متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
أوّلاً : ماهيّة الإحياء
الكتاب : دراسات في الفكر الإقتصادي الإسلامي    |    القسم : مكتبة السياسة و الإقتصاد

المبحث الثالث

أوّلاً : ماهيّة الإحياء

اختلف الفقهاء في ماهيّة الإحياء على مذهبين :

1 ـ المذهب الأوّل : مَن أحاله إلى العُرف ، وهُم الإماميّة ( 48 ) والشافعيّة ( 49 ) .

2 ـ المذهب الثاني : مَن حدّد له مصداقيّة واقعيّة ، وهُم بقيّة الفقهاء .

قال أصحاب المذهب الأوّل : إنّ المرجع في كيفيّة الإحياء هو العُرف :

أ ـ لعدم التنصيص على مفهومه من جهة اللغة ؛ لأنّه من جهتها جعل الشيء حيّاً .

ب ـ ولعدم التنصيص شرعاً ؛ إذ لم يُبيّن لنا الشارع مفهومه ، إلاّ ما أورده صاحب ( نصب الراية ) عن جابر ـ رضي الله عنه ـ مِن قول النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : ( مَن أحيا أرضاً ميتة فله فيها أجر ، وما أكلت العافية منها فهو له صدقة ) .

فإذا فسّر هذا الحديث الإعمار بالزرع وما فيه مِن أجر ، فإنّه تخصيص لعموم لفظ الإحياء ، لكن ما يقف في وجهه أنّ النبيّ ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) قد ذكر أحد مصاديقه ، أو الشائع من مصاديقه في عصره ، فهل يعقل أن نوقف مفهوم الإحياء على الزرع ؟ على أنّ الفقهاء مجمعين على أنّه يصحّ في غير مجال الزراعة ، وسنرى ذلك في أقوالهم .

جـ ـ إنّ مُتون الأحاديث ـ ما عدا الحديث الذي ذُكر ـ أطلقت مفهوم الإحياء ، فصار مصطلحاً متحرّكاً يمكن جعله من مكوّنات منطقة الفراغ التي تستوعب التطوّرات التقنيّة والمدنيّة للمجتمعات ، فعدم تحديده شرعاً في ما أظنّ فيه حكمـه ؛ لأنّ اعتبار العُرف فيه مُزيل لمشكلٍ شرعيّ .

د ـ ومقولة العُرف المحال إليه مفهوم الإحياء فيه فُسحة شرعيّة وعمليّة ، فإنّ التملّك يحصل يقيناً بحصوله . إذنْ فهو حاصل فيما إذا كان قصد المُحيي


الصفحة 95

إخراج الأرض عن التعطيل إلى الانتفاع ، أي الحدّ الأدنى ممّا يسمّى إحياء ، وبه تحصل القناعة بحصول الحكم ، وهو كذلك يستوعب رأي مَن يرى أنّه لا يتحقّق إلاّ بالغرس .

 إذنْ فمقولة إحالة مفهوم الإحياء إلى العُرف مقولة منطقيّة متناسبة مع مبدأ استيعاب الشريعة لحاجات الإنسان وتطوّراته إلى يوم القيامة .

هـ ـ ويؤيّد مقولة العُرف أنّ الفقهاء يرون أنّ إحياء كلّ شيء بحسب حاله ، ولتعدّد أغراض المُحيي ، ولا يمكن القول بكيفيّة معيّنة يتحقّق بها الإحياء ، فيلحَق الأشكال الأُخرى إشكالٌ شرعيّ في تحقّق التملّك المترتّـب علـى الإحيـاء ( 50 ) .

المذهب الثاني : وأصحابه مَن حدّد مصاديق واقعيّة للإحياء ، فمثلاً ورد عن الحنفيّة أنّهم قالوا : إنّ الكراب والسقي والبناء والغرس إحياء . ونُقل عن شمس الأئمّة أنّه يكتفي بأن يجعل الأرض صالحة للزراعة ( 51 ) .

بينما ذهب المالكيّة إلى تحديد الإحياء بواحد من أُمور تراوحت بين حدّ إخراج المورد من العطلة إلى الانتفاع ، وبين تحقّق الانتفاع الفعليّ ، فقالوا : يكون الإحياء بواحد من سبعة : تفجير بئر أو عَين ، إزالة الماء عن الأرض ، بناء الأرض ، الغرس فيها ، حراثتها ، قطع الشجر عنها بِنيّة وضع اليد ، تكسير أحجارها وتسويتها ( 52 ) . وزاد الظاهريّة على ذلك : إزالة المُلوحة ( 53 ) ، واكتفى الزيديّة بإحاطتها بحائط إذا كان قصد المُحيى ـ مثلاً ـ أن يجعلها مكاناً لتربية المواشي ( 54 ) ، ومستندهم قوله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) : ( مَن أحاط حائطاً على أرض فهي له ) ، رواه أحمد وأبو داود عن جابر ، ولعلّ النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) أراد بـ ( له ) حقّ أولويّة ، كما هو حقّ التحجير ، وإلاّ لماذا حَكم الفُقهاء بأنّ التحجير لا يكسب أكثر مِن أولويّة استثمار ؟

الذي أضافه الحنابلة للمسألة أنّهم وضعوا معياراً مؤدّاه ( ما يتكرّر كلّ عام فليس بإحياء ، وما لا يتكرّر إحياء ) ، حكاه القاضي في ( المُقنع ) رواية ؛ لأنّ الشارع أطلق الإحياء ، ولم يُبيّن صفته ، فوجب أن يُرجَع فيه إلى العُرف ، كمقولة القبض في البيع ، والحرز في أحكام السرقة ( 55 ) .


الصفحة 96

إذنْ ، تدور أقوال الفقهاء في بيان حقيقة الإحياء بين خَلق الفرصة الإنتاجيّة واستثمار الفرصة الإنتاجيّة ، فيكون ما بينهما هو القدَر المُتيقّن لاكتساب الحقّ .

 

---------------

( 48 ) المحقّق الحلّي ، ( م . س ) : 3/275 ، الروضة البهيّة : 2/256 .

( 49 ) المهذّب : 1/424 .

( 50 ) اُنظر : رأي الدكتور جميل ( هاشم ) ، ( م . س ) : 2/78 .

( 51 ) شرح كنز الدقائق : 2/238 .

( 52 ) الشرح الكبير : 4/69 .

( 53 ) ابن حزم ، ( م . س ) : 8/238 .

( 54 ) ابن المرتضى ( أحمد بن يحيى ) ، ( م . س ) : 4/87 .

( 55 ) اُنظر : القاضي ، المقنع : 2/288 .


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net