متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
المطلب الثاني : في رثاء الميّت بالقريض
الكتاب : المأتم الحسيني مشروعيته وأسراره    |    القسم : مكتبة عقائد الشيعة
المطلب الثاني
في رثاء الميّت بالقريض

    ويظهر من القسطلاني في شرح البخاري (1) أنّ الجماعة يفصلون القول فيه : فيحرمون ما اشتمل منه على مدح الميت وذكر محاسنه الباعث على تحريك الحزن وتهييج اللوعة ، ويبيحون ما عدا ذلك.
    والحق إباحته مطلقاً ، إذ لا دليل هنا يعدل بنا عن مقتضى الاصل ، والنواهي التي يزعمونها إنما يستفاد منها الكراهة في موارد مخصوصة ، على أنّها غير صحيحة بلا ارتياب.
    وقد رثى آدم ( عليه السلام ) ولده هابيل ، واستمرت على ذلك


1 ـ راجع باب رثي النبي ( صلى الله عليه وآله ) سعد بن خولي ، ص 298 ج 3 ، من إرشاد الساري للقسطلاني « المؤلّف ».


(26)

ذريته إلى يومنا هذا بلا نكير.
    وأبقى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أصحابه عليه ، مع إكثارهم من تهييج الحزن به ، وتفننهم بمدائح الموتى فيه ، وتلك مراثيهم منتشرة في كتب الاخبار.
    فراجع من الاستيعاب إن أردت بعضها أحوال : سيد الشهداء حمزة ، وعثمان بن مظعون ، وسعد بن معاذ ، وشماس بن عثمان بن الشريد ، والوليد بن الوليد بن المغيرة ، وأبي خراش الهذلي ، وأياس بن البكير الليثي ، وعاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل ، وغيرهم.
    ولاحظ من الاصابة أحوال : ذي الجناحين جعفر بن أبي طالب ، وأبي زيد الطائي ، وأبي سنان بن حريث المخزومي ، والاشهب بن رميلة الدارمي ، وزينب بنت العوام ، وعبد الله بن عبد المدان الحارثي ، وجماعة آخرين لا تحضرني أسماؤهم.
    ودونك كتاب الدرة في التعازي والمراثي ، وهو في أول الجزء الثاني من العقد الفريد ، تجد فيه من مراثي الصحابة ومن بعدهم شيئاً كثيراً.
    وليس شيء مما أشرنا إليه إلاّ وقد اشتمل على ما يهيج


(27)

الحزن ويجدد اللوعة بمدح الميت وذكر محاسنة.
    ولمّا توفي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) تنافست فضلاء الصحابة في رثائه ، فرثته سيدة نساء العالمين ( عليها السلام ) بأبيات تهيج الاحزان ، ذكر القسطلاني (1) في إرشاد الساري بيتين منها ، وهما قولها ( عليها السلام ) :

ماذا على مَن شمّ تربة أحمد صبّت عليّ مصائب لو أنّها أن لا يشمّ مدى الزمان غواليا صبّت على الايام صرن لياليا

    ورثته أيضاً بأبيات تثير لواعج الاشجان ، ذكر ابن عبد ربه المالكي بيتين منها في أوائل الجزء الثاني من العقد الفريد ، وهما :

إنّا فقدناك فقْد الارض وابلها فليت قبلك كان الموت صادفنا وغاب مذ غبتَ عنّا الوحي والكتب لما نعيت وحالت دونك الكثب


1 ـ ص 218 ج 3 في باب رثي النبي سعد بن خولي « المؤلّف ».


(28)

    ورثته عمته صفية بقصيدة يائية ، ذكر ابن عبد البر في أحوال النبي ( صلى الله عليه وآله ) من استيعابه جملة منها.
    ورثاه أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب بقصيدة لامية ، ذكر بعضها صاحبا الاستيعاب والاصابة في ترجمة أبي سفيان المذكور.
    ورثاه أبو ذويب الهذلي ـ كما يعلم من ترجمته في الاستيعاب والاصابة ـ بقصيدة حائية.
    ورثاه أبو الهيثم بن التيهان بقصيدة دالية ، أشار إليها ابن حجر في ترجمة أبي الهيثم من إصابته.
    ورثته أم رعلة القشيرية بقصيدة رائية ، أشار إليها العسقلاني في ترجمة أم رعلة من إصابته.
    ورثاه عامر بن الطفيل بن الحارث الازدي بقصيدة جيمية ، أشار إليها بن حجر في ترجمة عامر من الاصابة.
    ومَن استوعب الاستيعاب ، وتصفّح الاصابة ، وأسد الغابة ، ومارس كتب الاخبار ، يجد من مراثيهم المشتملة على تهييج الحزن بذكر محاسن الموتى شيئاً يتجاوز حدّ الاحصاء.
    وقد أكثرت الخنساء ـ وهي صحابية ـ من رثاء أخويها


(29)

صخر ومعاوية وهما كافران ، وأبدعت في مدائح صخر وأهاجت عليه لواعج الحزن ، فما أنكر عليها منكر.
    وأكثر أيضاً متمّم بن نويرة من تهييج الحزن على أخيه مالك في مراثيه السائرة ، حتى وقف مرة في المسجد وهو غاص بالصحابة أمام أبي بكر بعد صلاة الصبح واتكأ على سية قوسه فأنشد :
    نعم القتيل إذا الرياح تناوحت خلف البيوت قتلت يا ابن الازور ثم أومأ إلى أبي بكر ـ كما في ترجمة وثيمة بن موسى ابن الفرات من وفيات ابن خلكان ـ فقال مخاطباً له :

أدعوته بالله ثم غدرته لو هو دعاك بذمة لم يغدر

    فقال أبو بكر : والله ما دعوته ولا غدرته.
    ثم قال :

ولنعم حشو الدرع كان وحاسراً لا يمسك الفحشاء تحت ثيابه ولنعم مأوى الطارق المتنور حلو شمائله عفيف المأزر


(30)

    وبكى حتّى انحط عن سية قوسه ، قالوا : فما زال يبكي حتى دمعت عينه العوراء.
    فما أنكر عليه في بكائه ولا في رثائه منكر ، بل قال له عمر ـ كما في ترجمة وثيمة من الوفيات ـ لوددتُ أنّك رثيت زيداً أخي بمثل ما رثيت به مالكاً أخاك ، فرثى متمم بعدها زيد بن الخطاب فما أجاد ، فقال له عمر : لِمَ لمْ ترثي زيداً كما رثيت مالكاً ؟ فقال : إنه والله ليحركني لمالك مالا يحركني لزيد.
    واستحسن الصحابة ومن تأخر عنهم مراثيه في مالك ، وكانوا يتمثلون بها ، كما اتفق ذلك من عائشة إذ وقفت على قبر أخيها عبد الرحمن ـ كما في ترجمته من الاستيعاب ـ فبكت عليه وتمثلت :

وكنّا كندماني جذيمة حقبة فلما تفرقنا كأني ومالكا من الدهر حتى قيل لن يتصدّعا لطول اجتماع لم نبت ليلة معا

    وما زال الرثاء فاشياً بين المسلمين وغيرهم في كلّ عصر ومصر لا يتناكرونه مطلقاً.


(31)


(32)

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net