متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
آية إكمال الدين وآية اللحوم المحرمة
الكتاب : آيات الغدير    |    القسم : مكتبة أهل البيت (ع)

آية إكمال الدين واللحوم المحرمة

أول ما يواجه الباحث في آية إكمال الدين غرابة مكانها في القرآن، فظاهر ما رواه المحدثون والمفسرون عنها، أنها نزلت في حجة الوداع آية مستقلة لا جزء آية.. ثم يجدها في القرآن جزءً من آية اللحوم المحرمة، وكأنها حشرت حشراً في وسطها، بحيث لو رفعنا آية إكمال الدين منها لما نقص من معناها شيء، بل لاتصل السياق !!


الصفحة 257

فما هي الحكمة من هذا السياق؟ وهل كان هذا موضعها الأصلي من القرآن، أم وضعت هنا باجتهاد بعض الصحابة ؟!

نحن لا نقبل القول بوقوع تحريف في كتاب الله تعالى، معاذ الله، لكن نتساءل عسى أن يعرف أحد الجواب: ما هو ربط آية إكمال الدين باللحوم المحرمة؟

ألا يحتمل أن تكون بالأساس في خاتمة سورة المائدة مثلاً، ولم يلتفت الى ذلك الذين جمعوا القرآن، فوضعوها هنا.

ثم.. قد يقبل الإنسان أن تكون الآية نزلت بعد آيات بيان أحكام اللحوم، ولكن كيف يمكن أن ينزلها الله تعالى في وسط أحكام اللحوم! فإذا قال الله تعالى: أكملت لكم دينكم، فقد تمت الأحكام، فكيف يقول بعدها مباشرة: فمن اضطر في مخمصةٍ غير متجانفٍ لإثمٍ فإن الله غفور رحيم ؟! ثم يقول بعدها مباشرة: يسألونك ماذا أحل لهم، قل أحل لكم الطيبات وما علمتم... الى آخر أحكام الدين الذي قال عنه أحكم الحكماء سبحانه قبل لحظات: إنه قد أكمله وأتمه؟ !!

ـ قال في الدر المنثور: 2|259:

وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله: اليوم أكملت لكم دينكم قال: هذا نزل يوم عرفة، فلم ينزل بعدها حرامٌ ولا حلالٌ. انتهى.

ـ وقال في: 2|257

وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس.... فلما كان واقفاً بعرفات نزل عليه جبريل وهو رافع يده والمسلمون يدعون الله: اليوم أكملت لكم دينكم، يقول حلالكم وحرامكم، فلم ينزل بعد هذا حلالٌ ولا حرامٌ. انتهى.

والأحاديث والأقوال في عدم نزول أحكام بعد الآية كثيرة، وقد مر بعضها، ولا تحتاج الى استقصائها بعد أن كان ذلك يفهم من الآية نفسها.. ويؤيده ماذكره اللغويون في معنى الكمال والتمام


الصفحة 258

ـ قال الزبيدي في تاج العروس: 8|103:

(الكمال: التمام) وهما مترادفان كما وقع في الصحاح وغيره، وقد فرق بينهما بعض أرباب المعاني، وأوضحوا الكلام في قوله تعالى اليوم: أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي، وبسطه في العناية، وأوسع الكلام فيه البهاء السبكي في عروس الأفراح. وقيل: التمام الذي تجزأ منه أجزاؤه كما سيأتي، وفيه ثلاث لغات (كمل كنصر وكرم وعلم) قال الجوهري والكسر أردؤها، وزاد ابن عباد: كمل يكمل مثل ضرب يضرب، نقله الصاغاني (كمالاً وكمولاً فهو كامل وكميل) جاؤوا به على كمل.

وقال في ص 212: (وتمام الشىَ وتمامته وتتمته ما يتم به) وقال الفارسي: تمام الشىَ ماتم به بالفتح لا غير يحكيه عن أبي زيد. وتتمة كل شيء ما يكون تمام غايته، كقولك هذه الدراهم تمام هذه المائة، وتتمة هذه المائة.

قال شيخنا: وقد سبق في كمل أن التمام والكمال مترادفان عند المصنف وغيره، وأن جماعة يفرقون بينهما بما أشرنا اليه. وزعم العيني أن بينهما فرقا ظاهراً ولم يفصح عنه.

وقال جماعة: التمام الإتيان بما نقص من الناقص، والكمال الزيادة على التمام، فلا يفهم السامع عربياً أو غيره من رجل تام الخلق إلا أنه لا نقص في أعضائه، ويفهم من كامل، وخصه بمعنى زائد على التمام كالحسن والفضل الذاتي أو العرضي. فالكمال تمامٌ وزيادة، فهو أخص.

وقد يطلق كل على الآخر تجوزاً، وعليه قوله تعالى: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي. كذا في كتاب التوكيد لابن أبي الإصبع.

وقيل التمام يستدعي سبق نقص، بخلاف الكمال. وقيل غير ذلك، مما حرره البهاء السبكي في عروس الأفراح، وابن الزملكاني في شرح التبيان، وغير واحد.


الصفحة 259

قلت وقال الحراني: الكمال: الإنتهاء الى غاية ليس وراءها مزيد من كل وجه. وقال ابن الكمال: كمال الشىَ: حصول ما فيه الغرض منه، فإذا قيل كمل فمعناه حصل ما هو الغرض منه. انتهى.

وبعد السؤال عن مكان الآية يواجهنا السؤال عن معناها، وسبب نزولها.. وفي ذلك ثلاثة أقوال:

القول الأول

قول أهل البيت عليهم السلام أنها نزلت يوم الخميس الثامن عشر من ذي الحجة في الجحفة، في رجوع النبي صلى الله عليه وآله من حجة الوداع، عندما أمره الله تعالى أن يوقف المسلمين في غدير خم، قبل أن تتشعب بهم الطرق، ويبلغهم ولاية علي عليه السلام من بعده، فأوقفهم وخطب فيهم وبلغهم ما أمره به ربه. وهذه نماذج من أحاديثهم:

فقد تقدم ما رواه الكليني في الكافي: 1|289

عن الإمام محمد الباقر عليه السلام وفيه (وقال أبو جعفر عليه السلام: وكانت الفريضة تنزل بعد الفريضة الأخرى، وكانت الولاية آخر الفرائض، فأنزل الله عز وجل: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي، قال أبو جعفر عليه السلام: يقول الله عز وجل: لا أنزل عليكم بعد هذه فريضة، قد أكملت لكم الفرائض.

ـ وعن علي بن إبراهيم، عن صالح بن السندي، عن جعفر بن بشير، عن هارون بن خارجة، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام قال: كنت عنده جالساً فقال له رجل: حدثني عن ولاية علي، أمن الله أو من رسوله؟

فغضب ثم قال: ويحك كان رسول الله صلى الله عليه وآله أخوف (لله) من أن يقول ما لم يأمره به الله !! بل افترضه الله، كما افترض الصلاة والزكاة والصوم والحج. انتهى.

ـ وفي الكافي: 1|198

أبو محمد القاسم بن العلاء رحمه الله رفعه عن عبد العزيز بن مسلم قال: كنا مع الرضا عليه السلام بمرو، فاجتمعنا في الجامع يوم الجمعة في بدء مقدمنا، فأداروا أمر


الصفحة 260

الامامة وذكروا كثرة اختلاف الناس فيها، فدخلت على سيدي عليه السلام فأعلمته خوض الناس فيه، فتبسم عليه السلام ثم قال:

يا عبد العزيز جهل القوم وخدعوا عن آرائهم، إن الله عز وجل لم يقبض نبيه صلى الله عليه وآله حتى أكمل له الدين، وأنزل عليه القرآن فيه تبيان كل شيء، بين فيه الحلال والحرام والحدود والأحكام، وجميع ما يحتاج إليه الناس كملاً، فقال عز وجل: ما فرطنا في الكتاب من شيء، وأنزل في حجة الوداع وهي آخر عمره صلى الله عليه وآله: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا.

وأمر الامامة من تمام الدين، ولم يمض صلى الله عليه وآله حتى بين لأمته معالم دينهم، وأوضح لهم سبيلهم، وتركهم على قصد سبيل الحق، وأقام لهم علياً عليه السلام علماً وإماماً، وما ترك شيئاً تحتاج إليه الأمة إلا بينه، فمن زعم أن الله عز وجل لم يكمل دينه فقد رد كتاب الله، ومن رد كتاب الله فهو كافر به.

هل يعرفون قدر الإمامة ومحلها من الأمة، فيجوز فيها اختيارهم ؟!

إن الامامة أجل قدراً، وأعظم شأناً، وأعلى مكاناً، وأمنع جانباً، وأبعد غوراً، من أن يبلغها الناس بعقولهم، أو ينالوها بآرائهم، أويقيموا إماماً باختيارهم.

إن الإمامة خص الله عز وجل بها إبراهيم الخليل عليه السلام بعد النبوة والخلة، مرتبةً ثالثة، وفضيلة شرفه بها، وأشاد بها ذكره فقال: إني جاعلك للناس إماماً، فقال الخليل عليه السلام سروراً بها: ومن ذريتي؟ قال الله تبارك وتعالى: لا ينال عهدي الظالمين. فأبطلت هذه الآية إمامة كل ظالم الى يوم القيامة، وصارت في الصفوة.

ثم أكرمه الله تعالى بأن جعلها في ذريته أهل الصفوة والطهارة، فقال: ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلاًّ جعلنا صالحين. وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين.

فلم تزل في ذريته، يرثها بعض عن بعض، قرناً فقرناً، حتى ورثها الله تعالى النبي صلى الله عليه وآله فقال جل وتعالى: إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين


الصفحة 261

آمنوا والله ولي المؤمنين، فكانت له خاصة فقلدها صلى الله عليه وآله علياً عليه السلام بأمر الله تعالى على رسم ما فرض الله، فصارت في ذريته الاَصفياء الذين آتاهم الله العلم والاِيمان، بقوله تعالى: قال الذين أوتوا العلم والاِيمان لقد لبثتم في كتاب الله الى يوم البعث، فهي في ولد علي عليه السلام خاصة الى يوم القيامة، إذ لا نبي بعد محمد صلى الله عليه وآله.

فمن أين يختار هؤلاء الجهال!. انتهى.

القول الثاني

قول المفسرين السنيين الموافق لقول أهل البيت عليهم السلام:

وأحاديثهم في بيعة الغدير تبلغ المئات، وفيها صحاح من الدرجة الاَولى عندهم وقد جمعها عددٌ من علمائهم القدماء منهم الطبري المؤرخ في كتابه (الولاية) فبلغت طرقها ونصوصها عنده مجلدين، وتنص رواياتها على أن النبي صلى الله عليه وآله أصعد علياً معه على المنبر، ورفع يده حتى بان بياض إبطيهما، وبلغ الاَمة ما أمره الله فيه... الخ. وقد انتقد الطبري بعض المتعصبين السنيين لتأليفه هذه الكتاب في أحاديث الغدير، التي يحتج بها الشيعة عليهم، ويجادلوهم بها عند ربهم!

وتنص بعض روايات الغدير عندهم على أن آية إكمال الدين نزلت في الجحفة يوم الغدير بعد إبلاغ النبي صلى الله عليه وآله ولاية علي عليه السلام.

لكن ينبغي الاِلتفات الى أن أكثر السنيين الذين صحت عندهم روايات الغدير، لم يقبلوا الاَحاديث القائلة بأن آية إكمال الدين نزلت يوم الغدير، بل أخذوا بقول الخليفة عمر ومعاوية، أنها نزلت يوم عرفة، كما سيأتي.

وقد جمع أحاديث بيعة الغدير عدد من علماء الشيعة القدماء والمتأخرين، ومن أشهر المتأخرين النقوي الهندي في كتاب عبقات الاَنوار، والشيخ الاَميني في كتاب الغدير، والسيد المرعشي في كتاب شرح إحقاق الحق، والسيد الميلاني في كتاب نفحات الاَزهار.


الصفحة 262

وقد أورد صاحب الغدير عدداً من الروايات من مصادر السنيين، ذكرت أن آية إكمال الدين نزلت في يوم الغدير، بعد إعلان النبي صلى الله عليه وآله ولاية علي عليه السلام..

ـ وهذه خلاصة ما ذكره في الغدير: 1|230:

ومن الآيات النازلة يوم الغدير في أميرالمؤمنين عليه السلام قوله تعالى: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاِسلام دينا.... ثم ذكر الاَميني رحمه الله عدداً من المصادر التي روتها، نذكر منها:

1 ـ الحافظ أبو جعفر محمد بن جرير الطبري المتوفى 310 روى في كتاب الولاية بإسناده عن زيد بن أرقم نزول الآية الكريمة يوم غدير خم في أمير المؤمنين عليه السلام...

2 ـ الحافظ ابن مردوية الاَصفهاني المتوفى 410، روى من طريق أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري... ثم رواه عن أبي هريرة...

3 ـ الحافظ أبو نعيم الاِصبهاني المتوفى 430، روى في كتابه (ما نزل من القرآن في علي)... عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا الناس الى علي في غدير خم، أمر بما تحت الشجرة من الشوك فقمَّ، وذلك يوم الخميس فدعا علياً فأخذ بضبعيه فرفعهما، حتى نظر الناس الى بياض إبطي رسول الله، ثم لم يتفرقوا حتى نزلت هذه الآية: اليوم أكملت لكم دينكم.. الآية.. الخ.

4 ـ الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي المتوفى 463، روى في تاريخه 8|290... عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم... قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، فقال عمر بن الخطاب: بخٍ بخٍ يا بن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مسلم، فأنزل الله: اليوم أكملت لكم دينكم.. الآية.

5 ـ الحافظ أبو سعيد السجستاني المتوفى 477، في كتاب الولاية بإسناده عن يحيى بن عبد الحميد الحماني الكوفي، عن قيس بن الربيع، عن أبي هارون، عن أبي سعيد الخدري...

6 ـ أبو الحسن ابن المغازلي الشافعي المتوفى 483، روى في مناقبه عن أبي بكر


الصفحة 263

أحمد بن محمد بن طاوان قال: أخبرنا أبوالحسين أحمد بن الحسين بن السماك قال: حدثني أبومحمد جعفر بن محمد بن نصير الخلدي، حدثني علي بن سعيد بن قتيبة الرملي، قال:.. عن أبي هريرة....

7 ـ الحافظ أبو القاسم الحاكم الحسكاني.... عن أبي سعيد الخدري: إن رسول الله صلى الله عليه وآله لما نزلت هذه الآية: اليوم أكملت لكم دينكم، قال: الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة، ورضى الرب برسالتي، وولاية علي بن أبي طالب من بعدي.

8 ـ الحافظ أبو القاسم بن عساكر الشافعي الدمشقي المتوفى 571، روى الحديث المذكور بطريق ابن مردوية، عن أبي سعيد وأبي هريرة، كما في الدر المنثور 2| 259.

9 ـ أخطب الخطباء الخوارزمي المتوفى 568، قال في المناقب|80.... عن أبي سعيد الخدري إنه قال: إن النبي صلى الله عليه وآله يوم دعا الناس إلي غدير خم أمر بما كان تحت الشجرة من الشوك فقمَّ، وذلك يوم الخميس ثم دعا الناس الى علي، فأخذ بضبعه فرفعها حتى نظر الناس الى إبطيه، حتى نزلت هذه الآية: اليوم أكملت لكم دينكم.. الآية...

وروى في المناقب|94.... عن ضمرة، عن ابن شوذب، عن مطر الوارق. الى آخر ما مر عن الخطيب البغدادي سندآ ومتناً.

10 ـ أبو الفتح النطنزي روى في كتابه الخصايص العلوية، عن أبي سعيد الخدري بلفظ مر|43، وعن الخدري وجابر الاَنصاري...

11 ـ أبو حامد سعد الدين الصالحاني، قال شهاب الدين أحمد في توضيح الدلايل على ترجيح الفضايل: وبالاِسناد المذكور عن مجاهد رضي الله عنه قال: نزلت هذه الآية: اليوم أكملت لكم، بغدير خم، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وبارك وسلم: الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النعمة، ورضى الرب برسالتي، والولاية لعلي. رواه الصالحاني.


الصفحة 264

12 ـ شيخ الاِسلام الحمويني الحنفي المتوفى 722، روى في فرايد السمطين في الباب الثاني عشر، قال: أنبأني الشيخ تاج الدين... الخ. انتهى.

القول الثالث

قول الخليفة عمر بأنها نزلت في حجة الوداع يوم عرفة يوم جمعة، وهذا هو القول المشهور عند السنيين فقد رواه البخارى في صحيحه: 1|16

عن طارق بن شهاب، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلاً من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين آية في كتابكم تقرؤونها، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا !! قال أي آية؟ قال: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاِسلام دينا. قال عمر: قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذى نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قائمٌ بعرفة، يوم جمعة.

ـ وفي البخاري 5|127

عن طارق بن شهاب إن أناساً من اليهود قالوا: لو نزلت هذه الآية فينا لاتخذنا ذلك اليوم عيداً، فقال عمر: أية آيةٍ؟

فقالوا: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاِسلام دينا.

فقال عمر: إني لا علم أي مكان أنزلت، أنزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف بعرفة...

عن طارق بن شهاب: قالت اليهود لعمر: إنكم تقرؤون آية، لو نزلت فينا لاتخذناها عيداً!

فقال عمر: إني لاَعلم حيث أنزلت وأين أنزلت، وأين رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزلت. يوم عرفة وأنا والله بعرفة ـ قال سفيان: وأشك كان يوم الجمعة، أم لا ـ اليوم أكملت لكم دينكم.


الصفحة 265

وفي البخاري: 8|137:

عن طارق بن شهاب قال: قال رجل من اليهود لعمر: يا أمير المؤمنين لو أن علينا نزلت هذه الآية: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاِسلام دينا.. لاتخذنا ذلك اليوم عيداً!

فقال عمر: إني لاعلم أي يوم نزلت هذه الآية، نزلت يوم عرفة في يوم جمعة. سمع سفيان من مسعر، ومسعر قيساً، وقيس طارقاً. انتهى.

وقد روت عامة مصادر السنيين رواية البخاري هذه ونحوها بطرقٍ متعددة، وأخذ بها أكثر علمائهم، ولم يديروا بالاً لتشكيك بعضهم في أن يكون يوم عرفة في حجة الوداع يوم جمعة، مثل سفيان الثوري والنسائي! ولا لرواياتهم المؤيدة لرأي أهل البيت عليهم السلام، التي تقدمت.. وذلك بسبب أن الخليفة عمر قال إنها لم تنزل يوم الغدير بل نزلت في عرفات قبل الغدير بتسعة أيام، وقوله مقدم عندهم على كل اعتبار.

ـ قال السيوطي في الاِتقان 1|75 عن الآيات التي نزلت في السفر:

منها: اليوم أكملت لكم دينكم. في الصحيح عن عمر أنها نزلت عشية عرفة يوم الجمعة عام حجة الوداع، وله طرقٌ كثيرة.

لكن أخرج ابن مردوية عن أبي سعيد الخدري: أنها نزلت يوم غدير خم.

وأخرج مثله من حديث أبي هريرة وفيه: أنه اليوم الثامن عشر من ذي الحجة مرجعه من حجة الوداع. وكلاهما لا يصح. انتهى.

وقال في الدر المنثور: 2|259

أخرج ابن مردوية، وابن عساكر بسند ضعيف، عن أبي سعيد الخدري قال: لما نصب رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً يوم غدير خم، فنادى له بالولاية هبط جبرئيل عليه بهذه الآية: اليوم أكملت لكم دينكم.

وأخرج ابن مردوية، والخطيب، وابن عساكر بسند ضعيف عن أبي هريرة قال: لما كان غدير خم وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: من كنت مولاه فعلي مولاه، فأنزل الله: اليوم أكملت لكم دينكم. انتهى.


الصفحة 266

وموقف السيوطي هو الموقف العام للعلماء السنيين.. ولكنه لا يعني أنهم يضعفون حديث الغدير كما تقدم، بل يقولون إن حديث الغدير صحيحٌ، ولكن الآية نزلت قبل ذلك اليوم، تمسكاً بقول الخليفة عمر الذي روته صحاحهم، حتى لو خالفه حديثٌ صحيحٌ، وحتى لو خالفه الحساب والتاريخ!

ومن المتعصبين لرأي عمر المذكور: ابن كثير، وهذه خلاصة من تفسيره: 2|14:

قال أسباط عن السدي: نزلت هذه الآية يوم عرفة، ولم ينزل بعدها حلالٌ ولا حرامٌ. وقال ابن جرير وغير واحد: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد يوم عرفة بأحد وثمانين يوماً، رواهما ابن جرير.

ثم ذكر ابن كثير رواية مسلم وأحمد والنسائي والترمذي المتقدمة وقال:

قال سفيان: وأشك كان يوم الجمعة أم لا: اليوم أكملت لكم دينكم الآية.

وشك سفيان رحمه الله إن كان في الرواية فهو تورُّعٌ، حيث شك هل أخبره شيخه بذلك أم لا، وإن كان شكاً في كون الوقوف في حجة الوداع كان يوم جمعة فهذا ما إخاله يصدر عن الثوري رحمه الله فإن هذا أمر معلومٌ مقطوعٌ به، لم يختلف فيه أحدٌ من أصحاب المغازي والسير ولا من الفقهاء، وقد وردت في ذلك أحاديث متواترة، لا يشك في صحتها، والله أعلم. وقد روى هذا الحديث من غير وجه عن عمر.

وقال ابن جرير... عن قبيصة يعني ابن أبي ذئب قال: قال كعب لو أن غير هذه الاَمة نزلت عليهم هذه الآية لنظروا اليوم الذي أنزلت فيه عليهم فاتخذوه عيداً يجتمعون فيه !!

فقال عمر: أي آيةٍ يا كعب؟

فقال: اليوم أكملت لكم دينكم.

فقال عمر: قد علمت اليوم الذي أنزلت والمكان الذي أنزلت فيه، نزلت في يوم الجمعة ويوم عرفة، وكلاهما بحمد الله لنا عيدٌ....(ورواه في مختصر تاريخ دمشق 2 جزء 4|309)


الصفحة 267

وقال ابن جرير:....حدثنا عمرو بن قيس السكوني أنه سمع معاوية بن أبي سفيان على المنبر ينتزع بهذه الآية: اليوم أكملت لكم دينكم حتى ختمها، فقال: نزلت في يوم عرفة، في يوم جمعة...

وقال ابن جرير: وقد قيل ليس ذلك بيومٍ معلومٍ عند الناس !!

ثم روى من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله: اليوم أكملت لكم دينكم يقول ليس بيومٍ معلومٍ عند الناس. قال: وقد قيل إنها نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسيره (الى) حجة الوداع.

ثم قال ابن كثير:

قلت: وقد روى ابن مردوية من طريق أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري أنها نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم، حين قال لعلي: من كنت مولاه فعلي مولاه. ثم رواه عن أبي هريرة، وفيه أنه اليوم الثامن عشر من ذي الحجة، يعني مرجعه عليه السلام من حجة الوداع.

ولا يصح لا هذا ولا هذا، بل الصواب الذي لا شك فيه ولا مرية، أنها أنزلت يوم عرفة وكان يوم جمعة، كما روى ذلك أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وأول ملوك الاِسلام معاوية بن أبي سفيان، وترجمان القرآن عبد الله بن عباس، وسمرة بن جندب رضي الله عنه، وأرسله الشعبي، وقتادة بن دعامة، وشهر بن حوشب، وغير واحد من الاَئمة والعلماء، واختاره ابن جرير الطبري رحمه الله. انتهى.

وتلاحظ أن ابن كثير لا يريد الاِعتراف بوجود تشكيكٍ في أن يوم عرفة كان يوم جمعة، لاَن ذلك يخالف قول عمر، وقد صعب عليه تشكيك سفيان الثوري الصريح فالتفَّ عليه ليخربه !!

ومما يدل على أن الرواة كانوا في شكٍّ من أن يوم عرفات كن يوم جمعة ما رواه الطبري في تفسيره: 4|111 مما لم يذكره ابن كثير قال:


الصفحة 268

حدثنا ابن المثنى قال: ثنا عبد الوهاب قال: ثنا داود قال قلت لعامر: إن اليهود تقول: كيف لم تحفظ العرب هذا اليوم الذي أكمل الله لها دينها فيه ؟!

فقال عامر: أو ما حفظته؟

قلت له: فأي يوم؟

قال: يوم عرفة أنزل الله في يوم عرفة !!

وقال آخرون: بل نزلت هذه الآية، أعني قوله: اليوم أكملت لكم دينكم يوم الاِثنين، وقالوا: أنزلت سورة المائدة بالمدينة.

ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى قال: ثنا إسحاق قال: أخبرنا محمد بن حرب قال: ثنا ابن لهيعة، عن خالد بن أبي عمران، عن حنش عن ابن عباس: ولد نبيكم صلى الله عليه وآله يوم الاِثنين، وخرج من مكة يوم الاِثنين، ودخل المدينة يوم الاِثنين، وأنزلت سورة المائدة يوم الاِثنين: اليوم أكملت لكم دينكم، ورفع الذكر يوم الاِثنين.

ثم قال الطبري: وأولى الاَقوال في وقت نزول الآية القول الذي روي عن عمر بن الخطاب أنها نزلت يوم عرفة يوم جمعة، لصحة سنده وهي أسانيد غيره. انتهى.

 


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net