المطلب الخامس في الانفاق على الميت في وجوه البرّ والاحسان
ويكفي في استحبابه : عموم ما دلّ على استحباب مطلق المبرات والخيرات ، على أنّ فعل النبي ( صلى الله عليه وآله ) وقوله دالان على الاستحباب في خصوص المقام ، وحسبك من فعله : ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما (1) بطرق متعددة عن عائشة : ما غرت على أحد من نساء النبي ( صلى الله عليه وآله ) ما غرت على خديجة ، وما رأيتها ، ولكن كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) يكثر ذكرها ، وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة ، فربما قلت له : كأن لم يكن في الدنيا إلاّ خديجة ، فيقول : « إنما كانت وكان لي منها ولد ».
1 ـ فراجع من صحيح البخاري : باب تزويج النبي خديجة وفضلها ، ومن صحيح مسلم : باب فضائل خديجة أم المؤمنين ( عليها السلام ) « المؤلف ».
(41)
قلت : وهذا يدلّ على استحباب صلة أصدقاء الميت وأوليائه في الله عز وجل بالخصوص. ويكفيك من قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ما أخرجه مسلم ـ في باب وصول ثواب الصدقة عن الميت إليه ، من كتاب الزكاة ، في الجزء الاول من صحيحه ـ بطرق متعددة ، عن عائشة : أنّ رجلاً أتى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال : يا رسول الله إنّ أمّي افتلتت نفسها ، ولم توص ، أفلها أجر أن تصدقت عنها ؟ قال ( صلى الله عليه وآله ) : « نعم ». ومثله : ما أخرجه أحمد من حديث عبد الله بن عباس ـ في ص333 من الجزء الاول ـ من مسنده : من أنّ سعد بن عبادة قال : إنّ ابن بكر أخا بني ساعدة توفيت أمّه وهو غائب عنها ، فقال : يا رسول الله ، إنّ أمي توفيت وأنا غائب عنها ، فهل ينفعها إن تصدقتُ بشيء عنها ؟ قال : « نعم » ، قال : فاني أشهدك أنّ حائط المخرف صدقة عليها. والاخبار في ذلك متضافرة ، ولا سيما من طريق العترة الطاهرة (1).
1 ـ وربما كان المنكر علينا فيما نفعله من المبرات عن الحسين ( عليه السلام ) ، لا يقنع بأقوال النبي ( صلى الله عليه وآله ) ولا بأفعاله ، وإنما تقنعه اقوال سلفه وأفعالهم ، وحينئذ نحتج عليه بما فعله الوليد بن عقبة بن أبي معيط الاموي ، إذ مات لبيد بن ربيعة العامري الشاعر ، فبعث الوليد إلى منزله عشرين جزوراً ، فنحرت عنه ، كما نصّ عليه ابن عبد البر في ترجمة لبيد من الاستيعاب « المؤلف ».
(42)
|