متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
عزة النفس، وعلو الهمة
الكتاب : الأخلاق عند الإمام الصادق (ع)    |    القسم : مكتبة التربية و الأخلاق

عزة النفس، وعلو الهمة

معرفة الإنسان بقيمته تستدعي طويلاً من التأمل، كثيراً من التيقظ والانتباه، فقد يسرف به حب الذات فيعطي نفسه أكثر مما تستحق من القيمة، وقد يسف به الصغار فيظلمها أقبح الظلم، وعزة النفس تتطلب من الإنسان شيئين:

1ـ ان يحدد قيمة نفسه تحديداً صحيحاً

2ـ ان يحدد منازل من يتصل بهم من الأصدقاء، وقيمة ما يباشره من الأعمال، فيضع نفسه في موضعها الذي يليق بها بمن يناسبه من الأصدقاء ويباشر ما يليق بشأنه من الأعمال، والتعدي عن ذلك إذلال للنفس وتعريض بكرامتها إلى الانتقاص، وفي ذلك يقول الإمام الصادق (ع): (ان الله فوض إلى المؤمن أموره كلها ولم يفوض إليه ان يكون ذليلاً )[19] ويقول: " لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه " وسأله الراوي عن معنى إذلاله لنفسه فقال: " يدخل فيما يعتذر منه "[20] .

أما علو الهمة فهو استشراف الإنسان إلى المعالي، ونزوعه إلى الرفعة والسمو.

خلق الإنسان مجبولا على حب السعادة، والحصول على الكمال، ولكن الوصول إلى هذه الغاية دونه عقبات ومصائب، ولذلك فالذين يجتهدون في طلب الكمال قليلون، والذين يصلون إلى الغاية أقل هذا القليل، وعلو الهمة وحده هو الذي يسهل هذه العقبات، ويذلل هذه المصاعب.

أما قاصر الهمة فقد يقعد به العجز عن السعي وقد يرجع إلى الوراء من منتصف الطريق وفي ذلك يقول الإمام الصادق (ع) " ثلاثة يحجزن المرء عن طلب المعالي: قصر الهمة، وقلة الحيلة، وضعف الرأي "[21] .

كثيرون أولئك الذين يفهمون من عزة النفس معنى الكبرياء، ومن علو الهمة معنى العظمة الزائفة، وهي نظرة خاطئة ترسل من غير تدبر، عزة النفس ترفعها عن الدنايا والنقائص، وعلو الهمة هو طموح الإنسان إلى شريف الأعمال والأخلاق، وهما أساسان لرقي الفرد ورقي الأمة.

يقدم الإنسان غيره عند تساوي الحقوق فيسمى مؤثراً، ويتسامح في بعض شؤونه فيكون متواضعاً، ويتغاضى عن جهل الجاهل فيسمى حليماً وهو عزيز النفس عالي الهمة في جميع ذلك، من عزة النفس ان يؤثر في موضع الإيثار، ومن علو الهمة ان يحلم في موضع الحلم، وعلو الهمة أداة ينال بها الإنسان ما لا يناله بالثروة، ويدرك بها ما لا يدرك بالمناصب، المنصب عادية والثروة زائلة، وعلو الهمة ثروة نفسية باقية ما بقى الإنسان، وتظل أنظر إلى من هو فوقك في الكمال، وثق بنفسك قبل المسير، وإذا سرت فضع قدمك يتثبت وانقله بجزم فستجد اللذة عند أول قدم تضعها، وستفوز بعد قليل بالغاية، ستعترضك في الطريق أشباح وأوهام يسميها العامة من الناس مصاعب فلا تعرها التفاتا، ولا تلق لها بالا، فإن السلم لا بد له من المدارج. تقدم ولو خطوة فإنها تمهد سبيل الخطوة الثانية ولا تقف في مسيرك إلا حين يأمرك العقل بالأناة فإن الوقوف تضييع للفرصة وتبذير في الزمن، ولتكن العقبات بعد ذلك ما كانت، فإن العقبات لا تصد الحر عن قصيده، ولا تضعف من إرادته " ومن انتظر بمعالجة الفرصة مؤاجلة الاستقصاء سلبته الأيام فرصته لأن من شأن الأيام السلب وسبيل الزمن الفوت "[22] .


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net