متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
4 ـ التصوّر والمُعالجة في الفكر الاقتصادي الإسلامي
الكتاب : دراسات في الفكر الإقتصادي الإسلامي    |    القسم : مكتبة السياسة و الإقتصاد

 

4 ـ التصوّر والمُعالجة في الفكر الاقتصادي الإسلامي

مِن استقراء القوانين المركزيّة لمذهبيّة الاستخلاف ، والنصوص المكوّنة لها في القرآن والسنّة ، نلحظ أنّ مبادئ هذه المذهبيّة لا تلتقي مع نقطة الشروع في المدارس الاقتصاديّة الوصفيّة :

أ ـ موضوع الندرة

يفرّق الفكر الاقتصاديّ الإسلاميّ بين الطيّبات الحرّة ، والطيّبات الاقتصاديّة ( الثروة القوميّة ) والسلع الاقتصاديّة ، فالحرّة هي : ( الموارد


الصفحة 49

الخاضعة بشكل كامل ودائم إلى مشيئة الخالق سبحانه ) ( 3 ) ، ( وقد جعلها مُسخّرة للإنسان ؛ لأنّه يتوجّه بجهده إلى ما يقدر عليه ، وهو الإنتاج الاقتصادي ) ( 4 ) ، أمّا الطيّبات الاقتصاديّة ( فهي التي لا بدّ للإنسان من أن يُعمِل فيها قدراتـه ؛ لكي يتمكّن من الحصول عليها ) ( 5 ) ، فالحرّة متقدّمة رتبة ، وهي من خَلق الله ، ومسخّرة لخدمة الإنسان ، أمّا الوفرة والندرة فإنّ النصوص الآتية تجعل الباحث على يقين قاطع من وفرة الطيّبات الحرّة :

1 ـ ( أَلَمْ تَرَوْا أَنّ اللّهَ سَخّرَ لَكُم مَا فِي السّموَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدىً وَلاَ كِتَابٍ مُنِيرٍ ) [لقمان : 20] .

2 ـ ( وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيَها مِن كُلّ شَيْ‏ءٍ مَوْزُونٍ * وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيَها مَعَايِشَ وَمَن لّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ * وَإِن مّن شَيْ‏ءٍ إِلاّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزّلُهُ إِلاّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ) [الحجر : 19 ـ 21] .

3 ـ ( اللّهُ الّذِي خَلَقَ السّموَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السّماءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثّمَرَاتِ رِزْقاً لّكُمْ وَسَخّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ * وَسَخّرَ لَكُمُ الشّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخّرَ لَكُمُ اللّيْلَ وَالنّهَارَ * وَآتَاكُم مِن كُلّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدّوا نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفّارٌ ) [إبراهيم : 32 ـ 34] .

والذي يمكن الاستفادة منه ـ ممّا تقدّم ـ هو تصريح القرآن بوفرة الموارد بالمفهوم المُطلق ، وهذا تجده في إشارة القرآن إلى نعمه ظاهرة وباطنة ، أي مُكتشفة وغير مُكتشفة ، وتجده في إشارة القرآن إلى التوازن التكويني بيّن مقدار الحاجة على مستوى الكلّي مع معامل الزمن ( الدنيوي ) وما ينزل من الماء بقدر ، وتجده في الآيات المستلّة من سورة إبراهيم ، يستعرض فيها مصادر الثروات الطبيعيّة كافّة ومصادر الطاقة ، ثمّ يصرّح بالوفرة في ( ... آتَاكُم مِن كُلّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدّوا نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا ... ) .


الصفحة 50

وهذا يسوّغ لنا القول : إنّ القرآن ، بعد أن يوثّق حقيقة كفاية الموارد المُتاحة ، يحيل المشكلة إلى نوع العلاقة بين العمل وما خلق من موارد ، وما المحدوديّة التي نشهدها في مكان أو مُدّةٍ ما إلاّ محدوديّة نسبيّة أوّلاً ، علّتها الرئيسيّة متأتّية من عدم إنتاج ما توفّر من خامات بسبب اختناقات في جانب العرض ، أو آثار سيّئة لتوزيع غير مُتكافئ لعناصر الإنتاج ، أي أنّ هذا الاستخلاص تترتّب عليه مهمّة استخلاف الإنسان في الأرض من قِبَل الله تعالى تتضمّنها ( اندفاعاته الإيجابيّة ) في الاستفادة ممّا سخّره تبارك وتعالى ، وعدم استيعاب البشر لمهمّتهم الاستخلافيّة في عمارة الأرض ، أو عدم أدائهم مهامّهم الشرعيّة ، ما يعني بروز ظاهرة الندرة النسبيّة غير المبرّرة في سياق قوانين الاستخلاف ؛ لأنّها أساساً وليدة تقصير الإنسان عادةً ، وتفريطه بمهمّاته الأساسيّة في الحياة . لذلك فإنّ الترابط غير الوثيق بأحكام الإسلام بين العمل والموارد ، يؤدّي إلى ظهور الندرة .

أمّا العلاقة الإيجابية التي يرسمها الشارع المقدّس بينهما ، فإنّها ستؤدّي بعد وفرة الموارد إلى الكفاية الإنتاجيّة لمُجمل الحاجات .

وعليه ، فإنّ مقولة الندرة في جهاز المفاهيم الاقتصاديّة الإسلاميّة حادث عرضيّ ( opozoot ) ، وليس منطلقاً فكريّاً أساسيّاً ، كما في المدارس الاقتصاديّة الوضعيّة ، أي أنّ المشكلة الاقتصاديّة بالمفهوم الوضعيّ لا وجود لها في المذهب الاقتصادي الإسلامي ؛ حيث تهدف قوانينه ولوائحه إلى تحقيق التوازن العامّ بين الموارد المتاحة والحاجات المنظّمة كما سيتبيّن .

ب ـ موضوع الحاجة

إنّ الفكر الاقتصاديّ الإسلاميّ يجعل من مفهوم الحاجة محوراً هامّاً في المشكلة الاقتصاديّة ، ويعدّها المؤشّر الرئيس للتخلّف ، ومؤشّراً لما ينبغي أن يكون عليه المستوى الاقتصاديّ السائد ، وأساساً في نمط التوزيع ، ومعياراً في نمط الإنتاج ، ومحوراً نظرّياً هامّاً في نمط الاستهلاك . ومفهوم بهذه الدرجة من الخطورة لم يتركه الشارع من دون اهتمام أو تنظيم ، فما هو مفهوم الحاجة ؟ وما هو دورها في النظريّة الاقتصاديّة الإسلاميّة ؟


الصفحة 51

ـــــــــــــــ

(3) صقر ( محمّد أحمد ) ، الاقتصاد الإسلامي مفاهيم ومُرتكزات ، ص : 22 و23 ، دار النهضة العربيّة ـ القاهـرة ، ط1 ، 1978م .

(4) المصدر نفسه .

(5) صقر ( محمّد أحمد ) ، (م . س) ، ص : 20 .


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net