متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
3 - مشاريع الإنتاج والزراعة الحكومية
الكتاب : النظام المالي وتداول الثروة في الإسلام    |    القسم : مكتبة السياسة و الإقتصاد

3 - مشاريع الإنتاج والزراعة الحكومية

تزداد حاجة الناس إلى المرافق العامة والتكافل الاجتماعي كلما تتقدم حياة الإنسان، ولا تفي الضرائب المالية التي تتقاضاها الحكومة من الأمة إلاّ بجزء يسير من نفقات الدولة في تشييد هذه المرافق.

وفي الحالات العامة يقصر الدخل المالي الذي يرد الحكومة عن طريق الضرائب والعقارات عن تسديد نفقاتها، فتضطر الحكومة إلى البحث عن موارد مالية جديدة لتغطية نفقاتها المالية.

وتتجه اليوم الدول الرأسمالية والاشتراكية، بشكل سواء، إلى القيام بإنشاء مشاريع تجارية وصناعية وزراعية، وممارسة الإنتاج والتجارة بصورة واسعة، وتهيئة موارد مالية جديدة، لتغطية نفقاتها المالية.

وتتم هذه المهمة في الدول الاشتراكية على حساب القطاع الخاص في الصناعة والزراعة، بينما تتم هذه المهمة في الدول الرأسمالية بشكل أخف من ذلك.

وقد قام فعلاً كثير من الدول الرأسمالية بإنشاء مشاريع حكومية للماء والكهرباء ومصالح للمبايعات والسفر والبرق والبريد وغير ذلك من الشؤون الاجتماعية وحاجات الإنسان.

والدولة الإسلامية في حياة صاحب الرسالة - صلى الله عليه وآله وسلم - وفي


{43}

عهد الخلفاء الأوائل لم تكن - بحكم الظروف الاقتصادية والمالية في ذلك الوقت - بحاجة إلى المزيد من الدخل المادي، ولم تضق مواردها المالية عن نفقاتها.. وفي الوقت نفسه لم تغلق على نفسها أبواب هذا المورد المشروع عند ما تلجؤه الظروف المادية إلى البحث عن موارد مالية جديدة.

ويعتبر إنشاء المشاريع الحكومية للتجارة والانتاج من أهم هذه الوسائل التي تدر على الحكومة دخلاً مادياً كبيراً، يغطي كثيراً من نفقاتها.

ولا يفقد الباحث في النظام المالي للدولة الإسلامية، في حدود ما تعرضنا له في هذا الحديث، ملامح عامة لهذه المسألة.

في المجال الزراعي:

رأينا فيما تقدم من هذا الحديث أن الدولة تستولي على الأراضي المحياة والموات المفتوحة عنوة - بصفة الإشراف - وتملك الأراضي التي انجلى عنها أهلها، والأراضي الموات، والمحياة بصورة طبيعية، ورأينا كذلك أن من غير الجائز أن يتصرف أحد في هذه الأرضي من دون إذن الإمام.

وفي مثل هذه الوضعية التشريعية لا يتيسر لأحد - مهما بلغت إمكاناته - أن يملك من الأراضي الزراعية أكثر من حاجته الخاصة، وبشكل يؤدي إلى الإضرار بالآخرين، أو أن يقتطع قطعاً كبيرة من الأرض بصورة تؤدي إلى (الإقطاع).


{44}

والدولة وحدها هي التي تملك الإمكانات النقدية والأرضية الواسعة التي تمكنها من إحياء قطع كبيرة من الأراضي لحسابها، والقيام بممارسة النشاط الزراعي بصورة واسعة، تتجاوز حدود طاقة الفرد، وإحداث مزارع وحقول نموذجية وكبيرة، تخضع للتطورات الزراعية الجديدة.

هذا في المجال الزراعي.

في مجال التصنيع:

وفي المجال التصنيعي تستولي الدولة بموجب تملكها للأنفال على كميات كبيرة من المواد الخام، من معدنية ونباتية، بصورة مباشرة وغير مباشرة.

فهي تملك المعادن والغابات والأحراش ورؤوس الجبال والأراضي العامرة طبيعياً، وغير ذلك من مصادر الثروة الطبيعية.

وهذه المصادر الطبيعية توفر للدولة كميات هائلة من المواد الخام الضرورية للصناعات، وتمكن الدولة من أن تدخل مشاريع الانتاج والتصنيع عند اللزوم، وأن تشرف على سير الصناعة في البلاد... بينما لا يتيسر للشركات الصناعية من القطاع الخاص هذه الإمكانات الكبيرة في الصناعة والانتاج.

وعندما تتطلب الظروف المالية من الدولة أن تدخل مشاريع الانتاج والتصنيع بهذا الشكل، فلا يمكن أن تعزل أجهزتها


{45}

العامة عن ممارسة التسويق. فمن غير الممكن عزل التسويق عن الانتاج والتصنيع.

* * *

على أنه لابد من الإشارة إلى أن الجدوى من مداخلة الحكومة في النشاط التجاري والانتاجي لا يقتصر على الدخل المادي وحسب.

وإنما الجدوى منها - قبل ذلك - تكييف وضع الانتاج والتجارة في البلاد، وتعديل الأسعار والأجور.

وعلى العكس من النظم الاشتراكية المتطرفة لا يحاول الإسلام أن يحتل الأسواق التجارية ويقضي على النشاط الانتاجي والتجاري في البلاد، ولا يؤمن بسلامة هذا النظام.

فإن النشاط الفردي والمنافسة الفردية ركن هام من أركان النشاط الانتاجي، والقضاء على الانتاج الفردي يؤدي إلى شل جهاز الانتاج في البلاد.

والدولة في المجتمع الإسلامي حينما تدخل الأسواق التجارية لا تمثل السلطة العامة، وإنما تدخل في النشاط الانتاجي والتجاري بالصفة الخاصة، كما يدخل أي فرد آخر في هذا العمل، يملك إمكانات مادية أوسع مما يملكه الآخرون.

والجهاز الحكومي للانتاج والتجارة لا يتأتى له أن يستمر في


{46}

العمل ما لم يسيّر نفسه، ويموّنه بما يدرّ عليه هذا العمل من ربح مادي، وما لم يستحصل على ربح مادي تستخدمه في تسيير مرافق البلاد عامة.

ومما تقدم يتبين شكل المشاريع الحكومية التجارية والإنتاجية في المجتمع الإسلامي.

فالدولة تدخل «أولاً» في العمل كما يدخل أي فرد آخر، وينشئ مع الآخرين علاقات وروابط تجارية، كما يرتبط الآخرون بغيرهم بسلسلة من العلاقات والروابط التجارية. ولا يحق لها أن تتحكم بما تملك من قوة تنفيذية في أوضاع الأسواق، كما لا يحق لها أن تلجئ الشركات الأهلية إلى الانسحاب عن السوق بشكل من الأشكال.

وتطلب الدولة «ثانياً» من وراء نشاطها الانتاجي والتجاري ربحاً مادياً عادلاً، لتغطية نفقاتها العامة، ولتسيير الجهاز ذاته.

وأي فرد آخر أو شركة أهلية يستطيع أن يعارض الجهاز الحكومي فيما دون هذا المستوى من الربح أو في المستوى نفسه؟

والفائدة التي تجنيها الأُمة من مداخلة الحكومة في الانتاج والتجارة هي تحديد الأسعار في مستوى عادل، وتكييف أوضاع السوق إلى صورة عادلة، بعيدة عن الأثرة والاحتكار والتحكم في الأسواق.


{47}

وكل من خطر له على بال أن يستغل حاجة السوق ليرفع من أسعار البضائع، أو خطر له أن يحتكر البضاعة لحين آخر. فالأجهزة الحكومية تقف له بالمرصاد وتتحداه وتنافسه منافسة لا هوادة فيها.

فهي في الوقت الذي تدر على الحكومة دخلا مالياً كبيراً، تعتبر أداة لتلطيف أجواء الانتاج والتجارة في البلاد.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net