متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
فِتية الكهف
الكتاب : شخصيات ومواقف    |    القسم : مكتبة التاريخ و السيرة

فِتية الكهف

وهذا مُلخَّص قِصَّتهم :

* في ( قصص الأنبياء ) للراوندي ، بإسناده إلى ابن عباس .. إنّ قوماً مِن أحبار اليهود أتَوا عمرَ بن الخطَّاب في عهده ، فسألوه أسئلةً فنكس رأسَه ، ثمّ قال للإمام عليِّ ( عليه السلام ) : يا أبا الحسن ، ما أرى جوابَهم إلاَّ عندك .

فاشترط أمير المؤمنين عليٌّ ( عليه السلام ) أنْ إذا أخبرهم بما في التوراة دخلوا في الإسلام ، فقالوا : نعم .

فأجابهم ، وكانوا ثلاثة ، فوثب اثنانِ وقالا : أشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنَّ محمّداً عبده ورسوله . فوقف الحَبْر الآخر وقال : يا عليّ ، لقد وقع في قلبي ما وقع في قلوب أصحابي ، ولكنْ بقيَت خِصلة أسألك عنها . فقال ( عليه السلام ) : ( سَلْ ) . قال : أخبرْني عن قومٍ كانوا في أوَّل الزمان فماتوا ثلاثمائةٍ وتسعَ سنين ، ثمَّ أحياهمُ الله .. ما كانت قصَّتـُهم ؟

فابتدأ علي ( عليه السلام ) وأراد أنْ يقرأ سورة الكهف ، فقال الحَبر : ما أكثرَ


الصفحة 22

ما سمعنا قراءتكم ! فإنْ كنت عالماً فأخبِرْنا بقِصَّة هؤلاءِ وبأسمائهم وعددهم ، واسم كلبهم واسم كهفهم ، واسم مَلِكهم ، واسم مدينتهم .

فقال عليٌّ ( عليه السلام ) : ( لا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله العليِّ العظيم ! يا أخا اليهود ، حدَّثني محمّد ( صلَّى الله عليه وآله ) أنَّه كان بأرض الروم مدينة يُقال لها : ( أقسوس ) ، وكان لهم مَلِك صالح فمات مَلِكهم ، فاختلفت كلمتهم . فسمع مَلك مِن ملوك فارس يُقال له : ( دقيوس ) ، فأقبل في مئة ألفٍ حتَّى فتح مدينة أقسوس ، فاتَّخذها دار مملكته واتَّخذ فيها قصراً ... ثمَّ علا على السرير فوضع التاج على رأسه .

فوثب اليهوديّ فقال : مِمَّ كان تاجه ؟ قال : ( مِن الذهب المُشبَّك ، له سبعة أركان ، على كلِّ ركن لؤلؤة بيضاء كضوء الصبح في الليلة الظلماء ... فلمَّا نظر الملِك إلى ذلك عتا وتجبَّر ، فادَّعى الربوبيَّة مِن دون الله ، ودعا إلى وجوه قومه .. فكلُّ مَن أطاعه إلى ذلك أعطاه وكساه ، وكلُّ مَن لم يُبايعه قتله . فاستجابوا له رأساً ، واتَّخذ لهم عيداًفي كلِّ سنةٍ مَرَّة .

فبينا هم ذاتَ يومٍ في عيدٍ لهم ، والبطارقة عن يمينه والهراقلة عن يساره .. إذ أتاه بطريق فأخبره أنَّ عساكر الفُرس قد غشيتـْه ، فاغتمَّ لذلك حتَّى سقط التاج عن ناصيته . فنظر إليه أحد الثلاثة الذين كانوا عن يمينه يُقال له : ( تلميخا ) . وكان له غلاماً ، فقال في نفسه : لو كان دقيوس إلهاً ـ كما يزعم ـ إذنْ ما كان يغتمُّ ولا يفزع ولا يبول ولا


الصفحة 23

يتغوَّط ، وما كان ينام .. وليس هذا مِن فعل الإله .

وكان الفتية كلَّ يومٍ عند أحدهم ، وكانوا ذلك اليوم عند تلميخا ، فاتَّخذ لهم مِن طيِّب الطعام ، ثمَّ قال لهم : يا إخوتاه ، قد وقع في قلبي شيء منعني الطعام والشراب والمنام ، قالوا : وما ذاك ـ يا تلميخا ـ ؟! قال : أطلت فكري في هذه السماء .. فقلت : مَن رفع سقفها محفوظةً بلا عَمَد ولا علاقة مِن فوقها ؟ ومَن أجرى فيها شمساً وقمراً آيتانِ مُبصرتان؟! ومَن زيَّنها بالنجوم ؟! ثمَّ أطلت الفكرَ في الأرض ، فقلتُ : مَن سطَّحها على صميم الماء الزَخَّار ؟! وَمن حبسها بالجبال أنْ تَميد على كلِّ شيء ؟ وأطلت فكري في نفسي مَن أخرجني جنيناً مِن بطن أُمِّي ؟! ومَن غذَّاني ومَن ربَّاني ؟!

إنَّ لها صانعاً مُدبِّرا غير دقيوس المَلِك . وما هو إلاَّ ملِك الملوك وجبَّار السماوات .

فانكبَّت الفتية على رجلَيهِ يُقبِّلونهما ، وقالوا : بك هدانا الله مِن الضَلالة إلى الهُدى ، فأشِرْ علينا . فوثب تمليخا فباع تمراً مِن حائط له ( 1 ) بثلاثة آلاف درهم ، وصرَّها في رُدنه ، وركبوا خيولهم وخرجوا مِن المدينة .

فلمَّا ساروا ثلاثة أميال قال لهم تمليخا : يا إخوتاه ، جاءت مَسكنة الآخرة وذهب مُلْك الدنيا .. انزلوا عن خيولكم وامشوا على

ـــــــــــــــــ

1 ـ أي بُستان .


 الصفحة24

أرجلكم ، لعلَّ الله أنْ يجعل لكم مِن أمركم فرَجاً ومَخرجاً . فنزلوا عن خيولهم ومشوا على أرجُلهم سبعة فراسخ في ذلك اليوم ، فجعلت أرجلهم تقطر دماً .

فاستقبلهم راعٍ ، فقالوا : يا أيُّها الراعي ، هلْ شربةِ لبن أو ماء ؟ فقال الراعي : عندي ما تُحبُّون ، ولكنْ أرى وجوهكم مِن وجوه الملوك ، وما أظنُّكم إلاَّ هِراباً مِن دقيانوس المَلك . قالوا : يا أيُّها الراعي ، لا يحلُّ لنا الكذب ، أفيُنجينا منك الصدق ؟ فأخبروه بقصَّتهم ، فانكبَّ الراعي على أرجُلهم يُقبِّلها ويقول : يا قوم ، لقد وقع في قلبي ما وقع في قلوبكم ، ولكنْ أمهلوني حتَّى أردَّ الأغنام على أربابها وألحقَ بكم . فتوقَّفوا له ، فردَّ الأغنام وأقبل يسعى يتـْبعه الكلب ) .

فوثب اليهوديُّ فقال : يا عليّ ، ما اسم الكلب وما لونه ؟ فقال له عليّ ( عليه السلام ) : ( لا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله العليِّ العظيم .. أمَّا لون الكلب فكان أبلقَ بسواد ، وأمَّا اسم الكلب فـ ( قطمير ) .

فلمَّا نظر الفتية إلى الكلب قال بعضهم : إنَّا نخاف أنْ يفضحنا الكلب بنباحه . فألحُّوا عليه بالحجارة ، فأنطق اللهُ الكلبَ وقال : ذروني حتَّى أحرسَكم مِن عدوِّكم .

فلم يَزلْ الراعي يسير بهم ، حتَّى علاهم جبلاً فانحطَّ به على كهفٍ يُقال له : ( الوصيد ) ، فإذا بفِناء الكهف عيونٌ وأشجار مُثمرة ، فأكلوا مِن الثمر وشربوا مِن الماء ، وجنَّهمُ الليل .


الصفحة 25

فأوحى الله تعالى إلى مَلَك الموت بقبض أرواحهم ، ووكَّلَ اللهُ بكلِّ رجلٍ مَلَكينِ يُقلِّبانهِ مِن ذات اليمن إلى ذات الشمال ، وأوحى الله إلى خُزَّان الشمس ، فكانت تَزاوَرُ كهفهم ذات اليمين وتقرضهم ذات الشمال .

فلمَّا رجع دقيوس مِن عيده سأل عن الفتية ، فأُخبر أنَّهم خرجوا هرَباً ، فركب .. فلم يزل يقفو أثرهم حتَّى علا فانحطَّ إلى كهفهم . فلمَّا نظر إليهم فإذا هم نيام ، فقال المَلك : لو أردت أنْ أُعاقبهم بشيءٍ لَما عاقبتهم بأكثر ممَّا عاقبوا أنفسهم ، ولكنِ ائتوني بالبنَّائين . فسدَّ باب الكهف بالكِلْس والحجارة ، وقال لأصحابه : قولوا لهم : يقولوا لإلهِهم في السماء : لِيُنجّيَهم ، وأنْ يُخرجهم مِن هذا الموضع ) .

قال عليٌّ ( عليه السلام ) : ( يا أخا اليهود ، فمكثوا ثلاثمئة وتسعَ سنين ، فلمَّا أنْ أراد الله أنْ يُحيِيهم أمر إسرافيلَ أنْ ينفخ فيهمُ الروح ، فنفخ ، فقاموا مِن رقدتهم ...

فأقبل تمليخا ( مِن السوق ) حتَّى دخل الكهف ، فلمَّا نظروا إليه اعتنقوه وقالوا : الحمد لله الذي نجَّانا مِن دقيوس ، قال تمليخا : دعوني عنكم وعن دقيوسكم ، كمْ لبثتم ؟! قالوا : لبثـْنا يوماً أو بعض يوم ، قال تمليخا : بلْ لبثتم ثلاثمئة وتسع سنين ، وقد مات دقيوس وقرن بعد قرن ، وبعث الله نبيَّاً يقال له : ( المسيح عيسى بنُ مريم ) ورفعه الله إليه ..


الصفحة 26

قالوا : يا تمليخا ، أتُريد أنْ تجعلنا فتنةً للعالمين ؟! قال تمليخا : فما تُريدون ؟ قالوا : ادعُ الله ( جلّ ذِكْرهُ ) وندعو معك حتَّى يقبضَ أرواحنا . فرفعوا أيديَهم ، فأمر الله تعالى بقبض أرواحهم ، وطمس اللهُ باب الكهف على الناس ... ) .

ثمّ قال الإمام عليّ ( عليه السلام ) : ( يا يهوديّ ، أيوافق هذا ما في توراتِكم ؟! قال: ما زدتَ حرفاً ولا نقصت ، وأنا أشهد أنْ لا إله إلا الله ، وأشهد أنَّ محمَّداً عبده ورسوله ) ( 1 ) .

هذه قصَّة أصحاب الكهف ، الذين وضعونا أمام عِدَّة دروس ،

منها : أنَّ أرض الله واسعة ، فإنْ امتنع على أحد أنْ يعبد الله في ناحية مِن الأرض ، فسَتسَعُه لعبادة الله أرض أُخرى . وقد قال تعالى ـ في مُحكَم تنزيله الكريم ـ : ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الملاَئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً ) ( 2 ) ، وقال عزَّ مِن قائل : ( يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِِ ) ( 3 ).

والمعنى : اعبُدوني وحدي ولا تعبدُوا غيري ، فإنْ لم يُمْكِنْكـُم

ـــــــــــــــــــ

1 ـ قَصص الأنبياء ، للجزائري ( باب في قِصَّة أصحاب الكهف والرقيم ) مُختصراً : 441 ـ 446 . وهنالك بحث مُفصَّل حول هذه القصَّة مدعوم بوثائق أثريَّة ( جغرافيَّة وتاريخيَّة ) تجده في تفسير الميزان 13 : 278ـ299.

2 ـ النساء : 97.

3 ـ العنكبوت : 56.  


الصفحة 27

عبادتي في مكانٍ مِن الأرض ، فهاجروا إلى غيرها واعبدوني فيها وحدي .

ومنها : أنَّ الإيمان فتوَّة وحيويَّة . فقد جاء عن سليمان بن جعفر الهمدانيّ أنَّه قال : قال لي جعفر بن محمد الصادق ( عليه السلام ) : ( يا سليمان ، مَنِ الفتى ؟! ) ، فقلت له : جُعلت فِداك ، الفتى عندنا الشابُّ . قال لي : ( أما علمتَ أنَّ أصحاب الكهف كانوا كُهولاً فسمَّاهم الله فتيةً بإيمانهم ؟! يا سليمان ، مَن آمنَ بالله واتَّقى فهو الفتى ) ( 1 ) .

ومنها : أنَّ لكِتمان الإيمان في حال التقيَّة ثوابَه ، كما للإيمان ثوابه .

عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله الصادق ( عليه السلام ) قال : ( إنَّ أصحابَ الكهف أسرُّوا الإيمانَ وأظهروا الكفر .. فآجَرَهمُ اللهُ مرَّتين ) ( 2 ) .

ومِن هنا كان أبو طالب ( رضي الله عنه ) قد حظي بمنزلةٍ عاليةٍ عند الله ، وعند رسوله ( صلَّى الله عليه وآله ) ، حتَّى روى اليعقوبيُّ قائلاً : لمَّا قيل لرسول الله : إنَّ أبا طالب قد مات .. عظُم ذلك في قلبه واشتدَّ له جزعه ، ثمَّ دخل فمسح جبينَه الأيمن أربع مرَّات ، وجبينه الأيسر ثلاثَ مرَّات ، ثمّ قال : ( ياعمُّ ، ربَّيت صغيراً ، كفلتَ يتيماً ، ونصرتَ كبيراً ، فجزاك اللهُ عنِّي خيراً ) . ومشى بين يدي سريره ، وجعل يعرضه ويقول : ( وصلتـْك

ــــــــــــــــ

1 ـ تفسير العيَّاشيّ ـ سورة الكهف / آية 10.

2 ـ تفسير العيَّاشيّ ـ سورة الكهف / آية 10.  


الصفحة 28

رَحِمٌ وجُزيتَ خيراً ) ( 1 ) .

أجل .. فقد كان أبو طالب ( رحمه الله ) مؤمناً يكتم إيمانه على كفَّـار قريش ؛ مخافةً على بني هاشم أنْ تنبذهم قريش .

* عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنّه قال : ( إنَّ مَثَل أبي طالب مَثَلُ أصحاب الكهف ، أسرُّوا الإيمان و أظهروا الشرك ، فآتاهم اللهُ أجرهم مرَّتين ) ( 2 ) .

* وعن عبد الرحمان بن كثير ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) : ( أتى جبرائيل في بعض ما كان عليه ، فقال : يا محمّد ، إنَّ ربَّك يُقرئك السلام ويقول لك : إنَّ أصحاب الكهف أسرُّوا الإيمان وأظهروا الشرك ، فآتاهم الله أجرهم مرَّتين ، وإنَّ أبا طالب أسرَّ الإيمان وأظهر الشرك ، فآتاه اللهُ أجره مرَّتين .. وما خرج مِن الدنيا حتَّى أتتْه البشارةُ مِن الله تعالى بالجَنَّة .. وقد نزل جبرائيلُ ليلة مات أبو طالبٍ فقال : يا محمّد ، أخرجْ مِن مَكَّة ، فمالك بها ناصر بعد أبي طالب ) ( 3 ) .

ــــــــــــــــــــ

1 ـ تاريخ اليعقوبي 2 : 26 ، ويُراجَع في ذلك وغيره : دلائل النبوَّة ، للبيهقي . وتاريخ بغداد ، للخطيب البغدادي 13 : 196. ويُراجَع ابن كثير 3 : 125. وتذكرة خواصِّ الأُمَّة ، لسبط ابن الجوزي : 6.. وغيرها كثير.

2 ـ أمالي الصدوق : 36 ، وروضة الواعظين ، لابن فتَّال النيسابوري : 121.

3 ـ ضياء العالمين ، للفتوني . وتفسير أبي الفتوح الرازي4: 212. وبحار الأنوار ، للعلاَّمة المجلسي19: 14.. وغيرها مِن المصادر ذكرها العلاَّمة الأميني في أثره المُبارَك ( الغدير )7: 390.  


الصفحة 29


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net