متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
مع مروان بن الحَكم ، السنة العمرية
الكتاب : شخصيات ومواقف    |    القسم : مكتبة التاريخ و السيرة

مع مروان بن الحَكَم بشكل مُختصَر

* أخرج الحاكم النيسابوريّ ، مِن طريق عبد الرحمان بن عوف أنَّه قال : كان لا يولد لأحدٍ بالمدينة ولَدٌ إلاَّ أتى به إلى النبيّ ( صلَّى الله عليه [ وآله ] وسلَّم ) . فأُدخل عليه مروانُ بن الحُكم ، فقال : ( هو الوزَغُ ابنُ الوزغ ، الملعون بن الملعون ) ( 2 ) .

ـــــــــــــــــــ

2 ـ المُستدرك على الصحيحين 4 : 479 . وذكره أيضاً : الدميريّ في ( حياة الحيوان ) 2 : 399 ، وابن حجر في ( الصواعق المُحرقة ) : 108 ، والحلبيّ في ( السيرة الحلبيّة ) 1 : 377 .


الصفحة 183

* وأخرج ابن النجيب ، مِن طريق جُبير بن مُطعم ، قال : كنَّا مع رسول الله ( صلى الله عليه [ وآله ] وسلَّم ) فمرَّ الحكم ، فقال النبيّ ( صلَّى الله عليه [ وآله ] وسلَّم ) : ( ويلٌ لأُمَّتي ممَّا في صلْب هذا ) ( 1 ) .

* وأخرج ابن الأثير وغيره أنَّ مروان بن الحكم وعبد الرحمان بن أبي بكر اختصما يوماً ، فسمعت عائشة أنَّ مروان يُعيِّر أخاها ويقول له : ألستَ الذي قال لوالدَيهِ ( ... أُفٍّ لَكُمَا ... ) ؟!

وفي رواية : هذا الذي قال الله فيه : ( وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا ... ) ( 2 ) ! فأجابته عائشة : كذِب مروان ، كذِب مروان .. ولكنَّ رسول الله ( صلَّى الله عليه [ وآله ] وسلَّم ) لعنَ أبا مروانَ ومروانُ في صُلبه ، فمروانُ فضَضٌ مِن لعنةِ الله . وفي لفظٍ آخر : ولكنَّ رسول الله لعنَ أباكَ وأنت في صُلْبه ، فأنت فضضٌ مِن لعنة الله ( 3 ) .

فمروان بنصِّ الأحاديث الشريفة وَزغ ، وهو حيوان أبرص سامٌّ ، وملعون وهو في صُلب أبيه ؛ لأنَّه أحد جنود إبليس ، وصاحب فتنٍ وبدعٍ في الإسلام . قال البلاذريّ : كان مروان يُلقَّب

ـــــــــــــــــــ

1 ـ أُسد الغابة 2 : 34 ، والإصابة 1 : 346 ، وكنز العمَّال 6 : 40 ، والسيرة الحلبيَّة 1 : 337 .

2 ـ الأحقاف : 17 .

3 ـ أُسد الغابة 2 : 34 . ويُراجع أيضاً : المُستدرك على الصحيحين 4 : 481 ، وتفسير القرطبي 16 : 197 ، وتفسير الزمخشريّ 3 : 99 ، وتفسير ابن كثير 4 : 159 ، وتفسير الرازيّ 7 : 491 . وغير ذلك كثير .


الصفحة 184

( خيطَ باطل ) ؛ لدِقَّته وطوله شبه الخيط الأبيض الذي يُرى في الشمس ( 1 ) .

ومَن أراد الاستزادة في التعرُّف على شخصيَّة مروان ، فيكفيه الرجوع إلى كتاب العلاَّمة الأميني ( الغدير ) ( 2 ) . وهنا نكتفي بما وصفه الإمام الحسن ( عليه السلام ) في مجلس معاوية ، وقد اجتمع هذا مع جلاوزته : عمرو بن عثمان بن عفَّان ، وعمرو بن العاص ، وعتبة بن أبي سفيان ، والوليد بن عقبة بن أبي مُعَيط ، والمُغيرة بن شعبة .. وقد تواطأوا على أمرٍ واحد ، وبعثوا إلى الإمام الحسن ( عليه السلام ) فسبُّوا بني هاشم ورهطَ رسول الله ( صلَّى الله عليه وآله ) وتعرَّضوا لأهل بيته بالطعن والتُّهمة وبذيء القول . فأجابهم الإمام الحسن المُجتبى ( عليه السلام ) بما يُفحمهم ويُخزيهم ، ويُبيِّن فضائل أهل بيت الرسالة ( عليهم السلام ) ، فأُخرِسوا بما فيهم معاوية ، وقد بيَّن الإمام مثالب آل أبي سفيان ومَن حضر لسبِّ آل أبي طالب .

فلمَّا سمع مروان بن الحَكم بما لقيَ معاويةُ وأصحابه المذكورون مِن الإمام الحسن بن عليّ ( عليهما السلام ) جاء إلى المجلس فقال : أفلا أحضرتموني ذلك ! فواللهِ ، لأسبَّنَّه ولأسبَّنَّ أباه وأهل البيت سبَّاً تتغنَّى به الإماء والعبيد !!

ــــــــــــــــــ

1 ـ أنساب الأشراف 5 : 126 .

2 ـ الجزء الثامن ص 257 ـ 267 .


الصفحة 185

فأَرسل إلى الحسن ( عليه السلام ) ، فحضر وقال لمروان : ( وما الذي أردتَ ؟ ) ، قال مروان : واللهِ ، لأسبَّنَّك وأباك وأهلَ بيتك سبَّاً تتغنَّى به الإماءُ والعبيد !!

فقال الإمام الحسن ( عليه السلام ) : ( أمَّا أنتَ يا مروان .. فلستُ سببتُك ولا سببتُ أباك ، ولكنَّ الله عزَّ وجلَّ لعنكَ ولعنَ أباك ، وأهلَ بيتك وذُرِّيَّتكَ ، وما خرج مِن صُلب أبيكَ إلى يوم القيامة ، على لسان نبيِّهِ محمّد ( صلَّى الله عليه وآله ) . والله ـ يا مروان ـ ، ما تُنكر أنتَ ولا أحدٌ مِمَّن حضر هذه اللعنةَ مِن رسول الله ( صلَّى الله عليه وآله ) لكَ ولأبيك مِن قبلك . وما زادك اللهُ ـ يا مروانُ ـ بما خوَّفك إلاَّ طُغياناً كبيراً .. فوثب معاوية فوضع يده على فمِ الحسن .. ) ( 1 ) .

ويوم خطب ( معاوية الثاني ) خُطبتَه تلك ، وأظهر فيها مثالب بني أُميَّة ، لاسِيَّما آل أبي سفيان ، وخصوصاً يزيدَ أباه ومعاويةَ جَدَّه .. ماذا كان مِن مروان بن الحَكَم ، وهو يومئذ هناك يتربَّص بالخلافة بعد معاوية ، ولا يرضى لنفسه ـ وقد قاتل الإسلام وكاد به خمسين عاماً ـ إلاَّ بإمرة الشام إنْ لم يتسنَّ الأمرُ له بإمرة كلِّ بلاد المسلمين ؟

ذكر البلاذريّ : أنَّ أوَّل المُتصدِّين لمعاوية الثاني بعد خُطبته تلك ـ إهانةً له ، واقتناصاً للغنيمة ـ هو مروان ، فقيل : دخل عليه قائلاً له :

ــــــــــــــــــ

1 ـ الاحتجاج : 278 ـ 279 .


الصفحة 186

لقد أعطيت مِن نفسك ما يُعطي الذليلُ المَهين ! ثمَّ رفع صوته فقال :

مَن أراد أنْ ينظر في خالفةِ آل حرب بن أُميَّة فلْينظر إلى هذا ! فقال له معاوية : يا بن الزرقاء ، أُخرجْ عنِّي ، لا قَبِلَ اللهُ لك عُذراً يوم القيامة ! ( 1 ) .  

هذا بعد ما كان معه في المسجد .

يذكر بعض المؤرِّخين أنَّ معاوية الثاني لمَّا خطب الناس تلك الخُطبة ، كان مروان تحت المنبر ، فلمَّا خلع معاوية الثاني بيعتَه مِن أعناق الناس ، قال له مروان ومعاويةُ ما زال على المنبر لم ينزل بعد : أسُنَّة عُمَريَّة ـ يا أبا ليلى ـ ؟ فأجابه معاوية الثاني ( مُعرِضاً ) : أُغْدُ عنِّي .. أعن ديني تخدعُني ؟! فواللهِ ، ما ذقت حلاوة خلافتكم فأتجرَّع مرارتَها ! .. ثمَّ قال : واللهِ ، لئن كانت الخلافة مَغنماً ، لقد نال أبي منها مغرماً ومَأْثَماً ، ولئن كانت سوءً فحسبُه منها ما أصابه .

ثمَّ نزل فدخل عليه أقاربه وأُمًّه فوجدوه يبكي .. ( 2 ) .

ويبدو أنَّ عبارة مروان هكذا : سُنَّةً عُمريَّة ! على صيغة التخصيص أو التوبيخ ، أيْ أراد أنْ يقول له : هلاَّ جعلتها سُنَّةً عُمريَّة ؟! أو : لماذا لم تجْعلها سُنَّة عُمريَّة ؟! أو : هلاَّ تجعلُها سُنَّةً عُمريَّة ؟! ما زال في الحال

ــــــــــــــــــ

1 ـ أنساب الأشراف 5 : 381 ( طبعة دار الفكر ـ بيروت ) .

2 ـ حياة الحيوان 1 : 88 ـ 89 .


الصفحة 187

فُسحة . أيْ تجعلها قسمةً بينكم ( يا بني أُميَّة ) وبيننا نحن ( آل مروان ) نتشاطر الخلافة ونتعاقبها إنْ أنت عزفت عنها ، كما أوصى عمر بن الخطَّاب ـ وهو على فراش الموت ـ أنْ تكون الخلافة مِن بعده شورى ـ بلا أيِّ دليل شرعيٍّ ـ في سِتَّة رجال ـ كما سنُبيِّن  .

ودليلُ ما ذهبنا إليه ، أنَّ الذي طرحه مروان بن الحَكم على معاوية الثاني مِن الرأي .. هو ما يُروى :

أنَّ مروان قال له : يا أبا ليلى ، سُنَّةً عُمريَّة ! فقال : يا مروان ، تخدعُني عن ديني .. اِئتِني برجالٍ كرجال عمر أجعلِ الأمرَ بينهم شورى !! واللهِ ، لئن كانت الخلافة مَغنماً ، فلقد أصابَنا منها حظَّاً ، وإنْ كانت شرَّاً فحسْب آل أبي سفيان ما أصابوا منها . ثمَّ نزل .. ( 1 ) .

وهذا ما أكَّده المُحدِّث الشيخ عبَّاس القُمِّيّ ، حيث روى أنَّ مروان ـ ومِن تحت المنبر ـ قد خاطب معاوية الثاني بـ : يا أبا ليلى ، ( وهذه كنية تُطلق على ضعفاء العرب ) ، وطلب منه أنْ يجعل أمر الخلافة شورى كما فعل عمر إنْ كان غير راغبٍ هو ( أيْ معاوية الثاني ) فيها ( 2 ) .

ولعلَّ مروانَ هذا يقصد أنْ تكون الخلافة مُنشطرة في جماعتين :

ـــــــــــــــــــــ

1 ـ يُراجَع : تاريخ اليعقوبيّ 2 : 254.. وفيه : فقال له مروان بن الحكم : سُنَّها فينا عُمريَّة ! فأجابه معاوية : ما كنتُ أتقلَّدكم حيَّاً وميِّتاً .

2 ـ يُراجع : تتمَّة مُنتهى الآمال : 48 .


الصفحة 188

 الشطرُ الأوَّل مِن بني أُميَّة أو مِن آل سفيان .

والشطر الثاني في آل مروان وعلى رأسهم ابن الحَكَم مروان .

والآن .. اقتضى السياق أنْ نتعرَّف على السُنَّة العُمريَّة ، التي دعا إليها مروان بن الحَكَم .. وهي في الاستخلاف ، كما تُشير إليه قرينة الحال .

 

السُنَّة العُمريَّة :

قال اليعقوبيّ : وصيَّر ( عمر ) الأمرَ ـ أيْ الخلافة ـ شورى بين ستَّة نفر مِن أصحاب رسول الله : عليّ بن أبي طالب ، وعثمان بن عفّان ، وعبد الرحمان بن عوف ، والزبير بن العوَّام ، وطلحة بن عبيد الله ، وسعد بن أبي وقّاص . فقيل له : في ابنه عبد الله بن عمر ، فقال : حسب آل الخطَّاب ما تحمَّلوا منها ! إنَّ عبد الله لم يُحسِن أنْ يُطلِّق امرأته .

وأمر صهيباً أنْ يُصلِّيَ بالناس حتَّى يتراضوا مِن الستَّة بواحد . واستعمل أبا طلحةَ زيدَ بن سهلٍ الأنصاريّ وقال : لئن رضيَ أربعة ، وخالفَ اثنان .. فاضربْ عنُقَ الاثنين . وإنْ رضي ثلاثةٌ ، وخالفَ ثلاثة .. فاضرب أعناق الثلاثة الذي ليس فيهم عبد الرحمان . وإنْ جازت الثلاثةُ أيَّام ولم يتراضوا بأحدٍ . فاضرب أعناقَهم جميعاً ( 1 ) .

وهذا أمرٌ عجيب ! بلْ عجيبٌ جدَّاً جدَّاً ! إذْ لم نسمعْ به مِن قَبلِ

ــــــــــــــــــ

1 ـ تاريخ اليعقوبيّ 2 : 160 .


الصفحة 189

هذا ولا مِن بعد ، لا في شرائع الله تبارك وتعالى ولا في شرائع الناس ، ولا في أحكام العقلاء ؛ إذ كيف يكون المرءُ مِن أفضل رجال الأُمَّة ، ويُعَدُّ للخلافة خلافة رسول الله ( صلَّى الله عليه وآله ) ، فإذا لم يتراضَ عليه الخمسة الذين معه ضُرِب عُنقُه ، فإنْ هو لم يتراضَ معهم ضربت أعناقُهم جميعاً ؟!

وكيف إذْ هُمْ خيار المسلمين ، فإنْ اختلف الرأي بينهم وانشطروا تُقتل الجماعة التي ليس فيها فلان ( عبد الرحمان بن عوف ) ؟! وبأيِّ دليل يُقتَل أفاضل الأُمَّة ؟! وما هو امتياز عبد الرحمان هذا مِن العصمة والحَصانة كي تُصانَ جماعتُه وتُضرَب أعناق الجماعة المُقابلة التي ترى غيرَ ما يراه مِن الرأي ؟!

أيَّةُ سُنَّة تلك ؟! وأيُّ حُكْم ذاك ؟! حتَّى لَيكون الرجل : إمَّا خليفةً لرسول ربِّ العالمين ، وإماماً مُطلقاً على رؤوس المسلمين ، وإمَّا قتيلاً حالُه كحال أسوأ المُجرمين !

ثمَّ ما الدليل على حصر الشورى في سِتَّة .. يا عمر ؟! ثمَّ : هل غفل الإسلام عن حُكمٍ يُؤتى فيه برأيٍ لا دليل فيه ولا برهان ، كهذا ؟!

قال الكاتب عبد الله العلايليّ : إنَّ عمر تردَّد بين أنْ يتَّبع طريقة أبي بكر أو طريقة النبيّ ( صلَّى الله عليه وآله ) ، وخاف الاختلاف فجمع الطريقتين . غير أنَّ الستَّة الذين حصر الانتخاب بهم اختلفوا وهو حيٌّ ، ..


الصفحة 190

وعبد الرحمان بن عوف لعب دوراً مُهمَّاً حين وسَّع دائرة الانتخاب ، وانتقل به الشعب حتَّى لم يُتمَّ مُدَّة الشورى . وذلك أنَّ عليَّاً ( عليه السلام ) كان الفائزَ ـ لا محالةَ ـ في الانتخاب التداوليِّ الذي حصل بين الستَّة ، فإنَّ المؤهِّلات التي اجتمعت له لم تجتمع لواحدٍ منهم .. ( 1 ) .

* عن عامر بن واثلة ، قال : كنتُ في البيت يوم الشورى ، فسمعتُ عليَّاً ( عليه السلام ) وهو يقول : ( استخلفَ الناسُ أبا بكرٍ وأنا ـ واللهِ ـ أحقُّ بالأمرِ وأَولى به منه .. إلاَّ أنَّ عمرَ جعلني مع خمسةٍ أنا سادسُهم لا يُعرَف لهم علَيَّ فضل ، ولو أشاء لاحتججتُ عليهم بما لا يستطيع عربيُّهم ولا عجميُّهم ، المُعاهد منهم والمُشرك تغييرَ ذلك ) .

ثمّ قال : ( نشدتُكمْ بالله أيُّها النفر ، هل فيكم أحدٌ وحَّد الله قبلي ؟! ) ، قالوا : اللَّهمَّ لا . قال : ( نشدتُكم بالله ، هل فيكم أحد قال له رسول الله ( صلَّى الله عليه وآله ) : أنت منِّي بمنزلة هارونَ مِن موسى إلاَّ أنَّه لا نبيَّ بعدي ، غيري ؟! ) ، قالوا : اللَّهمَّ لا ... ( 2 ) .

ثمَّ أخذ ( عليه السلام ) يُعدِّد فضائله ، وأدلَّة أفضليَّته على غيره بما يقرب

ــــــــــــــــــــ

1 ـ الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، أو سموُّ المعنى في سموِّ الذات : 266 ـ 267 .

2 ـ الخصال ، للشيخ الصدوق : 553 وما بعدها . عنه بحار الأنوار 31 : 315 ـ 329 . يُراجع في هذا الموضوع : الغدير 1 : 159 ـ 213 ، باب المُناشدة والاحتجاج بحديث الغدير .


الصفحة 191

ـ في نقله ـ مِن أربع عشرة صفحة ، والقوم يُصدِّقون على ما يقول ، بـ : اللَّهمَّ نعم .

والآن نتساءل .. ألم تكن طريقة النبيِّ الأكرم ( صلَّى الله عليه وآله ) في الاستخلاف هي التبليغ ، بأنَّ عليَّاً هو أمير المؤمنين ، وخليفة رسول ربِّ العالمين ، وبايعه على ذلك مئة وعشرون ألفاً أو أقلُّ في واقعة الغدير العُظمى؟

وتلك آيتان شاهدتان : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ) ( 1 ) .

وهذه آية التبليغ .. فلمَّا بلَّغ المُصطفى ( صلَّى الله عليه وآله ) بأمر الله على مسمع ومشهد عشرات آلاف المسلمين في خُطبة عظيمة مُطوَّلة .. نزلت آية إكمال الدين ، وهي قوله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً ... ) ( 2 ) .

وتلك مصادر المسلمين : مِن التفاسير إلى كُتب الحديث ، إلى كُتب السيرة والتاريخ .. كلُّها نقلت الواقعة بإيجازٍ أو تفصيل ، نذكر منها القليل ونُرجئ الكثير إلى مَن يُشكِّك في ذلك . يُراجع : الكشف والبيان في تفسير القرآن ، للثعلبيّ . فرائد السمطين ،

ــــــــــــــــــــ

1 ـ المائدة : 67 .

2 ـ المائدة : 3 .


الصفحة 192

للحموينيّ . الفصول المُهمَّة ، لابن الصبَّاغ المالكيّ . صحيح مسلم 15 : 188 . صحيح البخاريّ 5 : 83 . مُسند أحمد 4 : 281 . مناقب عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، لابن المغازليّ الشافعيّ ... وغيرهم . حتَّى أُحصي مِن علماء السُّنَّة وعشرون عالماً نقلوا في كتبهم رواية الغدير بشأن ولاية أمير المؤمنين عليّ ( عليه السلام ) .

واختصاراً للمسافة ، وتجنُّباً للعناء نُشير إلى مُراجعة كتاب الغدير ـ الجزء الأوَّل ( بأكمله ) .

نعود إلى العلايليّ فنسأله : كيف تردَّد عمر بين طريقة النبيّ وطريقة أبي بكر في الاستخلاف ؟ ألم يكن يعلم أنَّ رسول الله ( صلَّى الله عليه وآله ) كان معصوماً ؟! وكان مُبلِّغاً عن الله تبارك وتعالى ؟! أم كان شاكَّاً ـ والعياذ بالله ـ في ذلك ؟! ثمَّ ألم يُقلْها عمر صريحة : كانت بيعةُ أبي بكرٍ فلتةً ، وقى الله المسلمين شرَّها .. ثمَّ أعقبَ ذلك بقوله : فمَنْ عاد إلى مثْلِها فاقتلوه ؟! ( 1 ) .

فكيف يتردَّد عمر في فلتةٍ أمرَ بأنْ يُقتَل مَن يعود إليها ؟! ثمَّ ماذا

ــــــــــــــــــــ

1 ـ يُراجع على سبيل المثال : صحيح البخاريّ 10 : 44 ، مُسند أحمد 1 : 55 ، تاريخ ابن كثير 5 : 246 ، تاريخ الطبريّ 3 : 200 ـ 205 ، سيرة ابن هشام 4 : 338 ، السيرة الحلبيَّة 3 : 388 ـ 392 ، الكامل في التاريخ 2 : 135 ، أنساب الأشراف 5 : 15 ، النهاية لابن الأثير 3 : 238 ، الصواعق المُحرقة : 5 ، 8 ، 21 ، تاج العروس للزبيديّ 1 :568 ، التمهيد للباقلانيّ : 196 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2 : 19 و 1 : 124.. وغيرها .


الصفحة 193

كانت طريقة أبي بكرٍ في الاستخلاف ؟

* قال ابن أبي الحديد : أحضر أبو بكرٍ عثمانَ ، وهو ( أيْ أبو بكر ) يجود بنفسه  . فأمره أنْ يكتب عهداً ، وقال : اكتبْ : بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما عهِد به عبد الله إلى المسلمين ، أمَّا بعدُ . ثمَّ أُغميَ عليه ، فكتب عثمان : قد استخلفتُ عليكمُ ابنَ الخطَّاب .

وأفاق أبو بكر فقال : اقرأ . فقرأه عثمان فكبَّر أبو بكرٍ وسُرَّ وقال : أراكَ خِفتَ أنْ يختلف الناسُ إنْ مِتُّ في غَشيتي ! قال : نعم . قال : جزاك اللهُ خيراً عن الإسلام وأهله . ثمَّ أتمَّ العهدَ وأمرَه أنْ يُقرأ على الناس ، فقُرئ . ثمَّ أوصى عمرَ ( 1 ) .

فأين أبو بكر ـ إذاً ـ مِن طريقة النبيّ ( صلَّى الله عليه وآله ) ؟! وأين عمر هنا مِن طريقة أبي بكرٍ في الاستخلاف ؟! وهل كان الإسلام ـ حاشاه ـ بهذه السذاجة حتَّى يتركَ أمراً خطيراً كالخلافة والاستخلاف ، فلا يُعيِّن شخصاً ولا طريقةً في ذلك ؟ ثمَّ أين الشورى التي زُعمتْ في خلافة أبي بكر ؟! لِمَ تُجرَ في خلافة عمر ؟! ألم يكن دليل أبي بكرٍ في خلافته أنَّ الشورى مِن الناس ، بلْ مِن الأُمَّة ، كانت هي المُعيِّنة له خليفةً لرسول الله بعد رسول الله ؟! لماذا ـ إذاً ـ لم يَدَعْ أبو بكر تلكَ الأُمَّةَ التي عيَّنته هي التي تُعيِّن الخليفةَ مِن بعدَه ؟! وما الدليلُ الشرعيّ الذي خوَّله أنْ يستبدَّ برأيه فيُعيِّنُ شخصاً بعينه

ــــــــــــــــــــ

1 ـ شرح نهج البلاغة 1 : 165 .


الصفحة 194

دون أنْ يرجع إلى أحدٍ مِن أعيان الأُمَّة فيستشيره ؟! ولا ندري : أكان تعيين عمر أمراً تعجَّل به عثمان ؟! أم اقتراحاً اقترحه فأمضاه أبو بكر وهو في سكرات الموت ؟! ثمَّ إنْ كان هذا صواباً .. فلِمَ لم يأخذ به عمر فيُعيِّن مَن يرغب ، واحداً مِن الناس ، دون أنْ يجعلها سِتَّةً يُعرِّضهم ـ إذا اختلفوا ـ إلى ضرب الأعناق ؟! ومتى كان ضرب الأعناق حكماً شرعيَّاً يُجرى على مِن اختلف رأيُه مع الآخرين ، أو كان في الجماعة المُقابلة لجماعة عبد الرحمان بن عوف ؟!

نعود إلى السُّنَّة العُمريّة .. فنقول : هل استقرَّ رأي عمر على مَن عيَّنَهم مِن مجلس الخلافة في سِتَّة نفر ؟

* قال اليعقوبيّ ـ وروايته جواب  : رُويَ عن ابن عبّاس أنَّه قال : طرقني عمر بن الخطّاب بعد هدأةٍ مِن اللّيل فقال : أُخرج بنا نحرسْ نواحي المدينة .. فقلت له : يا أميرَ المؤمنين ، ما أخرجك إلى هذا الأمر ؟! قال : غصْ غوَّاص ، .. قلتُ : ذكرتَ هذا الأمرَ بعينه ( أيْ أمر الخلافة ) وإلى مَن تُصيِّره ؟! قال : صدقت ! فقلت له : أين أنت مِن عبد الرحمان بن عوف ؟ فقال : ذاك رجلٌ مُمسك ( أي بخيل ) ، وهذا الأمر لا يصلح إلاَّ لمُعطٍ في غير سرَف ، ومانعٍ مِن غير إقتار . فقلت : سعد بن أبي وقَّاص ؟ قال : مؤمنٌ ضعيف . فقلت : طلحة بن عبيد الله ، قال : ذاك رجلٌ يُناول للشرف والمديح ، يُعطي مالَه حتَّى


الصفحة 195

يصلَ إلى مال غيره ، وفيه بأْوٌ ( 1 ) وكِبْر . فقلت : فالزبير بن العوّام ؟ فهو فارس الإسلام ، فقال : ذاك يوم إنسان ، ويوم شيطان ، وعفَّة نفس إنْ كان ليَكادح على المِكْيلة مِن بكرةٍ إلى الظهر حتَّى يفوته الصلاة . فقلت : عثمان بن عفّان ؟ قال : إنْ ولي حمل ابنَ معيط وبني أُميَّة على رقاب الناس ، وأعطاهم مال الله ، ولئن ولي ليفعلنَّ والله ، ولئن فعل لتسيرنَّ العرب إليه حتَّى تقتله في بيته . ثمَّ سكت ، قال ابن عبّاس : فقال : ( عمر) : امضِها ـ يا ابنَ عبّاس ، أترى صاحبَكم ( أيْ عليّاً عليه السلام ) لها موضعاً ؟ قلت : وأين يتبعَّد مِن ذلك مع فضله وسابقته ، وقرابته وعمله ؟ قال : هو ـ واللهِ ـ كما ذكرت .. ولو وَلِيهم تحمَّلهم على منهج الطريق ، فأخذ المَحجَّةَ الواضحة ، إلاَّ أنّ فيه خصالاً ( فطعن واتَّهم حتّى قال أنَّ فيه حداثةَ السنِّ ) . قال ابن عبّاس : فقلت : هلاَّ استحدثتم سِنَّه يوم الخندق إذ خرج عمرو بنُ ودِّ ؟! وقد كعم ( 2 ) عنه الأبطال وتأخَّرت عنه الأشياخ ! ويومَ بدرٍ إذْ كان يقطُّ الأقرانَ قَطَّاً ! ولا سبقتموه بالإسلامِ إذ كان جعلته السّعب ( 3 ) وقريش يستوفيكم ؟ فقال عمر : إليك يا ابنَ عبّاس ، أتُريد أنْ تفعل كما فعل أبوك وعليٌّ بأبي بكرٍ يوم دخلا عليه ؟ قال ابن عبّاس : فكرِهتُ أنْ أُغضبه ، فسكتُّ .

ــــــــــــــــــ

1 ـ البأو : الكِبر والتعظيم للنفس .

2 ـ عُقِل لسانهم عن الكلام ، خوفاً .

3 ـ هكذا في الأصل .


الصفحة 196

فقال ( عمر ) : واللهِ ـ يا ابنَ عبّاس ـ لابن عمِّك لأحقُّ الناس به ( أي بأمر الخلافة ) ، ولكنَّ قريشاً لا تحتمله ، ولئن وليهم ليأخذنَّهم بمُرِّ الحقِّ لا يجدون عنده رخصة ، ولئن فعلَ لينكُثُنَّ بيعته ، ثمَّ ليتحاربُنَّ ( 1 ) .

والآن سؤالُنا إلى عمر : إنْ كان هؤلاء همْ خِيرة الأُمَّة ، وقد انتخبتَهم أنت بنفسك واستخلفتهم .. فلماذا تطعن فيهم ؟! وإنْ كنتَ تراهم هكذا فلماذا استخلفتَهم ؟! وإنْ كنت استخلفتهم فلماذا أبديت عدمَ رضاك فيهم ؟!

* كتب ابن أبي الحديد : قالوا : .. وهذا عمر بن الخطّاب يشهد لأهل الشورى أنَّهم النَّفَر الذين تُوفِّي رسول الله ( صلَّى الله عليه [ وآله ] وسلَّم ) وهو عنهم راضٍ ، ثمَّ يأمر بضرب أعناقهم إنْ أخَّروا فصلَ حال الإمامة ، هذا بعد أن ثَلَبَهم ، وقال في حقِّهم ما لو سمِعَتْه العامَّة اليومَ مِن قائل لَوضعتْ ثوبَه في عُنقه سَحْباً إلى السلطان ، ثمَّ شهِدتْ عليه بالرفض واستحلَّت دمَه ، فإنْ كان هذا الطعن على بعض الصحابة رفضاً فعمرُ بن الخطّاب أرفضُ الناس وإمام الروافض كلِّهم !

ثمَّ ما شاع واشتهر مِن قول عمر : كانت بيعةُ أبي بكر فلْتةً وقى الله شرَّها ، فمَن عاد إلى مِثْلها فاقتلوه ! وهذا طعنٌ في العَقْد ، وقَدْح في البيعة الأصليَّة . ثمَّ ما نُقل عنه مِن ذِكْر أبي بكرٍ في صلاته ، وقولِه عن

ــــــــــــــــــــ

1 ـ تاريخ اليعقوبي 2 : 158 ـ 159 .


الصفحة 197

عبد الرحمان ابنه ( ابن أبي بكر ) : دَوَيِّبة سوء ! ولَهُوَ خيرٌ مِن أبيه ! ثمَّ عمر القائل في سعد بن عُبادة ـ وهو رئيس الأنصار وسيِّدها : اقتلوا سعداً ، قتَلَ اللهُ سعداً ، اقتلوه فإنَّه مُنافق ! وقد شتم ( عمر ) أبا هريرة وطعن في روايته ، وشتم خالدَ بن الوليد وطعن في دِينه ، وحكم بفِسقه وبوجوب قتله ! وخوَّن عَمْرَ بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان ونسبهما إلى سرقة مالِ الفيء واقتطاعه .

وكان ( عمر ) سريعاً إلى المَساءة ، كثيرَ الجَبْه والشتم والسبِّ لكلِّ أحد ، وقلَّ أنْ يكون في الصحابة مَن سَلِم مِن معرَّة لسانِه أو يده ؛ ولذلك أبغضوه ومَلُّوا أيَّامه مع كثرة الفتوح فيها ، فهلاَّ احترم عمرُ الصحابةَ كما تحترمُهم العامَّة ؟! إمَّا أنْ يكون عمر مُخطئاً ، وإمَّا أنْ تكون العامَّة على الخطأ ! ( 1 ) .

* وكتب ابن أبي الحديد ( في ذكره قصِّة الشورى أنَّ عمرَ قال للستَّة الذين عيَّنهم للشورى ) : أمَّا أنت يا زبير ، فوَعقٌ لقِس ( 2 ) ، مؤمنُ الرضى كافرُ الغضب . يوماً إنسان ، ويوماً شيطان . ولعلَّها لو أفضتْ إليك ظِلتَ يومك تُلاطمُ بالبطحاء على مُدٍّ مِن شعير . أفرأيتَ إنْ أفضتُ إليك .. فليت شعري مَن يكون للناس يوم تكون شيطاناً ، ومَن يكون يوم تغضب ؟! أمَا وما كان اللهُ ليجمع لك أمرَ هذه

ــــــــــــــــــــــ

1 ـ شرح نهج البلاغة 20 : 21 .

2 ـ الوعِق : الضَجِر المتبِّرم ، واللَّقِس : الذي لا يستقيم على وجه .


الصفحة 98

الأُمَّة وأنت على هذه الصفة .

ثمَّ أقبل على طلحة فقال له : أقول أم أسكت ؟ قال : قلْ .. قال : إمَا إنِّي أعرفك مُنذ أُصيبت إصبعك يوم أُحد والبأْو الذي حدث لك ، ولقد مات رسول الله ( صلَّى الله عليه [ وآله ] وسلَّم ) ساخطاً عليك بالكلمةِ التي قُلتَها يومَ أُنزلت آية الحجاب ( 1 ) .

ثمَّ أقبل على سعد بن أبي وقَّاص ، فقال : إنَّما أنت صاحب مِقنب ( 2 ) مِن هذه المقانب تُقاتل به ، وصاحب قنْصٍ وقوس وأسهُم .. وما زهرةُ والخلافةُ وأُُمور الناس !

ثمَّ أقبل على عبد الرحمان بن عوف ، فقال : وأمَّا أنت ـ يا عبدَ الرحمان بن عوف ـ فلو وُزن إيمان المسلمين بإيمانك لرجح إيمانك به ، ولكنْ ليس يُصلح هذا الأمرَ مَن فيه ضعف كضعفك ، وما زُهرة وهذا الأمر!

ثمَّ أقبل على عليّ ( عليه السلام ) فقال : للهِ أنت! ( ثمَّ أراد أنْ يطعن فلم يجد إلاَّ أنْ يتَّهم ) فقال : لولا دُعابةٌ فيك . ( حاشاه وهو العابد المُتوجِّه

ــــــــــــــــــــ

1 ـ أي الآية : ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى ...) الأحزاب / 33 ، أو ( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ ... ) الأحزاب / 32 . فقال طلحة : ما الذي يُغنيه حجابُهنَّ اليوم ؟! وسيموت غداً فننكَحهُنَّ . كما نقل الجاحظ .

2 ـ المِقنب : جماعة الخيل ، وزهرة : قبيلة سعد بن أبي وقّاص . وأشار إلى أنَّها غير لائقة للخلافة .


الصفحة 199

بكُلِّه إلى الله ، المُقبلُ على الناس بإصلاحهم وتنفيس كربهم ) ثمَّ قال : أما واللهِ ، لئن ولَيتهم لَتحملَّنهم على الحقِّ الواضح والمَحجَّة البيضاء . ( إذاً ، لِمَ لم تجعل جهتَه هي الراجحة إذا اختلف رجال الشورى وانشطروا ؟! ) .

ثمَّ أقبل على عثمان فقال له : هيهاتَ إليك ! كأنِّي بك قد قلَّدتْك قريشٌ هذا الأمرَ لحُبِّها إيَّاك ، فحملتَ بني أُميَّة وبني أبي مُعيط على رقاب الناس ، وآثرتَهم بالفيء ، فسارت إليك عصابة مِن ذؤبان العرب فذبحوك على فراشك ذبحاً ، واللهِ ، لئن فعلوا لَتفعلنَّ ( 1 ) ، ولئن فعلتُ ليفعلُنَّ ( 2 ) ، ثمَّ أخذ بناصية ( عثمان ) فقال : فإذا كان ذلك فاذكرْ قولي ، فإنَّك كائن .

ثمَّ قال ابن أبي الحديد : ذكرَ هذا الخبرَ كلَّه شيخُنا أبو عثمان ( الجاحظ ) في كتاب ( السفيانيَّة ) ، وذكره جماعةٌ غيرُه ( 3 ) .

هذه هي السُّنَّة العُمَريَّة ، وقصَّةُ الشورى العُمريَّة ، التي كانت فيها بِدعٌ وبدع ، يُشير إليها العلاَّمة المجلسيّ ويُعدِّدها ، ونحن نذكرها على إيجاز  :

ـــــــــــــــــــــ

1 ـ أي : لئن فعل رجال قريش بأنْ قلَّدوك الأمر لتحمل بني أُميَّة على رقاب الناس .

2 ـ أي : لئن استخلفتك ليقتلوك .

3 ـ شرح نهج البلاغة 1 : 62 ، 185 ـ 186 . وقد ذكر المُحبُّ الطبريّ في ( الرياض النضرة 1 : 413 ـ 141 ) أنَّ عمر زكَّى السِّتَّة مِن أصحاب الشورى ، حينما طعن وأشرف على الموت . وما ندري كيف كان عمر لا يستقرُّ على رأي؟!.


الصفحة 200

مِن تلك البدع : أنَّه خرج عن النصِّ والاختيار معاً ...

ومنها : أنَّه وصف كلَّ واحد منهم بوصفٍِ زعم أنَّه يمنع مِن الإمامة ، ثمَّ جعل الأمرَ فيمَن له هذه الأوصاف ...

ومنها : أنَّه أمر بضرب أعناق قوم ـ أقرَّ بأنَّهم أفضلُ الأُمَّة ـ إنْ تأخَّروا عن البيعة أكثر مِن ثلاثة أيَّام ، ومعلومٌ أنَّهم بذلك لا يستحقُّون القتل ؛ لأنَّهم إذا كانوا إنَّما كُفلِّوا أنْ يجتهدوا آراءَهم في اختيار الإمام .. فربَّما طال زمان الاجتهاد وربَّما قصُر ، بحسب ما يَعرض فيه مِن العوارض ، فأيُّ معنى للأمر بالقتل إذا تجاوزوا الأيَّام الثلاثة ؟! ثمَّ أمر بقتل مَن يُخالف الأربعة ، وبقتل مَن يُخالف العددَ الذي فيه عبد الرحمان ، وكلُّ ذلك ممَّا يُستحقُّ به القتل ...

ومنها : أنَّهم روَوا أنَّ عمر قال ـ بعد ما طُعن ـ : لو كان ( سالمٌ ) ( 1 ) حيَّاً لم يُخالجني فيه شكٌّ واستخلفته . مع أنَّ الخاصَّةَ والعامَّةَ ـ إلاَّ شذوذاً لا يُعبأ بهم ـ اتَّفقت على أنَّ الإمامة لا تكون إلاَّ في قريش ، وتظافرت بذلك الروايات . ورووا أنَّه شهد عمر يوم السقيفة بأنَّ النبيّ ( صلَّى الله عليه وآله ) قال : ( الأئمَّة مِن قريش ) . وذلك مُناقضة صريحة ومُخالفة للنصِّ والاتِّفاق ... ( 2 ) .

ــــــــــــــــ

1 ـ وهو سالم مولى أبي حُذيفة .

2 ـ بحار الأنوار 31 : 60 ـ 86 .


الصفحة 201


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net