الســـجـدة وما يصـحّ الســجـود عليـه
(41)
(42)
السـجدة وما يصحّ السـجود عليه
و [ يجب ] اتّخاذ الأرض مسـجداً ، فإنّ الواجب المتسالم عليه على المصلّي لدى جميع الأُمّة المسلمة ـ على بكرة أبيهم ـ أن يسـجد على الأرض ، ومرفوعة : « جُعلت لي الأرض مسـجداً وطهوراً » (1) من المتّفق عليه ، أصفق عليها أئمّة المذاهب ، ولا مندوحة لدى الاختيار والإمكان من السـجود عليها ، أو على ما ينبت منها كما يأتي حديثه. وأخذ الصحابة الأوّلين حصاة المسـجد عند حرارتها في الظهائر وتبريدها بتقليبها باليد ـ كما سيوافيك حديثه ـ يومئ إلى عدم كفاية غيرها مهما يتمكّن المصلّي من السـجود عليها ولو بالعلاج ورفع العذر. وكذلك حديث افتراشـه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) تحت يديه اللباس عند حرارة الحصاة وبرودتها ، والسـكوت عن الافتراش على المسـجد والسـجود عليه يؤيّد إيجاب السـجدة على التراب
1 ـ مرّ تخريجه في صفحة 9 ، وسيأتي مزيد تفصيل له في صفحة 45 فراجـع.
(43)
فحسـب ليس إلاّ. وأمّا حين عدم تيسّر السجود عليه والتمكّن منه ، لحرارة قارصة أو لإيجاب عذر آخر ، فلا وازع عندئذ من السـجود على غيرها ، إذ الضرورات تبيح المحظورات. والأحاديث الواردة في الصلاة على الحصير والفَحْل (1) والخُمرة وأمثالها تسوّغ جواز السـجدة على ما ينبت من الأرض غير المأكول والملبوس. والأنسـب بالسـجدة ـ التي إنْ هي إلاّ التصاغر والتذلّل تجاه عظمة المولى سـبحانه ، ووجاء كبريائه ـ أن تُتّخذ الأرض لديها مسـجداً يعفّر المصلّي بها خدّه ويرغم أنفه ، لتذكّر الساجد لله طينته الوضيعة الخسيسـة التي خُلق منها ، وإليها يعود ، ومنها يعاد تارة أُخرى ، حتّى يتّعظ بها ، ويكون على ذِكر من وضاعة أصله ، ليتأتّى له خضوع روحي ، وذلّ في الباطن ، وانحطاط في النفس ، واندفاع في الجوارح إلى العبودية ، وتقاعس عن الترفّع والأنانية .. ويكون على بصيرة من أنّ المخلوق من التراب حقيق
1 ـ الفَحْلُ : حَصِيرٌ يُتّخذ من سعف الفَحلِ من النخيل ، والجمع فُحول. انظر : الصحاح 5 / 1789 ، لسان العرب 10 / 195 ، مادّة « فحل ».
(44)
وخليق بالذلّ والمسـكنة ليس إلاّ. ولا توجد هذه الأسـرار قطّ وقطّ في المنسوج من الصوف والديباج والحرير ، وأمثاله من وسائل الدعة والراحة ، ممّا يُري للإنسان عظمة في نفسه ، وحرمة وكرامة ومقاماً لديه ، ويكوّن له ترفّعاً وتجبّراً واستعلاءً ، وينسلخ عند ذلك من الخضوع والخشـوع. وها نحن نقدّم إلى القارئ جميع ما جاء في الصحاح الستّة ، وغيرهـا من أُمّهـات المسانيـد والسُـنن ، من سُـنّة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الواردة في ما يصحّ السـجود عليه ، ونمضي على ضوئها ونتّخذها سُـنّة متّبعة ، وطريقة حقّة لا محيد عنها ، وهي على ثلاثة أقسام :
(46)
|