متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
المسألة الثانية: هل أن سورة المعارج مكية أو مدنية ؟
الكتاب : آيات الغدير    |    القسم : مكتبة أهل البيت (ع)

المسألة الثانية: هل أن سورة المعارج مكية أو مدنية

يلاحظ القارىَ أن الجو العام للسورة الشريفة الى آية 36، أقرب الى جو السور


الصفحة 298

المدنية وتشريعات سورة النور والمؤمنين، وأن جو الآيات 36 الى آخر السورة أقرب الى جو السور المكية، التي تؤكد على مسائل العقيدة والآخرة.

ولذلك لا يمكن معرفة مكان نزول السورة من آياتها، حسب ما ذكروه من خصائص للسور المكية والمدنية، وضوابط للتمييز بينها.. على أن هذه الخصائص والضوابط غير دقيقة ولا علمية!

وإذا صح لنا أن نكتفي بها، فلا بد أن نقول إن القسم الأخير من السورة من قوله تعالى (فما للذين كفروا قبلك مهطعين) الى آخرها، نزلت أولاً في مكة، ثم نزل القسم الأول منها في المدينة، ووضع في أولها! !

ولكن ذلك ليس أكثر من ظن! والطريق الصحيح لتعيين مكيتها أو مدنيتها هو النص، والنص هنا متعارضٌ سواءً في مصادرنا أو مصادر السنيين، ولكن المفسرين السنيين رجحوا مكيتها وعدوها في المكي.

ولا يبعد أن ذلك هو المرحج حسب نصوص مصادرنا أيضاً.

ـ فقد روى القاضي النعمان في شرح الأخبار 1|241

عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: نزلت والله بمكة للكافرين بولاية علي عليه السلام. انتهى.

والظاهر أن مقصوده عليه السلام: أنها نزلت في مكة وكان مقدراً أن يأتي تأويلها في المدينة عند اعتراضهم على إعلان النبي صلى الله عليه وآله ولاية علي عليه السلام.

ـ وقال الكليني في الكافي 5|450:

قال: سأل أبو حنيفة أبا جعفر محمد بن النعمان صاحب الطاق، فقال له: يا أبا جعفر ما تقول في المتعة، أتزعم أنها حلال؟

قال: نعم.

قال: فما يمنعك أن تأمر نساءك أن يستمتعن ويكتسبن عليك؟

فقال له أبو جعفر: ليس كل الصناعات يرغب فيها، وإن كانت حلالاً، وللناس أقدار ومراتب يرفعون أقدارهم. ولكن ما تقول يا أبا حنيفة في النبيذ، أتزعم أنه حلال؟


الصفحة 299

فقال: نعم.

قال: فما يمنعك أن تقعد نساءك في الحوانيت نباذات فيكتسبن عليك؟

فقال أبو حنيفة: واحدةٌ بواحدة، وسهمك أنفذ.

ثم قال له: يا أبا جعفر إن الآية التي في سأل سائل، تنطق بتحريم المتعة والرواية عن النبي صلى الله عليه وآله قد جاءت بنسخها؟

فقال له أبو جعفر: يا أبا حنيفة إن سورة سأل سائل مكية، وآية المتعة مدنية، وروايتك شاذة ردية.

فقال له أبوحنيفة: وآية الميراث أيضاً تنطق بنسخ المتعة؟

فقال أبو جعفر: قد ثبت النكاح بغير ميراث.

قال أبو حنيفة: من أين قلت ذاك؟

فقال أبو جعفر: لو أن رجلاً من المسلمين تزوج امرأة من أهل الكتاب، ثم توفي عنها ما تقول فيها؟

قال: لا ترث منه.

قال: فقد ثبت النكاح بغير ميراث. ثم افترقا. انتهى.

وقول أبي حنيفة إن سورة سأل سائل تنطق بتحريم المتعة، يقصد به قوله تعالى في السورة (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم).

فأجابه مؤمن الطاق بأن السورة مكية وآية (فما استمعتم به منهن فآتوهن أجورهن) مدنية، فكيف ينسخ المتقدم المتأخر؟

ولكن الجواب الأصح: أن المتمتع بها زوجةٌ شرعية، فهي مشمولةٌ لقوله تعالى (إلا على أزواجهم) وقد أفتى عدد من علماء السنيين بأنه يجوز للرجل أن يتزوج امرأة حتى لو كان ناوياً أن يطلقها غداً، وهو نفس المتعة التي يشنعون بها علينا.

بل أفتى أبو حنيفة نفسه بأن الرجل لو استأجر امرأة لخدمته وكنْس منزله وغسل ثيابه، فقد جاز له مقاربتها بدون عقد زواج، لا دائمٍ ولا منقطع! ! بحجة أن عقد


الصفحة 300

الإجارة يشمل ذلك! وهذا أوسع من المتعة التي يقول بها الفقه الشيعي، لأن عقد الزواج شرطٌ فيها، وإلا كانت زنا.

والنتيجة أن المرجح أن تكون سورة المعارج مكية، ولكن ذلك لا يؤثر على صحة الحديث القائل بأن العذاب الواقع هو العذاب النازل على المعترض على النبي صلى الله عليه وآله عندما أعلن ولاية علي عليه السلام، لأن ذلك يكون تأويلاً لها، وإخباراً من جبرئيل عليه السلام بأن هذه الحادثة هي من العذاب الواقع الموعود.

فقد تقدمت رواية شرح الأخبار في ذلك، وستأتي منه رواية فيها (فأصابته الصاعقة فأحرقته النار، فهبط جبرئيل وهو يقول: إقرأ يا محمد: سأل سائلٌ بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع). وهي كالنص في أن جبرئيل عليه السلام نزل على النبي صلى الله عليه وآله بتطبيق الآية أو تأويلها.

بل يظهر من أحاديثنا أن ما حل بالعبدري والفهري ما هو جزءٌ صغيرٌ من (العذاب الواقع) الموعود، وأن أكثره سينزل تمهيداً لظهور الإمام المهدي عليه السلام أو نصرةً له..

ـ وقد أوردنا في معجم أحاديث الإمام المهدي عليه السلام: 5|458 عدة أحاديث عن الإمام الباقر والإمام الصادق عليهما السلام في تفسير العذاب الواقع بأحداثٍ تكون عند ظهور الإمام المهدي عليه السلام.

ـ منها ما رواه علي بن ابراهيم القمي في تفسيره: 2|385 قال:

سأل سائلٌ بعذاب واقع، قال: سئل أبو جعفر عليه السلام عن معنى هذا، فقال: نارٌ تخرج من المغرب، وملكٌ يسوقها من خلفها حتى تأتي دار بني سعد بن همام عند مسجدهم، فلا تدع داراً لبني أمية إلا أحرقتها وأهلها، ولا تدع داراً فيها وترٌ لآل محمدٍ إلا أحرقتها، وذلك المهدي عليه السلام.

ـ ومنها مارواه النعماني في كتاب الغيبة|272 قال:

حدثنا محمد بن همام قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مالك قال: حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن الحسن بن علي، عن صالح بن سهل، عن أبي عبد


الصفحة 301

الله جعفر بن محمد عليهما السلام في قوله تعالى: سأل سائل بعذاب واقع، قال: تأويلها فيما يأتي عذابٌ يقع في الثوية يعني ناراً حتى تنتهي الى الكناسة كناسة بني أسد، حتى تمر بثقيف لا تدع وتراً لآل محمد إلا أحرقته، وذلك قبل خروج القائم عليه السلام. انتهى.

والأمكنة التي ذكرتها الروايتان، من أمكنة الكوفة التي ثبت أن الإمام المهدي عليه السلام سيتخذها عاصمةً له.

وقول الإمام الصادق عليه السلام (تأويلها فيما يأتي) يدل على أن مذهب أهل البيت عليهم السلام أن العذاب الواقع في الآية وعيدٌ مفتوحٌ منه ما وقع فيما مضى على المشركين والمنافقين، ومنه ما يقع فيما يأتي على بقيتهم.. وهو المناسب مع إطلاق التهديد في الآية، ومع سنة الله تعالى وانتصاره لدينه وأوليائه.

 


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net