متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
غريزة حب الذات
الكتاب : معرفة النفس    |    القسم : مكتبة الثقافة العامة
غريزة حب الذات

    ان غريزة حب الذات والتي هي مجال حديثنا غريزة متجذرة في نفس الانسان لايمكن انكارها او التنكر لها بل ربما تكون هي اصلا واما لبقية الغرائز الاخرى رغم ان النظرية الماركسية تتنكر لها.

    التعامل مع غريزة حب الذات :
    اذن تجاه غريزة حب الذات كيف يجب ان يكون موقفنا ؟ هل نطالب الانسان ان يتنكر لها ويفكر في مجتمعه فقط ، ام يطلق العنان لها ؟
    لقد اودع الله هذه الغريزة في الانسان وعن طريق هذه الغريزة يحمي الانسان نفسه ويخاف على حياته ، فاذا لم يحب نفسه فلن يحب الخير لذاته ولن يدفع الشر عن نفسه ، واذا افرط الانسان في حب ذاته فانه يضر نفسه ومجتمعه فيستعمر الاخرين ويستثمر جهودهم ويعتدي على ممتلكاتهم وحقوقهم ، هذا شيء طبيعي حتى قال الشاعر :

والظلم من شيم النفوس فان تجد ذا عفة فلعلة لا يظلم

    فلأن الانسان عنده غريزة حب الذات فانه يتحين الفرص ليأخذ من الاخرين لذاته.


(142)

    فليس من المعقول ان نفتح المجال ونطلق العنان للانسان حتى يمارس هذه الغريزة كيفما يشاء.

    اذن ما هو الطريق ؟
    الطريق الصحيح ما اختاره الاسلام للبشرية ، انظروا الى الحل الرائع الذي يقدمه الاسلام لهذه المشكلة المستعصية في حياة الانسان ، الاسلام يقول يجب ان نطور مفهوم حب الذات عند الانسان ، بعبارة اخرى : الاسلام يرشد الانسان الى الطريقة الصحيحة لحب ذاته وخدمة نفسه. كيف ؟
    الانسان لديه نظرة : انه يمتلك فرصة واحدة في الحياة الدنيا ولا يوجد فرصة سواها ، كل واحد يعيش فترة في هذه الحياة ثم تنتهي مدته وينتهي كل شيء.
    حينما تتمكن هذه الفكرة من الانسان ويتصور ان حياته فقط في الدينا ، فانه يبنى حساباته على هذا الاساس ، فما دامت الفرصة الوحيدة امامي هذه الدنيا ، وانا احب ذاتي ، وفي الدجنيا شهوات ولذات ، ومتع واهواء ومصالح ، فالنتيجة الحاصلة هي ان امتع نفسي ، واوفر لها كل ما تحتاج من الشهوات واللذات ولو كانت على حساب الاخرين.
    ولذا الاسلام يوجه الانسان ويقول له : انتبه ان هذه الفكرة هي مكمن خطأك ومصدر شقائك ، من قال لك انك تعيش سنوات ويأتي الموت ويسدل الستار على مسرحية الحياة ؟
    هل الله يوجد الحياة من اجل ان يعيش الانسان ثم يمضي وكأنه لم يكن شيء ؟
    ( افحسبتم انما خلقناكم عبثاً وانكم الينا


(143)

لا ترجعون ) (1).
    الاسلام يخاطب الانسان ويقول : ايها الانسان وجودك في هذه الحياة ما هو الا وجود مؤقت ؛ ما هو الا مرور سريع في هذه الدنيا ، امامك حياة اخرى وما دامت تحب نفسك فيجب ان تخدمها في الدارين ، في هذه الدنيا تعيش خمسين او ستين او سبعين سنة ولكنك في الاخرة ستعيش دار الخلود ملايين السنين. فاذا كنت تحب نفسك هل من العقل في شيء ان تسعد مئة سنة وتشقى مليون سنة ؟؟
    واذا كنت في الدنيا تريد ان ترتاح وتأكل وتشرب وتمارس الغريزة الجنسية وتمتلك. افلا تريد مثل هذه الامور في الاخرة ؟ فاذا كنت تريدها فلماذا لاتعمل من اجلها ؟ وهذا يستدعي من الانسان ان يؤطر غرائزه بالاطر التي امر بها الاسلام ، وتصب في القنوات التي سمح بها الاسلام ، فالغريزة الجنسية يجب ان يكون مصرفها الزواج المشروع وحب التملك يجب ان يحدث عن طريق الكسب الحلال والمشروع .. على ان لاتكدس تلك الاموال والاملاك دون ان تفيد منها المجتمع ..
    هذا المفهوم من حب الذات مفهوم شامل يوسع مدارك الانسان ويسير به نحو التقدم والتخلص من الاخطار والمشاكل والتوازن بين الحياتين مصداقاً للدعاء الوارد في القرآن الحكيم.
    ( ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ) (2).
    فانك في هذه الدنيا لاتقبل لنفسك ان تأكل القاذورات ، لكنك حينما تسرف في هذه الغرائز وتشبع رغباتك الشهوانية بالحرام ، فانك في الواقع


1 ـ سورة المؤمنون : ـ 115.
2 ـ سورة البقرة : ـ 201.


(144)

تمهد الطريق لنفسك لاكل القاذورات التي هي اقذر مما في الدنيا انها قاذورات الاخرة التي يصفها الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم بقوله :
    ( ليس لهم طعام الا من ضريع ) (1).
    ( فليس له اليوم ههنا حميم ، ولا طعام الا من غسلين ) (2).
    ( ان لدينا انكالاً وجحيماً وطعاماً ذا غصة وعذاباً اليما ) (3).
     ( كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم ) (4).
     ( هذا فليذوقوه حميم وغساق ) (5).
    والغساق هي فضلات اهل النار التي تخرج من اجسامهم تعاد لهم ثانية فيأكلونها ، فهل يرتاح الانسان لاكل مثل هذه القاذورات ؟!
    فلماذا اذن يجرى البعض كجري النهر الغاضب وراء الشهوات والملذات دون ان يتطلع الى الاخرة ويكون له مستقبلاً سعيداً هناك ان مثل هؤلاء يخاطبهم القرآن الكريم ويقول :
    ( ويوم يعرض الذين كفروا على النار اذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الارض بغير الحق وبما كنتم تفسقون ) (6).
    ومن ناحية ثانية فان الاسلام يوجه نظر الانسان الى نوعية اللذات التي


1 ـ سورة الغاشية : ـ 6.
2 ـ سورة الحاقة : ـ 36.
3 ـ سورة المزمل : ـ 13.
4 ـ سورة الدخان : ـ 46.
5 ـ سورة ص : ـ 57.
6 ـ سورة الاحقاف : ـ 20.


(145)

يكسبها الانسان في هذه الحياة ، فهناك لذات مادية واخرى معنوية واللذات المعنوية لاتقل اسعادا للانسان حينما يمارسها عن اللذات المادية بل قد تفوقها حينما يفهم الانسان الممارسة للملذات المعنوية فقد فطر الله الانسان وخلق فيه استعدادات وميول للذات المادية الجسمية والمعنوية.
    فعلى سبيل المثال خدمة الوطن حينما يخدم الفرد وطنه فانه لا يستحصل من ذلك لذة مادية وانما لذة معنوية لانه قد يضحي بماله وباهله وبنفسه في سبيل حماية وطنه وتقدمه فهل هذه لذة مادية ان يقتل الشخص في سبيل حماية وطنه ؟ كلا.
    ولان الاسلام ينسجم مع فطرة الانسان وقائم على المعرفة الكاملة بطبيعة الانسان فقد وجه الانسان الى لذاته المعنوية واطر نظرته للذات المادية لكي لا ينساق الانسان مع القسم الاخر من طبيعته المادية ويترك الطبيعة المعنوية التي هي ايضا جزء رئيسي من كيانه اذا فقده انسانيته واصبح كسائر المخلوقات الحيوانية.
    من هنا فالاسلام يحث المؤمن على التضحية والعطاء وخدمة الاخرين وعلى الجهاد والايثار.
    والانسان حينما يمارس هذه الاعمال التي تشكل عطاء من ذاته وليس اخذاً لذاته وهو عارف بقيمتها فانه يشعر بلذة عميقة تغمر كيانه الى الاعماق ، اين منها لذات اصحاب الشهوات والاهواء.
    كمثال على ذلك لو ان شخصاً في يوم من الايام ذهب الى عمله وحصل على 1000 دينار من تجارته لاريب انه سوف يفرح كثيراً وفي المقابل لو ان مؤمناً انفق في سبيل الله 1000 ديناراً بشرط ان يكون عارفاً بقيمة ما ينفقه فلا ريب ان لذته سوف تكون اعمق من لذة ذلك الانسان الاول.


(146)

والاسلام حينما يحث على الايثار لا يقصد جلب الالم في نفس المؤثر بل جلب الراحة خصوصاً حينما يرى اولئك الذين انفق امواله عليهم يعيشون في سعادة فانه يرتاح الى هذه السعادة بشكل كبير ، ويلفتنا القرآن الكريم الى صفة من صفات المؤمنين المخلصين ويقول :
    ( ويؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة ) .
    فعلى الرغم من حاجة المؤمن في بعض الاحيان الا انه يتنازل عن هذه الحاجة في سبيل اغناء الاخرين المحتاجين ، كيف يرضى الانسان بنفسه ان يترك حاجته ويتوجه الى سد حاجات الاخرين ؟ لايفعل ذلك الا من ايقن بدور هذه العطاء فلانه يحب ذاته حباً حقيقياً اعطى الاخرين مما عنده وآثرهم على نفسه لانه يعتقد ان هذا الايثار ينفعه يوم القيامة يقول الله سبحانه وتعالى :
    ( من عمل صالحاً فلنفسه ومن اساء فعليها ) (2).
    ان ذلك الشخص الذي يعطي طعامه للآخرين وهو جائع لم يخسر ابداً وانما ربح ، فهو يشبه الى حد بعيد التاجر الذي يضع رأس ماله في مشروع ليستلم ارباحه فيما بعد.
    واهل البيت ( عليهم السلام ) خير قدوة لنا في الايثار ففيهم نزل قوله تعالى في سورة الدهر :
    ( ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً واسيراً انما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءاً ولا شكوراً انا نخاف من ربنا يوماً عبوساً


1 ـ سورة الحشر : ـ 9.
2 ـ سورة فصلت : ـ 46.


(147)

قمطريراً ) (1).
    « وعن ابن عباس ان الحسن والحسين مرضا ن فعادهما رسول اله في ناس معه ، فقالوا : يا ابا الحسن لو نذرت على ولديك ، فنذر علي وفاطمة وفضة جارية لهما ، ان برئا مما بهما ان يصوموا ثلاثة ايام فشفيا ، وما معهم شيء ، فاستقرض عي من شمعون الخيبري اليهودي ثلاثة اصوع من شعير ، فطحنت فاطمة صاعاً ، واختبزت خمسة اقراص على عددهم ، فوضعوها بين ايديهم ليفطروا ، فوقف عليهم سائل فقال : السلام عليكم اهل بيت محمد ، مسكين من مساكين المسلمين ، اطعموني اطعمكم الله من موائد الجنة ، فآثروه ، وباتوا ولم يذوقوا الا الماء ، واصبحوا صياماً ، فلما اسموا ووضعوا الطعام بين ايديهم ، وقف عليهم يتيم فآثروه ، ووقف عليهم اسير في الثالثة ففعلوا مثل ذلك.
    فلما اصبحوا اخذ علي بيد الحسن والحسين واقبلوا الى رسول الله ، فلما ابصرهم وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع ، قال : ما اشد ما يسوؤني ما ارى بكم ، وقام فانطلق معهم فرأى فاطمة في محرابها ، قد التصق بطنها بظهرها ، وغارت عيناها ، فساءه ذلك ، فنزل جبرائيل وقال : خذها يا محمد هناك الله في اهل بيتك ، فأقراه السورة » (2).
    هذا هو المفهوم الصحيح لحب الذات ، فالانسان الذي يحب ذاته يجب ان يعرف انه بالعطاء يحب ذاته ويخدمها ويوفر لها سعادة هانئة في المستقبل جربوا ايها الاخوة اللذة المعنوية ، لذة العطاء ان تأكل او ان تعطي ، قد يبدو للواحد منا انه عندما يأكل يلتذ اكثر لكنه لو جرب ان يعطي لاكتشف ان عطاءه يوفر له لذة اكثر.


1 ـ سورة الانسان : 7 ـ 10.
2 ـ اخلاق اهل البيت (ع) : ص 79.


(148)

    ان الانسان يخطئ في حبه لذاته حينما يدرك الفهم الاسلامي الصحيح لحب الذات ، فهو يريد ان ينفع نفسه فيضرها ، يريد ان يحب ذاته فيؤذيها.
    الانانية مرض خطير يصيب الانسان فهي تعني حب الذات بطريقة معكوسة هل رأيت حب الذات بطريقة معكوسة ؟
    نعم ان من يحصر اسعاد الذات بالملذات الدنيوية المادية وينسى اللذات المعنوية فهو يضر ذاته ولا ينفعها ، وعنهم قال الله تعالى :
    ( الذي ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعاً ) (1).


1 ـ سورة الكهف : ـ 104.


(149)

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net