متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
2 ـ التصوّر والمُعالجة في النُّظم الاقتصاديّة الفرديّة
الكتاب : دراسات في الفكر الإقتصادي الإسلامي    |    القسم : مكتبة السياسة و الإقتصاد

 

2 ـ التصوّر والمُعالجة في النُّظم الاقتصاديّة الفرديّة

يبدو أنّ الباحثين متّفقون على أنّ الفِكر الليبرالي لا يزال يستمدّ موضوع الندرة النسبيّة بوصفه الرُكن الأوّل في المشكلة الاقتصاديّة ، فأثر المالثوسية برز واضحاً في التحليل الكلاسيكي حتى عدّه بعضهم محوراً هامّاً فيه ( 1 ) ، فهي وإن خفّت حدّتها في الفكر الكلاسيكي الجديد ، إلاّ أنّها ظهرت


الصفحة 46

في الدراسات المعاصرة للتنمية ، حيث تطرح الزيادة السكّانية إزاء الثبات النسبي للعَرض الكلّي المُتاح ، بوصفها سبباً للتخلّف الاقتصاديّ .

وقد تُصاغ المُشكلة صياغة مُشوّشة تتمثّل في أنّ الطبيعة لا توفّر إشباعاً كافياً للحاجات ، فهي متفاوتة في حجم الموارد الطبيعيّة بين مكان وآخر ، هذا من جهة الأساس ، وإذا توفّرت بأيّ حجم ، فإنّ الجهد المطلوب لإنتاجها يتطلّب زمناً مقروناً بوحدات مِن العمل ، فإذا وضع إزاءه قلّة عدد العمّال أو الماهرين منهم ، وعدم ميل الإنسان إلى بذل الجهد ، وثبات مرونة الأرض بوصفها مصدر الغذاء الرئيسي ، والحُكم بأنّ بعض الموارد الطبيعيّة لا تتجدّد ، صارت مقولة الندرة أهمّ ما يبنى عليه التحليل الاقتصاديّ الفرديّ في تصويره للمشكلة الاقتصاديّة .

فإذا قابله أنّ المحدّدات الفنّية للحاجة ليست مؤثّرة في قوّة إلزامها ، صار التمدّد الهائل والثنائيّة مصدرين من مصادر الضغط على المتاح غير الكافي من العرض ؛ ولأجل ذلك صارت المعالجة في المنظور الرأسماليّ للمشكلة تقوم على الحرّية الفرديّة وضمنها حقّ الملكيّة ـ حقّ امتلاك الأفراد للسلع سواءً كانت إنتاجيّة أم استهلاكيّة ـ بحيث صارت المشكلة تواجه كلّ فرد ، وعليه وحده يقع عبء إيجاد حلّ لها يُلائم مصلحته ، أي أنّ ضغط الحاجة على الفرد يدفعه إلى زيادة إيراده باختيار العمل المناسب له ، وتوجيه ممكناته إلى تحقيق أكبر ربح مُمكن ، وكذلك له طريقة إنفاق الدخل الذي حصل عليه بما يشبع حاجاته على الوجه الأكمل .

وقد أفرز هذا الأساس النظري عدّة نتائج في الترتيب المنطقيّ للفكر الاقتصاديّ الرأسماليّ ؛ أهمّها حرّية انتقال عناصر الإنتاج ( البشريّة ، الماديّة ) إلى حيث ترتفع العوائد ، وصار الثمن ( آليّة السوق ) هو المُرشد الأساسي في تحديد هيكل الإنتاج واتّجاهاته .

اختلفت الآراء في تقييم هذه المعالجة وأساسها النظري ، فقد ذهب بعضهم إلى أنّ المصلحة الخاصّة ستؤدّي حتماً إلى توازن المصلحتين ، بمعنى أنّ المنظّم حين يسعى لإيجاد حلّ لمشكلته يعمل على إيجاد حلّ مُرضٍ


الصفحة 47

للمشكلة برمّتها ، فإذا اختفت سلعة ما ، سارع المنظّمون ـ تحت دافع الثمن المتوقّع ـ إلى إنتاجها ، فيكثر العرض بما يُقلّل من حدّة الطلب ، ومن ثمّ إلى إعادة الثمن إلى توازناته الحقيقيّة من جهة الكُلفة .

وذهب آخرون إلى أنّ هذا التقييم يكون صحيحاً إذا توفّرت شرائطه ، وأهمّها المنافسة الكاملة ، وهذا الشرط منذ بدء التنظير الرأسماليّ كان ولا يزال شرطاً نظريّاً محضاً ، وبغيابه مع شرائط أُخرى ، فإنّ هذه المعالجة قد تهيّئ للأفراد بعض الفرَص ، ولكنّها لا تؤدّي إلى حلٍّ جذريٍّ للمشكلة الاقتصاديّة ؛ للتعارض القطعيّ بين المصلحتين ، إلاّ أنّ هذه المُعالجة لا تخلو من مزايا حسنة ، أهمّها أنّ نصيب الفرد من الدخل يكشف عن مدى ما يقدّمه من خدمات ، وأنّها تجعل من المصلحة الفرديّة حافزاً للنشاط الاقتصاديّ ، وأنّ جهاز الثمن في حالة خلوّه من العناصر غير الطبيعيّة ، هو العنصر الذي يحدّد ميول المستهلكين وأذواقهم .

 

ـــــــــــــــ

(1) زكي ( رمزي ) ، المشكلة السكّانيّة وخرافة المالثوسية ـ سلسلة عالم المعرفة ـ ص : 135 ، الكويت ، 1984م .


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net