متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
الشجاعة
الكتاب : الأخلاق عند الإمام الصادق (ع)    |    القسم : مكتبة التربية و الأخلاق

الشجاعة

أبرز صفات الرجولة، واعز ملكاتها، وأكثرها أثراً في تهذيب الأخلاق، وتنظيم الأعمال، لأن تهذيب الملكات جهاد، والمحافظة على الملكات المهذبة جهاد آخر، والمجاهد مخذول إذا لم تناصره الشجاعة ولم يرافقه الصبر، وبالثبات تنجح المساعي وتبلغ المقاصد، وتتم الإعمال، والشجاعة بنفسها إحدى الملكات التي لا تحصل إلا بالمجاهدة، لأنها توازن في قوة الغضب، وكيف يتوازن الغضب من غير كفاح، وكيف ترد عاديته بغير جهاد، وإذن فلا بد للإنسان من قوة أخرى تضرب الغضب بالغضب وتمزج اللين بالقوة لتركب من المجموع مزيجاً معتدلاً يسمى بالشجاعة، وتلك القوة هي الحكمة، وجنديها المكافح هو قوة الإرادة.

(الغضب ممحقة لقلب الحكيم) بهذه الكلمة القصيرة يصف الإمام الصادق (ع) آثار الغضب ثم يقول بعدها: (من لم يملك غضبه لم يملك عقله)[11] الحكمة دليل الخير ورائد الإصلاح، وقلب الحكيم مصدر هذه الدلالة ومشرق ذلك النور ولكن ماذا يجدي هذا الدليل إذا هاج الغضب، وماذا ينفع هذا إِذا احتدم الغيظ.

قد يسترشد الأعمى فيرشد، وقد يستدل الحائر فيهتدي والغاضب لا يقبل الإرشاد ولا يسمع النصح، لأن الغضب جنون والمجنون لا يسمع نصح الناصحين، دليل هذه الدعوى ظاهر في عيني الغاضب، وعلى تجاعيد وجهه، واحتباس أنفاسه، وتزاحم الكلمات على شفتيه، ثم هو قد يعتذر بعد ذلك عن أعماله بأنه غاضب، إذن فهو يعترف على نفسه بالجنون (ومن لم يملك غضبه لم يملك عقله).

وتهذيب الغضب يكون قبل حصوله، وطريقه هو التفكير في أسباب الغضب والتأمل في عواقبه وما يجره على النفس وعلى الغير من أضرار وأخطار. وليس من الصلاح ان يتعرض المرشد للإنسان في ساعة غضبه، لأنه قد يضيف بإرشاده إلى الغضب غضباً ويجمع إلى النار حطباً، ولكن من الخير ان يتمهله في النتيجة، وان يصرفه عن الفكرة صرفاً تدريجياً، لأن الغضب ثورة في دم القلب هم كما يقولون وبالتماصل وصرف الفكر تسكن هذه الثورة ويخلد الإنسان إلى السكون، ويقول بعض علماء النفس (إذا غضبت فعد العشرة) وهو يشير إلى هذا المعنى لأن تعداد العشرة يستدعي فرصة ولو قصيرة ويسبب تغيراً في وجهة النظر لو قليلاً.

(الغضب مفتاح كل شر)[12] يزول الغضب عن الإنسان ببطء أو بسرعة، ويبقى في النفس ما تبقى النار في الهشيم، وإذا خلقت النار أثراً واحداً أو أثرين، فإن الغضب يبقي آثاراً كثيراً لا يضبطها حساب، فالحقد، وحب الانتقام والقسوة وسوء الخلق، والبغي، والعجب، والكبر، و...و... كل هذه من ثمرات التهور والإفراط في قوة الغضب.

ويقابله من جانب التفريط الجبن، وإذا كان التهور خروجاً عن حدود الإنسانية إلى حد الجنون، فإن الجبن ضعة في صفات الرجولة إلى حد السقوط.

يعيش الجبان في جو من الاضطراب ،ويخلق لنفسه مشاكل من الذعر. لأنه يفقد أعز شيئين يحتاج إليهما الإنسان، وهما: الثقة بالنفس، وقوة الإرادة، وعدوه الأول والأخير: الخوف والشعور بالنقص، ولو فكر قليلاً لعلم ان جميع ذلك من نسيج الوهم، وان الاحتياط الذي يتخذه لنفسه هو أشد ظلمة من الواقع الذي يحذر منه، لأن عاقبة هذا الخوف معلومة الخطر أما الواقع الذي يفر منه فهو خطر محتمل، ويحدثنا التاريخ ان كثيراً من الجبناء قتلهم الخوف من حيث أنهم يجتنبون مواضع الخوف.

وللجبن أثر سيئ على الصفات والأعمال، فهو يطبع الأخلاق بطابع الذعر، ويسم الإعمال بسمة التردد، وقد يكون من المستحيل على الجبان ان يتم عملاً واحداً صحيحاً حتى في هذه الأعمال التي يتحصن بها من الخوف من غير وجود سبب يوجب الخوف، والعجز عن احتمال ما يجب تحمله من الأمور، وضعة النفس وقصور الهمة، وفقدان الغيرة.

أما الشجاعة فهي أول فضيلة للقوة الغضبية، ولها مظهران: ثبات في مقام الدفاع. وإقدام في محل الجهاد.

والشجاعة لا تتميز بلون واحد، ولا تختص بسمة خاصة، فالغضب للحق شجاعة لأنه مما يأمر به العقل، والحلم عن الجهل الجاهل شجاعة لأنه مما يدعو إليه الرشد والثورة على الباطل شجاعة لأنها مما تقتضيها الحكمة، يتقدم الشجاع في موضع التقدم على الباطل شجاعة لإنها مما تقتضيها الحكمة، يتقدم الشجاع في موضع التقدم، ويتأخر في محل التأخر، وهو في كلتا الحالتين شجاع لأنه ثابت القلب أمام المخاطر، شجاع لأنه يدبر حركاته بالحكمة. ويقسمها المتأخرون من الخلقيين إلى شجاعة بدنية، وشجاعة أدبية.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net