متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
مقدمة
الكتاب : دراسات في الفكر الإقتصادي الإسلامي    |    القسم : مكتبة السياسة و الإقتصاد

البحث السادس

 الصُلح وأحكامه

في الفقه الإسلاميّ والقانون المدنيّ 


الصفحة 192


الصفحة 193

 

مقدمة

لقد وُجدت القوانين عامّة لتنظيم الحياة الاجتماعيّة ، إذ انتهى العقل الإنساني إلى أنّه لا بدّ من شريعةٍ ترسم نظام الحيـاة ؛ لذلك تُعدّ أهمّ وظيفة للتشريع عامّة هي إنهاء المنازعات بين الناس ، فقهاً بالرجوع إلى النظريّة الفقهيّة ، وقضاءً إلى أهل العلم بتلك النظريّة .

إنّ التشريع الإسلاميّ ، هو آخِر التشريعات المنزَلة من قِبل الله تعالى ، والذي ختم به سلسلة التشريعات التي تضع للإنسان أقوَم المناهج : ( إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ) [الإسراء : 9] .

يرى الدكتور الزرقا :

إنّ من الأُطر العامّة للشريعة ليس التنظيم فقط ، إنّما إصلاح الحياة الاجتماعيّة بصورة تجعلها حياةً يسودها الأمن والعدل ، والحرّية وكرامة الإنسان ؛ لذا جاء النظام المدني الإسلامي مركِّزاً على الحقوق الخاصّة للأفراد بالدرجة نفسها التي ركّز فيها على الحقوق العامّة ( 1 ) .

والمميّزات التي ينفرد بها التشريع الإسلامي عن القانون الوضعيّ كثيرة ، ويمكننا القول ـ في ما له المساس المباشر بموضوعنا ـ إنّ الفقه الإسلامي له من الصفة الدينيّة ما يطاع طاعةً اختياريّة ؛ حيث سهّل الإسلام سبُل التعرّف على أحكامه ، فإذا عرَفها المسلمون طبّقوها عن رضاً واختياراً منهم .

إنّ لهذا الالتزام الطوعي ثمرةً هامّةً ، وهي أنّ المجتمع الإسلامي أقلّ المجتمعات إثقالاً على مؤسّسات القضاء ، وأقلّ تدافعاً في اتّخاذ الوسائل لإنكار الحقّ المترتّب في ذمّة مَن عليه الحقّ ( 2 ) .

ثمرة أُخرى تُستخرَج من تلك الصفة ، وهي أنّ مِن أهمّ مقاصد الشريعة أن توجد درجة عالية من التماسك الاجتماعي والمودّة والتعاطف والتكافل .


الصفحة 194

لذلك ، ليس للقانون ـ فقط ـ وظيفة حلّ المنازعات ، بل هو يسعى ـ قبل ذلك ـ إلى وقاية الناس من ولوج أسباب الخصومة ابتداءً ، نجد ذلك واضحاً في شرائط العقود والإيقاعات ( شرائط الصحّة ) ، ثمّ إبطاله لكثير من التصرّفات الغررية ، التي تؤدّي بالتالي إلى الخصومة والتنازع .

 فالتأكيد على معلوميّة العوَضين في البيع ، أو المدّة والعوض في الإجارة ، والإشهاد والمكاتبة في الدَين دليل على هذا النزوع ، وإعلام على هذا المقصد ؛ لذلك فالتعامل بين المكلّفين يجري قبل كلّ شيء في ضوء ( تحديدات شرائط المعاملات في الفقه ) ، ثمّ يجعل المشرّع مِن وسيلتَي التحكيم والقضاء مؤسّستين لحلّ الخصومة الناشئة عن ضمان العقد ، فإذا عجزت هذه الوسائل عن إحلال الرضا التامّ في التبادل النفعي بين الناس لم يبقَ الحقّ هكذا من دون حسْم ، إنّما يتدخّل العنصر الإيماني لحلّ الإشكال باعتماد وسيلة الصُلح ، بوصفها وسيلة لضمان العقد .

فما هو الصلح ؟

 

ــــــــــــــــــ

(1) الزرقا ، المدخل الفقهي العام : 1/30 .

(2) زيدان ، نظام القضاء ، ص9 ، ظ : عبد الباقي ، نظريّة القانون ، ص 25 ، حسن كيره ، الموجز في المدخل إلى القانون ، ص42 .


الصفحة 195


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net