزوجل لم يقبض نبينا حتى أكمل له الدين ، وأنزل عليه القرآن فيه تبيان كل شئ يبين فيه الحلال والحرام والحدود والاحكام ، وجميع ما يحتاج إليه الناس كملا ، وقال عزوجل : ( ما فرطنا في الكتاب من شئ ) (3).

    27 ـ قوله تعالى : ( فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي ) (4).
    سأل المأمون الإمام الرضا ( عليه السلام ) عن عصمة الأنبياء ، فأجابه أنهم معصومون ، واعترض عليه المأمون بهذه الآية انه كيف يقول : للكوكب هذا ربي ، وهذا مما ينافي العصمة فأجابه الإمام ( عليه السلام ) بما يلي :


1 ـ الميزان 7 / 41.
2 ـ سورة الأنعام / آية 38.
3 ـ الميزان 7 / 106.
4 ـ سورة الأنعام / آية 76.


(308)

    إن إبراهيم وقع إلى ثلاثة أصناف : صنف يعبد الزهرة ، وصنف يعبد القمر ، وصنف يعبد الشمس ، وذلك حين خرج من السرب الذي أخفي فيه.
    فلما جن عليه الليل رأى الزهرة ، قال : هذا ربي ، على الانكار والاستخبار ، فلما أفل الكوكب قال : لا أحب الآفلين ، لان الأفول من صفات المحدث لا من صفات القديم.
    فلما رأى القمر بازغا قال : هذا ربي ، على الانكار والاستخبار ، فلما أفل قال : لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين.
    فلما أصبح رأى الشمس بازغة قال : هذا ربي هذا أكبر من الزهرة والقمر : فلما أفلت قال للأصناف الثلاثة من عبدة الزهرة والقمر ، والشمس.
    يا قوم إني برئ مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا ، وما أنا من المشركين. وانما أراد إبراهيم بما قال : أن يبني لهم بطلان دينهم ويثبت عندهم ان العبادة لا تحق لما كان بصفة الزهرة والقمر والشمس ، وانما تحق العبادة لخالقها ، وخالق السماوات والأرض ، وكان ما احتج به على قومه ما ألهمه الله عزوجل وآتاه ، كما قال عزوجل ، تلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه ...
    ولم يملك المأمون اعجابه بهذا الجواب الحاسم ، فقال للامام : لله درك يا بن رسول الله (1).

    28 ـ قوله تعالى : ( فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للاسلام ... ) (2). سأل سليمان النيشابوري الإمام الرضا ( عليه السلام ) عن تفسير هذه الآية الكريمة فقال : فمن يرد الله ان يهديه بايمانه في الدنيا ، والى جنته ، ودار كرامته ، في الآخرة ، يشرح صدره للتسليم لله ، والثقة به والسكون إلى ما وعد من ثوابه حتى يطمئن إليه ، ومن يرد أن يضله عن جنته ودار كرامته في الآخرة لكفره به وعصيانه له في الدنيا يجعل صدره ضيقا حرجا حتى يصير كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون. (3).


1 ـ الميزان 7 / 205.
2 ـ سورة الأنعام / آية 125.
3 ـ الميزان 7 / 348.


(309)

    29 ـ قوله تعالى : ( قل من حرم زينة الله التي اخرج لعباده والطيبات من الرزق ... ) (1).
    استشهد الإمام ( عليه السلام ) بهذه الآية الكريمة في حديثه التالي : روى أحمد بن محمد بن أبي نصر قال : قال لي الإمام الرضا : ما تقول في اللباس الخشن ؟ فقلت : بلغني أن الحسن كان يلبس ، وأن جعفر بن محمد كان يأخذ الثوب الجديد.
    فيأمر به فيغمس في الماء ، فقال ( عليه السلام ) : البس وجمل فإن علي بن الحسين كان يلبس الجبة الخز بخمس مائة درهم والمطرف الخز بخمسين دينارا ، فيشتو فيه ، فإذا خرج الشتاء ، باعه وتصدق بثمنه ، وتلا هذه الآية : ( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده ، والطيبات من الرزق ) (2).

    30 ـ قوله تعالى : ( واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين ) (3).
    قال ( عليه السلام ) في تفسير هذه الآية : إنه أعطي بلعم بن باعور الاسم الأعظم ، وكان يدعو به فيستجاب له ، فمال إلى فرعون ، فلما أمر فرعون في طلب موسى وأصحابه قال فرعون لبلعم : ادع الله على موسى وأصحابه ليحبسه علينا فركب حمارته فاقبل يضربها فأنطقها الله عزوجل ، فقالت : ويلك على ماذا تضربني ؟ أتريد أن أجئ معك لتدعو على نبي الله وقوم مؤمنين ؟
    ولم يزل يضربها حتى قتلها فانسلخ من لسانه وهو قوله : ( فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ، ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ) وهو مثل ضربه الله (4).

    31 ـ قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الادبار ) (5).
    قال ( عليه السلام ) في تفسير هذه الآية المباركة حرم الله الفرار من الزحف لما


1 ـ سورة الأعراف / آية 32.
2 ـ قرب الاسناد.
3 ـ سورة الأعراف / آية 175.
4 ـ تفسير القمي.
5 ـ سورة الأنفال / آية 15.


(310)

فيه من الوهن في الدين ، والاستخفاف بالرسل والأئمة العادلة ، وترك نصرتهم على الأعداء ، والعقوبة لهم على ترك ما دعوا إليه من الاقرار بالربوبية ، واظهار العدل.
    وترك الجور ، وإماتة الفساد ، لما في ذلك من جراءة العدو على المسلمين ، وما يكون في ذلك من السبي والقتل ، وابطال دين الله عزوجل وغيره من الفساد. (1).

    32 ـ قوله تعالى : ( فلو كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين .. ) (2).
    عرض ( عليه السلام ) في حديث له إلى قصة يونس لما رفع الله عنهم العذاب ، قال ( عليه السلام ) : ان يونس أمره الله بما أمره ، فأعلم قومه فأظلهم العذاب ففرقوا بينهم وبين أولادهم وبين البهائم وأولادها ثم عجوا إلى الله ، وضحوا فكف الله العذاب عنهم (3).

    33 ـ قوله تعالى : ( ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم ان كان الله يريد أن يغويكم .. ) (4).
    إن نوح ( عليه السلام ) قال لقومه مضمون هذه الآية الكريمة ، وقد علق الإمام الرضا ( عليه السلام ) على ذلك بقوله : الامر إلى الله يهدي ويضل (5).

    34 ـ قوله تعالى : ( قال يا نوح انه ليس من أهلك انه عمل غير صالح ... (6).
    روى الحسن بن علي الوشاء عن الإمام الرضا ( عليه السلام ) ، قال : سمعته يقول : قال أبي : قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : ان الله عزوجل قال لنوح : إنه ليس من أهلك لأنه كان مخالفا له ، وجعل من اتبعه من أهله. قال ـ أي الحسن ـ وسألني كيف يقرؤن هذه الآية في ابن نوح ؟


1 ـ من لا يحضره الفقيه.
2 ـ سورة يونس / آية 98.
3 ـ تفسير العياشي.
4 ـ سورة هود / آية 34.
5 ـ تفسير العياشي.
6 ـ سورة هود / آية 45.


(311)

    فقلت : يقرؤها الناس على وجهين : إنه عمل ـ جعلوه مصدرا ـ وانه عمل ـ جعلوه فعلا ماضيا ـ فقال : كذبوا هو ابنه ولكن الله نفاه حين خالفه في دينه. قال السيد الطباطبائي : وكأن المراد من قراءة الآية تفسيرها والراوي يشير بايراد القراءتين إلى تفسير من فسر الآية بأن المراد أن امرأة نوح حملت الابن من غيره فألحقه بفراشه (1).

    35 ـ قوله تعالى : ( ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه ... ) (2).
    سأل علي بن محمد بن الجهم الإمام الرضا ( عليه السلام ) في مجتمع حاشد فقال له : يا بن رسول الله أتقول : بمهمة الأنبياء ؟.
    نعم ....
    ما تقول : في قوله عزوجل في يوسف ولقد همت به ، وهم بها ؟
    فأجابه ( عليه السلام ) بتفسير الآية وانه ليس كما توهم من الاخذ بظاهره قائلا : إنها أي زليخا ـ همت بالمعصية ، وهم يوسف بقتلها ان أجبرته لعظيم ما تداخله ، فصرف الله عنه قتلها ، وهو قوله عزوجل : ( كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء ) والسوء القتل والفحشاء الزنا (3).

    36 ـ قوله تعالى : ( قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبلة إلا قليلا مما تأكلون ) (4).
    فسر الإمام الرضا ( عليه السلام ) الآية وما قبلها بالحديث التالي : روى الحسن بن علي بن الياس قال : سمعت الرضا ( عليه السلام ) يقول : واقبل يوسف على جمع الطعام في السبع سنين المخصبة يكسبه في الخزائن ، فلما مضت تلك السنون ، وأقبلت السنون المجد به أقبل يوسف على بيع الطعام فباعهم في السنة الأولى بالدراهم والدنانير ، حتى لم يبق بمصر وما حولها دينار ولا درهم إلا صار في ملك يوسف.


1 ـ الميزان 11 / 245.
2 ـ سورة يوسف / آية 24.
3 ـ الميزان 11 / 166.
4 ـ سورة يوسف / آية 47.


(312)

    وباعهم في السنة الثانية بالحلي والجوهر حتى لم يبق بمصر وما حولها حلي ولا جوهر إلا صار في ملكه ، وباعهم في السنة الثالثة بالدواب والمواشي حتى لم يبق بمصر وما حولها عبد ولا أمة إلا صار في ملكه.
    وباعهم في السنة الخامسة بالدور والفناء حتى لم يبق في مصر وما حولها دار ولا فناء إلا صار في ملكه وباعهم في السنة السادسة بالمزارع والأنهار حتى لم يبق بمصر وما حولها نهر ولا مزرعة إلا صار في ملكه وباعهم في السنة السابعة برقابهم حتى لم يبق بمصر وما حولها عبد ولا حر إلا صار عبدا ليوسف. فملك أحرارهم وعبيدهم وأموالهم.
    وقال الناس : ما سمعنا بملك أعطاه الله الملك ما اعطى هذا الملك حكما وعلما وتدبيرا ، ثم قال يوسف للملك : ما ترى فيما خولني ربي من ملك مصر وما حولها ؟ أشر علينا برأيك ، فإنني لم أصلحهم لأفسدهم ولم أنجهم من البلاء ليكون بلاء عليهم ولكن الله أنجاهم بيدي.
    قال الملك : الرأي رأيك قال يوسف : أني اشهد الله وأشهدك أيها الملك أني قد أعتقت أهل مصر كلهم ورددت عليهم أموالهم وعبيدهم ، ورددت عليك الملك وخاتمك وسريرك وتاجك على أن لا تسير إلا بسيرتي ولا تحكم إلا بحكمي. قال الملك : إن ذلك توبتي وفخري ، أن لا أسير إلا بسيرتك ، ولا احكم إلا بحكمك ، ولولاك ما توليت عليهم ولا اهتديت له ، وقد جعلت سلطاني عزيزا ما يرام ، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وانك رسوله ، فأقم على ما وليتك فإنك لدينا مكين أمين (1).

    37 ـ قوله تعالى : ( قال اجعلني على خزائن الأرض اني حفيظ عليم ) (2).
    استشهد الإمام الرضا ( عليه السلام ) بالآية الكريمة في حديثه مع رجل قال له : أصلحك الله كيف صرت إلى ما صرت إليه من المأمون ؟ ...
    لقد أنكر على الامام قبوله لولاية العهد من قبل المأمون فرد الامام عليه قائلا : أيما أفضل النبي أو الوصي ؟ ...
    لا. النبي ....


1 ـ البرهان.
2 ـ سورة يوسف / آية 55.


(313)

    أيما أفضل مسلم أو مشرك ؟ ...
    لابل مسلم ...
    وأدلى الإمام ( عليه السلام ) بالحجة القاطعة قائلا : فان عزيز مصر كان مشركا ، وكان يوسف نبيا ، وان المأمون مسلم ، وأنا وصي ، ويوسف سأل العزيز أن يوليه حتى قال : استعملني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم والمأمون أجبرني على ما أنا فيه.
    وفسر الامام : قوله تعالى : حفيظ عليم بأنه ـ اي يوسف ـ حافظ على ما في يده عالم بكل لسان (1).

    38 ـ قوله تعالى : ( قالوا إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم ) (2).
    قال ( عليه السلام ) : في تفسير هذه الآية الكريمة كان لإسحاق النبي منطقة يتوارثها الأنبياء والأكابر ، وكانت عند عمة يوسف ، وكان يوسف عندها ، وكانت تحبه فبعث إليها أبوه ، أن ابعثيه إلي وارده إليك ، فبعثت إليه أن دعه عندي الليلة لأشمه ثم أرسله إليك غدوة فلما أصبحت أخذت المنطقة فربطتها في حقوه وألبسته قميصا ، فبعثت به إليه ، وقالت : سرقت لمنطقة فوجدت عليه ، وكان إذا سرق أحد في ذلك الزمان دفع إلى صاحب السرقة ، فأخذته فكان عندها (3).

    39 ـ قوله تعالى : ( وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ) (4).
    قال ( عليه السلام ) : في تفسير الآية إنه شرك لا يبلغ به الكفر (5) والمعنى انه شرك في طاعتهم للشيطان ، وليس شرك عبادة ليلحقوا بقافلة الكفار.


1 ـ الميزان 11 / 207.
2 ـ سورة يوسف / آية 77.
3 ـ تفسير العياشي.
4 ـ سورة يوسف / آية 106.
5 ـ تفسير العياشي.


(314)

    40 ـ قوله تعالى : ( حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا ) (1).
    وطلب المأمون من الإمام الرضا ( عليه السلام ) تفسير الآية الكريمة فقال ( عليه السلام ) : يقول الله : ( حتى إذا استيئس من قومهم ، فظن قومهم أن الرسل قد كذبوا ، جاء الرسل نصرنا ) (2).

    41 ـ قوله تعالى : ( هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا ) (3).
    قال ( عليه السلام ) في تفسير الخوف والطمع في الآية خوفا للمسافر وطمعا للمقيم (4).

    42 ـ قوله تعالى : ( ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ... ) (5).
    قال ( عليه السلام ) في تفسير الآية الكريمة : إن الامر صار إلى الله تعالى (6).

    43 ـ قوله تعالى : ( فاصفح الصفح الجميل ... ) (7). فسر الإمام ( عليه السلام ) الصفح الجميل بالعفو من غير عتاب (8).

    44 ـ قوله تعالى : ( قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمني مما عملت رشدا ... ) (9).
    روى محمد بن علي بن بلال عن يونس في كتاب رفعوه إلى الإمام الرضا ( عليه السلام ) يسألونه عن العالم الذي أتاه موسى أيهما كان أعلم ؟ وهل يجوز أن يكون على موسى حجة في وقته ، فكتب ( عليه السلام ) في الجواب : أتى موسى العالم فأصابه في جزيرة من جزائر البحر ، إما جالسا وإما متكئا ،


1 ـ سورة يوسف / آية 110.
2 ـ الميزان 11 / 282.
3 ـ سورة الرعد / آية 12.
4 ـ المعاني.
5 ـ سورة الرعد / آية / 11.
6 ـ تفسير العياشي.
7 ـ سورة الحجر / آية 85.
8 ـ الميزان 11 / 297.
9 ـ سورة الكهف / آية 66.


(315)

فسلم عليه موسى فأنكر السلام إذ كان الأرض ليس بها سلام.
    قال : من أنت ؟
    قال أنا موسى بن عمران :
    أنت موسى بن عمران الذي كلمه الله تكليما ؟.
    نعم ....
    ما حاجتك ؟ ...
    جئت لتعلمني مما علمت رشدا ...
    إني وكلت بأمر لا تطيقه ، ووكلت بأمر لا أطيقه ...
    وساق له الامرين (1).

    45 ـ قوله تعالى : ( وله من في السماوات والأرض ومن عنده يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون ) (2).
    استشهد الإمام الرضا ( عليه السلام ) بهذه الآية الكريمة على عصمة الملائكة قال ( عليه السلام ) : ان الملائكة معصومون ، محفوظون عن الكفر والقبائح بألطاف الله تعالى قال الله تعالى فيهم : ( لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ).
    وقال عزوجل : ( وله من في السماوات والأرض ومن عنده ـ يعني الملائكة ـ لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون ، يسبحون الليل والنهار لا يفترون ) (3).

    46 ـ قوله تعالى : ( ووهبنا اسحق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين * وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وايتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين ) (4).
    استشهد الإمام الرضا ( عليه السلام ) بالآيتين الكريمتين على طهارة الأنبياء ، وانهم صفوة خلق الله قال ( عليه السلام ) :


1 ـ الميزان.
2 ـ سورة الأنبياء / آية 19.
3 ـ الميزان 14 / 281.
4 ـ سورة الأنبياء / آية 72 ـ 73.


(316)

    ثم أكرمه الله عزوجل ـ يعني إبراهيم ـ ـ بأن جعلها ـ ـ يعني الإمامة ـ في ذريته وأهل الصفوة والطهارة ، فقال عزوجل : ( ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وأقام الصلاة وايتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين ).
    فلم تزل ـ يعني الإمامة ـ في ذريته يرثها بعض عن بعض قرنا قرنا ، حتى ورثها النبي (ص) فقال الله جل جلاله : ( ان أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين ).
    فكانت خاصة فقلدها عليا بأمر الله عزوجل على رسم ما فرض الله تعالى ، فصارت في ذريته الأصفياء الذين آتاهم الله العلم والايمان بقوله تعالى : ( قال الذين أوتوا العلم والايمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث ).
    فهي ـ اي الإمامة ـ في ولد علي بن أبي طالب خاصة إلى يوم القيامة إذ لا نبي بعد محمد ( صلى الله عليه وآله ) (1).

    47 ـ قوله تعالى ، ( ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات .... ) (2).
    تحدث الإمام الرضا ( عليه السلام ) عن المنافع في الحج ، والغاية من تشريعه قال ( عليه السلام ) : وعلة الحج الوفادة إلى الله عزوجل ، وطلب الزيادة والخروج من كل ما اقترف ، وليكون تائبا مما مضى مستأنفا لما يستقبل وما فيه من استخراج الأموال ، وتعب الأبدان ، وخطرها عن الشهوات واللذات والتقرب بالعبادة إلى الله عزوجل والخضوع والاستكانة والذل شاخصا في الحر والبرد ، والامن والخوف تائبا ؟؟ في ذلك دائما.
    وما في ذلك لجميع الخلق من المنافع ، والرغبة ، والرهبة إلى الله تعالى ، ومنه ترك قسوة القلب ، وخساءة النفس ، ونيسان الذكر ، وانقطاع الرجاء والأمل ، وتجديد الحقوق ، وحظر النفس عن الفساد ، ومنفعة من في شرق الأرض وغربها ومن في البر والبحر ، ممن يحج ، ومن لا يحج من تاجر وجالب وبائع ومشتر ، وكاسب ومسكين ، وقضاء حوائج أهل الأطراف والمواضع الممكن لهم الاجتماع فيها كذلك ليشهدوا


1 ـ الميزان 14 / 308.
2 ـ سورة الحج / آية 28.


(317)

منافع لهم (1).

    48 ـ قوله تعالى : ( ثم ليقضوا تفثهم ... ) (2).
    فسر الإمام ( عليه السلام ) التفث بتقليم الأظفار ، وطرح الوسخ وطرح الاحرام عنه ـ اي عن الحاج بعد قضائه لعملية الحج ـ (3).

    49 ـ قوله تعالى : ( الله نور السماوات والأرض ) (4) قال ( عليه السلام ) في تفسير الآية : الله هاد لأهل السماوات وهاد لأهل الأرض (5).
    50 ـ قوله تعالى ( فوكزه موسى فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين ، قال ربي إني ظلمت نفسي فاغفر لي ) (6).
    وجه المأمون إلى الإمام الرضا ( عليه السلام ) السؤال التالي فقال له :
    يا بن رسول الله أليس من قولك ان الأنبياء معصومون ؟.
    بلي ....
    اخبرني عن قول الله فوكزه موسى فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان ؟ ....
    فاجابه الامام عن تفسير الآية : ان موسى دخل مدينة من مدائن فرعون على حين غفلة من أهلها وذلك بين المغرب والعشاء ، فوجد فيها رجلين يقتتلان ، هذا من شيعته وهذا من عدوه ، فقضى على العدو بحكم الله تعالى ذكره فوكزه فمات ، قال هذا من عمل الشيطان ، يعني الاقتتال الذي وقع بين الرجلين ، لا ما فعله موسى من قتله ( انه ) يعني الشيطان عدو معضل مبين.
    وطفق المأمون قائلا :


1 ـ الميزان 14 / 377 ـ 378.
2 ـ سورة الحج / آية 29.
3 ـ من لا يحضره الفقيه.
4 ـ سورة النور / آية 35.
5 ـ الميزان 15 / 139.
6 ـ سورة القصص / آية 15 ـ 16.


(318)

فما معنى قول موسى : رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي.
    فاجابه الامام عن معنى الآية الكريمة : يقول : وضعت نفسي غير موضعها بدخول هذه المدينة فاغفر لي ، أي استرني من أعدائك لئلا يظفروا بي فيقتلوني فغفر له انه هو الغفور الرحيم ، قال موسى : رب بما أنعمت علي من القوة حتى قتلت رجلا بوكزة فلن أكون ظهيرا للمجرمين بل أجاهدهم بهذه القوة حتى ترضى.
    فأصبح موسى في المدينة خائفا يترقب ، فإذا الذي يستصرخه بالأمس يستصرخه على آخر قال موسى له : انك لغوي مبين : قاتلت رجلا بالأمس ، وتقاتل هذا اليوم لأؤدبنك وأراد أن يبطش به ، فلما أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما وهو من شيعته قال : يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس ؟ ان تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض ، وما تريد أن تكون من المصلحين.
    فقال المأمون : جزاك الله عن أنبيائه خيرا يا أبا الحسن (1).

    51 ـ قوله تعالى : ( كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون ) (2).
    قال ( عليه السلام ) : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : لما نزلت انك ميت وانهم ميتون قلت : يا رب أيموت الخلق كلهم ، ويبقى الأنبياء ؟ فنزلت ( كل نفس ذائقة الموت ) (3).

    52 ـ قوله تعالى : ( خلق السماوات بغير عمد ترونها ) (4).
    استشهد الإمام ( عليه السلام ) بالآية الكريمة في الحديث التالي روي الحسين بن خالد قال : قلت لأبي الحسن الرضا ( عليه السلام ) : اخبرني عن قول الله : والسماء ذات الحبك قال : هي محبوكة إلى الأرض وشبك بين أصابعه ، فقلت : كيف تكون محبوكة إلى الأرض. والله تعالى : ( رفع السماوات بغير عمد ترونها ) فقال ( عليه السلام ) : سبحان الله !! أليس الله يقول ( بغير عمد ترونها ) فقلت بلى :


1 ـ الميزان 16 / 22 ـ 23.
2 ـ سورة العنكبوت / آية 57.
3 ـ الميزان 16 / 146.
4 ـ سورة لقمان / آية 10.


(319)

    فقال : فثم عمد ولكن لا ترونها (1).

    52 ـ قوله تعالى : ( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات ) (2).
    روى أحمد بن عمر قال : سألت أبا الحسن الرضا ( عليه السلام ) عن قول الله عزوجل : ( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا ) الآية فقال ( عليه السلام ) : ولد فاطمة ( عليها السلام ) ، والسابق بالخيرات لا يعرف الامام (3).

    53 ـ قوله تعالى : ( لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون ) (4).
    روى الأشعث بن حاتم قال : كنت بخراسان حيث اجتمع الرضا والفضل بن سهل ، لمأمون في الايوان : ب‍ ( مرو ) ، فوضعت المائدة.
    فقال الرضا ( عليه السلام ) : إن رجلا من بني إسرائيل سألني بالمدينة.
    فقال : النهار خلق قبل أم الليل ؟ فما عندكم ؟ قال : وأداروا الكلام ، فلم يكن عندهم في ذلك شئ.
    فقال الفضل للرضا : أخبرنا بها أصلحك الله.
    قال نعم : من القرآن أم من الحساب.
    قال له الفضل : من جهة الحساب
    فقال : قد علمت يا فضل إن طالع الدنيا السرطان ، والكواكب في مواضع شرفها ، فزحل في لميزان ، والمشتري في السرطان والمريخ في الجدي ، والشمس في الحمل ، والزهرة في الحوت وعطارد في السنبلة ، والقمر في الثور فتكون الشمس في العاشر في وسط السماء فالنهار قبل الليل.
    ومن القرآن قوله تعالى : ( ولا الليل سابق النهار ) أي الليل قد سبقه النهار.
    ونقل الآلوسي في تفسيره روح المعاني هذا الحديث ، وعقبه بقوله : وفي الاستدلال بالآية بحث ظاهر ، وأما بالحساب فله وجه في الجملة ، ورأى المنجمين ان.


1 ـ تفسير القمي.
2 ـ سورة فاطر / آية 32.
3 ـ الميزان 17 / 49.
4 ـ سورة يس / آية 40.


(320)

    ابتداء الدورة دائرة نصف النهار ، وله موافقة لما ذكره ، والذي يغلب على الظن عدم صحة الخبر من مبتدئه فالرضا أجل من أن يستدل بالآية على ما سمعت من دعواه.
    وعلق السيد الطباطبائي على مقال الآلوسي بقوله : وقد اختلط عليه الامر في تحصيل حقيقة معنى الليل والنهار توضيحه : ان الليل والنهار متقابلان نقابل العدم والملكة كالعمى والبصر ، فكما ان العمى ليس مطلق عدم البصر حتى يكون الجدار مثلا أعمى لعدم البصر فيه ، بل هو عدم البصر مما من شأنه أن يتصف بالبصر كالانسان كذلك الليل ليس هو مطلق عدم النور ، بل هو زمان عدم استضاءة ناحية من نواحي الأرض بنور الشمس ، ومن المعلوم أن عدم الملكة يتوقف في تحققه على تحقق الملكة المقابلة له قبله حتى يتعين بالإضافة إليه ، فلولا البصر لم يتحقق عمى ، ولولا النهار لم يتحقق الليل. فمطلق الليل بمعناه الذي هو به ليل مسبوق الوجود بالنهار
    وقوله : ( ولا الليل سابق النهار ) وإن كان ناظرا إلى الترتيب المفروض بين النهار والليل ، وان هناك نهارا وليلا ، ونهارا وليلا ، وان واحدا من هذه الليالي لا يسبق النهار الذي بجنبه.
    لكنه تعالى أخذ في قوله : ( ولا الليل سابق النهار ) مطلق الليل ، ونفى تقدمه على مطلق النهار ، ولم يقل : ان واحدا من الليالي الواقعة في هذا الترتيب لا يسبق النهار الواقع في الترتيب قبله. فالحكم في الآية مبني على ما يقتضيه طبيعة الليل والنهار بحسب التقابل الذي أودعه الله بينهما.
    وقد استفيد منه الحكم بانخفاض الترتيب في تعاقب الليل والنهار فان في كل ليل هو افتقاد النهار الذي يتلوه ، فلا يتقدم عليه ، والى هذا يشير ( عليه السلام ) بعد أن ذكر الآية بقوله : أي الليل قد سبقه النهار ، يعني ان سبق النهار الليل هو خلقه قبله وليس كما يتوهم أن هناك نهرا أو ليالي موجودة ، ثم يتعين لكل منها محله.
    وقول المعترض : وأما الحساب فله وجه في الجملة لا يدري وجه قوله : في الجملة ، وهو وجه تام مبني على تسليم أصول التنجيم صحيح بالجملة على ذلك التقدير لا في الجملة.
    وكذا قوله : ( ورأى المنجمين ان ابتداء الدورة دائرة نصف النهار وله موافقة لما ذكره ) ، لا يحصل لان له دائرة نصف النهار وهي الدائرة المارة على القطبين ، ونقطة ثالثة بينهما غير متناهية في العدد لا تتعين لها نقطة معينة في السماء دون نقطة أخرى فيكون


(321)

كون الشمس في إحداهما نهارا للأرض دون الأخرى (1).
    54 ـ قوله تعالى : ( وهل أتاك نبؤا الخصم إذ تسوروا المحراب * إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ... ) (2).
    استشهد الإمام الرضا ( عليه السلام ) بالآيتين وما بعدهما على بطلان ما ذهب إليه ابن الجهم وقومه في شأن نبي الله داود ( عليه السلام ) قال الإمام ( عليه السلام ) لابن الجهم : وأما داود فما يقول : من قبلكم فيه ؟.
    قال ابن الجهم : إنهم يقولون : إن داود كان يصلي في محرابه إذ تصور له إبليس على صورة طير أحسن ما يكون من الطيور ، فقطع داود صلاته وقام يأخذ الطير إلى الدار ، فخرج في أثره فطار الطير إلى السطح فصعد في طلبه فسقط الطير في دار أوريا بن حيان. فاطلع داود في أثر الطير فإذا بامرأة أوريا تغتسل فلما نظر إليها هواها ، وكان قد اخرج أوريا في بعض غزواته فكتب إلى صاحبه أن قدم أوريا أمام التابوت ، فقدم فظفر أوريا بالمشركين فصعب ذلك على داود ، فكتب إليه ثانية أن قدمه أمام التابوت فقدم فقتل أوريا ، وتزوج داود بامرأته.
    ولما سمع الامام هذا الأباطيل التي ألصقت بنبي من أنبياء الله تعالى ضرب جبهته ، وقال : انا لله وانا إليه راجعون لقد نسبتم نبيا من أنبياء الله إلى التهاون بصلاته حتى خرج في اثر الطير ، ثم بالفاحشة ، ثم بالقتل.
    يا بن رسول الله ما كانت خطيئته ؟.
    وشرح الامام قصة داود قائلا : إن داود انما ظن أنه ما خلق الله خلقا هو أعلم منه ، فبعث الله عزوجل إليه الملكين فتسورا المحراب ، فقال : خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ،


1 ـ الميزان 17 / 95 ـ 96.
2 ـ سورة ص / آية 21 ـ 22.


(322)

ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط ، إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ، ولي نعجة واحدة ، فقال اكفلنيها وعزني في الخطاب فعجل داود على المدعى عليه ، فقال : لقد ظلمت بسؤال نعجتك إلى نعاجه ، ولم يسأل المدعي البينة على ذلك ، ولم يقبل على المدعى عليه ، فيقول له : ما تقول ؟ فكان هذا خطيئة رسم الحكم لا ما ذهبتم إليه الا تسمع الله عزوجل يقول : ( يا داود انا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ) إلى آخر الآية. فقال يا بن رسول الله : فما قصته مع أوريا ؟ ....
    فقال ( عليه السلام ) : إن المرأة في أيام داود كانت إذا مات بعلها أو قتل لا تتزوج بعده أبدا ، فأول من أباح الله عزوجل له أن يتزوج بامرأة قتل بعلها داود ، فتزوج بامرأة أوريا لما قتل ، وانقضت عدتها فذلك الذي شق على الناس من قتل أوريا (1).

    55 ـ قوله تعالى : ( قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ) (2).
    سأل محمد بن عبيدة الإمام الرضا ( عليه السلام ) عن تفسير قوله تعالى لما خلقت بيدي قال ( عليه السلام ) : يعني بقدرتي وقوتي (3).

    56 ـ قوله تعالى : ( إن الذين يبايعونك انما يبايعون الله ) (4).
    استشهد الإمام الرضا ( عليه السلام ) بالآية الكريمة في الحديث التالي : روى عبد السلام بن صالح الهروي ، قال : سألت علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) يا بن رسول الله ما تقول في الحديث الذي يرويه أهل الحديث : أن المؤمنين يزورون ربهم من منازلهم في الجنة ؟ فقال ( عليه السلام ) : يا أبا الصلب ان الله تعالى فضل نبيه محمدا على جميع خلقه من النبيين والملائكة ، وجعل طاعته طاعته ، ومبايعته مبايعته ، وزيارته في الدنيا والآخرة زيارته ، فقال عزوجل : ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ).
    وقال : ( إن الذين يبايعونك انما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم ) وقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : من زارني في حياتي أو بعد موتي ، فقد زار الله.


1 ـ الميزان 17 / 200.
2 ـ سورة ص / آية 57.
3 ـ الميزان 17 / 229.
4 ـ سورة الفتح / آية 10.


(323)

    ودرجته في الجنة أعلى الدرجات ، ومن زاره في درجته في الجنة من منزله فقد زار الله تبارك وتعالى (1).

    57 ـ قوله تعالى : ( ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم ) (2).
    قال ( عليه السلام ) : ادبار السجود أربع ركعات بعد المغرب ، وادبار النجوم ركعتان قبل صلاة الصبح (3).

    58 ـ قوله تعالى : ( قد انزل الله إليكم ذكرا رسولا يتلو عليكم آيات الله مبينات ... ) : (4).
    سئل الإمام الرضا ( عليه السلام ) عن الذكر في الآية الكريمة فقال ( عليه السلام ) : الذكر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ونحن أهله (5).

    59 ـ قوله تعالى : ( عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول ) (6).
    التقى الامام بابن هداب.
    فقال ( عليه السلام ) له : إن أنا أخبرك أنك ستبتلى في هذه الأيام بدم ذي رحم لك لكنت مصدقا لي ؟ قال : لا فان الغيب لا يعلمه إلا الله تعالى.
    قال الامام : أو ليس انه يقول : ( عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول ) فرسول الله (ص) عند الله مرتضى ، ونحن ورثة ذلك الرسول الذي اطلعه الله على ما يشاء من غيبه ، فعلمنا ما كان وما يكون إلى يوم القيامة (7).


1 ـ الميزان 18 / 225 ـ 226.
2 ـ سورة الطور ـ آية 49.
3 ـ تفسير القمي.
4 ـ سورة الطلاق / آية 10 ـ 11.
5 ـ البرهان.
6 ـ سورة الجن / آية 26 ـ 27.
7 ـ الخرائج والجرائح.


(324)

    60 ـ قوله تعالى : ( وجوه يومئذ ناضرة ، إلى ربها ناظرة ) (1).
    قال ( عليه السلام ) في تفسير الآيتين : يعني مشرقة تنتظر ثواب ربها (2).
    61 ـ قوله تعالى : ( وسبحه ليلا طويلا ) (3).
    سأل أحمد بن محمد الإمام الرضا ( عليه السلام ) عن التسبيح في الآية فقال : صلاة الليل (4).

    62 ـ قوله تعالى : ( وجاء ربك والملك صفا صفا ... ) (5).
    سأل علي بن فضال الإمام الرضا ( عليه السلام ) عن تفسير هذه الآية فقال : ان الله سبحانه لا يوصف بالمجئ والذهاب تعالى عن الانتقال انما يعني بذلك ، وجاء أمر ربك (6).

    63 ـ قوله تعالى : ( فلا اقتحم العقبة ) (7).
    استشهد الإمام ( عليه السلام ) بهذه الآية في الحديث التالي : روى جعفر بن خلاد قال : كان أبو الحسن الرضا ( عليه السلام ) إذا أكل أتى بصحيفة فتوضع قرب مائدته فيعمد إلى أطيب الطعام مما يؤثر به فيأخذ من كل شئ شيئا فيضع في تلك الصفحة ثم يأمر بها للمساكين ثم يتلو هذه الآية ( فلا اقتحم العقبة ) ثم يقول : علم الله عزوجل أنه ليس كل انسان يقدر على عتق رقبة فجعل لهم السبيل إلى الجنة (8).

    64 ـ قوله تعالى : ( ألم يجدك يتيما فآوى * ووجدك ضالا فهدى * ووجدك عائلا فأغني ) (9).
    سأل المأمون الإمام الرضا ( عليه السلام ) عن تفسير هذه الآيات فقال : قال


1 ـ سورة القيامة / آية 22 ـ 23.
2 ـ الميزان 20 / 116.
3 ـ سورة الدهر / آية 26.
4 ـ مجمع البيان.
5 ـ سورة الفجر / آية 22.
6 ـ الميزان 20 / 287.
7 ـ سورة البلد / آية / 11.
8 ـ الميزان 20 / 295.
9 ـ سورة الضحى / آية 6 ـ 8.


(325)

الله تعالى : لنبيه محمد ( ألم يجدك يتيما فآوى ). يقول : ألم يجدك وحيدا فآوى إليك الناس ؟ ووجدك ضالا يعني عند قومك فهدى أي هداهم إلى معرفتك ؟ ووجدك عائلا فأغنى يقول : أغناك بأن جعل دعاءك مستجابا ؟ .... فقال المأمون : بارك الله فيك يا بن رسول الله (1).

    65 ـ قوله تعالى : ( قل هو الله أحد ) (2).
    قال الإمام ( عليه السلام ) : في تفسير أحد ، انه أحد لا بتأويل عدد (3).
    وبهذا ينتهي بنا الحديث عن بعض الآيات التي أدلى الإمام الرضا ( عليه السلام ) بتفسيرها ، والتي استشهد بها في معرض أحاديثه وهي تدلل على أنه كان حليف القرآن الكريم ، وانه أولاه المزيد من العناية في محاضراته وبحوثه.


1 ـ البرهان.
2 ـ سورة التوحيد / آية / 1
3 ـ الميزان 20 / 391.


(327)

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net