متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
فصل: النواح الجائز
الكتاب : مسكن الفؤاد عند فقد الأحبة والأولاد    |    القسم : مكتبة التربية و الأخلاق
فصل
{ النواح الجائز }

    يجوز النوح بالكلام الحسن ، وتعداد الفضائل مع اعتماد الصدق ، لأنّ فاطمة الزهراء عليها السلام فعلته في قولها : « يا أبتاه ، من ربه ما (1) أدناه! يا أبتاه ، إلى جبرئيل أنعاه ، يا أبتاه ، أجاب ربّاً دعاه » (2).
    وروي : أنّها أخذت قبضة من تراب قبره صلّى الله عليه وآله ، فوضعتها على عينيها ، وأنشدت تقول :

« ماذا على (من شمّ) (3) تربة أحمد صبّت عليّ مصائب لو أنّها أن لا يشمّ مدى الزمان غواليا صبّت على الأيّام صرن (4) لياليا » (5)

    ولما سبق من أمره صلّى الله عليه وآله بالنوح على حمزة.
    وعن أبي حمزة ، عن الباقر عليه السلام : « مات ابن المغيرة ، فسألت ام سلمة النبي صلّى الله عليه وآله أن يأذن لها في المضي إلى مناحته ، فأذن لها وكان ابن عمها ، فقالت :

أنعى الوليد بن الوليد حامي الحقيقة ماجداً قد كان غيثاً للسنين أبا الوليد ، فتى العشيرة يسمو إلى طلب الوتيرة وجعفراً (6) غدقاً وميرة

    ـ وفي تمام الحديث ـ ، فما (عاب رسول الله) (7) صلّى الله عليه وآله ذلك ، ولا قال شيئاً » (8).
    وروى ابن بابويه : أنّ الباقر عليه السلام أوصى أن يندب في الموسم (9) عشر


1 ـ ليس في « ح ».
2 ـ ذكرى الشيعة : 72 ، إعلام الورى : 143 ، منتهى المطلب 1 : 466 ، صحيح البخاري 6 : 18 ، المستدرك على الصحيحين 1 : 382 ، سنن النسائي 4 : 13 ، سنن ابن ماجة 1 : 522/ 30.
3 ـ في « ش » : المشتمّ.
4 ـ في « ش » عدن.
5 ـ ذكرى الشيعة : 72 ، المعتبر 1 : 344 ، منتهى المطلب 1 : 466.
6 ـ الجعفر : النهر. « الصحاح ـ جعفر ـ 2 : 615 ».
7 ـ في « ش » عاب عليها النبي.
8 ـ الكافي 5 : 117/ 2 ، التهذيب 6 : 358/ 1027 باختلاف يسير.
9 ـ في الفقيه : المواسم.


(104)

سنين (1).
    وروى يونس بن يعقوب ، عن الصادق عليه السلام ، قال : « قال لي أبو جعفر عليه السلام : قف من مالي كذا وكذا لنوادب يندبنني ـ عشر سنين ـ بمنى أيام منى » (2).
    قال الأصحاب : والمراد بذلك ، تنبيه الناس على فضائله ، وإظهارها ليقتدى بها ، ويعلم ما كان عليه أهل هذا البيت عليهم السلام لتقتفى آثارهم ، لزوال التقية بعد الموت ، ويحرم النوح بالباطل : وهو تعداد ما ليس فيه من الخصال ، واسماع الأجانب من الرجال ، ولطم الخدود والخدش ، وجزّ الشعر ونحوه ، وعليه يحمل ما ورد من النهي عن النياحة.
    وقال النبيّ صلّى الله عليه وآله : « أنا بريء ممن حلق وصلق » أي : حلق الشعر ، ورفع صوته (3).
    وقال صلّى الله عليه وآله لفاطمة عليها السلام حين قتل جعفر بن أبي طالب : « لا تدعين بويل ولا ثكل ولا حرب ، وما قلت فيه فقد صدقت » (4).
    وعن أبي مالك الأشعريّ عن النبيّ صلّى الله عليه وآله : « النائحة إذا لم تتب تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران » (5).
    وعن أبي سعيد الخدريّ : لعن رسول الله صلّى الله عليه وآله النائحة والمستمعة (6).
    وعنه صلّى الله عليه وآله : « ليس منا من ضرب الخدود ، وشق الجيوب » (7).
    وهذا النهي محمول على الباطل كما يظهر منها ، وبه يجمع بينهما وبين الأخبار


1 ـ الفقيه : 1 : 116/ 547.
2 ـ الكافي 5 : 117/ 1 ، التهذيب 6 : 358/ 1025.
3 ـ صحيح مسلم 1 : 100 ، وسنن النسائي 4 : 20 ، وسنن ابن ماجة 1 : 505 ، الجامع الصغير 1 : 415/ 2709 ، وفيها سلق بدل صلق ، وكلاهما صحيح.
4 ـ الفقيه 1 : 112/ 521.
5 ـ الخصال : 226 ، مسند أحمد 5 : 342 ، صحيح مسلم 2 : 644/ 934 ، سنن ابن ماجة 1 : 504/ 1582 ، المستدرك 1 : 383 ، الترغيب والترهيب 4 : 351/ 12.
6 ـ مسند أحمد 3 : 65 ، سنن أبي داود 3 : 194/ 3128 ، الجامع الصغير 2 : 408 : 7271 ، الترغيب والترهيب 4 : 351/ 13 ، الفتوحات الربانية 4 : 129.
7 ـ سنن ابن ماجة 1 : 504/ 1584.


(105)

السابقة.
    وأمّا الخاتمة فتشتمل على فوائد مهمة.
    يستحب تعزية أهل الميت استحباباً مؤكّداً ، وهي (تفعلة) من العزاء ـ بالمدّ والقصر ـ وهو السلو وحسن الصبر على المصائب ، يقال : عزّيته فتعزّى ، أي صبّرته فتصبّر.
    والمراد بها : طلب التسلّي عن المصائب والتصبّر عن الحزن والإكتئاب ، بإسناد الأمر إلى الله عزّ وجلّ ، ونسبته إلى عدله وحكمته ، وذكر ما وعد الله تعالى على الصبر مع الدعاء للميت ، والمصاب بتسليته عن مصيبته. وقد ورد في استحبابها والحثّ عليها أحاديث كثيرة.
    وروى عمرو بن شعيب عن أبيه ، عن جده : أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال : « أتدرون ما حقّ الجار؟ إن استغاثك أغثته ، وإن استقرضك أقرضته ، وإن افتقر عدت عليه ، وإن أصابته مصيبة عزّيته ، وإن أصابه خير هنأته ، وإن مرض عدته ، وإن مات اتبعت جنازته ، ولا تستطل عليه بالبناء ، فتحجب عنه الريح إلاّ بإذنه ، واذا اشتريت فاكهة فأهد له ، فإن لم تفعل فأدخلها سراً ، ولا تخرج بها ولدك تغيظ بها ولده ، ولا تؤذه بريح قدرك إلاّ أن تغرف له منها » (1).
    وعن بهز بن حكيم بن معاوية بن جيدة القشيري ، عن أبيه ، عن جدّه ، قال : قلت : يا رسول الله : ما حقّ جاري عليّ؟ قال : « إن مرض عدته » وذكر نحو الأول (2).
    وأمّا الثواب فيها : فعن ابن مسعود ، عن النبيّ صلّى الله عليه وآله ، قال : « من عزّى مصاباً فله مثل أجره » (3).
    وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : « من عزّى مصاباً كان له مثل أجره ، من غير أن ينقصه الله من أجره شيئاً (4) ، ومن كفّن مسلماً كساه الله من سندس وإستبرق وحرير ، ومن حفر قبراً لمسلم بنى الله عزّوجل له بيتاً في الجنة ، ومن أنظر معسراً أظله الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلا ظله ».
    وعن جابر أيضا رفعه : « من عزّى حزيناً ألبسه الله عزّ وجلّ من لباس التقوى ،


1 ـ الترغيب والترهيب 3 : 357/ 20.
2 ـ الترغيب والترهيب 3 : 357/ ذيل حديث 20.
3 ـ الجامع الكبير 1 : 801.
4 ـ الكافي 3 : 227/ 4 عن أبي عبدالله عليه السلام ، قال : قال رسول الله.


(106)

وصلّى على روحه في الأرواح » (1).
    وسئل النبيّ صلّى الله عليه وآله عن التصافح في التعزية ، فقال : « هو سكن للمؤمن ، ومن عزّى مصاباً فله مثل أجره ».
    وعن عبدالله بن أبي بكر بن محمد بن عمر بن حزم ، عن أبيه ، عن جدّه ، أنّه سمع رسول الله صلّى الله عليه وآله وهو يقول : « من عاد مريضاً فلا يزال في الرحمة ، حتى إذا قعد عنده استنقع فيها ، ثمّ إذا قام من عنده فلا يزال يخوض فيها ، حتى يرجع من حيث خرج ، ومن عزّى أخاه المؤمن من مصيبة كساه الله ـ عزّ وجلّ ـ من حلل الكرامة يوم القيامة » (2).
    وعن أبي برزة (3) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « من عزّى ثكلى كسي برداً في الجنة » (4).
    وعن أنس قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله : « من عزّى أخاه المؤمن في (5) مصيبة كساه الله عزّوجلّ حلّة خضراء ، يحبربها يوم القيامة ». قيل : يا رسول الله ، ما يحبربها قال : « يغبط بها » (6).
    وروي : أنّ داود عليه السلام قال « إلهي ، ماجزاء من يعزّي الحزين والمصاب ابتغاء مرضاتك؟ قال : جزاؤه أن أكسوه رداءً من أردية الإيمان ، أستره به من النار ، وأدخله به الجنة ، قال : يا الهي ، فما جزاء من شيّع الجنائز ابتغاء مرضاتك؟ قال : جزاؤه أن تشيّعه الملائكة يوم يموت إلى قبره ، وأن أصلّي على روحه في الأرواح » (7).
    وروي : أنّ موسى عليه السلام سأل ربه : « مالعائد المريض من الأجر؟ قال : أبعث له عند موته ملائكة يشيعونه إلى قبره ، ويؤانسونه إلى المحشر ، قال : يا رب فما لمعزي الثلكى من الأجر؟ قال : أظلّه تحت ظلّي ـ أي : ظلّ العرش ـ يوم لا ظلّ إلاّ ظلّي » (8).


1 ـ الجامع الكبير 1 : 801.
2 ـ الجامع الكبير 1 : 800.
3 ـ في « ح » : بردة.
4 ـ سنن الترمذي 2 : 269/ 1082.
5 ـ في « ح » و « ش » : من ، وما أثبتناه من الجامع الكبير.
6 ـ الجامع الكبير 1 : 801.
7 ـ الدر المنثور 5 : 308 ، ورواه المتقي الهندي في منتخب كنزالعمال 6 : 355 باختلاف في ألفاظه.
8 ـ روى الكليني القسم الثاني من الحديث في الكافي 3 : 226/ 1 باختلاف يسير ، وروى الديلمي في


(107)

    وروي : أنّ إبراهيم عليه السلام سأل ربه ، قال : « أي يا رب ماجزاء من يبلّ الدمع وجهه من خشيتك؟ قال : صلواتي ورضواني ، قال : فماجزاء من يصبّر الحزين ابتغاء وجهك؟ قال : أكسوه ثياباً من الإيمان يتبوأ بها في الجنة ، ويتّقي بها النار ، قال : فما جزاء من سدّد الأرملة ابتغاء وجهك؟ قال : اقيمه في ظلّي ، وأدخله جنتي ، قال : فما جزاء من يتبع الجنازة ابتغاء وجهك؟ قال : تصلي ملائكتي على جسده ، وتشيع روحه ».


إرشاد القلوب : 43 الحديث كاملأ باختلاف في ألفاظه.


(108)

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net