متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
المطلب الثاني : آثار عقد الصلح
الكتاب : دراسات في الفكر الإقتصادي الإسلامي    |    القسم : مكتبة السياسة و الإقتصاد

المطلب الثاني : آثار عقد الصُلح

الفرع الأوّل : حُكم الصُلح بعد انعقاده

يقرّر الفقهاء أنّ الصلح عقدٌ لازم حتّى حينما تكون فائدته فائدة الهبة ، فلا يجوز فسخه إلاّ إذا تراضى المتصالحان بالفسخ ، أو اشتُرط ضمن عقد الصلح أنّ له خيار الفسْخ مدّة معيّنة وقَبِل صاحبه بهذا الشرط .

والصُلح بعد انعقاده له آثار ـ أحكام ـ أبرزها :

1 ـ تنتهي به الخصومة والمنازعة بين المتداعيَين شرعاً وقضاءً ، فلا تُسمَع دعواهما بعدئذٍ ، وهذا الحكم يلازم جنس الصُلح .

2 ـ لا يجري في الصلح الردّ بالغلَط ؛ لأنّ المراد بعقد الصلح إنهاء النزاع ، فلا يفتح بالردّ بالغلَط ..

الفرع الثاني : مُبطلات عقْد الصُلح

يبطل الصلح بعد انعقاده بأُمور ، أهمّها :

1 ـ الإقالة - في غير الصلح عن قصاص - وقد عُلّل بأنّه يُفسَخ بالإقالة ؛ لِما فيه من معنى المعاوضة فأشْبَه البيع ، فصار محتملاً للفسخ بالإقالة .


الصفحة 228

2 ـ يجوز الردّ بخيار العيب والرؤية . لكنّه عند الإماميّة لا يجري فيه خيار الحيوان إذا كان أحد العوَضين ، ولا خيار المجلس ؛ لأنّها تختصّ بالبيع ، وعندهم أنّ الصلح عقدٌ مستقلٌ .

3 ـ موت أحد المتعاقدَين قَبل إتمام تبادل العوضين ، يُبطل الصلح .

4 ـ الاستحقاق : إذا ظهر استحقاق أحد الطرفين المتصالحَين تبيّن أنّه لا خصومة ، واستوفى صاحب الحقّ حقّه ، فإن كان بيد المستحقّ ما يستحقّه بقي في يده ، وإن كان زائداً أو ناقصاً أعاد الزائد ، ورجع على خصمه بالنقصان . وإذا بان أحد العوضين ممّا كان متّسماً بالجهالة وبان معلوماً ، بَطُل الصلح على المجهول .

5 ـ إذا هلكت العين المُصالَح بها قبل استيفاء المنفعة منها فُسِخ الصُلح ، وعاد كلٌّ بما صالَح عنه .

الفرع الثالث : موقف المتصالحَين بعد بُطلان الصُلح

إذا بَطل الصلح عاد كلٌّ من المتصالحَين إلى دعواه ، فإن كان عن إنكار ، احتاجا إلى صلحٍ جديد صحيح . وإن كان عن إقرار ، عاد المدّعي على المدّعى عليه بالمدَّعى المقرُّ به لا غيره .

أمّا إذا بطل الصلح عن القصاص ، يرجع وليّ الدم على الجاني بالديّة دون القصاص .

أمّا لو انعقد على منفعة استوفى منها أحد المتصالحَين ، ثمّ بَطل الصلح ، عاد المدّعي على المدّعى عليه بقدَر ما لم يستوفِ .


الصفحة 229

النتائج

1 ـ لوحظ أنّ التشريع الإسلامي يشترك مع القوانين الوضعيّة في منهجه ، في تحديد الحقوق والالتزامات ابتداءً ، وفضّ المنازعات ، ولكنّه يتفوّق عليها بميزة ( الصفة الدينيّة له وتعدّد الجزاءات ) فيه ، فلا بدّ أن يوجد باباً عمليّاً ، فشرّع باب الصلح طريقاً ثالثاً لفضِّ النزاعات التي يعجز القضاء عن فضّها ، وهو الطريق العمليّ لتخليص الذمّة ممّا عَلُق بها من ترتّب حقوق ، إذا توقّف القضاء فيها فهي ثابتة في الذمّة .

2 ـ لوحظ أنّ الصلح طريق من طُرق إنهاء النزاعات خارج القضاء ، وهو ما يمكن اعتباره ممّا يخفّف من مهمّاته وتبِعاته ، بما يجعل من المجتمع الإسلاميّ ـ مجتمعاً يستطيع حلّ مشكلاته ـ بطرُقٍ متعدّدة ( خارج ساحات القضاء ) .

3 ـ ظهر أنّ التعاريف التي عُرّف بها الصلح انتابَتْها عيوب عدم المانعيّة . وقد حاول الباحث إيجاد بديل يعتقد أنّه خالٍ من تلك العيوب . 

4 ـ ظهر أنّ للصلح قواعد تدخل ضمن نطاق القانون الدستوري والدوَلي والأحوال الشخصيّة والقانون المدني ، ما يدلّ على أنّ التشريع الإسلامي مترابط الأجزاء في أقسام القانون كلّه ، تحكمه القواعد نفسها .

5 ـ ظهر أنّ ( رُكن السبب ) الذي تمسّكت به النظريّة التقليديّة في القانون الوضعيّ ، قد تجاوزته الشريعة منذ خمسة عشر قرناً ، مُستبدلة إيّاه بالقصود والنوايا . وفي القرن التاسع عشر طالبت النظريّة الحديثة بإلغائه وعدم اعتباره ضمن أركان العقد ، وفي الصلح بَدا واضحاً أنّ المشرّع الإسلامي لم يجعل السبب في تشريعه من مقوّمات ماهيّته وأركان العقد فيه ؛ ممّا وسّع فوائده فقْهاً وقضاءً .

6 ـ وظهر من خلال البحث أنّ المشابهة في الجزئيّة أو الأغلبيّة بين مضمون عقد الصُلح وعقود أُخرى ، دعَت الأكثر إلى عدّه تفريعاً عليها ، مما جرّ إلى


الصفحة 230

نتائج خاصّة بهذا الاعتبار ، بينما انفرد أغلب الإماميّة إلى أنّه عقدٌ قائمٌ بذاته .. ، ولكلٍّ منطلقه واستدلالاته ومساراته ونتائجه المبيّنة في ثنايا البحث .

7 ـ وإذا كان مقصد الشارع في تشريع عقد الصلح أنّه الباب العمليّ للصفة الدينيّة للفقه الإسلامي ، فإنّ هناك مَن اعتبره صحيحاً ولو صحّة ظاهريةً مع إنكار المدّعى عليه ( محجوزاً مطلقاً ، أو مفصّلاً ) . وهذا الفريق من الفقهاء قد أحسن صُنعاً ؛ وذلك لتوافق المضامين التشريعيّة مع ضرورة توسيع الباب القانوني لإنهاء المنازعات ، سواءٌ في بدْء كونها أو في ذروتها قبل التقاضي أو في أثنائه ، وسواء في حالة نسيان المدّعى عليه ، أو جهله ، أو إنكاره العَمْد .

على أنّ الفقه الإسلامي هو قانون المؤمنين الذين يحرّمون على أنفسهم أكْل المال بالباطل ؛ لذلك فإنكار المدّعى عليه لا يُحمَل على أنّه متيقّن تحقّق المدّعى بالذمّة ، ورغم ذلك يُنكِره ، إنّما الإنكار لعوارض أُخرى ؛ لذا أجازه جمْع من الفقهاء مع الإنكار ، وهو محلّ ترجيح الباحث .

8 ـ وعلى ذلك تفرّع كون جهل أحد المتصالحَين أو كليهما بما تنازعا عليه لا يُبطل عقْد الصلح ؛ لأنّ صحّته مع الترجيح السابق تجعل صحّته مع هذا الافتراض من بابٍ أَولى ، فالإنكار جملةً وتفصيلاً أشدّ من الإقرار بمالٍ متنازعٍ عليـه ، مع جهل مقداره ؛ لذلك ـ لا سيّما إذا ارتبط تحقّق التراضي في الصلح بالتراضي الحقيقي ، وإقامة الصلح على أساسه ـ يُلغى عَيب ( جهالة المتنازَع عليه ) إذا اعتبرناه عيباً من عيوب العقد .

9 ـ ولوحظ في أركان عقد الصلح ( الصيغة ، العاقدان ، والمحل ) أنّ في اختلاف الفقهاء في الصيغة في ما أفاد التسالُم مطلقاً مَيلاً إلى التوسعة على الناس ، لكنّهم عند العاقدَين تشدّدوا فيه في ما يخصّ ناقص الأهليّة ، وهو فِقهٌ راعى الشروط المؤثّرة في تحديد القصد دون الشكل .

10 ـ ظهر أنّ الصلح في مجاله المدني يقع في حقوق الناس الخاصّة ، ولا يتناول الحقّ العامّ ـ حقّ الله ـ .

ويبطل إذا كان أحد العوضين ممّا لا يتقوّم . وكذا لا يصحّ على ما لا يثبت حقّاً لأحد المتصالحَين .


الصفحة 231

11 ـ يتوقّف الفقهاء في التنازع الحاصل بين متعاقدَين أو طرفَي اتّفاق ، مثل الاختلاف في عقد الوديعة ، أو العاريـة ، أو المضاربة ، أو الإجارة ، أو هلاك المبيع ، ويختلفون في قول أيّهما المقدّم مع تعارض البيّنات . وربّما أشار بعضهم في حالةٍ كهذه بالرجوع إلى القُرعة ، لكن الباحث توصّل إلى أنّ المصالحة في مثل هذه الحالات أطيب للنفس وآكد للحقوق من القُرعة ؛ لأنّها لا تفيد الرضا والاطمئنان ولا تحقّق المودّة ؛ لذلك يرى الباحث أنّه أين وُجدت القرعة فإنّ الصلح مقدّم عليها ـ فقهاً وقضاءً ـ ولا سيّما إذا خيف الإشكال .

12 ـ وتبيّن أنّ حُكم الصُلح يُنهي الخصومة ، وله مبطلات ، فإذا بَطُل الصلح عاد كلّ من المتعاقدَين إلى ما كان عليه قبْل الصُلح .

 


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net