متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
1 ـ الحاجة في الفِكر الاقتصادي الحديث والمعاصر
الكتاب : دراسات في الفكر الإقتصادي الإسلامي    |    القسم : مكتبة السياسة و الإقتصاد

مقدّمة

يُمكن مُعالجة مقولة الحاجة في المذهب الإسلامي الاقتصادي ، مِن جانب كونها مقولة إنتاجيّة ، ومِن خلال تبيّن أثرها في تكييف الفَهم الإسلامي للمشكلة الاقتصاديّة . ويظهره ارتباط جانب العرض في الحاجة نفسها مع جانب الطَلب عند مُعالجتها من حيث هي مقولة توزيعيّة ، مِن خلال النَمط الإسلامي في توزيع الثروة والدَخَل . وبطبيعة الحال ينحلّ التبادل إلى ما يخدم جانب العرض في الحاجة نفسها ، من حيث هو تسهيل لعنصري القيمة الاستعمالي والتبادلي في السلعة أو إنضاج لهما ، فهو يخدم جزءاً مِن التبادل من جانب الطَلب على السِلع التي تشبع تلك الحاجات القائمة فعلاً ، أو قوّةً ( الحاجة الكامنة ) .

لذلك يكوّن التبادل الرابطة بين حَجم الحاجات وأنواعها مِن جهة كونها مقولة إنتاجيّة ، وبين دورها وأثرها في نمط استهلاك إسلاميّ ، من حيث هي مقولة توزيعيّة .

1 ـ الحاجة في الفِكر الاقتصادي الحديث والمعاصر

تُعدّ الحاجة بما تحمل مِن خصائص الرُكن الثاني الذي يكوّن المشكلة الاقتصاديّة مع ما يُسمّى بنُدْرة الموارد ، فالمشكلة التي صلحت دافعاً لتكوين علم الاقتصاد وتطوّره ، تقوم على أساس أنّ الموارد المُتاحة لا تكفي لهذا التعدّد غير القابل للحصر من جهة ، وعدم كفاية الموارد الطبيعيّة المُتاحة لسدّ هذا التعدّد من جهة أُخرى ، فلا بدّ ـ إذن ـ مِن استخدام العَقل البشريّ بوصفه المُنظّم والمُرشد للحاجات بما يتلاءم مع المُتاح مِن العرض ، مورداً كان أمْ سلعاً مُنتجة .

ويرى أغلب الاقتصاديّين أنّ للحاجة خصائص أهمّها :


الصفحة 44

إنّها لا حصر لها ؛ إذ إنّها مُتجدّدة ( مُرتبطة بمحدّدات فنيّة فقط ) ، منها المستوى الاقتصادي السائد ، فكلّما ازداد المستوى الاقتصادي تعدّدت الحاجات وانشطرت بالشكل الذي يجعل حجمها متوازياً مع ما يخلقه التطوّر الاقتصاديّ لمجتمع مِن المجتمعات ، وهذا بالضرورة مُقترن بارتفاع حَجم الدَخَل الفردي مع تزايد المستوى الاقتصادي ، فحيث يزداد مستوى الدخل تزداد الحاجات الملحّة والتي تنفق هذه الزيادة الداخليّة لسداد الحاجات المتطوّرة منها .

وطبيعيّ أن يعتمد هذا على نمط التوزيع ، فمتى كان التوزيع مُتكافئاً وعادلاً كانت الوسائل النقديّة التبادليّة لتلبية الحاجات أيسر مِن نمط التوزيع غير المُتكافئ ، بحيث تبرز في نمط كهذا ثنائيّة الإحساس بالحاجة ، وثنائية في أسلوب إشباعها ، بين أصحاب المداخيل المالية وأصحاب المداخيل الواطئة ، بل إنّ الإحساس بوجود الحاجة قد يظهر في الشرائح الدنيا ، ولكن يبقى سُلّم الإشباع فيها يتطلّب المزيد مِن المساواة ؛ لكي تضيق الهوّة في السلوك الاقتصاديّ بين مجموعة من الناس عند سدّ متطلّبات الحاجة .

ولا يمكن التغافل عن مسألة قد تقترن بهذين المحدّدين ، وهي ارتفاع معدّل زيادة السكّان ، بحيث يرتفع المستوى الكمّي للحاجة الضاغطة على مقدار العَرض الكُلّي المُتاح من جانب ، وعلى نمط التوزيع من جانب آخر .

وقد دخلت ضمن التطوّر الاقتصاديّ عناصر ربّما تبدو في حقيقتها غير اقتصاديّة ، إلاّ أنّ أثرها في اتّساع كمّ الحاجة ونوعها يبدو واضحاً جليّاً ، وأهمّهما تطوّر وسائل نقل المعلومات ( تطوّر وسائل الإعلام ) ، واتّساع تطوّر طُرق المواصلات .

وقد يظهر ، في حيّز الحاجات المعتمدة قانوناً ، ما لا يقبل منها التأجيل ( الضروريّات ) ، فيجب أن تُقابلها إجراءات ووسائل معتمدة على مستوى العَرض وعناصر الإنتاج ( ومرونتها ) ؛ للوفاء العاجل بما يسدّها ، أو في اختيار البدائل التي تساعد حلّ هذه المتطلّبات بوساطة تقسيم العمل الاجتماعيّ ، وما ينسحب من هذه المقولة من حُسن توزيع عناصر الإنتاج .


الصفحة 45

وعلى هذا ، يرى بعض الاقتصاديّين ( أنّ المشكلة ليست ندرة الموارد ، ولا ندرة الوسائل فحسب ، بل حُسن الاختيـار ، وحُسن التدبير ، وحُسن توجيه عناصر الإنتاج ) ، وطبيعيّ أنّ الاختيار بين البدائل يتوقّف على ظروف عالميّة دائمة التغيّر .

ومِن الأسباب التي تزيد في حدّة المشكلة الاقتصاديّة في الفكر الاقتصاديّ المُعاصر اختلاف أولويّة الحاجات من جهة الاعتبار والأهمّية باختلاف الأفراد ، بحيث لو أمكن ترتيب الحاجات بشكل يرضى عنه جميع الأفراد لهانت المشكلة ، ولأمكن إيجاد حلّ لها . وبهذا المنظور للحاجة صار السعي الدائم لحلّ المشكلة هو موضوع الدراسة الاقتصاديّة التي اختلفت الأنظمة المعاصرة في تقرير وسائل علاجها ، فكان العلاج الفرديّ ، والعلاج الجماعيّ ، والعلاج الإسلاميّ ( مذهب الاستخلاف ) .

وحيث أنّ الأمر يكاد يكون بحكم المحسوم في قضيّة الندرة ، في ما بين التفكير الاقتصاديّ الإسلاميّ والتفكير الوضعـيّ ، وإن علَق به بعض ما يتطلّب الإيضاح لا غير ، فقد ظلّت مسألة الحاجة ، من حيث مفهومها ودورها في النشاط الاقتصاديّ للإنسان ، المجال الذي يلزم الباحثين التوسّع والتعمّق فيه ، وترتيب مقدّماته ؛ ليتّضح بجلاء التصوّر الإسلاميّ للمشكلة الاقتصاديّة ، ومن ثَمّ إيضاح دور الحاجة في الإنتاج والتّبادل والتوزيع والاستهلاك ، وهذا يتطلّب منظوراً مُقارناً مع المذاهب الاقتصاديّة المعاصرة ، انطلاقاً من طبيعة العلاقة بين الموارد والحاجات ، وموقف كلّ مذهب مِن مسألتي الندرة ، ومفهوم الحاجة ودورها .

 


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net