متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
في الصبر وما يلحق به
الكتاب : مسكن الفؤاد عند فقد الأحبة والأولاد    |    القسم : مكتبة التربية و الأخلاق
الباب الثاني
في الصبر وما يلحق به

    الصبر في اللغة : حبس النفس من الفزع من المكروه والجزع عنه ، وإنما يكون ذلك بمنع باطنه من الاضطراب ، وأعضائه من الحركات غير المعتادة ، وهو ثلاثة أنواع :
    الأول : صبر العوام ، وهو حبس النفس على وجه التجلد ، وإظهار الثبات في النائبات ، ليكون حاله عند العقلاء وعامة الناس مرضية يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون (1).
    الثاني : صبر الزهاد ، والعباد ، وأهل التقوى ، وأرباب الحلم ، لتوقع ثواب الآخرة ، إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب (2).
    الثالث : صبر العارفين ، فإن لبعضهم التذاذاً بالمكروه ، لتصورهم أن معبودهم خصهم به من دون الناس ، وصاروا ملحوظين ( بشرف نظرته ) (3) وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة ، قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون (4).
    وهذا النوع يختص باسم الرضا ، وسيأتي في باب خاص.
    والأول لا ثواب عليه ، لأنه لم يفعله لله ، وإنما فعله لأجل الناس ، بل هو في الحقيقة رياء محض ، فكلما ورد في الرياءات فيه ، ولكن الجزع شر منه ، لأن النفوس البشرية تميل إلى التخلق بأخلاق النظراء والمعاشرين والخلطاء ، فيفشوا الجزع فيهم ، وإذا رأوا أحوال الصابرين مالت نفوسهم إلى التخلق بأخلاقهم ، فربما صار ذلك سبباً لكمالهم ، فيحصل منه فائدة في نظام النوع ، وإن لم يعد على هذا الصابر.
    والصبر عند الإطلاق يحمل على القسم الثاني.
    واعلم أن الله ـ سبحانه ـ قد وصف الصابرين بأوصاف ، وذكر الصابرين في القرآن في نيف وسبعين موضعاً ، وأضاف أكثر الخيرات والدرجات إلى الصبر وجعلها


1 ـ اقتباس من سورة الروم 30 : 7.
2 ـ اقتباس من سورة الزمر 39 : 10.
3 ـ في نسخة « ش » : بشريف نظره.
4 ـ اقتباس من سورة البقرة 2 : 155 ـ 157.


(46)

ثمرة له ، فقال عز من قائل : ( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ اَئِمّةً يَهْدُونَ بِاَمْرِنَا لَمّا صَبَرُوا ) (1) وقال : ( وتَمَتْ كَلَمَتُ رَبِكَ الْحُسْنى عَلَى بَني اِسْرَآئيلَ بِمَا صَبَرُوا ) (2) وقال تعالى : ( وَلَنَجْزينَّ الذينَ صَبَروا اجْرَهُم بِاحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُون ) (3) وقال : ( اُلئِكَ يُؤْتَوْنَ اَجْرَهُمْ مَرَّتَيْن بِمَا صَبَرُوا ) (4) وقال : ( انما يوفى الصابرون اجرهم بغير حساب ) (5).
    فما من قربة إلا وأجرها بتقدير وحساب إلا الصبر ، ولأجل كون الصوم من الصبر ، وأنه نصف الصبر (6) كان لا يتولى أجره إلا الله ـ تبارك وتعالى ـ كما ورد في الأثر.
    قال الله تعالى : « الصوم لي ، وأنا اجزي به » (7) فأضافه إلى نفسه من بين سائر العبادات ، ووعد الصابرين بأنه معهم ، فقال : ( واصبروا ان الله مع الصابرين ) (8) وعلق النصرة على الصبر ، فقال : ( بلى إن تصبروا وتتّقوا ويا توكم من فورهم هذا يمددكم ربُكم


1 ـ السجدة 32 : 24.
2 ـ الأعراف 7 : 137.
3 ـ النحل 16 : 96.
4 ـ القصص 28 : 54.
5 ـ الزمر 39 : 10.
6 ـ روى ابن ماجة في سننه 1 : 555 / 1745 ، والسيوطي في الجامع الصغير 2 : 122 / 5200 : « الصيام نصف الصبر ».
7 ـ رواه الصدوق في الخصال : 45 / 42 ، ومالك في الموطأ 1 : 310 / 58 ، والبخاري في صحيحه 3 : 31 ، وابن ماجة في سننه 2 : 1256 / 3823 ، وقال ابن الاثير في النهاية : 1 : 270 بعد ذكر الحديث : قد أكثر الناس في تأويل هذا الحديث ، وأنه لم خص الصوم والجزاء عليه بنفسه عزوجل ، وإن كانت العبادات كلها له وجزاؤها منه ، وذكروا فيه وجوهاً مدارها كلها على أن الصوم سر بين الله وبين والعبد لا يطّع عليه سواه ، فلا يكون العبد صائماً حقيقة إلا وهو مخلص في الطاعة ، وهذا وإن كان كما قالوا فإن غير الصوم من العبادات يشاركه في سر الطاعة ، كالصلاة على غير طهارة ، أو في ثوب نجس ونحو ذلك من الأسرار المقترنة بالعبادات التي لا يعرفها إلا الله وصاحبها. وأحسن ما سمعت في تأويل هذا الحديث أن جميع العبادات التي يتقرب بها العباد إلى الله عزوجل ـ من صلاة ، وحج ، وصدقة ، واعتكاف ، وتبتل ، ودعاء ، وقربان ، وهدي ، وغير ذلك من أنواع العبادات ـ قد عبد المشركون بها آلهتهم ، وما كانوا يتخذونه من دون الله أنداداً ، ولم يسمع أن طائفة من طوائف المشركين وأرباب النحل في الأزمان والمتقادمة عبدت آلهتها بالصوم ، ولا تقربت إليها به ، ولا عرف الصوم في العبادات إلا من جهة الشرائع ، فلذلك قال الله عزّوجلّ : الصوم لي وأنا أجزي به : أي لم يشاركني أحد فيه ، ولا عبد به غيري ، فأنا حينئذ اجزء به وأتولى الجزاء عليه بنفسي ، لا أكله إلى أحد من ملك مقرب أو غيره على قدر اختصاصه بي.
8 ـ الأنفال 8 : 46.


(47)

بخمسة آلاف من الملائكة مسومين ) (1). وجمع للصابرين بين أمور لم يجمعها لغيرهم ، فقال : ( اولئك عليه صلوات من ربهم ورحمة واولئك هم المهتدون ) (2) فالهدى والصلوات والرحمة مجموعة للصابرين ، واستقصاء جميع الآيات في مقام الصبر يطول.


    وأما الأخبار: فقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : « الصبر نصف الإيمان » (3).
    وقال صلى الله عليه وآله : « من أقل ما اوتيتم اليقين وعزيمة الصبر ، ومن اعطي حظه منهما لم يبال ما فاته من قيام الليل وصيام النهار ، ولئن تصبروا على مثل ما أنتم عليه ، أحب إلي من أن يوافيني كل امرئ منكم بمثل عمل جميعكم ، لكني أخاف ان تفتح عليكم الدنيا بعدي ، فينكر بعضكم بعضاً ، وينكركم أهل السماء عند ذلك ، فمن صبر واحتسب ظفر بكمال ثوابه ، ثم قرأ : ( ما عندكم ينفد وما عند الله باق ولنجزين الذين صبروا ) الآية » (5).
    وروى جابر : أنه صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن الإيمان ، فقال : « الصبر كنز من كنوز الجنة » ، وسئل مرة ؟ ما الايمان ، فقال : « الصبر » (6) وهذا نظير قوله عليه السلام : « الحج عرفة » (7).
    وقال صلى الله عليه وآله : « أفضل الاعمال ما اكرهت عليه النفوس » (8).
    وقيل : أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام : « تخلق باخلاقي ، وإن من أخلاقي الصبر » (9).


1 ـ آل عمران 3 : 125.
2 ـ البقرة : 2 : 157.
3 ـ شهاب الأخبار : 55 / 132 ، شرح نهج البلاغة لابن الحديد 1 : 319 ، الجامع الصغير 2 : 113 / 5130 ، الترغيب والترهيب 4 : 277 / 5 ، المستدرك على الصحيحين 2 : 446 ، الدر المنثور 1 : 66 ، إرشاد القلوب : 127.
4 ـ النحل 16 : 96.
5 ـ أخرجه الفيض الكاشاني في المحجة البيضاء 7 : 106.
6 ـ المحجة البيضاء 7 : 107.
7 ـ مسند أحمد 4 : 309 ، 310 ، 335 ، سنن ابن ماجة 2 : 1003 / 3015 ، سنن الدارمي 2 : 59 ، سنن الترمذي 4 : 282 / 4058 ، وسنن النسائي 5 : 256 ، المستدرك على الصحيحين 1 : 464.
8 ـ رواه الشيخ ورام في تنبيه الخواطر عن علي عليه السلام 1 : 63 باختلاف يسير.
9 ـ إرشاد القلوب : 137 ، المحجة البيضاء 7 : 207 باختلاف في الفاظه.


(48)

    وعن ابن عباس رضي الله عنه لما دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الأنصار ، فقال : « أمؤمنون أنتم ؟ » فسكتوا ، فقال رجل : نعم ، يا رسول الله. فقال : « وما علامة إيمانكم ؟ » قالوا : نشكر على الرخاء ، ونصبر على البلاء ، ونرضى بالقضاء ، فقال : « مؤمنون ورب الكعبة » (1).
    وقال صلى الله عليه وآله : « في الصبر على ما يكره خير كثير » (2).
    وقال المسيح عليه السلام : « إنكم لا تدركون ما تحبون ، إلا بصبركم على ما تكرهون ».
    وقال صلى الله عليه وآله : « لو كان الصبر رجلا لكان كريماً » (3).
    وقال علي عليه السلام : « بني الإيمان على أربع دعائم : اليقين ، والصبر ، والجهاد ، والعدل » (4).
    وقال أيضاً : « الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد ، ولا جسد لمن لا رأس له ، ولا ايمان لمن لا صبر له » (5).
    وقال علي عليه السلام : « عليكم بالصبر ، فإنه به يأخذ الحازم ، وإليه يعود الجازع ».
    وقال علي عليه السلام : « إن صبرت جرت عليك المقادير وأنت مأجور ، وإن جزعت جرت عليك المقادير وأنت مأزور » (6).
    وعن الحسن بن علي عليهما السلام ، عن النبي صلى الله عليه وآله ، قال : « إن في الجنة شجرة يقال لها : شجرة البلوى ، يؤتى بأهل البلاء يوم القيامة ، فلا يرفع لهم ديوان ، ولا ينصب لهم ميزان ، يصب عليهم الأجر صباً ، وقرأ عليه السلام : ( انما يوفى الصابرون اجرهم بغير حساب ) (7) » (8).


1 ـ المحجة البيضاء 7 : 107 ، ورواه باختلاف في ألفاظه محمد بن همام في التمحيص : 61 / 137.
2 ـ مشكاة الأنوار : 20 ، والمحجة البيضاء 7 : 107.
3 ـ تنبيه الخواطر 1 : 40 ، الجامع الصغير 2 : 434 / 7461 ، منتخب كنز العمال 1 : 208.
4 ـ نهج البلاغة 3 : 157 / 30 باختلاف في ألفاظه.
5 ـ نهج البلاغة 3 : 168 / 82 ، الكافي 2 : 72 / 4 و 5 ، جامع الأخبار : 135 باختلاف يسير ، وروي باختلاف في ألفاظه في التمحيص : 64 / 148 ومشكاة الأنوار : 21.
6 ـ نهج البلاغة 3 : 224 / 291 ، جامع الأخبار : 136.
7 ـ الزمر 39 : 10.
8 ـ الدر المنثور 5 : 323.


(49)

    وعنه عليه السلام ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : « ما من جرعة أحب إلى الله تعالى من جرعة غيظ كظمها رجل ، أو جرعة صبر على مصيبة ، وما من قطرة أحب إلى الله تعالى من قطرة دمع من خشية الله ، أو قطرة دم أهرقت في سبيل الله » (1).
    وعنه عليه السلام : « المصائب مفاتيح الأجر ».
    وعن زين العابدين عليه السلام : « إذا جمع الله الأولين والآخرين ينادي منادٍ : أين الصابرون ؟ ليدخلوا الجنة بغير حساب ، قال : فيقوم عنق من الناس ، فتتلقاهم الملائكة ، فيقولون : إلى أين ، يا بني آدم ؟ ! فيقولون : إلى الجنة ، فيقولون : وقبل الحساب ؟ ! فقالوا : نعم ، قالوا : ومن أنتم ؟ قالوا : الصابرون. قالوا وما كان صبركم ؟ قالوا : صبرنا على طاعة الله ، وصبرنا عن معصية الله ، حتى توفانا الله عزوجل ، قالوا ، أنتم كما قلتم ، أدخلوا الجنة ، فنعم أجر العاملين » (2).
    وعن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « قال الله عزوجل : إذا وجهت إلى عبد من عبيدي مصيبة في بدنه أو ماله أو ولده ، ثم أستقبل ذلك بصبر جميل ، استحييت منه يوم القيامة أن أنصب له ميزاناً ، أو أنشر له ديواناً » (3).
    وعن أبن مسعود ، عنه صلى الله عليه وآله وسلم ، قال : « ثلاث من رزقهن فقد رزق خير الدارين : الرضا بالقضاء ، والصبر على البلاء ، والدعاء في الرخاء » (4).
    وعن ابن عباس رضي الله عنه قال : كنت عند رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقال : « يا غلام ـ أو ياغليم ـ ألا اعلمك كلمات ينفعك الله بهن ؟ فقلت : بلى ، فقال : إحفظ الله يحفظك ، إحفظ الله تجده أمامك ، تعرف ( إلى الله ) (5) في الرخاء يعرفك في الشدة ، إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن في الصبر على ما تكره خيراً كثيراً ، وأنّ النصر مع الصبر ، وأن الفرج مع الكرب ، وأن مع العسر يسراً » (6).


1 ـ الدر المنثور 2 : 74.
2 ـ كشف الغمة 2 : 103 باختلاف يسير ، وروي باختلاف في الفاظه في أمالي الطوسي 1 : 100 ، وفقه الرضا : 368 ، وتنبيه الخواطر 2 : 180.
3 ـ جامع الأخبار : 136 ، الجامع الصغير 2 : 242 / 6043 ، منتخب كنز العمال 1 : 210.
4 ـ دعوات الراوندي : 121 / 289 ، المستطرف 2 : 70 ، باختلاف يسير.
5 ـ في « ح » : إليه.
6 ـ مسند أحمد 1 : 307 ، الدر المنثور 1 : 66. وروي باختلاف يسير في مشكاة الانوار : 20.


(50)

    وعنه صلى الله عليه وآله وسلم : « يؤتى الرجل في قبره بالعذاب ، فإذا أُتي من قبل رأسه دفعه تلاوة القرآن ، وإذا أُتي من قبل يديه دفعته الصدقة ، وإذا أتي من قبل رجليه دفعه مشيه إلى المسجد (1) ، والصبر حجزه ، يقول : أما لو رأيت خللاً لكنت صاحبه ».
    وفي لفظ آخر : « إذا دخل الرجل القبر قامت الصلاة عن يمينه ، والزكاة عن شماله ، والبر يظل عليه ، والصبر بناحية (2) يقول : دونكم صاحبي ، فإني من ورائه ، يعني : إن استطعتم أن تدفعوا عنه العذاب ، وإلا فأنا أكفيكم ذلك ، وأدفع عنه العذاب » (3).
    وعنه صلى الله عليه وآله وسلم : « عجباً لأمر المؤمن ، إن أمره كله له خير ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن ، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له » (4).
    وعنه صلى الله عليه وآله وسلم : « ألا أجبكم إن المؤمن إذا أصاب خيراً حمد الله وشكر ، وإذا اصابته مصيبة حمد الله وصبر ، فالمؤمن ، يؤجر في كل شيء حتى اللقمة يرفعها إلى فيه ».
    وفي حديث آخر : « حتى اللقمة يرفعها إلى فم امرأته » (5).
    وعنه صلى الله عليه وآله : « الصبر خير مركب ، ما رزق الله عبداً خيراً له ولا أوسع من الصبر » (6).
    وسئل صلى الله عليه وآله : هل من رجل يدخل الجنة بغير حساب ؟ قال : « نعم ، كل رحيم صبور ».
    وعن أبي بصير ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : « إن الحر حر على


1 ـ الترغيب والترهيب 4 : 373.
2 ـ يقال : هو في ناحية أو بناحية أي مبتعد. انظر « مجمع البحرين ـ نحا ـ 1 : 410 ».
3 ـ روى عن أبي عبد الله في الكافي 2 : 73 / 8 ، وثواب الاعمال : 203 / 1 ومشكاة الانوار : 26 باختلاف في الفاظه.
4 ـ مسند أحمد 4 : 332 ، صحيح مسلم 4 : 2295 / 2999 ، الترغيب والترهيب 4 : 278 / 7.
5 ـ مسند أحمد 1 : 182 و 177 و 173 ، الجامع الصغير 2 : 148 باختلاف في الفاظه.
6 ـ مسند أحمد 3 : 47 ، سنن الترمذي 3 : 252 / 2093 ، المستدرك 2 : 414 ، الجامع الصغير 2 : 496 / 7911. وفيها : « ما رزق الله عبداً ... . »
 


(51)

جميع أحواله ، إن نابته نائبة صبر لها ، وإن تراكمت عليه المصائب لم تكسره ، وإن أُسر وقهر واستبدل باليسر عسراً ، كما كان يوسف الصديق الأمين عليه السلام ، لم يضرر حريته أن استعبد وأُسر وقهر ، ولم تضرره ظلمة الجب ووحشته ، وما ناله أن من الله عليه ، فجعل الجبار العاتي له عبداً بعد أن كان ملكاً ، فأرسله ورحم به أمة ، وكذلك الصبر يعقب خيراً ، فاصبروا ووطنوا أنفسكم على الصبر تؤجروا » (1).
    وعن الباقر عليه السلام : « الجنة محفوفة بالمكاره والصبر ، فمن صبر على المكاره في الدنيا دخل الجنة ، وجهنم محفوفة باللذات والشهوات ، فمن اعطى نفسه لذّاتها وشهوتها دخل النار » (2).
    وعن عليّ عليه السلام ، قال : « قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : الصبر ثلاثة : صبر عند المصيبة ، وصبر على الطاعة ، وصبر عن المعصية ، فمن صبر على المصيبة حتى يردها بحسن عزائها كتب الله له ثلاث مائة درجة ، ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين السماء إلى الأرض ، ومن صبر على الطاعة كتب الله له ست مائة درجة ، ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى العرش ، ومن صبر عن المعصية كتب الله له تسع مائة درجة ، ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى منتهى العرش » (3).
    وعن أبي حمزة الثمالي ، قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : « من ابتلي من المؤمنين ببلاء فصبر عليه ، كان له مثل أجر ألف شهيد » (4).
    وعن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : « قال رسول الله صلى الله عليه وآله : قال الله عزوجل : إني جعلت الدنيا بين عبادي قرضاً ، فمن أقرضني منها قرضاً أعطيته بكل واحدة عشراً إلى سبعة مئة ضعف وما شئت من ذلك ، ومن لم يقرضني منها قرضاً فأخذت منه شيئاً قسراً ، أعطيته ثلاث خصال ، لو أعطيت واحدة منهن ملائكتي لرضوا بها مني.


1 ـ الكافي 2 : 73 / 6 ، مشكاة الأنوار : 21.
2 ـ الكافي 2 : 73 / 7.
3 ـ الكافي 2 : 75 / 15 ، تنبيه الخواطر 1 : 40 ، جامع الأخبار : 135 ، الجامع الصغير 2 : 114 / 5137 منتخب كنز العمال 1 : 208.
4 ـ رواه الكليني في الكافي 2 : 75 / 17 ، وسبط الطبرسي في مشكاة الأنوار : 26 رواه باختلاف في ألفاظه الحسين بن سعيد الأهوازي في كتاب المؤمن : 16 / 8 ، وابن همام في التمحيص : 59 / 125.


(52)

    ثم تلا أبو عبد الله عليه السلام قول الله عزوجل : ( الذين اذا اصابتهم مصيبة قالوا انا لله وانا اليه راجعون اولئك عليهم صلوات من ربهم ) فهذه (1) واحدة من ثلاث خصال ( ورحمة ) إثنان ( واولئك هم المهتدون ) (2) ثلاث.
    ثم قال أبو عبد الله عليه السلام : « هذا لمن أُخذ منه شيئاً قسراً » (3).


1 ـ في نسخة « ش » ثم قال أبو عبد الله عليه السلام : فهذه.
2 ـ البقرة 2 : 156 ـ 157.
3 ـ الكافي 2 : 76 / 21 ، الخصال : 130 / 135 ، مشكاة الأنوار : 279.


(53)

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net