في طـريقة نحو الإسـلام
المحـنة العبـوديـة عتيـق الإسـلام
(38)
(39)
غادر سلمان الدير حاملاً بيده اللوح ، ووقف حائراً لا يدري كيف يصنع ولا أين يذهب ، إنه يريد أرض تهامة ، ولكن . . هو غلام ديراني ، وحياة الديرانيين تشبه إلى حد ما حياة أهل السجون لولا الفارق النفسي بينهما من حيث توطين النفس على الإقامة فيها اختياراً ، والشعور بالانفساح الروحي عند الخلوة لمناجاة الله سبحانه ، وإلا فكل شيء في الأديرة يخضع لقيود معينة ، الملبس فيها خاص وبشكل معين ، والمأكل فيها خاص ينحو نحو النباتية ، والزهد في الدنيا شرط ، فلا مال ولا عقار ، ولا شيء من مغريات الحياة ، بل على الداخل فيها أن يخرج من الدنيا وما فيها ـ هكذا كانت حياة الأديرة ـ وهكذا كان سلمان عندما كان ديرانياً . والآن ، خرج من الدير ، فمن الطبيعي أن يخرج منه كما دخل صفر اليدين ، ويمكننا تصور حالته النفسية في ذلك الظرف العصيب ، فهو يريد أن يأكل ويريد أن يسافر ، ويريد أن يتعامل مع هذه الحياة كما يتعامل بقية الناس ، ولكن دون جدوى ، ففي الدير كانت له جراية تجرى عليه كما تجرى لصاحبه الراحل ، أما الآن فقد إنتهى كل شيء فها هو قد خرج وهو لا يملك درهماً ولا ديناراً ، فماذا يفعل الآن ؟ في زخم هذه الحيرة التي لفت سلمان كانت خيوط الأمل الأخضر تشرق في نفسه فتضيء له جنباتها . . إنه الأمل بلقاء النبي الموعود ، فلقد نبت حب محمد
(40)
صلى الله عليه وآله في قلبه كما ينبت العطر في أكمام الورود ، وتذكر في هذه الحال ما قاله له أستاذه الراحل من أنه « سيخرج نبي في أرض تهامة » وتساءل بينه وبين نفسه : من يدري ، فلعله قد خرج ؟ ! وأحس سلمان بموجةٍ من الفرح تغمره ، فاندفع منطلعاً نحو الطريق وإذا به يرى ركباً يقصدون أرض الحجاز . وأحس أنهم من ذوي الثراء والمكانة لما رأى من ترفهم وحسن مظهرهم ، وما معهم من الشياه والأغنام والأثاث والرياش ، وهنا بادرهم بالتحية ، فردوا عليه بمثلها ، ثم سايرهم قليلاً وفكر في أن يعرض عليهم ما في نفسه من الرغبة في مرافقتهم ؛ ولكن منعه من ذلك قصَرُ ذات اليد ، فما معنى أن يكون معهم ولا يشاطرهم في نفقة الطريق ؟ فعاد إلى نفسه ولم يتكلم بكلمة ، إنه لم يرض أن يكون عالةً على غيره ، يأخذ ولا يعطي ، فهذا شأن الساقطين في الحياة ، وبينما هو في غمرة تفكيره إذ لاحت له خاطرة ذكية أحس من خلالها بقرب الفرج ، حيث بدا له أن يعرض عليهم نفسه للخدمة في قبال أن يقوموا بنفقاته ، ورأى أن هذا أمر لا ضير فيه ولا مهانة ، بل هو شيء حسن ، فلم يتردد في ذلك وخاطبهم قائلاً : « يا قوم ، اكفوني الطعام والشراب ، أكفكم الخدمة ! » وكان طلباً محبباً لهم ، فالعرب أمة عرفت بالبذل والكرم والسخاء ، بل أحب شيء للعربي ضيافة الوافد وإكرامه ، فكيف بجماعة كل شيء لديهم وافر ، أتراهم يمتنعون عن قبول مثل هذا العرض بدون مقابل ؟ بالطبع لا . غير أنهم أدركو في سلمان أنه رجل عفيف لا يحتمل المن ، ولا هو من المتسكعين ، فلم يماطلوا معه بالسؤال والجواب لكي لا يحرجوه فأجابوه بقولهم : نعم . سار سلمان معهم يخدمهم في رحلتهم تلك ويهيء لهم ما يحتاجون إليه ، فلما صار وقت الطعام « عمدوا إلى شاة ، فقتلوها بالضرب ، ثم أخذوا لحمها وجعلوا بعضه كباباً وبعضه شواءً » وجلسوا يأكلون ، أما هو فلم يعجبه هذا الأمر ، فجلس ناحيةً ولم يأكل ، ولفت انتباههم ذلك ، فقالوا له : كل .
(41)
لكنه أصر على موقفه الرافض ـ ولعل طريقة قتلهم للشاة لم تعجبه لأنها منافية لما جاء في الشرايع السماوية من شروط الذبيحة ـ وبقي ممتنعاً عن الأكل ، وفكر في جوابٍ يرضي به فضولهم ويدفع عنه لائمتهم . فقال لهم : « إني غلام ديراني ، والديرانيون لا يأكلون اللحم ! » ووجد خلاف ما كان يتوقع ، فالذي ظهر أن القوم يكرهون الأديرة والديرانيين والنصراى أجمعين ، وأنهم وثنيون أو يهود ، فرأوا وجوده بينهم مدعاةً لتعكير صفو عيشهم شأن ذوي العقول المتحجرة من المتعصبين ، فنهضوا إليه يؤدبونه . يقول سلمان : « فضربوني ، وكادوا يقتلوني ! » فقال أحدهم ـ وكأنه يختبر حقيقة أمره ـ : أمسكوا عنه حتى يأتيكم الشراب ، فانه لا يشرب . »
« الـمحنـة »
هذه هي المحنة بدأت تواكب سلمان من جديد تضعه على المحك ، المحنة التي يبتلي بها الله أصفيائه وأوليائه والمؤمنين ، فقد ورد في الحديث الشريف « أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأوصياء ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل . » وما ذلك إلا ليعرفوا أنفسهم بأنفسهم ويدركوا مقدار ما هم عليه من الصدق مع الله والإخلاص له ، ولكي يعرف من سواهم أنهم لم يصلوا إلى أعلى المراتب إلا بالصبر على البلاء والتضحية في سبيل الله . جاء الشراب ، فقالوا لسلمان : إشرب ، فأبى ولم يشرب وقال : « إني غلام ديراني والديرانيون لا يشربون الخمر . . » وهنا لم يجدوا رداً على كلامه إلا بالضرب ، يقول : « فشدوا علي وأرادوا قتلي ! »
(42)
« فقلت لهم : لا تضربوني فاني أقر لكم بالعبودية ! فأقررت لواحد منهم ، فأخرجني وباعني بثلاثمائة درهم من رجل يهودي . » وهكذا ضحى سلمان في سبيل الإيمان ، وما كان أغناه عن ذلك كله لو بقي في المكان الذي جاء منه ، لكنها الأمانة التي تلزمه أن يتابع سيره ويضحي بكل ما يقدر عليه في سبيل الوصول إلى الهدف الذي ينشده ، سيما وقد أدرك أن الأرض التي هو فيها الآن هي موطن ذلك النبي . حين إشتراه اليهودي أخذ يسأله عن قصته وسلمان يحدثه بكل ما جرى له منذ أن ترك بلاد فارس ، وكيف أعتنق النصرانية وصار ينتقل من عند راهب إلى آخر ، ولم ينس أن يحدثه بما بشره به راهب الإسكندرية من أن زمان نبي من العرب قد اقترب وأنه قصد هذه البلاد رجاء أن يقيّض الله له اللقاء به ـ وهو يظن أنه بذلك سوف يثير عطفه عليه ـ لكن ما حصل كان عكس ذلك ، فما أن سمع اليهودي بذكر محمد حتى فقد صوابه وصمم في نفسه أن ينتقم منه ، فاليهود يقرأون في توراتهم ويسمعون من أحبارهم عن ظهور نبي يأتي بالحنيفية ـ دين إبراهيم ـ فكان بعضهم من المؤمنين ينتظر ذلك اليوم ، والبعض الآخر عمي عن الحق فأخذته العزة بالإثم ، وكان صاحبنا منهم ، فقال لسلمان بنبرةٍ تنم عن حقد وغضب : « واني لأبغضك وأبغض محمداً » قال سلمان : ثم أخرجني خارج الدار وإذا رمل كثير على بابه ، فقال : والله يا روزبة ، لئن أصبحت ولم تنقل هذا الرمل كله من هذا الموضع لأقتلنك . ! وحار سلمان في أمره وهو يسمع تهديد سيده . فلم يدر ما يفعل ، وأنى له بنقل تلٍّ من الرمل في فترة قصيرة من الزمان ، وشعر أن الرجل يريد الإنتقام منه بإيجاد وسيلة لذلك . قال : فجعلت أحمل طول ليلتي ، فلما أجهدني التعب رفعت يدي إلى السماء وقلت : يا ربي أنك حبّبتَ محمداً إليَّ ، فبحق وسيلته عجل فرجي ، وأرحني مما أنا فيه .
(43)
فبعث الله ريحاً قلعت ذلك الرمل من مكانه إلى المكان الذي قال عنه اليهودي ، فلما أصبح نظر إلى الرمل وقد نقل ، ودهش لما رأى وخيّل إليه أنه ضرب من السحر ، فقال مخاطباً سلمان : يا روزبة ، أنت ساحر وأنا لا أعلم ، فلأخرجنك من هذه القرية لئلا تهلكها ! . ونفذ اليهودي قوله ، فأخرجني فباعني لإمرأةٍ سَلمية ، فأحبتني حباً شديداً ، وكان لها حائط ( بستان ) فقالت : هذا الحائط لك ، كل منه ما شئت ، وتصدق بما شئت . مكث سلمان مع هذه المرأة فترةً طويلة يدير لها شئون بستانها يسقي الزرع ، ويؤبّر النخل وما إلى ذلك بكل أمانةٍ واخلاص ، ويدعو الله بين الحين والحين بقرب الفرج واللقاء بالنبي الموعود صلى الله عليه وآله وسلم . في هذه الفترة كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد خرج بمكة يدعو الناس إلى الهدى والحق واتباع دين الله الذي ارتضى وسلمان لا يعلم بذلك ، وقدم النبي إلى المدينة ، وبينما كان سلمان في رأس نخلة إذ به يسمع رجلاً يقول لصاحبه : « أي فلان ، قاتل الله بني قيلة * مررت بهم آنفاً وهم مجتمعون على رجل بقبا قدم عليهم من مكة يزعم أنه نبي » قال : فوالله ما هو إلا أن سمعتها ، فأخذني القرُّ والإنتفاض ورجَفَت بي النخلة حتى كدت أن أسقط . . » لقد خرج محمد إذن ، وأين عنه أنا الآن ، واللوح لا زال معي ، ولكن ، العلامات الثلاث لا بد أن تكون فيه ! ويستمر سلمان في دعائه لله أن ييسر له اللقاء بمحمد ، فهو لا يستطيع الهرب عن مولاته ، لأن ذلك قد يعقد الأمور ويعطيه صفة ( الآبق ) الذي يستحق أنواع العقوبات في شريعة الجاهليين سيما إذا لحق بمحمد ، ففضّل التريث والتعقل في الأمر ، وتحيّن الفرص الملائمة في الوصول إليه ، لكنه بقي في دوامة من التفكير لا تهدأ ، وأستمر هكذا أيام .
(44)
قال : فبقيت في ذلك الحائط ما شاء الله ، فبينا أنا ذات يوم في الحائط وإذا بسبعة رهط قد أقبلوا تظلهم غمامة . ، فقلت في نفسي : والله ما هؤلاء كلهم أنبياء ، وإن فيهم نبيا . لقد كان هؤلاء النفر هم : محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وعلي بن أبي طالب عليه السلام والحمزة بن عبد المطلب وعقيل ابن أبي طالب وزيد بن حارثة والمقداد ، وأبو ذر الغفاري . وكانت الصفات الظاهرية للرسول تميزه عما سواه ، فكان وسيم الطلعة ربعةً في الرجال ليس بالطويل البائن ، ولا بالقصير المتردد ، ضخم الرأس ، ذا شعر رجل شديدٌ سواده ، مبسوط الجبين فوق حاجبين سابغين منوّنَين متصلين ، واسع العينين أدعجهما تشوبُ بياضهما في الجوانب حمرة خفيفة وتزيد في قوة جاذبيتهما أهداب طوال حوالك ، مستوي الأنف دقيقه ، مفلج الأسنان كث اللحية ، طويل العنق جميله ، عريض الصدر ، رحب الساحتين ، أزهر اللون ، شثن الكفين والقدمين يسير ملقياً جسمه إلى الأمام ، إذا مشى كأنما ينحدر من صبب ، وإذا قام كأنما ينقلع من صخر ، وإذا التفت التفت جميعاً . نظر إليه سلمان ، فرآه مميزاً عن باقي أصحابه ، ولكن هذا لا يكفي ، المهم العلامات الثلاث : لا يأكل الصدقة ، ويأكل الهدية ، وفي كتفيه خاتم النبوة . . لقد حان وقتها . . ودخل الرسول ومن معه إلى ذلك البستان ، فجعل أصحابه يتناولون من حشف النخل ، والرسول يقول لهم : كلوا ولا تفسدوا على القوم شيئاً . وهنا اغتنم سلمان الفرصة التي قيضها الله له ، والتي كانت بداية خلاصه والتحاقه بركب الاسلام ، فأقبل إلى مولاته مستميحاً إياها أن تهبه قليلاً من الرطب قائلاً : « هبي لي طبقاً من الرطب . » وكانت المرأة كما ذكرنا تحبه حباً شديداً ، فقالت له : لك ستة أطباق ! قال : فحملت طبقاً فقلت في نفسي إن كان فيهم نبي فانه لا يأكل الصدقة ويأكل الهدية ، فوضعته بين يديه فقلت : هذه صدقة .
(45)
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كلوا ، وأمسك هو وعليٌ وأخوه عقيل وعمه حمزة . (1) فقلت في نفسي : هذه علامة ! فدخلت إلى مولاتي فقلت : هبي لي طبقاً آخر . . قالت : لك ستة أطباق ! فحملتُ طبقاً ووضعته بين يديه وقلت : هذه هدية . فمدّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم يده وقال : بسم الله ، كلوا ، ومدّ القوم جميعاً أيديهم فأكلوا ، فقلت في نفسي : هذه أيضاً علامة أخرى . قال : ورجعت إلى خلفه وجعلت أتفقد خاتم النبوة ، فحانت من النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلتفاتة فقال : يا روزبة ؛ تطلب خاتم النبوة ! ؟ » قلت : نعم . فكشف عن كتفيه فإذا بخاتم النبوة معجون بين كتفيه عليه شعرات ! ، فسقطتُ على قدميه أقبلهما . . ونسي الراوي أن يقول : فأبلغته سلام الراهب ، وأعطيته اللوح ، وحدثته بما جرى لي . وإلى هنا يكون سلمان قد وصل إلى هدفه الذي خرج من أجله ، ويبقى في هذه القصة لغز ربما حير كثيرين . . لغز الرهبان الثلاثة أو الأربعة الذين كانوا يوصون بسلمان إلى بعضهم البعض ، وآخرهم الذي قال له : « لا أعلم أحداً في الأرض على دين عيسى بن مريم . . ! » تُرى ، هل أن هؤلاء الرهبان كانوا قد أحتكروا الديانة المسيحية لأنفسهم ، فأين ملايين النصارى ومئات القسس وأين موقعهم من ذلك الدين ؟ سيما وأن النصوص الواردة في « إسلامه » تظافرت واتفقت على هذا المعنى . الحق : أن أولئك الرهبان كانوا من الأبدال (2) الذين لا تخلو الأرض منهم ، ____________ 1 ـ في شرح النهج 18 / 35 وقال : إنه لا تحل لنا الصدقة . 2 ـ الأبدال : قوم من الصالحين لا تخلو الدنيا منهم ، إذا مات واحد أبدل الله مكانه آخر . وورد =
(46)
أو أنهم كانوا من « أوصياء أوصياء المسيح » على حد تعبير البعض ، وبذلك يسهل علينا تقبل ما أورده كثير من المؤرخين من أن سلمان أدرك « وصي وصي عيسى » ، « أو أدرك بعض الحواريين . » .
« عتيـق الإسـلام »
بقيت مشكلة الرق ( المفتعل ) الذي تم بسبب أولئك القساة الذين صحبهم سلمان من الإسكندرية ، والذي يحول بينه وبين اللحاق برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، سيما وأن هذه المرأة لن تتخلى عنه بسهولة ، وهنا تدخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لينقذ سلمان من محنته القاسية فالتفت إليه قائلاً : « يا روزبة ادخل إلى هذه المرأة وقل لها : يقول لك محمد بن عبد الله أتبيعيني له . ؟ » نهض سلمان إليها وأبلغها مقالة النبي صلوات الله عليه ، وهو يظن أنها ستجيبه إلى طلبه وتبيعه بدراهم معدودات كما فعل معه أسياده السابقون ، وعندها سيتخلص من ربقة العبودية ويعيش حراً في دنيا الإسلام . كان ما حصل هو العكس ، فالمرأة شديدة التعلق بهذا الفارسي ـ وربما لإخلاصه وأمانته ـ فهي لن تتخلى عنه بسهولة ، ومن جهة ثانية أن المساوم عليه هو محمد بن عبد الله النبي الذي يكرهه الوثنيون والمشركون والتي هي منهم ، فهي إذن تود إيذائه وتعجيزه وقهره لو استطاعت ، فكانت هذه المساومة من محمد فرصةً سانحة لذلك ، فوافقت على بيعه وشرطت شرطاً لا يمكن تحقيقه إلا إذا تدخلت العناية الإلهية . فقالت لسلمان : « لا أبيعك إلا بأربعمائة نخلة ، منها مائتان صفراء ومنها مائتان حمراء . » إنه طلب صعب ، فمن أين تجتمع هذه النخلات الأربعمائة بهذه ____________ = أيضاً : الأبدال قوم يقيم الله بهم الأرض وهم سبعون أربعون بالشام وثلاثون بغيرها ، لا يقوم أحدهم إلا قام مقامه آخر من سائر الناس ( مجمع البحرين مادة بدل ) .
(47)
المواصفات ؟ ، ولكن شاء الله أن تكون حياة هذا الفارسي مليئة بأسرار لا يعلمها إلا هو ، واختارت مشيئة سبحانه ان يكون لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم القدرة على تحقيق ما يعجز عنه البشر وأن تحصل على يديه خوارق تزيد المؤمنين بصيرة . « فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما أهون ما طلبت ! » ثم قال ، قم يا علي فاجمع هذا النوى كلّه ، فأخذه ، صلى الله عليه وآله وسلم ، وغرسه . ثم قال إسقه ، فسقاه فما بلغ آخره حتى خرج النخل ولحق بعضه بعضاً . والتفت رسول الله إلى سلمان قائلاً : ادخل إليها وقل : يقول محمد بن عبد الله هذا شيئك فاستلميه ، وسلمينا شيئنا . قال : فدخلت عليها وقلت لها ذلك ، فخرجَت ونظرت إلى النخل ، فقالت : والله لا أبيعك له إلا بأربعمائة نخلة صفراء ! . لقد دهشت هذه المرأة لما رأت ، فها هو النخل أمام عينيها وقد صار فسيلاً ، يا لله ! هل هو السحر ؟ أم هو الإعجاز الذي يؤيد الله به أنبياءه ؟ وفي حالةٍ من الاضطراب لا توصف ، تراجعت عن كلامها ، أنها تريد النخل بأجمعه أصفر . وتدخلت العناية الإلهية مرةً ثانية حيث « هبط جبرئيل عليه السلام ومسح النخل بجناحيه فصار كله أصفر » . فقال النبي لسلمان ، قل لها : إن محمداً يقول لك خذي شيئك وادفعي لنا شيئنا . قال سلمان ، فقلت لها ذلك ، فقالت : والله لنخلة من هذه أحب إلي من محمد ومنك . ! فقلت لها : والله ليوم واحد مع محمد أحب إلي منك ومن كل شيء أنت فيه . ثم إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اعتقني وسماني : سلمان .
(48)
ووردت في كيفية عتقه روايات أخرى . منها : أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال له : كاتب صاحبك ، . « يقول سلمان : فلم أزل بصاحبي حتى كاتبته على أن أغرس له ثلاثماية ودية ، وعلى أربعين أوقية من ذهب . « فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : أعينو أخاكم بالنخل بالخمس والعشر حتى اجتمع لي . فقال لي : نقر لها ولا تضع منها شيئاً حتى أضعه بيدي ، ففعلت » (1) « فغرسها رسول الله كلها بيده المباركة إلا واحدة غرسها عمر ، فأطعم كل النخل من عامه إلا تلك الواحدة ، فقطعها صلى الله عليه وآله وسلم ثم غرسها فأطعمت . » (2) وبقي الذهب ، فبينما هو قاعد إذ أتاه رجل من أصحابه بمثل البيضة من ذهب أصابه من بعض المعادن ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : ادع سلمان المسكين الفارسي المكاتب فلما دعي له ، قال : أد هذه . قال سلمان ، فقلت : يا رسول الله أين تقع هذه مما علي ؟ وكان سلمان يقول : « أعانني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ببيضة من ذهب ، فلو وزنت بأحد لكانت أثقل منه . » (3) ____________ 1 ـ أسد الغابة 2 / 330 . 2 ـ شذرات الذهب 1 / 44 وفي شرح النهج 18 / 35 فقال رسول الله من غرسها ؟ قيل : عمر ، فقلعها وغرسها الخ . . 3 ـ أسد الغابة 2 / 330 .
|